تبدو هذه المقالة المكتوبة منذ قرن من الزمان وكأنها قادمة من عالم آخر، لأن ما يجرى في واقعنا الاجتماعي العربي ـ وعلينا أن نراه في مرايا ماضينا ـ يكرس القبح بدلا من دعوتها لمختلف تبديات الجمال.

معرض الحسان في الإسكندرية

لبيبة هاشم

أنشئت جمعية مختلطة في الإسكندرية في وائل هذه السنة للسمر بين الأسر وأحياء الحفلات الراقصة في قاعة أعياد الإسكندرية. وقد أعلنت هذه الجمعية بأنها ستفتح حفلات هذا الشتاء بمعرض للحسان تتسابق فيه الغيد الأوانس لإظهار ما أودع فيهنّ من أسرار الجمال وسيعين لجنة خاصة للحكم في من منهنّ ابرع جمالاً واحسن صورة فتحرز الجائزة.
ولا بدع فان الجمال أمر جدير بالاهتمام وقد شغل الفلاسفة القدماء والمأرخين وأوقع بينهم جدالاً طويلاً لمعرفة حقيقته وكنه أسراره ولذلك اختلفت آراءهم في وصفه وتعريفه. غير ان اختلافهم هذا لم يمنع قرارهم بتأثير الجمال وقوة سلطانه وجعل في المرتبة الأولى من بين سائر الصفات الحسنة.
وقد بلغ من منزلة الجمال عند الأقدمين إن أقاموا له آلهة وعبدوها ونحتوا له التماثيل ولا سيما الرومان واليونان. وكان العرب مولعين بحب الجمال فجعلوا له المنزلة الأولى في كلامهم وبلغ بهم الأمر إلى حد انهم إذا أرادوا مدح مليك أو عظيم تمثلوا في أذهانهم صوراً للجمال وتغزلوا بها تمهيداً لمديحهم وأساساً لكلامهم.
وغير منكر أن للجمال الظاهري تأثير على النفس وهو لازم لحسن الانتخاب الذي هو اصل السبب في ترقي النوع إلا انه مع ذلك ليس من العدل أن يوجه كل الاهتمام إلى جمال الخَلق دون جمال الخُلق إذ أن هذا يشتمل على محاسن الصفات وعمل الخير وحسن العشرة واستقامة السيرة خصوصاً وان الجمال الظاهري قد أتقنت النساء درسه وأدركن منزلته من قلب الرجل فاصبح من طبعهن الاهتمام بتحسينه والزيادة منه. حتى إنهن اشتغلن به عما هو اكثر ضرورة من الواجبات الأخرى فصار من الواجب يألفن حب الجمال الخُلقي الذي هو لسوء الطالع اقل حظاً من اهتمام الناس ولا سيما الرجال مع أن له بالحقيقة المنزلة الأولى سواء بنتائج تأثيره ووفرة فوائده أو بما يكون للسيدة من الفضل باكتسابه بعكس الجمال الظاهري الذي هو عبارة عن عرض ظاهر طبيعي بالسيدة لا يد لها فيه ولا فضل.
وفضلاً عن ذلك فقد ظهرت أخيراً نتائج اهتمام السيدات بإبداء محاسنهنّ وإظهار جمالهنّ وكفى دليل ما يبذلنهنّ في هذا السبيل من النفقات الجمة التي تعود على الأزواج بالفاقة والشقاء أو ليس في كل ذلك عبرة للرجل وأمثولة يتعلمون منها وجوب العدول عن الاهتمام بالجمال الظاهري المحفوف بالأخطار والأتعاب إلى جمال الصفات المقرون بالسعادة والارتقاء فمتى نرى المعارض تنشأ لهذا الجمال الحقيقي والجوائز تعين للرابحات بل متى نرى الرجل مساوٍ للمرأة في حسن الاختيار والتفاخر بجمال الصفات.

" فتاة الشرق" مجلد السنة الخامسة 1908