تصور القاصة المغربية في نصها القصير مقطعا من حياة يومية امرأة بطريقها إلى العمل ضجرة من الانتظار ومتضايقة من الراكبة السمينة الجالسة جوارها تسرح تفكر في المحيط وبديك في المحطة تبحر في خيالاتها في تأمله.

ديك أبيض بمحطة سيدي معروف

ليلى بارع

أخذت مكاني إلى جانب الآخرين، في انتظار اكتمال النصاب العددي، ستة راكبين، لكن الجو الحار بالخارج، وموعد صلاة الجمعة، جعل هذا الانتظار يطول، بالمحطة التي تقع في ساحة كبيرة وسط المدينة، اقتسمت المقعد الأمامي مع فتاة افريقية، بدت غير مرتاحة لتواجدي بالقرب منها، أفهمها تماما، فأنا بدوري لم تعجبني سيطرتها على ثلثي المقعد ودفعي بمؤخرتها نحو مقعد السائق. لم تتوقف عن الكلام في الهاتف بصوت عال، ولم أتوقف عن رمقها بغضب، ثم أمام إصرارها على احتلال المقعد، تصنعت اللامبالاة في انتظار انطلاق هذه الرحلة. في الخلف، ركبت سيدة مسنة، وكنا بحاجة إلى ثلاثة ركاب آخرين، انزوى السائق بعيدا عنا، تحت ظل شجرة قديمة مثل محارب حزين. حاولت طرد الملل بمراقبة المكان، كان هناك محل أكل صغير، يقدم خدماته على وجه الخصوص للسائقين، شاي، بيض، خبر،..مأكولات خفيفة وبسيطة، وبجانب المحل، كان هناك ذلك الديك الأبيض الكبير، نعم كان هناك ديك، في هذه المحطة التي تقع على بعد أمتار من فندق حياة ريجنسي الشهير، هل تستغربون، لسنا في قرية، بل بوسط مدينة الدار البيضاء، وهناك بالفعل ديك كبير يقول كوكو كوكو كلما رأى ملكا، حسب رواية جدتي، ولأن لا ملائكة في هذا المكان الذي يوجد، حوله، الكثير من الكلاب، لم يكن الديك يصيح، ربما لأن الملائكة لا تحب الكلاب، كان الديك، مثلي، يشعر بالملل ويتلهى بأكل حبات التراب في مربع وهمي، رسمه لنفسه لا يتجاوزه نحو الطريق العام، فتدهسه سيارة ويصبح في خبر كان...
كان من نوعية الديكة الذين يفقسون في آلة صناعية، لا أم لهم غير الآلة، يقبل الأطفال على شرائهم، عادة، بدرهمين أو ثلاثة دراهم، فإن نجا من الذبح، يصبح ديكا جميلا جدا، بريش أبيض تخالطه صفرة جميلة، وعُرف أحمر كبير، وبعض الريش الذهبي أيضا، ألوان لا بأس بها بالنسبة لديك كان يبغي أن يذبح بعد ثلاثة أو أربعة أشهر.. و وضعية لا بأس بها أيضا لديك يتيم أصبح كل سائقي الأجرة بمحطة سيدي معروف آباء له..
بدا الأمر طبيعيا جدا، حتى إن الفتاة الإفريقية لم تكن تنظر إلى الديك الأبيض، وحدي كنت أدقق في تلك التفاصيل، فجأة رن هاتفي ، أحد عملائنا بمراكش، بمجرد أن فتحت الهاتف بدأ الديك في الصياح، كوكو كوكو، ضحك العميل وسألني إن كنت في مزرعة ما؟ لن يصدق أبدا إنني وسط العاصمة الاقتصادية، على بعد خطوات من الفندق الشهير، أنهيت المكالمة ضاحكة، وما زال النصاب القانوني لم يكتمل، جاءت شاب وفتاة نحونا، لكن وحدها الفتاة صعدت العربة، قبلها الشاب على شفتها وطلب منها الاعتناء بنفسها، يبدوان ثنائيا رائعا، انتشر عطر القادمة الجديدة بقوة في سيارة الأجرة، سرعان ما بدأت تتكلم في الهاتف، كانت على موعد مع شخص ما، يبدو الموعد عاطفيا جدا، من طريقتها في الكلام الذي امتد لربع ساعة، بعد أن قطعت المكالمة، عم الصمت على سيارة الأجرة، وكأن على رؤوسنا الطير، لكن من يهتم بالمواعيد الغرامية في هذا الجو الخانق؟ لم يعد يلزمنا سوى شخصين، مضت نصف ساعة، وبدأت أشعر بالندم لعدم استخدام سيارة أجرة صغيرة، لكن بعد منتصف الطريق، بقليل، يصبح من الصعب تغيير القرارات، على ذكر القرارات ترى من فكر بتربية ديك أبيض في محطة سيارات أجرة، لا شك أن القرار كان فرديا ثم تبناه الآخرون لسبب ما، ربما يقوم الديك بعلاج نفسي لعدوانية السائقين المكتسبة بفعل المشاحنات اليومية على الطريق، تراهم لم يفكروا في ذبحه ذات يوم؟ كل شيء ممكن، شخصيا لا أتق بسائقي الأجرة الكبيرة..

اكتمل العدد وغادرنا المحطة، وعلى مقربة من حي الكليات، رن هاتفي من جديد، كنت بصدد الرد على مكالمتي الهاتفية حين سمعت صوتا قويا، ولم أعد أرى شيئا غير ريش كثير يتطاير من حولي..لقد كدنا نتعرض لحادثة سير خطيرة..ولم ينقذنا سوى صياح الديك، الذي نبه السائق إلى الخطر الوشيك، فتجنب بأعجوبة شاحنة ضخمة كانت تتوجه مباشرة نحونا... !!، لا شك أنني أهلوس ولا شك أيضا أنني بقاعة للعمليات، قاعة بدورها مليئة بريش الدجاج الأبيض السمين...