في دورته الجديدة، لازال مهرجان القاهرة السينمائي يراكم العديد من الهفوات التنظيمية والتي يتطرق إليها الناقد والإعلامي المصري في هذا التقرير، والذي يتقاطع مع العديد من الكتابات التي عبرت عن تذمرها من التراجع والخفوت الذي بدأ يشهده هذا المهرجان السينمائي العريق في العالم العربي والذي استطاع هذه السنة أن يطفئ شمعته ال36..

مهرجان القاهرة السينمائي والإصرار على الفشل

محـمود عبد الرحيم

1ـ تقديم: فعاليات المهرجان

اختتمت بأهرامات الجيزة الدورة 36 لمهرجان القاهرة السينمائي، وتوج الفيلم الإيراني «ميلبورن»، بجائزة أحسن فيلم لقيمة هذا العمل المتميز والذي أشاد به جل النقاد الحاضرون في مهرجان القاهرة السينمائي، كما فاز النجم خالد أبو النجا بجائزة أحسن ممثل عن دوره في الفيلم الفلسطيني «عيون الحرامية» (خالد أبو النجا قدم ثلاثة أعمال فنية في مهرجان القاهرة السينمائي: عيون الحرامية وديكور ومن ألف إلى باء كما يشارك قريبا بفيلم «قدرات غير عادية» للمخرج داوود عبد السيد في دبي السينمائي) أمّا الهرم الفضى لأفضل ممثلة فنالته الفرنسية أديل هينيل عن فيلم «الحب من أول صراع» فيما توج بجائزة أحسن إسهام فني بالمسابقة الدولية مدير التصوير زكى عارف عن فيلم «باب الوداع» للمصري وذهبت جوائز مسابقة آفاق السينما العربية - والتي تضم المنتج نجيب عياد وتترأسها ليلى علوي - إلى أكثر الأعمال إشادة من النقاد والجمهور حيث حصد «ذيب» الأردني جائزة لجنة التحكيم الخاصة، وفاز المخرج كمال كمال بجائزة سعد الدين وهبة لأفضل إسهام فني عن فيلم «الصوت الخفي» من المغرب أمّا جائزة صلاح أبو سيف لأفضل فيلم عربى فكانت من نصيب"يوميات شهر زاد" اللبناني. جائزة لجنة «الفيبرسى» لفيلم حصدها شريط « دولارات من الرمال» من الدومنيكان وذهبت جائزة الهرم الفضي لأحسن سيناريو لفيلم التحريك البرازيلي «الصبي والعالم» وفازت مخرجة الفيلم اليوناني «إلى الأبد» مارجريتا ماندا بجائزة الهرم الفضي لأحسن مخرج.

حفل مهرجان القاهرة الملئ بالارتباك ورداءة الصوت والأخطاء في النطق والتقديم وإدارة المسرح وحتي في النواحي البروتوكولية وأيضا مستوى ضيوفه وأعضاء لجان تحكيمه، يدل على محتواه القائم على منطق الكم وليس الكيف في الفعاليات وعلى لعبة "التسويق" حتى لو لسلعة رديئة، وعلي جهد اعتيادي أثبت عدم نجاعته لمن يقومون على المهرجان والذين هم مشغولون أكثر بالبيزنس و"السبوبة" والتربيطات والاحتواء للمزعجين، ونفس الوجوه القديمة الفاشلة.

فمن أين لفشلة بيروقراطيين يفكرون بعقلية الموظفين، وسماسرة في النقد والوسط السينمائي بشكل عام ان يديروا مهرجانا ناجحا، وهم يلهثون وراء مكاسب خاصة، بصرف النظر عن القيمة الفنية والبعد الثقافي اللذين في الأساس تنهض عليهما فكرة المهرجان؟!

والأنكى من ذلك ان رئيسه واحد ممن تورطوا في التطبيع السينمائي، بعد صداقته لرائد التطبيع الزراعي في مصر، ومن المتحولين فكريا من يساري يؤمن بقيمة الفن في خدمة المجتمع ودوره التنويري وإتاحته للجمهور، إلى ليبرالي يتعامل مع السينما والنقد كسلعة تتاح لمن يدفع أكثر ويسعى لاحتكار هذه المهنة وقصرها على المنتفعين الذين يكتشفهم ويربيهم جيلا وراء جيل، ويفتح لهم نوافذ ومكاسب لتدجينهم وصنع "صبيان" ل"رئيس طائفة النقاد" بحكم صلاته المتشعبة بالسلطة وشركات الانتاج وإدارات المهرجانات، خاصة العربية التى يعمل مستشارا لها.

وبعد ان كان المهرجان أيام سعد الدين وهبه مفتوحا بشكل واسع، وبدرجة أقل في عهد من جاءوا بعده، يريد ان يدفع حتى طلبة الاكاديميات الفنية، وحتى اعضاء الجمعيات المعنية بالسينما، نصف تذكرة بعد ان كان متاحا لهم بالمجان.

لأن المسألة عنده بيع وشراء وبدلات لمن يسوق المهرجان ولا حاجة لجمهور، أو نقاد حقيقيين، أو اشعاع فني وتعويد الناس على التذوق والتعرف علي سينمات وثقافات جديدة وآفاق فكرية وجمالية واسعة، دون عبء مادي، طالما يرضي أصحاب السبوبة "الحكومة" ويسخره لدعاية سياسية وشعارات مثل"محاربة الإرهاب التى تتكرر في غير مناسبة على لسان رؤساء لجان تحكيم وفنانين قريبين للنظام في حفل الافتتاح السئ شكلا ومضمونا، وطالما يسيطر على من يكتبون ليمتدحوا "نجاحا متوهما" ويغضوا الطرف على الفشل والفساد المحيط بمهرجان القاهرة والذي تغيب رؤية تغييره أو حتى الرغبة في اصلاحه ليستعيد بريقه ورسالته، ولا يواصل مساره المنحدر الفاشل الذي جعل الجميع ينصرف عنه في الداخل والخارج، فيما عدا أصحاب المصالح، بل ودفع كذلك رئيسه الأسبق شريف الشوباشي أن يستقيل احتجاجا على عدم مساعدته في إنجاح هذا المهرجان، ومحاصرته بالبيروقراطية وشخصيات لا تعرف قواعد العمل المؤسسي المنضبط، ولا تبالي بالمتعارف عليه في كل مهرجانات العالم، بالإضافة كذلك إلى إثارة قضية قبل فترة ليست بالبعيدة وصلت للنيابة العامة حول دفع بدلات لبعض الصحفيين من قبل مسئولة بالمهرجان، لتجنيدهم للدفاع عن المهرجان والرد على انتقاده من أجل تجميله وتسويقه على غير الحقيقة.

كل هذا الفكر العقيم والادارة غير الرشيدة، والسير من فشل لفشل، بينما المهرجانات الأحدث عربيا باتت تسرق منه الأضواء وسمعتها أفضل بكثير من هذا المهرجان القاهري الذي كان دوليا وعريقا بحق، وليست مهمة احتفالية لالتقاط الصور وتسجيل نشاط والسلام، وتمرير مناسبة سنوية بأية صورة لأنه لو توقفت أكثر من ذلك لجرى شطب صفة "الدولية" من مهرجان القاهرة.

وفي الأخير، تُصرف ملايين الجنيهات من أموال الشعب بلا طائل، ودون أثر ثقافي أو فني أو استهداف للجماهير بهذا العرس الذي كان، وتحول إلى شئ كئيب باهت لا يليق بمصر "هوليود الشرق" وعاصمة الفن والفنانين.

 

كاتب صحفي وناقد سينمائي مصري