ننشر في هذا العدد من (الكلمة) ديوانا شعريا من مصر، حيث يحاول الشاعر أن يملأ هذا الخواء الذي تركته ظلالها، وفي ذروة فعل الاستعادة يكتب الشاعر صورها من خلال حيوات وأزمنة ووجوه وأحاسيس نكاية في الغياب، ليحاول استجماع الصورة بكاملها من خلال تقنية الـ"كولاج" للحظات تؤرخ في نفسيته الكثير من الانجراحات.

قطوفُ التكنولوجيا (ديوان العدد)

سالم الشبانة

"أغلقي البابَ جيدًا، /أريدُ أنْ أبوحَ لكِ بسرّ؛ٍ /الحبُّ أقسى من الموتِ.." أراغون

 

لا رجلَ معطوبٌ بالمحبّةِ إلا أنتَ.

I

تفسيرُ
دائمًا ما تأتين

في الوقتِ الخطأ:

حين أصحو

من نومٍ؛

كنتُ أحلمُ بكِ فيه

أو حين أتهيّأ

كذئبٍ

لملاحقةِ رائحتِكِ

في كلِّ أنثى.

 

عتبةٌ
كدربٍ فارغٍ، كالوحشةِ...

كأعمى بلا عصا،

كأرملةٍ وحيدةٍ،

كالفراغِ، كشجرةٍ في فلاةٍ،

كالكلماتِ على فمِ الأبكمِ،

كالسرِّ،

كنبتةٍ في وَسطِ الإسفلتِ،

كالنّارِ الغافيةِ في أعوادِ الكبريتِ،

كسطوةِ الأبِ،

كفرحٍ مؤجّلٍ،

كعروسٍ جميلةٍ تنتظرُ،

كالصّباحِ الباردِ،

كاحتمالٍ..

أجلسُ على كرسيٍّ؛

أرصفُ الكلماتِ، وهباءً منثورًا.

 

الحبُّ والمطرُ
الحبّ والمطرُ

وحدي، كعتبةِ بيتٍ مهجورٍ. أظلُّ أدورُ حولَ بيتِكِ؛ وجثّةُ البابِ مصلوبةٌ تحتَ المطرِ، أسندُها بيدٍ، وبالأخرى أبحثُ في جيبي عن حلٍّ لمعضلةِ الحبِّ، أو قصاصةٍ من حكمةٍ شعبيّةٍ عن حماقةِ الإنسانِ الواقفِ تحتَ المطرِ؛ يسندُ جثّةَ بابِ امرأةٍ غيرِ موجودةٍ في العالمِ المتهرّئ.

وكأنّه وحدَه.

كأنّني وحدي والمطرَ، أفكرُ في مصيرِ المحبِّ، وسببٍ هطولِ المطرِ أمامَ بيتٍ منذُ؛ سنواتٍ تحلّلتْ تحتَ عجلاتِ الزمنِ.

 

الشَّرَكُ
تقولين: ضعْ يدَكَ في يدي.

أنا الطائرُ الذي يعرفُ الشَّرَكَ!

أحفظُ يدَكِ عن ظهرِ قلبٍ: أصابعَها المسحوبة كأصابع الديناميت، أظافرَها اللّامعةَ كالفولاذِ، كفَكِ الذي يشبه ورقةَ خبيزةٍ.

وأعرفُ تمامًا،

أنّها الشركُ، يلتفُ حول أصابعي ورقبتي، في متاهةِ الحبِّ العمياءِ، وأنّ قنبلةً موقوتةً؛ تسمّى الحبّ تحت المطرِ.

مثلُ خرافةِ الملاكِ؛ الذي أحبّ عذراءَ على البحرِ، والفنارِ المهجورِ وقطراتِ المطرِ.

 

بورتريه
على الأرضِ التي حملَتْ ثقلَكِ الناعمَ،

أحيا وأمشي، وأتتبّعُ في الرملِ هسيسَ خطواتكِ.

أحفظُ شكلَ خطوتِكِ: أصابعَ نابيةً، وحفرةً خفيفةً عند الكعبِ، وأعرفُ خطوةَ الفرحِ، خطوةَ الألمِ،

وخطوةَ الخوفِ حين يدهمُكِ الفراقُ.

أنا راهبٌ بوذيٌّ أنحتُ ما يليقُ: برفّةِ ملاكٍ، أو حذاءِ جنديٍّ في معركةٍ خاسرةٍ، أو قفزةِ غزالٍ في الفراغِ فوقَ رأسْهِ.

كلُّ ما أذكره منكِ، أثرُ خطوةٍ على الرّملِ.

 

المكيدة الزرقاء.
نعم.. ساحرٌ أمشي بتعاويذي وهلاوسي،

أرمي نفائثي خلفكِ وتضحكين عندما أطيّرُ غرباني، وأرانبي تسعى بين يديّ، تمسّدين فرائَها وتغمزين بفتنةٍ.

في الخريفِ، أنقشُ دمي على الورقِ وأعودُ ضعيفًا كما ولدتني أمّي؛ أقعدُ بكلِّ شارعٍ أطيّرُ ألعابي.

وتنقّحين مكائدَكِ على عَجَلٍ؛

كما تنقّين الأرزَ من الحصى، وتهمسين للأرواحِ فوقَ شجرةِ العنبِ عن ولدٍ وحيدٍ يلعبُ بالأرانبِ والغربانِ.

يمضي في أثرِ كلِّ جميلةٍ،

لكنّه لم يُجِدْ بعدُ تدبيرَ مكيدةٍ؛ لقتلِ الأبِ الخارجِ لتوّهِ من أسطورةِ الرُّعاةِ والصحراءِ.

لم يكنْ سحرًا أسودَ، يكفي لصيدِ الفاتنةِ ذاتِ المكيدةِ الزرقاءِ والجسدِ الغجريِّ من فضاءِ الشّجرةِ.

هكذا تضحكين حين آخذُكِ على غِرّةٍ؛ كساحرٍ أسودَ بأفكارٍ سوداءَ عن الحبِّ.

 

النوستالجيا والرّيحِ
حاذيتُ صورتَكِ!

