في لحظة بياض وخواء، يعيد الشاعر اليمني كتابة سيرة حياة مسكوكة بتفاصيلها في جسد الشاعر، لذلك يعيد كتابتها رغبة في تصفية حساب مع الزمن، من خلال شعرية التفاصيل وتقاطعات ووشائج ذاتين نعبر الى مفارقات الزمن حين يصيبنا بالخيبة.

النهاية المحتملة ليست كما تبدأ

ونيس المنتصر

سافرت العصافير، وتركت لي:

أنشودة الصباح الملحنة بحناجرها

الناي كي أتعلم كيف أغني لوحدي ألحانها

صورها المعلقة على الشجر

عشها للذكرى

الندى على ثغر الأغصان كي أطعم ريقها

حكايتها كي اقرأها قبل النوم

لو أن الأشجار التي أهملتها يبست

أو الشمس نهضت قبل موعدها

لو صرخ صوتي بحنجرتها

مثل أغاني المطر الملطخة بصوت الرعد

لو صمت الرب

ماذا ستفعل العصافير إذن؟!

أيتها العصافير عودي

فأنا لا أجيد النسيان..

 

II

حين سقطت الغيمة على وجهي

ماتت الـأميرة التي كانت في قلبي

استيقظت أحلامي

لا يمكنني مَحْو وجهك من فنجاني

أو إزالة الوحشة العالقة في حائط غرفتي

أنّ لامست أنفاسكِ روحي

اطفئت الجمرة التي أعوي منها

يتوقف الحبر في قلمي

وأعض أصابعي ندماً

ذكرت لكِ اسم الوجع

كنت أعتقد أنكِ ستدلينني على العلاج المناسب

بعض من الهواء جف

وجفت الكلمات بترابكِ

الذي دثر كل ما كنا قد بنيناه
شوهتِ فرحتي تاركةً للهواء

أحلامي معلقة بأغصانكِ المتناثرة

لا تسمحين للحرارة أن تقبض على كلماتكِ فتصمتين

قولي أي شيء وشدي أوتاري

هل قرأتِ الألم الذي يتوجع بأوراق الأمس؟

هل وجدتيني في طريق عودتكِ من عملكِ المرهق؟

أم تريدينني أن أهبُ مع الرياح

ليسمع الآخرون صوت تهشم عظامي مختلطا بضحكتكِ

"البعيد عنك قريب"

هل أصبحت قريباً مثله؟

ارتطام الأحلام يخفق في القلب والطقس البارد يثقل الحركة

كم عزفتِ على أوتاري ولم تغنِ ..

ترين هل لازلتِ تقرئين لي؟

أم تسمعين لصوت حروف حاسوبك

هل لازلت تكذبين وتخلقين الأعذار؟

عاشقكِ الآخر يحجز أملي وينتظر حضوركِ

أنا فرحاً لأن شيء ما سيجلب لك السعادة

فليته يبقى بين أحضانك وأبقى أنا بلا وطن

 

III

الحياة ليست إلّا صرخات مكتومة في أنبوب ضيق

ولا أجد من يغويني عن بعض الذكريات

الجامعة:

أمر من أمام "fee coffee"
متقاعس من الصدف التي غالبا توجع

المستشفى:

أمر أمام الممرضات

اللواتي طردن نتيجة لارتكاب خطأ طبي

المطبخ:

ثمة نساء يجرحن المارة دون الحاجة الى سكاكين

وأخريات يداوين الجروح دون الحاجة لاستخدام مضادات حيوية

الحلم:

نساء تحولن الى أشباح يرافقنني في الكوابيس المزعجة

ذراعاي سيبقن مفتوحات

اذا من سيحضنني؟!

الغيومُ

أم

الرياحُ

 

IV

ملكة أخذتْ أشياءها من فرحي وأهدتها الى الذين عشقتهم
صاغت من تلك الخيانات تماثيل دثرتها الرياح

مثل تلك الوردة التي تحولت الى شوكة في عيني

وقد كنتُ قد ازهرت دموعاً،

أصبحت كالأرض الجافة من حنان المياه

أين ستضعين الدواء حتى لا يؤلمني الجرح؟!

الفرح التي أخذتِ منه أشياءك يقطر من أصابعك..!!

لا ليس التخلّي عن الأرض التي حملت أقدامك

أسهل من سقوطك من المدى الذي وصلت اليه

أن تكون خنجر

في أيادي الآخرين

كما لو أن تكون أنت القاتل..

 

V

في ضفاف الأغاني

كانت جثة إنسان تحاول النهوض كاللهب

جثة تبحث عمن يحتضنها برقصة

يغادر بها من المقابر، بعيدا عن عظام الموتى

جثة مقتولة بالندم وكذبة الانتقام

هكذا وبلحظة تغتسل الأمنيات بحوض من الدماء

صراخ من وسط الغابة بأصوات يخنقها الوجع

لا يتوقف مصاصين الدماء من البحث عن ضحاياهم

 

"الورم الخبيث مستحيل استئصاله"

هذا ما أجمع عليه الأطباء في كل أنحاء العالم

الرعشة من القادم يقين الأمهات

اللواتي يستيقظن على موت مزرعة

انهدام مدرسة وضريح من القتلى

كيف سنحيى؟!

نجمل أجسادنا المشلولة بمقاومة الموت

نودع الحبيبات بوضع ورده على شواهد قبورهن
حياة مفعمة بالضجر ولغة الصمت

بهواء تلوثه رائحة الموت

كيف سنحيى إذن؟!

حياة مفحمة بالرماد

 

VI


كُل كلماتي العاجزة
عن توصيل ما يخطر في بالي
لفظتني لك ولم تعني لك شيء،
لأنك النار
في أمعاء الشوق
يصعب علي إطفائك
وجهك فقط

لفظَ مالم تقولهُ لي
الطريق

التي تتجه نحوك

أصبحت غريبة
رأيتك أمس في ظل لشمعتي
ألا تلتقينني في دمعتك
أم أنك لم تبك
ِ قط
من قساوة الأحجار
يذرفُ النهرُ المياه الى الشاطئ
الشّك
أحياناً ينقض الوهم
التنبؤ

هواية المجانين
هؤلاء القادمون بفرح
الذين يجمعون الخوف خلفهم
ثم لا يرعبوا إلا أرواحهم
التي لا تعرف سوى ظلها
الابتسامة العابرة

على الجدران المحيطة بي

سرقَتْ

كنتِ تعبرين

تلونين الطريق

وتمحين الأشواك
الآثار مازالت على الطريق
"الخربشة"

تشير إلى أن هناك لعبة لم تنتهي بعد
يجب أن يخفى الأثر

أو تنتهي اللعبة
آمل أن أراكِ غداً

تغسلين الماضي

وتخضبين يدكِ

بأحلام المستقبل

لستِ مرحلتي الأخيرة في هذهِ الحياة

فقظ كنتِ لي مساحة فيها

وبالأخر أنتِ قدر نفسكِ..


شاعر وكاتب من اليمن
waneesalmontser@gmail.com