رسالة الرياض

عبدالله الغذامي يهاجم الرواية السعودية الجديدة فيصفه الروائيون بـ"السطحي" والباحث عن "الجماهيرية"

بلقيس أحمد

الرياض (الكلمة)
ما الذي يجعل آراء الناقد السعودي عبدالله الغذامي مثيرة دائماً للجدل؟ آراء تطاول كتاباً ونقاداً وروائيين، ظواهر اجتماعية وثقافية ومؤسسات أدبية. وحده صاحب كتاب "النقد الثقافي" يجد دائماً القدرة على قول شيء جديد، ليس جديداً تماماً، لكنه بذكاء و"خبث" يجعله جديداً. وإزاء الآراء و"الرؤى" إذا جاز التعبير، التي يتبناها الغذامي، ويجد لها المنابر الخاصة، لقولها، يتساءل المتابع، لماذا لا يثير الآخرون، نقاداً وأدباء، ما يثيره هذا الرجل، مع أنهم يخوضون المواضيع نفسها، ويقولون الآراء ذاتها؟
لعل السبب يكمن في رأي البعض، هو أن مؤلف كتاب "المرأة واللغة" معروف عنه الإخلاص لحرفة الكتابة، لا تهمه سهرات المثقفين ولا نميمتهم، لا قدحهم في المؤسسات الثقافية ولا تهافتهم على منصب فيها، هو يشبه راهباً قطع حياته للتعبد.
لذلك لعله الوحيد الذي تتصل في أي وقت على هاتف منزله وتجده، لن تحتاج إلى معرفة رقم هاتفه (السيار)، لأنه موجود للكتابة وشؤونها، عدا أن يكون مسافراً للمشاركة في ندوة أو مؤتمر ثقافي، خارج بلده. عرف عن الغذامي اشتغاله الدؤوب على تأليف الكتب، وطرح تجارب ومشاريع، وليس تجميع لمقالات في الصحف، في حين غالبية "النقاد" في السعودية، لا توجد لديهم مشاريع، ولا يشاع عنهم اهتمام بموضوع بعينه، يكتبون أي شي وحول أي موضوع، كتابة لا يمكن أن تجد فيها جدية، ولا متعة في العبارة، فضلاً عن غياب خطة أو منهج لها.
أطلق الناقد عبدالله الغذامي أخيراً جملة من الآراء طاولت كتاب الرواية في السعودية، هؤلاء الكتاب، الذين أصبحوا نجوماً، أو ظنوا أنفسهم كذلك، بفضل الآلة الإعلامية، التي يهمها التقاط الظاهرة من دون تمحيصها أو التدقيق في عناصرها.
فاجأ صاحب كتاب "الخطيئة والتفكير" الساحة الثقافية بفضحه لهشاشة عدد من الروائيين المكرسين، وبعضهم تجري ويجري ترجمته إلى لغات عدة. ففي الحوار الذي نشرته مجلة "الإعلام والاتصال" في عددها الأخير، وفي حوار آخر نشر في أحد المواقع الثقافية على شبكة النت، عبر الغذامي عن رأيه في الرواية السعودية التي تكتب الآن، وهو رأي ما كان له أن يمضي هكذا من دون ردود فعل غاضبة، إنما أثار نقعاً كثيراً، وهيأ مناسبة لإعادة النقاش حول منطلقات ما يكتبه الأدباء السعوديون اليوم من كتابات تحت مسمى الرواية.
حمّل الغذامي في بداية الحوار رواية "شقة الحرية" للدكتور غازي القصيبي مسؤولية الموجة الروائية الحالية في السعودية، لأن القصيبي ينتمي إلى المؤسسة الرسمية، وهو ما شجع، بحسب الغذامي، الآخرين "لعبور الجسر بين ضفتي الصمت والبوح".