الصورةُ التي مزّقناها وعشرين عامًا،

صنعنا منها وخطاباتِ الحبِّ مراكبَ في الريحِ. قلتِ: لا تعرفْ امرأةً غيري. قبّلتِني، وذهبتِ لأمِّكِ ضاحكةً؛ وتقصّين عليها كيف طارتْ المراكبُ في الهواءِ المغبرِّ! دموعٌ، وتجمعين المراكبَ الورقيّةَ، أغانيَّ، بقايا النساءِ من أصابعي.

قالتْ أمّكِ: تحلمُ بالولدِ النحيلِ.

قلتُ: ربَّما تحلمُ بخطوةِ الراعي تحتَ الشباكِ، وهوسِهِ ببياضِ فخذها العاريِ. المراكبُ تطيرُ في الريحِ وتخبطُ شبّاكي.

أقفُ والشجرةُ التي ارتكبنا تحتها جريمتَنا؛ ذهبتِ في النومِ الطويلِ، وظللتُ أرعى الهواجسَ والمراكبَ الورقيّةَ في الريحِ الرعناءِ.

 

شظايا
قالتْ:

ليتكَ ما وقفتَ،
بمنتصفِ

 الدّربِ..

***

الأغنيةُ

في الهواءِ؛
جرحتْ قلبَهُ

الشّظايا
***

قالتْ: أحبُّكَ.
فابتلعَهُ الضّياعُ..

***

الهواءُ

صارَ حجرًا؛
فاحترفَ

رصفَ

الكلماتِ.

***

نسي عينَهُ

على الصّخورِ؛
فصار يرى

المرأةَ عاريةً.

***

الكلماتُ،

قفزتْ من فمِهِ

أسماكًا ميّتةً..

***

عندما

رسمَ العالمَ،
وجدَ دُبًّا

أسودَ

يسدُّ الطّريقَ.

***

ثّم إنَّ الذئبَ؛

بكى في الأسطورةِ!

***

قالَ: النّومُ،

بستانٌ أزرقٌ.

***

أدركَهُ

الصّباحُ..
فحملَ

جثّةَ الليلِ
ونامَ.

***

يا اللهُ

ما أجملَك!

كلُّ

هذا الفراغِ!!

***

سقطتْ الكلماتُ

من فمِهِ

وأدمتْ قدميه...

***

تعلّقَ

بحبالِ الضّوءِ؛
كانتْ اليرقاتُ تطيرُ
والكلماتُ

تسّاقطُ بيضاءَ
من غيرِ سوءٍ.

***

ثمّ قالتْ:

الحافّةُ مخيفةٌ،
ومرهقةٌ.

***

 

II

الحنينُ البيتُ المهجورُ
الحكايةُ
 عينُكِ على قطعِ الماضي

الكفُّ النّحيلةُ بالبابِ،

الماءُ والحَبُّ للعصافيرِ 

على حافّة الشُّباكِ.

ولستُ إلا رجلاً وحيدًا؛

رَغِمَ الحريرِ الأسودِ

لم تكوني امرأةً حقيقةً.

تكابدين تاريخَ الحقدِ؛

لا ماضي

لي إلا القسّوةِ.

نمشي واثقين صوبَ الفخِّ،

والأيامُ لا تنسى.

 

نوستالجيا
أدندنُ باسمِكِ.

بعدَ كلِّ قمرٍ أطلّ،

كلِّ أغنيةٍ. 

يا لجحيمِ الذّكرياتِ

وغوايةِ الحنينِ!

وأحملُكِ

كلَّ هذا الطريقِ؟!

كم أكرهُكِ يا حبيبتي.

وأكرهُ هذا الحنينَ

الذي يلّوثُ دمي.

 

مستنقعُ الحبِّ
ما بي قدرةٌ؛

لأخوضَ مستنقعَ الحبِّ

ولا قوّة بي؛

لأبصرَ طّريقًا تبعدُني عنكِ.

أنا رجلٌ ما بعد الحداثةِ؛

أحيا بروحِ بدويٍّ

على ظهرِ جوادٍ،

أدّعي الحبَّ؛

وأجرُّ النّساءَ من شعرهنَّ.

أحيا بقشرةٍ برّاقةٍ

لا تداري عفونةَ مجزرٍ قديمٍ

وقفتُ عليه يومًا.

ليس بي نيةٌ؛

لأخوضَ مستنقعَ الحبِّ،

ولأتخلّصَ من أسلحتي..

 

الجمرةُ
قالتْ: لا تجرحْ قلبَ امرأةٍ. سقطتْ نجمةٌ في عالمٍ من الخرائبِ والوردِ، أبحثُ عنها وأبكي؛ كلَّما مسحتْ أمُّي دمعةً من دموعي، أورَقَتْ وردةٌ بيضاءُ، ثم ماتتْ فجأةً.

الصراخُ والغبارُ يجرحُ حلقي. كلُّ أغنيةٍ طارتْ للسماءِ، كلُّ ملاكٍ سقطَ على كتفي حملَ دمعةً من دموعي؛ فصارتْ السماءُ بحيرةً زرقاءَ والأرضُ واحةَ السرابِ.

يمضي العالمُ، يموتُ كالكركدنِ وقبلَ أنْ أذهبَ، أتلو على قبرِكِ صلاةَ العاشقِ، وعابري السّبيلِ؛ أكوّرُ قبضتي صارخًا وأنامُ؛ كخرتيتٍ بلا أحلامٍ لا آمالٍ، ولا وجعَ أسودَ بصدري.

 

وحيدٌ، فريدٌ، وضالٌ.
أورثتِني لوثةَ العاشقِ، حبًّا لأغاني الحنينِ والرعاةِ، أورثتني حسرةَ الضّالِّ، وشجرةَ برتقالٍ لا تثمرُ إلا في كفِّ المرأةِ.

قلتِ لي: لا تخشَ شيئًا في الحبِّ والحياةِ. فسرتُ سنواتٍ أرتجفُ من الآخرين، وأبكي أمامَ كلِّ امرأةٍ عبرتْني سريعًا.

حين كفُّكِ ينسحبُ من قلبي. كانتْ النّساءُ، الأغاني، والوردُ غبارًا يحطُّ على كتفي الضّامرِ. أورثتني حيرةَ الكائنِ، والقلبَ الذي يتقطّرُ حنانًا كلَّ صباحٍ.

قلت لي: لا تخشَ شيئًا. لكنّني وحيدٌ وفريدٌ وضالٌ.

