على أبواب عام جديد يضاف إلى الأعوام الكثيرة التي عانت منها غزة تحت الحصار الإجرامي من دولة الاستيطان الصهيوني في فلسطين، يقدم هذا التقرير صورة للوضع المؤلم فيه من ناحية، ولانتهاكات القانون الدولي والضمير الإنساني التي ترتكبها دولة الاستيطان الصهيوني المجرمة وسط صمت عربي مهين.

على أبواب عام جديد

غزة ما زالت تحت الحصار وتنتظر الإعمار

مقدمة
قطاع غزة أرض فلسطينية لا تتجاوز مساحته ال 365 كلم2 وتربطه حدود مع مصر بطول 14 كلم ومع إسرائيل بطول 51 كلم، وتسيطر إسرائيل على هذه الحدود وعلى شاطئ البحر الذي يبلغ طوله 45 كلم، ويقدر عدد سكان القطاع بنحو مليون وثمانمئة ألف فلسطيني معظمهم من اللاجئين الفلسطينيين الذين لجئوا خلال الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

يتعرض قطاع غزة لحصار بري وبحري وجوي، يعني ذلك منع السفن والطائرات من الاقتراب من شواطىء غزة وأجوائها، أو استخدام موانئها ومطارها. والحصار يعني عزل قطاع غزة عزلاً مادياً عن العالم الخارجي، وذلك بإغلاق المعابر لعزله عن التواصل مع العالم الخارجي من خلال مصر وإسرائيل. بالإضافة إلى بناء سياجاً إلكترونياً حول الحدود البرية لقطاع غزة مع دولة الإحتلال.

تجلى الحصار بوضوح في ثلاث صور، كان أولها عند إعادة الانتشار في قطاع غزة، والثانية بعد فوز حركة حماس في الإنتخبات في عام 2006، اشتدّت حدّت الحصار في الصورة الثالثة عند أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، مع أنه تم تحريره خلال صفقة مع المقاومة الفلسطينية إلاّ أنه أخذ طابعاً تصاعدياً. فقد تعرض قطاع غزة إلى ثلاث جولات من الحروب الدامية التي ذهب ضحيتها مئات المدنين من الأطفال والنساء والشيوخ آخرها حرب تموز 2014، حيث قتل أكثر من 2000 إنسان معظمهم من المدنين والأطفال والنساء.

لم يكد قطاع غزة يلملم جراحه من العدوان في عام 2008-2009 حتى جاء العدوان التالي في عام 2012، ثم تلاه العدوان الأخير على القطاع في عام 2014 الذي دمّر ثلث القطاع وشرّد آلاف العائلات وأباد عائلات ودمر أحياء بأكملها، أضف الى ذلك الحصار المطبق الذي تفرضه إسرائيل على القطاع بحيث تمنع عملية الإعمار.

وقد رصدت صحيفة الاندبندنت معاناة أهل قطاع غزة وذكرت "أن نحو 800 أسرة يتخذ أفرادها من أحد المدارس ملجأ لهم، مع عدم توفر الخدمات الأساسية والطبية، فى حين يعانى الكثير منهم الإصابات. وعلى الرغم من الجهود الدولية التى بذلت، يبدو أن القليل قد تم حتى بعد مرور أربعة أشهر على انتهاء الحرب، حيث لا تزال البيوت مهدمة، وما زالت أسر كاملة تعيش فى الخلاء، حيث يقدر عدد المتضررين من الحرب بنحو 50 ألف شخص. وقالت الصحيفة: إن اتفاقيات الإعمار التى قامت بالتنسيق بين فلسطين وإسرائيل والأمم المتحدة، تصطدم بالشروط "القاسية" التى وضعتها إسرائيل، بهدف كبح وعرقلة حماس، للتأكد من عدم استخدام الأخيرة المساعدات لأهداف عسكرية، حيث يجب أن يتم كل مشروع من مشاريع الإعمار تحت نظر إسرائيل وموافقتها" .

الآثار الإنسانية المترتبة على حصار قطاع غزة
"ترك الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة آثاراً إنسانية سيئة للغاية، وعلى كافة الصعد، الصحية والزراعية، والصناعية والتجارية والسياسية وقطاع الإنشاءات والبطالة والفقر. والتقارير الدولية وتقارير منظمات حقوق الإنسان زاخرة بالتفاصيل المؤلمة. وتمارس دولة الاحتلال عملية خنق وقتل بطيء لنحو مليون ونصف مليون فلسطيني. إن دولة الاحتلال تضرب بعرض الحائط كافة الالتزامات القانونية الدولية تجاه السكان باعتباره قوة احتلال، وتمارس عمليات الإرهاب والتجويع، بهدف إذلال قطاع غزة وتركيعه ومحاولة فرض شروطه السياسية على القوى الوطنية فيه. إن جوهر معاناة قطاع غزة نابعة من الاحتلال الإسرائيلي نفسه" .