واعتبر رواية "بنات الرياض" لرجاء الصانع، التي حظيت وما تزال تحظى باهتمام إعلامي وأدبي كبير، انتقل الآن إلى الصحافة الأوروبية بعد أن ترجمت إلى اللغتين الألمانية والإنكليزية، "السبب في خلق انحراف كامل عن خط الرواية"، معللاً ذلك بأنها أتت من خارج المشهد. ووصف الشاعر علي الدميني صاحب رواية "الغيمة الرصاصية"، بأنه لم يتحرر بشكل كاف من الشعر. وأشار إلى أن الكتابة العفوية مفقودة لدى الجميع. وانتقد بشدة كلاً من الروائي الكبير الراحل عبدالرحمن منيف ومحمود تراوري في هذا السياق، إذ ذكر أن الأيديولوجية في "مدن الملح" لمنيف أضعفت الجانب الفني، واصفاً "الخماسية" بالسطحية، وبأنها مجرد "بيان حزبي". ووصف رواية "ميمونة" لتراوري بأنها اجتهادات بسيطة.
وفي ما يخص الروائي عبده خال، الذي يعد أبرز الروائيين السعوديين وأكثرهم صدقاً في التعبير عن قضايا المجتمع السعودي، بخاصة تلك المسكوت عنها، فيرى الغذامي أنه "لم يكتب بعد روايته، وسيكتبها لو تخلص من اللغة الشعرية التي تسيطر عليه ومحاولته قول كل شيء". وذكر أن الصناعة الفنية لدى الروائي الشاب يوسف المحيميد أعلى من حرفيته الكتابية، وقال إن في رواياته "اعتساف للذات، اعتساف للنص". وذكر أن الروائي محمد حسن علوان استنفد لغته في رواية "سقف الكفاية"، وهو ما جعله يفشل في رواية "صوفيا"، ونفى بشدة مزاعم بعض النقاد حول تأثر علوان بأحلام مستغانمي.
وتطرق الغذامي إلى الرواية النسوية، فقال عن رواية "جاهلية" لليلى الجهني، أن النص "سمي رواية ظلماً"، وأن كانت صيغت "على شكل مقالة"، كما وصف الغذامي رواية "الآخرون" للروائية صبا الحرز (يعتقد أنه اسم مستعار) بأنها ليست رواية مجتمع، بل هي تعبير عن حال خاصة، منتقداً إياها بعدم تطور السرد ونموه. وقال: "نحن هنا لسنا أمام فن روائي، نحن أمام قصة قصيرة مكثفة في لحظة من اللحظات". وحول تباين الآراء حول رجاء عالم ورجاء الصانع، قال إن الأولى تكتب للنخبة والطبقة الأرستقراطية والثانية للعامة، وقال إن رواية الصانع "فرضت نفسها". وفي الحوار لفت الغذامي إلى أنه "آن الأوان لظهور رواية شعبية تكون بمثابة روايات للتسلية وتزجية الوقت".
هذا الآراء، كما قلنا سابقاً، لم تمر سريعاً، ودفعت كُتاباً ونقاداً وروائيين للرد، فاعتبرها البعض "مجانية ومهزوزة وغير متماسكة وتفتقد الموضوعية وتنم عن تسرع وعدم تعمق في الأعمال الروائية السعودية، ومن دون دراية بمقدرات الكتاب والروائيين الذين تحدث عنهم. وكان اللافت أن التوصيفات التي أطلقها على الروائيون". ورأى بعض الكتاب أن الغذامي يروّج لنفسه من خلال هذه الآراء. وتساءل أحد الكتاب: "كيف لأستاذ جامعي يقدر البحث العلمي وعلم الإحصاء ويحترمه، أن يحكم على رجاء الصانع ودور النت بالترويج لها من دون قراءة علمية، ويقع في مزلق التقدير الشخصي لرواد النت".