 

شباكٌ مغلقٌ منذُ سنواتٍ
تنزعين وردًا زرعتَهُ حول نهديِكِ

وتقشرين أصابعي من كفِّكِ،

أساطيري البيضاءَ عن الحبِّ

تعلقينها وراءَ البابِ

تهمسين لرجالٍ على البابِ المغلقِ

تقولين للحبقِ على حافّةِ الشّرفةِ:

لا تغمضْ عينَكَ.

تذكرين شيئًا عن عاشقٍ منكودٍ

يقفُ تحتَ المطرِ؛

يزرعُ الشّارعَ وردا أبيضَ وأحمرَ،

فيما دموعُهُ تنحتُ وجهَ امرأةٍ حزينةٍ،

في حجرةٍ مظلمةٍ

تحاورُ أطيافًا بالبابِ.

العاشقَ على شباكٍ مغلقٍ

منذُ سنواتٍ بعيدةٍ في الغبارِ.

 

الطريقُ الطويلُ كثعبانٍ
جئْنا الطريقُ يتلوّي كثعبانٍ؛ أمُّكِ على عتبةِ البابِ نائمةٌ؛ تسوّي آثارَ خطواتِنا على الأرضِ. الأولادُ الصّغارُ، النّساءُ في الأبوابِ تغامزنَ؛ ثم دعوْنَ لنا باكياتٍ. ثمَّ صرنا نقبّلُ أصابعَنا أمامَ غرورِ الشّارعِ؛ ونتبادلُ كلماتِ الغزلِ كالحلوى؛ عندما سقطتْ قدمُكِ في فخٍّ أسودَ؛ فررْتُ وتركتُكِ تكابدين الحروفَ كالحجارةِ.

 

الخرافةُ السّوداءُ
شفتُكِ المكتنزةُ، يدُكِ التي أنهكتْها الأعمالُ المنزليّةُ، عيونُكِ في النّافذةِ: لغاتٌ قديمةٌ، وغابةٌ سوداءُ، نهدُكِ الذي خانَهُ الوقتُ والقصائدُ.

شعرُكِ الغيمةُ التي أمطرتْ في المساءِ الصّيفيِّ على حينِ غرّةٍ، أصابعُكِ النّابيةُ التي لم تتدرّبْ على أعمالِ الحنانِ، خوفُكِ من القُبلِ العابرةِ، حنينُكِ ِلضياعِ الليلِ وخداعِ أمِّكِ التي تنامُ على عتبةِ البابِ.

أنتِ المرأةُ التي سجنتْ نفسَها تحتَ رُكامِ السّنينِ؛ وهي تتحسّسُ منامتَها السّوداءَ، وأنا المنتصرُ في معركةٍ وهميّةٍ؛ أمشي بطعنةٍ في خصري مازلتْ تنزفُ.

أنا وأنتِ، كاذبين حنونين.

 

النّذرُ

1

صمتُ دهرًا، وغنيتُ أغنيتي كما طلبتِ. حججتُ عشرين حِجةً لقبرِكِ الأبيضَ في قلبي، ثمّ مللتُ وزعمتُ أنّي صرتُ بلا قلبٍ؛ لكنّ اللهَ أرادَ أن يعاقبني أنا الكاذبُ.

حين أنكرتُكِ، سقطَ قلبي على شاهدِ قبرٍ أبيضَ في صحراءِ الوقتِ. ومشيتُ عمرُا بثقبٍ أسودَ في صدري.

2

أمشي في نومي بلا حلمٍ.

همسِكِ يذيبُ الثلجَ الأسودِ في قلبي، كأنّني كنتُ أحبُكِ في زمنٍ ما. كأنّنيُ جلجامش في بحرِ الظلماتِ؛ أسعى لعشبةٍ وحشيّةٍ..

أمشي وقوافلُ الخسارةِ التي تتبعُني ككلبِ الرّحُلِ، الحزنُ الغامضُ بلا مبررٍ، العاشقُ الخائبُ بكلِّ هؤلاءِ النّسوةِ.

تقولُ لي يدي: لا تفتقْ البياضَ، واحذرْ فتنةَ الأسودِ والأحمرِ. أمشي في نومٍ أزرقَ وأسودَ بلا أثرٍ. وأحبُّك في نومي.

3

كيف أفصّدُ هذا الهواءَ الراكدَ؟

وأنا أحملُ الأغنيةَ الطّويلةَ

والحنينَ الأزرقَ.

فكلُّ هواءٍ سريٍّ؛ يجرحُ كفِّي.

دمي على الرّملِ؛

أو خطوتُكِ الشّاحبةُ.

كلانا هوى! أعرفُ ذلك توًّا،

حين سقطتْ الأغنيةُ

تحت السّيارةِ المسرعةِ

وتناثرَ رذاذُ الموسيقى في السّماءِ.

 

اللّعنةُ البيضاءُ.
تقسمين أنّكِ حلمتي بي؛ وأنا أستلُّ قلبَكِ وأصنعُ منه وردةً حمراءَ وأصبُّ دمَكِ في رئتيَّ. أحيا بحواسّي وروحِ الغابةِ؛ وأنتِ بحسِّ الطريدةِ أدركتِ وتقدمتِ؛ لتُحكمي الفخَّ حولَ يديَّ. الذئبُ سقطَ في غرامِ وردةٍ، لم يخدعْني الكذبُ ولا كانَ الحبُّ الذي شفَّ تحتَ الدانتيلا السوداء. كنّا نقيسُ شراكنا بشبقٍ وشهوةِ الرقصِ تحتَ ظلالِ المكيدةِ. دمُ القلبِ مشحونٌ بالنهاياتِ، ونحن نموتُ كأسطورةٍ في كفين. لعنتنا تطاردُنا الحبُّ والكذبُ الأبيض.

العلمُ
الحبّ:
عاديٌّ جدًا؛

كوردةٍ تنمو

في الخرائبِ

فجأةً.

***

الحبّ:

عاديٌّ جدًا؛

كمطرٍ

صيفيٍّ

فجأةً.

***

الحب:

عاديٌّ جدًا

كاسمِه.

حبٌّ

فقط لا غيرَ.

***

امرأةُ الماضي
وأنتِ تقصّين

حكايتَنا،

كنتِ تدورين

في فلكِ الوقتِ.

الوقتُ

الذي حبسَ قلبَكِ،

في شركِ

عشرين خريفًا.