إن مفهوم التجويع لا يقتصر على معناه الضيق، أي حرمان السكان الغذاء، بل يشمل أيضاً المعنى الواسع الذي يتضمن حرمان السكان أو عدم تزويدهم بالحاجات الضرورية للعيش.

وبحسب تقرير لمنظمة  amnestyذكر "أن البطالة الجماعية والفقر المدقع وارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب نقصها أدى إلى اعتماد أربعة من كل خمسة غزيين على المساعدات الإنسانية. إن الحصار الإسرائيلي المضروب على غزة، باعتباره يمثل شكلاً من أشكال العقاب الجماعي، يعدُّ انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي. وأشار التقرير الى الآثار الانسانية المترتبة على الحصار منها الجانب الصحي، والاقتصادي، والمعيشي.

على صعيد الصحة: لقد عانى القطاع الصحي في غزة من نقص المعدات والمواد الطبية أثناء الحصار. وعقب إغلاق إسرائيل للمعابر، صار يتعين على الأشخاص المصابين بأمراض لا يمكن معالجتها في غزة أن يقدموا طلبات للحصول على تصاريح مغادرة القطاع لتلقي العلاج، إما في مستشفيات أجنبية أو في مستشفيات الضفة الغربية. وكثيراً ما تعمل السلطات الإسرائيلية على تأخير أو رفض منح هذه التصاريح. وقد توفي بعض الغزيين بينما كانوا بانتظار الحصول على تصاريح مغادرة القطاع لتلقي العلاج في أماكن أخرى. وكثيراً ما أقدم موظفو الحدود الإسرائيليون على إعادة الشاحنات المحملة بالمواد الطبية الذاهبة إلى مستشفيات غزة من حيث أتت، من دون إبداء أي تفسير لذلك.

على الصعيد الإقتصادي: إن الحصار، بدلاً من استهداف الجماعات المسلحة، إنما يضرب أكثر الفئات ضعفاً واحتياجاً، من قبيل الأطفال (الذين يشكلون أكثر من نصف مجموع السكان في غزة) والمسنين والمرضى وهذا العدد الكبير من اللاجئين في القطاع. ووفقاً لمصادر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، فقد تضاعف عدد اللاجئين الذين يعيشون تحت نير الفقر المدقع في قطاع غزة ثلاث مرات منذ بدء الحصار. ولا تملك هذه العائلات الوسائل التي تساعدها على شراء الاحتياجات الأساسية الأشد إلحاحاً، ومنها الصابون واللوازم المدرسية والمياه الصالحة للشرب. وتقول مصادر الأمم المتحدة إن أكثر من 60 % من الأسر تفتقر إلى "الأمن الغذائي".

على الصعيد المعيشي: يحظر الحصار معظم الصادرات ويقيد إدخال السلع الأساسية، بما فيها المواد الغذائية والوقود. أما المواد الغذائية المتوفرة فإن معظمها يأتي من الأمم المتحدة وغيرها من وكالات الإغاثة، أو يتم تهريبها عبر الأنفاق التي تمر تحت الحدود بين مصر وغزة، ثم بيعها بأسعار باهظة إلى سكان غزة المحاصرين" . "أما من الجانب المصري فإن معبر رفح والذي يُعد المنفذ الوحيد لأهالي قطاع غزة إلى العالم الخارجي، خصوصاً بعد هدم دولة الاحتلال لمطار غزة الدولي، أصبح مغلقاً أغلب أيام السنة لتبقى الوسيلة الوحيدة لدخول البضائع والمعدات الرئيسية للقطاع هي الأنفاق التي تربط بينها وبين الجانب المصري. لكن وبعد وصول السيسي إلى سدة الحكم في مصر في يوليو عام 2013، قام الجيش المصري بعمليات شرسة في سيناء من أجل هدم أكبر عدد ممكن من الأنفاق وقد نجح في ذلك، مما أدى إلى تضييق الخناق أكثر على أهالي غزة الذي يفترش الآلاف منهم الأرض ويلتحفون السماء بعد أن هُدّمت بيوتهم في الحرب الأخيرة".

القانون الدولي يحرم الحصار ويعده جريمة حرب:
إن الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة يُعَدّ نوعاً من أنواع العقاب الجماعي المرفوض وفق قواعد القانون الدولي الإنساني، وخصوصاً المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة، بغض النظر عن تبريره من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي أو أي دولة أخرى.