في ما قال الكاتب خالد الرشودي: "أعتقد انه لم يتبق لنا من الغذامي سوى كونه حكواتي لقاءات، ومادة لدعم الصحافيين". ويضيف: "إن الغذامي بدأ يتخبط في الآونة الأخيرة ولجأ إلى أسلوب مصادمة الرموز للفت النظر إليه، بعد أن تورط بمشروعه النقدي البنيوي وفقد بريق المثاقفة حول هذا المشروع". وقلل الروائي عواض العصيمي من أهمية آراء الغذامي: "شخصياً لا أظنه سيقدم شيئاً مهماً للرواية المحلية الجيدة، لكن ربما يلقي عليها الضوء من خلال كلامه عنها سلباً أو إيجاباً، ومن هذه النافذة قد تعرف أكثر". ويقول حسين المناصرة، أحد النقاد المقيمين في السعودية: "مع احترامي وتقديري لآراء الغذامي التي أثارها أخيراً في الحوار معه عن الرواية السعودية وإشكالياتها وكتابها ... إلا أنني لا بدّ من أن أسجل ـ بقدر اتفاقي الحميم مع بعض رؤاه ـ اختلافاً واضحاً تجاه بعض الأحكام المعيارية التي أحال من خلالها الرواية أو بعض كُتابها إلى تصنيفات نقدية معيارية، قد تشعرنا بأننا ربما نتجنى على بعض الروائيين وبعض رواياتهم ... فما يعده شاعرياً يمكن أن يكون عبئاً على السرد. وما يتصوره بصفته مقالياً أو مألوفاً يمكن أن يكون ظاهرة سردية إيجابية، وما يمكن أن يعد لجماً للنص يمكن أن يكون صادماً وإيحائياً. وما يمكن أن يكون مثيراً جريئاً يمكن أن يعد ابتذالاً في الكتابة السردية، وما يمكن أن يعد بياناً حزبياً ربما يكون أكثر جمالية مما نتوقع".
ويعتقد الروائي صلاح القرشي أن الغذامي "موهوم بمسألة الجماهيرية، بعيداً من رواية "بنات الرياض" وجودتها من عدمها إلا أن مسألة الجماهيرية قد تكون لحظية، فهو يرى معيارية الجودة من حيث الإقبال الجماهيري، وهذا خطأ". وأضاف: "لا أريد أن أقول إن الغذامي لم يقرأ، ولا أريد أن أدخل في دائرة التخمين أو التنجيم التي استخدمها، وأزعم أنه لم يقرأ ما تحدث عنه من الروايات، بل تصفحها فقط، لهذا أريد التركيز على معياره الجماهيري، فالمعيار الجماهيري غير حقيقي، أو لا يمكن التعويل عليه بمفرده، لأن الجماهيرية قد تكون لحظية والنجاح الحقيقي قد يكون في مسألة البقاء والاستمرار، فأعتقد أنه لا يليق بناقد كبير كالغذامي أن يندفع خلف الجماهير، ويكون جزءاً من جماهيرية آنية، لأنه إذا اطّرد في ذلك وتتبع مجرد الجماهيرية، فعليه أن يهتم بالشعر الشعبي، وبنقد الظواهر الأكثر جماهيرية في المجتمع كالسحر وقنوات الزواج ومزاين الإبل وغيرها، لأن هذه الظواهر التي يمكن نقدها نقداً ثقافياً وجماهيرياً، تعد أكثر جماهيرية من أكثر رواية وزّعتْ، وأنا أعتقد أن دور الناقد الحقيقي هو الإسهام في تكوين ذوق أدبي رفيع، لا أن ينزل بذوقه الأدبي إلى مستوى يصبح فيه مثل جمهور الترسو".
وتحدث الروائي عبدالحليم البراك عما سمّاه بـ (الغذامي الظاهرة) "وليس الشخصية النقدية الشهيرة على مستوى المشهد النقدي السعودي والتي نقدرها كثيراً، وتبدأ أولى عمليات الظاهرة تلك في كسر المألوف، وحين يطول الأمر ما يُحسب على أنه خلاف قوي، أي أن النسبية فيه متقاربة كروائية رجاء عالم، أو استحقاق "بنات الرياض" أن تكون عملاً روائياً فإن الأمر يبدو مقبولاً إلى حد ما". وأخيراً، آراء الناقد عبدالله الغذامي لم تطاول فقط الرواية السعودية، بل تجاوزتها إلى الرواية العربية والعالمية، فاعتبر أن "اسم الوردة" لأمبرتو إيكو"رواية تاريخية"، ووصف الروائي المصري نجيب محفوظ والسوداني الطيب صالح بأنهما كاتبان عفويّان.