أنتِ يا حبيبتي؛

امرأةُ الماضي

المحبوسِ

في حكايةٍ

الحبِّ والموتِ.

 

الحبُّ والمرآةُ
عن وردةٍ

في يدِهِ..
عن الجريمةِ

المعلنةِ

***

لأنّي؛

أخافُ الحبَّ
أتورّطُ

في كلِّ امرأةٍ
حقيقيّةٍ

***

أتألّم

كحجرٍ

تحتَ

هجيرِ

الشّمسِ.

***

كلّما نظرتُ
في المرآةِ
أدركتُ،
كم أنتِ جميلةٌ

 

III

كيف ترى المرأةُ العشقَ؟!
رجلاً يدخلُ الغابةَ خاويًا،

يفكرُ في العشقِ:

كفأسٍ تقطعُ عنقَ الشّجرةِ؛

كشجرةٍ تسقطُ على الأرضِ بدمٍ أخضرَ،

يجفِّفُهُ الحطابُ ويصنعُ منه أيقونةً؛

يعلّقُها على جدارٍ ويبكي ندمًا وحنانًا.

قد تسقطُ الأيقونةُ؛

فتصيبُ الجدارَ ذبحةٌ صدريّةٌ،

ينحني مجهدًا ليقطفَ دمعةً

سقطتْ على الأرضِ،

تصبحُ شجرةً خضراءَ

تكبرُ في ظلِّ الجدارِ،

تنادي أشجارًا في الغيبِ؛

تصيرُ غابةً، يدخلُها عاشقٌ،

باكيًا محزونًا.

 

الرحلةُ
حينٌ من الدّهرِ، وعلى كفيَّ بقايا وردةٍ.

أمشي بشعوبٍ من الغجرِ الفارّين خلفَ بركةِ الوقتِ. لم أكنْ وحيدًا؛ كنتُ وحشًا في عالمٍ من النّصاعةِ والبريقِ المعدنيِّ. الفراغُ يلتهمُ ما تبقّي من الغابةِ في روحي، وأصرعُ الكلماتِ أُضحيةً على عتبتِكَ.

أيَّتها الشّاهقةُ في البعدِ والغضبِ، الرءوفةُ كالوردةِ والشّجرةِ. لماذا تلمعُ البحارُ بيننا كوحشٍ معدنيٍّ؟!

لا طيرَ يطيرُ فوقَها، ولا سهمَ الحبِّ الذي يطلقُهُ ملاكٌ عاطلٌ يرتدُّ عن المُضغةِ المعذبةِ بالأرقِ والوحشةِ. أهتفُ للطريقِ وللوردةِ الصّغيرةِ في يدي: كلُّ قلبٍ معذبٍ كان قلبي في حياةٍ سابقةٍ. ما بي من ندمٍ، ولا يقينٍ.

الطّريقَ يمتدُّ؛ وليسَ علىَّ التراجعَ صوبَ الماضي الذي تساقطَ كقطعِ الدّمومينو. كنتُ متعبًا، أرتجفُ من الحمّى والنّداءِ الغامضِ. ذابلاً كنبتةٍ على الشّرفةِ، بلا أهلٍ كسماءٍ تصابُ بوعكةِ الشّتاءِ خلسةً.

أبصُّ للحيطانِ العاليةِ؛ كخرائطَ أصابَها الصّممُ. النّهرُ جفَّ، الشّجرةُ على الحافّةِ تقاومُ الغيبوبةَ، البحرُ على نقالةٍ في الصّباحِ.

حينَ أنظرُ في قلبي: أجدُ رملاً مبلولاً، الضّجيجَ الخافتَ يعلو، أعرفُ أنَّ قلبي مصابٌ بأرقِ الليالي السّوداءِ، وأنَّ الحنينَ والملحَ يترسّبان في خرافةٍ عن غجرٍ عابرين في أغنيةٍ طويلةٍ؛ تضجُّ بالنّحلِ والدّمعِ الأبيضِ.

يا ويلي! هل كنتُ ضائعًا إلى هذا الحدِّ؟

هل كانَ الحبُّ، والدّمُ، والبحرُ، والصّحراءُ، والتّعبُ خرائطَ الرّوحِ، أم عدوى من أجدادٍ عابرين في الاشتهاءِ والرحلةِ الطّويلةِ صوبَ ذراعيكِ. تكدّسين الأرقامَ، الخرزَ الملوّنَ، الجواهر، تحت حافّةِ السّريرِ؛ وأجتازُ صحراءَ من ندمٍ،

فالسّريرُ الذي حملَ نومَكِ؛ مباحٌ لأسراري، والغموضُ الشّاهقُ كعينِ الشّمسِ.

مشيتُ طويلاً، بكتابٍ أوراقُهُ تنمو في صدري، أمرُّ بالمدنِ: البيضاءِ والحمراءِ والقبابِ العاليةِ؛ تتطايرُ الكلماتُ من الورقِ، وتعودُ محمّلةً بالأصداءِ، والروائحِ، والدّمِ. كيف أحبُّكِ بلا خسائرَ ولا ندمٍ؟ كيف أحبُّكِ دونَ أن يقفَ الغرابُ على حافّةِ الأسطورةِ والحجرِ؟!! الرّحلةُ ابتدأتْ. وأُحرِقت سفني على الشاطئِ.

 

القلبُ المثقوبُ

وتفتّشين تاريخي الذابلَ، بماذا عثرتِ؟ قطعُ فلينٍ، تشبّثَ بها غرقي مضوا تحتَ الماءِ الكثيفِ، بقايا طائرٍ كان يغردُ على حافّةِ الشّرفةِ؛ عندما صرعتْه الرّصاصةِ الغادرةِ، نهرٌ جفَّ صدرُهُ من النّدمِ، ابتساماتُ قديسين في أيقوناتٍ بعيدةٍ، نساءٌ حملنَ منّي الحزنَ واللّعنةَ سفاحًا. ماذا جنيتِ؟ الأرقَ، الرّحلةَ الطّويلةَ. أعلمُ أنّني خيالٌ لا يتحرّكُ، وأنّ قلبي صارَ أخفَّ، فحبُّكِ ثوبٌ فضفاضٌ قد أستريحُ فيه بلا غضبٍ ولا أرقٍ.