حظرت الفقرة الثانية من المادة 54 من البروتوكول الأول الإضافي لعام 1977 مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري، وهذا يعني أنه إذا كانت هذه الأعيان تستخدم فقط لفائدة السكان المدنيين، فمهاجمتها محرمة تحريماً قاطعاً.

لقد حرّم القانون الدولي الحصار بصورة مطلقة وبمختلف أنواعه، سواء كان سلمياً أم حربياً، سواء كان بحرياً أو برياً.

وعلى الرغم من أن المادة 51 من ميثاق الأمم أجازت لكل دولة حق اللجوء إلى "الدفاع عن النفس"، حينما يتعرض إقليمها لهجوم خارجي، إلا أنه يوجد اليوم شبه إجماع بين فقهاء القانون الدولي، على أن الحصار ليس من طرق الدفاع عن النفس المنصوص عليها في المادة51  .

إن حالات الحصار التي تفرضها الدول ذاتها من غير تفويض من مجلس الأمن، تُعد مخالفة للميثاق. وتبعاً لذلك، فإن الحصار بحسب ميثاق الأمم المتحدة ينقسم إلى قسمين:

-      الأول حصار أممي بموجب قرار من مجلس الأمن، تماشياً مع المادة 42 من الميثاق.

-      الثاني حصار فردي، تفرضه دولة أو مجموعة دول من غير تفويض من مجلس الأمن. وهذا الأخير يُعَدّ انتهاكاً للقانون الدولي.

إن إسرائيل هي دولة احتلال بموجب أحكام القانون الدولي الإنساني. وبعرض بعض مواد اتفاقية جنيف الرابعة  لسنة 1949 الناظمة لسلوك الاحتلال، نجد نصوصاً كثيرة تحث دولة الاحتلال على تزويد السكان بالحاجات الإنسانية التي يحتاجونها، حيث تتلخص كلها بأنّ من واجب دولة الاحتلال أن تعمل بأقصى ما تسمح به وسائلها على تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية، ومن واجبها على الأخص أن تستورد ما يلزم من الأغذية والمهمات الطبية وغيرها، إذا كانت موارد الأراضي المحتلة غير كافية. كذلك من واجب دولة الاحتلال تسهيل حرية مرور جميع رسالات الأدوية والمهمات الطبية ورسالات الأغذية الضرورية والملابس.

ويصنف السلوك الإسرائيلي في حصاره لقطاع غزة على أنه جريمة حرب. ويقصد بجرائم الحرب، وفقاً لما جاء في نص المادة الثامنة من النظام الأساسي لروما، تلك الانتهاكات الجسيمة التي إذا ارتكبت عن عمد، سببت وفاة أو أذى بالغاً بالجسد أو بالصحة.

وإزاء ما سبق فإننا في المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)، نود التأكيد على ما يلي:

1.     على الدول الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف بموجب المادة الأولى المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربعة، التي تنص على "تعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال."

2.     دعوة المجتمع الدولي وفوراً إلى إيقاف الجرائم اﻻسرائيلية المستمرة على القطاع، لأن دعوات الحرية والكرامة الإنسانية والعيش بأمان يجب أن تلقى أثرها في قطاع غزة.

3.     رفع دعاوى قضائية في المحاكم الدولية تجرم إسرائيل بارتكاب جريمة العقاب الجماعي لأهالي القطاع وتطالب باصدار قرار بانهاء الحصار.

4.     الترحيب بالإعلان عن النية بتسيير أسطول الحرية 3 تحت شعار افتحوا ميناء غزة كحق انساني تضمنه مواثيق الأمم المتحدة.

5.     دعوة الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي للعمل على رفع الحصار عن قطاع غزة، لأنه يشكل خرقاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

6.     تفعيل نتائج مؤتمر القاهرة لإعادة إعمار غزة الذي عقد في تشرين الأول عام 2014.

7.     الدعوة لتفعيل المطالبات والتحركات الشعبية والتضامنية لإنهاء الحصار الظالم عن القطاع في المنطقة العربية والإسلامية والدولية، للضغط ولتحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن استمرار معاناة أكثر من مليون ونصف إنسان في القطاع.

8.     دعوة السلطة الفلسطينية للذهاب إلى الأمم المتحدة لطلب استصدار قرار بإلزام إسرائيل بإنهاء حصار القطاع، ودعوتها أيضاً للانضمام لمحكمة الجنايات الدولية كسبيل لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين.

9.     النداء لجعل عام 2015 عام إعادة إعمار غزة وفك الحصار، من خلال حث النشطاء الدوليين لتسيير القوافل البرية والبحرية والجوية المطالبة بإنهاء الحصار والسماح للقطاع أن يتمتع بحياة طبيعية بدون معوقات.

 

المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)