أرتكبُ حماقةً؛ كتناولِ كعكةِ الليلِ؛ بلا يدٍ من سهادٍ أو غيرةٍ، عليّ أنْ أقولَ للنهارِ: هنا قلبٌ بسيطٌ ينامُ تحتَ عجلةِ الزّمنِ، والجوادُ يكبو مرةً، ومرةً يعدو وهو يتنفّسُ بقوةٍ على الجرفِ الصّخريِّ.  

 

الحديقةُ الكبيرةُ
تكدسين أصابعَ الرجالِ،

خلفَ الأريكةِ المتهالكةِ، تحلمين برجلٍ في الغيبِ يمشي تجاه البحرِ، يجرُّ خلفَهُ دمعةً كصخرةٍ بيضاءَ، يرمي كلَّ جميلةٍ بوردةٍ من دمِهِ، يهذي عن الوردةِ في الخرائبِ، شراهةِ الحنينِ، رعبِ البحرِ في الصباحِ، الصحراءِ العاريةِ، عن الكلماتِ التي تشبهُ أنشوطةً.

الجميلةِ تحتَ الشجرةِ تشربُ دمعةً كبيرةً، تَشِمُ كفيها بيوميّاتِ عاشقٍ سرقَ قلبَها، وبعثرَ كومةَ الألمِ بعيدًا عن جذعِ الشجرةِ؛ فأورقتْ دمعةٌ صارتْ وردةً حمراءَ تنهشُ قلبَها؛ تشهقُ الهواءَ الشحيحَ ممتلئةً بروحٍ خافتةٍ، بهواجسَ تنمو أعشابًا غير صالحةٍ، الشيطانُ يتهيّأ للرحيلِ عن حافةِ الحكايةِ، والاستقرارِ في الحديقةِ الخضراءِ.

 

هواجسُ
لم أفكرْ في الحبّ من قبلُ؛ التصقتْ رئتاي، صارَ الهواءُ زجاجًا. ما الحبُّ القديمُ الذي هوى من كوكبٍ أحمرَ؟! سفينةُ بحارةٍ أبحروا فجرًا صوبَ المجهولِ، بلا ندمٍ ولا ذكرياتٍ.

وما أنتَ الآن؟! طريقٌ طويلٌ عبر الصحراءِ الغافيةِ كالوجعِ. هل عرفتَ الحبَّ؟! لستُ أدري كيف طارتْ النجومُ كاليرقاتِ حول وجهي وحطّتْ على كفيَّ.

هل الحبُّ جميلٌ؟! أحيانًا أحسُّ أنِّي قاطعُ طريقٍ أشقرَ وجمجمتي تهذي بالمطرِ، والذكرياتِ التي تلمعُ كبريقِ النقودِ الفضيّةِ. هل العاشقةُ سماءٌ؟! حين أفكرُ في السماءِ، الأرضِ أحسُّ أنّني بحرٌ فارغٌ بحفرةٍ كبيرةٍ من ندمٍ؛ ثمَّ كان منّي البحرُ والأرضُ والسماءُ.

 

لِمَ علىَّ أنْ أخشَّ غابةً خضراءَ؟!
في الغابةِ وحيدًا،

كانتْ روحُ الغابةِ تتبعُني كفارسٍ على جوادٍ أسودَ. قلتُ لحبيبتي: أنا قلقٌ، تأخذُني نوباتُ الحزنِ والهستيريا. قالتْ: ربّما؛ مارسُ ليس بعيدًا؛ لكنْ كنْ صديقي، وأحبُّكَ.

لم أعرفْ غابةً في تاريخي الطويلِ جوارَ البحرِ، لم أنمْ إلا لأحطَّ بقايا الأملِ المعطوبِ تحتَ الشّرفةِ، فيما القططُ تحتفي بمعركةِ الحياةِ، نظرتُ ما أبصرْتُ سوى الفراغِ الهائلِ.

لم أبصرْ سوى اللغةِ تنمو كالفطريّاتِ وتتسلّقُ الحائطَ المتهالكَ.

ما الذي تفعلُه اللغةُ قبالةَ العالمِ؟! عالمِ البشرِ الفانين؛ كأعوادِ الكبريتِ؛ كالملحِ تحتَ الشّمسِ.

أغرفُ من صدري الدمَ الأسودَ كالإسفلتِ، لأبتاعَ قصيدةً مشوّهةِ الأطرافِ كالحربِ؛ هي الحربُ إذن! ما زالتْ تندفعُ تيارًا أسودَ أسفلَ جدارِ العالمِ و أطرافِ أصابعي.

كنتُ أحلمُ أحلامًا باهتةً كخطوطِ الرّيحِ؛ بالصخبِ ذاتهِ، بأعوامٍ تتجعلكُ في جيبِ بنطالي الخلفيِّ، بأسطورةٍ عن رجلٍ وسيمٍ يحترفُ الكذبَ كطفلٍ أسودَ في ملجأٍ، أقايضُ حبيبتي بالصخبِ، بالثقلِ اللامرئيِّ للعالمِ المشوّهِ، بتاريخٍ من الرّعبِ، الفقرِ، والتّوجسِ.

أطرحُ على كفّيها الباهتين أثقالي وأمضي بلا ندمٍ، ولا مساميرَ في كفيَّ. كلّما فرغتُ من امرأةٍ جلستُ على الرّصيفِ أتحسّسُ النّدوبَ بشبقٍ، وأهمسُ لحبيبتي: ربّما لو كنتِ هنا؛ ما كانَ العالمُ ثقيلاً إلى هذا الحدِّ. تضحكُ بصفاءٍ ثمّ تهمسُ: كنْ ذراعين يا رجلي.  

الطريقُ يضيقُ، روحي تُسحلُ بين حجرين من أحجارِ الممرِّ؛ بلا دمعةٍ ولا كفٍّ خضراءَ، بأيقونتي التي حملتُها من حياتي السّابقةِ؛ أتسلّقُ الشّهوةَ السّاطعةَ، أتسلّقُ أعشابًا سامّةً وخرافةً.

تحبينني صامتًا؛ فإنْ تكلّمتُ، حملتِ تاريخَكِ الطّويلِ من الخزانةِ ورميتِهِ في حِجْري. تحبينني صاخبًا؛ فإنْ غنّيتُ، سحبتِ البابَ ورائكِ ودخلتِ غياهبَ النّومِ الطّويلِ.

من أنا؟! أعمي في طقوسٍ وثنيّةٍ.

دمي قربانُ البحرِ والغابةِ؛ أنزعُ جلدي، عينيّ، لساني. أدورُ في الطّرقاتِ والحدائقِ كراهبٍ بوذيٍّ استجدي الحبَّ.

يا ويلي! لِمَ كانَ علىّ أنْ أخشَّ غابةً خضراءَ؛ يتبعُني فيها روحُها كفارسٍ ملثّمٍ على حصانٍ أسودَ... 

 

IV

الحياةُ في الحبِّ والخوفِ.
تعالي هنا.. انظري في عينيّ.

ما عادَ وقتٌ، وليس تحت أصابِعنا إلا القليلُ، قلتِ: الرحلةُ حلمٌ. نعم، الأحلامُ نصنعُها حين نملكُ الجرأةَ، فالعالمَ يقفُ على البابِ كوحشٍ معدنيٍّ يحتاجُ أنْ نطعمَهُ بعضَ الأمانيَّ والجنونِ.

كفُّكِ الصغيرةُ في كفّي سحابةٌ من مطرٍ محتملٍ، الغابةُ تنامُ تحت الأغنيةِ المرتجلةِ. وكنَّا في حصارِ الرصاصِ والأيامِ ندعو اللهَ أنْ يرزقَنا حلمًا أخضرَ؛ قفزنا فوق حاجزِ الغيمِ والدباباتِ على المفارقِ.

قلتِ: أحبُّ عطرَكَ، أعطِني أنامُ في صدرِكَ.

المسافةُ رغمَ البعدِ تفرُّ كسمانٍ مهاجرٍ، طللنا من النافذةِ، الشمسُ شاهقةٌ في الضحى، وعيناكِ تتلوّنان بالضوءِ كغابةٍ تحت المطرِ.

أمُّكِ حاضرةٌ وراءَ المسافةِ؛ تربطُكِ بخيطٍ من الوصايا عن الرجلِ، الوحشِ ذي الكلامِ المعسولِ.

أعثرُ على صوتِكِ في صحراءِ الندمِ: صادقًا، وصادمًا

يتحولُ في الوقتِ كالحرباءِ.

وكنتُ بدائيًّا أكرَهُ الحديدَ، الخوفَ، الأقنعةَ، والتكنولوجيا، أتابعُ تحولاتِكِ مندهشًا ومرعوبًا، المرايا تبرقُ بالعاصفةِ.

في الكهفِ أرسمُ جسدَكِ، وأتحسَّسُ شفاهي المتشققةَ من الجفافِ والجوعِ، وأجُنُّ من هَوَسِ أصابعي بالنقشِ واللونِ ونعومةِ الحجرِ. طويلةٌ، شاهقةُ النداءِ كما صرخةٍ في الليلِ، تدخلين حبًّا وتخرجين رصاصةً، تحرقين السُّفنَ على الشاطئِ وتبكين كثيرًا في الخفاءِ.

ما عادَ كثيرٌ من الوقتِ في جيبي، ولا الندمُ الرابضُ يجدي، من الكهفِ خرجتُ بعدَما أكلتُ أصابعي كي لا تثرثرَ عنكِ. أخافُ الحبَّ الراكدَ خلفَ الوصايا والندمِ تحت الأقنعةِ والأثوابِ الطويلةِ، يموتُ بفعلِ الجفاءِ؛ كورقِ الجريدةِ المهملةِ.

لستُ مطمئنًا لهذه المدينةِ التي علمْتُها بوجهكِ الثرِّ القديمِ في الأحلامِ والذكرياتِ. تعالي إلىّ، أنا الذي سيهبُكِ قلبَهُ وردةً منداةً بلا ندمٍ ولا خوفٍ.

 

عن الحبِّ!

1

طيبٌ.. سأخشُّ في قلبكِ مثل " نيو" في فيلم "ماتريكس"! أرمي حروفَ اسمي أسماكًا ملونةً تعطبُ قلبكِ، وتكركرُ طويلاً؛ وهي تراكِ تنادين: سالمُ، ساااااااالمُ، سا.. تلمعُ أسماكي في عينيكِ، في الغابةِ تحت الضوءِ، العالمُ سيدركُ أنّني متّ هادئًا بلا ضجيجٍ كزهرةٍ ربيعيّةٍ في التلالِ.

أخشُّ قلبَكِ وأنامُ حتى تأتيَ الأمطارُ تجرفنا بعيدًا خلفَ التلّة، حرّين نصحو لأولِ مرةٍ بعدَ الطوفانِ الكبير؛ أهمس: أنا أحسُّكِ. لكنّ الكلماتِ لن تخرجَ من فمي، ويسيلُ ماءٌ لطيفٌ بين أصابعي حين يجرفها تيار الحنين الوحشيّ.

2

مري بي، اصمتي قليلاً، قبلَ أنْ تقولي: أوحشتَني. لو أقتلُكِ بيدٍ باردةٍ وقلبٍ باكٍ؛ ثمَّ أجلسُ معطوبَ الفؤادِ، أنحتُ جسدَكِ في الكلماتِ؛ تزهرُ زهورًا سوداءَ على حافّةِ أصابعي.

مُرّي بي! ولا تقولي شيئًا، انظري في عينيَّ؛ لترَي كم أنا وحيدٌ وبائسٌ؛ كشاعرٍ قتلَ حبيبَتَهُ وجلسَ يبكي حياةً طويلةً في النّدمِ والحسرةِ، وهي تأكلُ الفاكهةَ وتنامُ أمام المرايا.. لا تمرّي بي! ظلِّي في الكلماتِ.

3

يا ربِّ! لِمَ علىّ أن أمضي بقلبٍ متعبٍ في الخرابِ؟! أسميتني سالمًا، وما سلمتْ من الفخِّ ولا هاجسِ الحبِّ، مشيتُ أربعين عامًا وحدي؛ كلُّ حجرٍ خمشْتُهُ، كلُّ صحراءٍ أخذتْ منّي.

نسيتُ أصابعي هناك في جسدِ الورقةِ، أقولُ: لِمَ علىّ أن أقاسي، وأعبرَ غبارًا؟! أنا متعبٌ وممتلئٌ بالندمِ، الوقتِ، الضجيجِ، وخرافةٍ طويلةٍ عن حياةٍ في الشرقِ تحت الشمسِ القويّةِ. لكن أجدادي ما زالوا في الكهفِ؛ ينقشون على جسدي تاريخًا من الأحقادِ  والدمِ ويرقصون ذئابًا في اللغةِ. وحيدٌ بعضَ الشيءِ، غريبٌ في قميصي، أصابعي ترتادُ كلَّ لعنةٍ وتعودُ مجهدةً من إثمِ اللونِ. أنا متعبٌ..  متعبٌ.

4

جميلةٌ، وحنونةٌ، 

كعذراءٍ ترعي صغارَها في الليلِ، أصابني الخوفُ.

رجلٌ دخلَ الحياةَ بعدما ذبحَ اليمامة في فيلمِ "شيءٌ من الخوفِ" ظلَّ يتباهي بإرثِ البدويّ الذي لم يلتقِ به يومًا إلا في الكتبِ الصفراء، وخرافةِ العائلةِ.

نحن عبدةُ كتبٍ نفتْ جمالَكِ، صنعنا عالمًا يخلو منكِ؛ رفعنا الرايةَ السوداءَ فوق جسدِكِ الطويلِ كنعمةٍ بسيطةٍ. أخافُ تاريخي المغرقَ في الشعابِ، في القبيلةِ البرجماتيةِ بين جبلين، ليسَ عليّ أن أطلبَ مغفرةً منكِ، من ضلعي الأعوجِ خلقتْكِ الأسطورةُ..

لكنّني صلدًا وخشنًا كأنكيدو، لا أعرفُ نفسي إلا برائحةٍ منكِ تعيدُني لإنسانيتي.

 

الوطنُ
لماذا علىَّ أن أحبَكِ؟!

مجهولةً كالشمسِ

لا عنوانَ لا وطنَ

أحبُّكِ في الكلماتِ

أصرخُ: وطني الكلماتُ.

أيّتها المجهولةُ كالشمسِ

الباهرةُ كالأغنيةِ

كالحنينِ

لماذا علىّ أن أحبَكِ

إذا كنتِ حاضرةً فيَّ

 

فوضى..
حَلقُكِ الصغيرُ شاهدٌ،

حقيبتكِ محشوةٌ بمسكناتٍ وأفكارٍ حوشيةٍ عن رجالٍ مجهولين، المقطعُ القصيرُ للأغنيةِ في الحادثِ، الممرُّ حتى شباككِ طويلٌ وحافلٌ بأسرارِ مراهقين، عمالٍ، كُتّابٍ، متأنقينٍ، وصديقاتٍ باكياتٍ وعاطلاتٍ عن الحبِّ والأملِ.

عليكِ كلَّ يومٍ تنظيفِ الفوضى تحت الشرفةِ، وتضميدِ جراحِ الفراقِ التي أصابتْ أصابعكِ بغتةً بقصصِ أمِّكِ عن الزميلاتِ في البيوتِ وأزواجهن الطِّوالِ.

ستبكين كثيرًا حين تقفين وحيدةً في المطبخ وتصرخين في المتحلّقين حولكِ: لستُ بلا رجلٍ. يدُكِ الصاخبةُ في الباصِ، القبلةُ العابرةُ

في الممرِّ المزدحمِ، الصخبُ الذي نما في المسافة وتحلّل فجأةً.

يدُكِ تسقطُ في دوامةِ الدمِ وعينكِ تنسحبُ رويدًا بابتسامةٍ هادئةٍ.

 

ربَّما..
رجلٌ

أحيانًا يغني أو يرقصُ

إذا مررتْ بخاطرِهِ

أقصدُ لو وجدَ الأمرَ

يحتملُ بعضَ المرحِ..

أو ربَّما موسيقى صاخبةٌ

لا يضيرُ

قد يدبِكُ أو يرتبَكُ

ينتشي فيرفعُ صوتَهُ

عاليًا ....

فتبصُّ عليهِ الجارةُ

وتضحكُ

كلُّ ذلكَ يحدثُ

إذا كنتِ هنا حاضرةً

في بستانِ الكلماتِ.

 

تعرفينَ قلبي!
تعرفين قلبي وأنتِ تغسلين الفاكهةَ،

لم يكنْ المساءُ طويلاً، ولا الليلُ بحيرةً من الوحلِ الأسودِ. الكتبُ القديمةُ، نساءُ الكتبِ القديمةِ، الأغنيةُ الرعويّةُ زرعناها تحت النافذةِ وجريْنَا,

جربنَا مسكناتِ الألمِ، خوفَنَا من الخرافةِ التي كبرتْ دونَ سابقِ معرفةٍ. هذا الماءُ على أصابعِكِ أبيضُ! أصابعُكِ في الماءِ نداءٌ. ما النداءُ في ذلكِ؟!

أفكاري عن الماضي عقيمةٌ! أو هي مشاعري المشوشةُ بفعلِ شفاهِكِ، بفعلِ حرارةِ النداءِ عصرَ اليومِ الفائتِ.

سكبتُ في دمي ما لا طائلَ بعدَهُ في ذلك الليلِ الأسودِ.

 

النهايةُ
كنِ

أن نحذفَ هذه النهايةَ ونجعلَ الأغنيةَ أطولَ! لو قلتُ لكِ: أنتِ كاذبةٌ وقاتلةٌ.

ربَّما استرحتُ قليلاً وأنا أرى الدموعَ في عينيكِ حين طعنتُكِ بلا مبررٍ سوى المللِ من الأفكارِ الراكدةِ من حضورِ جسدِكِ الطّاغي.

أكابدُ الفراغَ منكِ! وأخشى امتلاءَ قلبي بالعواصفِ.

 

V

الطريقُ
الطريقُ واحدٌ

يطولُ

أو يبتعدُ

هذا شفيرُ الحافّةِ

أم كوبٌ

من البيرةِ

ربَّما شفتُكِ الشهيةُ

في كرسيٍّ

عريضٍ

أو الليلُ في أولِهِ

حين سمعتُ

أغنيةَ الجارةِ

خلسةً

قررتُ الحبَّ..

 

الهواءُ الراكدُ
لم أقرأْ كتابًا وسَلِمْتُ

كان الندمُ

والخوفُ حاضرين.

وكلَّما تعمّقتُ

في الغابةِ ضعتُ أكثرَ؛

فكمْ شجرةٍ

ماتتْ بصفحةِ كتابٍ!

كم غابةٍ مشتْ

في ظلِّ مكتبةٍ!

كلَّما فتحتُ كتابًا شمَمْتُ

هواءًا راكدًا..

وبقايا حياةٍ صغيرةٍ.

 

سرقةٌ
في يومٍ حارٍّ

جلستْ وحيدًا

تحت الشجرةِ

أفكّرُ في

حياةٍ طويلةٍ

فقيرةٍ

في خرافةِ الحبِّ

وَهْمِ العائلةِ

لم يسرقْ الحبُّ

فقط أيامي!

 

أحبُّكِ ميتةً
ستكلّم صديقَها عنكَ

تشكو له عذابَ الحبِّ ورعبَ المسافةِ.

ولما تمرُّ بكَ صامتةً لن ترى سوى النّدمِ، سوى كلماتٍ تنفرطُ باهتةً وميتةً، وأنتَ جالسٌ ككرسيٍّ نسيَهُ أصحابُهُ الميتون في الشّرفةِ؛ هكذا تلقطُ كلمةً واحدةً من الأرضِ تزرعُها على حافّةِ الشّرفةِ المهجورةِ تتفرعُ حروفُها في الفراغِ الميّتِ...

أ

ح

بُ

كِ

ميّتةً

 

الخلودُ الزائفِ
تذاكرين طويلاً
وتفكرين 
في الدنيا
والموتِ
والخلودُ الزائفُ
عن دمِنا 
الذي يمتدُّ 
في التاريخِ
والعالمِ
فالوهمُ راكدٌ 
ومخيّمٌ 
عنكبوتَ معدنيّةً

 

القاطرةُ
لا تندهينِي 
الندمُ 
يجرُّني

كقاطرةٍ خلفَهُ
كي أخشَّ

في البستانِ 
والغابةِ 
تنمو تحتَ

رصيفٍ
جهة البحرِ

 

الصخبُ والخرابُ
غلالةُ

من حزنٍ 
تغلّفُ قلبي
وندمٌ مرُّ 
ينضحُ حلقي
لا تكلميني

اليومَ
طويلٌ الصخبُ 
داخلي
وشهوةُ القتلِ
خربتَني

أيُّها القلبُ
أيُّها الحبُّ
جاهزٌ للخرابِ

 

فقدٌ
لا أملكُ

من البداوة:

سوى لهجةٍ؛ 
تميعُ

تحت لساني، 
وعواءٍ نحيلٍ؛ 
يزهرُ

في صمتي

الطويلُ

 

مشهدُ السّرابِ
لا أعدُكِ موتًا
ولا بالقوةِ
أعدُ
عالمي مشْرَعٌ
على الاحتمالِ
والأحلامِ...
الخرابُ 
يلمعُ بقوةٍ
أمام البحرِ
ومشهدِ الروايةِ
العريضِ
لم يكنْ سرابًا
ولا الروحُ 
التي تجلّتْ 
في سحابةِ الدموعِ

 

بحيرةُ العالمِ
تموتُ.. 
لا أملكُ بحيرةَ
العالمِ
ولا الندمَ..
لا أملكُ 

إلا الطريقَ

 

العواءُ
لستُ ذئبًا؛

لكنّ العواءَ 
يأخذُني لوادٍ

يضجُّ 

بخطى الراحلين،
وقمرٍ نحاسيٍّ

يشعلُني 

حنينًا وفقدًا

 

الأمثولةُ
لم أتركْ فسحةً
ليزهرَ فرحكِ

في ملحِ الآخرين
ولأنّني أغرسُ

مخلبي 
في جسدِكِ النابتِ 
من حدائقِ التكنولوجيا
وأمشي بجسدِكِ

في الطرقِ الكثيرةِ
لماذا علىَّ

أن أكتبَ اسمَكِ

في فمِ البحرِ
ولا أعي الأمثولةَ؟!

رؤيا
رأيتُ اللهَ

في الصحراءِ

هتفتُ من الدموعِ:

أنا صغيرُكَ

الضجرُ؛

فأرِنِي منّي شيئًا،

وانزعْ من قلبي:

نكتةَ المرأةِ البعيدةِ

في بلادِكَ

وشوكةَ

العشقِ السّامةِ

ثم انصرفتُ

أعدو وحيدًا

في الرمالِ والغبارِ

 

أمومةٌ

ترَيْنَنِي أمشي في عالمِكِ؛

فلا تبصرين

سوى وسامتي

لا تبصرين

أصابعي المهووسةَ بالحريرِ

ولا العواءَ المشتعلَ

تأخذينني من الكلماتِ

لا من فمي

من السلامةِ  لا من الحريقِ

هكذا أظلُّ ريحًا راكدةً

وزهرةً سوداءَ

في خرائبِ العالمِ

ذئبًا طريدًا أظلُّ

أبحثُ عن أمّي  الشجرةِ اليتيمةِ.

 

الأغنيةُ في الصّباحِ
يرفعون

أسماءَهم
من الطاولةِ
ويغنون

هادئين
كالبحرِ 
صباحًا

 

أثرُ الأمسِ
وأقتفي أثرَ الأمسِ 
مرعوبًا
الصخبُ يجرُّني 
في مهاوي الوقتِ
وأنتِ تعمّقين الجرحَ
وتبكين

كطفلةٍ كُسِرَتْ لعبتُها
أصعدُ أنزلُ
أقبعُ أجرى أبكي

أصرخُ أعوي وأنامُ

 

كأنّي وضعتُ نقطةً في أوّلِ السّطرِ.
كتبت النصوص في العريش على مقربة من نهاية صيف  2013 وخريف 2014.

 

سالم الشبانه
شاعر مصري يقيم بمدينة العريش
صدر له مجموعات شعرية:
الآخرون.. عن هيئة قصور الثقافة
شهوة لا تجفّ.. عن هيئة الكتاب سلسلة كتابات جديدة.

رتق ندوب عميقة.. دار المحروسة
للموت سمعة سيئة.. هيئة قصور الثقافة سلسلة حروف.

تحت الطبع مجموعات:

ثقوب سوداء

الشجرة تساقط جلودا كثيرة

كيف تصطاد بحرا بالكيبورد