الكيان الصهيوني عصا الغرب الطويلة أم خاصرته الضعيفة

مصطفى يوسف اللداوي

كثيراً ما كنا نسمع أن الكيان الصهيوني هو شرطي الغرب والولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، تماماً كما كنا نسمع أن إيران الشاه كانت شرطة أمريكا في منطقة الخليج العربي، يستخدموهما كعصا للتهويش والتأديب، والتهديد والتخويف، والترويع والترهيب، وأحياناً للردع والزجر، وذلك بما تيسر لهما من قوة، وما توفر عندهما من سلاحٍ حديثٍ وفتاك، أغلبه من الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية، وقد كانتا متعاونتين معاً ومتحالفتين، وربما نجحتا نسبياً في إيهام المنطقة أنهما وكيلا القوى العالمية، وحراس القانون الدولي، وأداة الزجر الدولية، وأنهما يتسلحان بامتيازاتٍ وصلاحياتٍ سيادية، لا ينبغي لأحدٍ تجاوزهما أو الاعتراض عليهما، أو محاولة كسر النظام القائم، لئلا يقع تحت ضربات الشرطة التي لا ترحم ولا تغفر.

ربما أن الحقيقة فيما يتعلق بالكيان الصهيوني هي عكس ذلك تماماً، وإن حاول أن يوهم نفسه والعالم أنه الشرطي المؤتمن، والعصا المجربة، ومحل الثقة والأمان، وعنوان الرهان ومحل الضمان، إذ لم يكن يوماً عصاً بيد الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، ولا أداةً بأيديهم يوجهونها حيث يشاؤون، ويستخدمونها حيث يريدون، ويأمرونها بما يرغبون، ويزجرونها عما يكرهون، ويوجهونها حيث يستفيدون وينتفعون، ويبرزون قوتها عند الحاجة، ويظهرون مشكلتها عند الأزمة، وهي لم تقاتل يوماً عنهم بالنيابة، ولم ترسل باسمهم رسائل تهديد أو نذر وعيد، ولم يستخدمها أحدٌ لفرض النظام، أو استعادة الهيبة، أو تأديب تنظيمٍ أو دولة.

بل إن الغرب والولايات المتحدة الأمريكية هم الذين يقاتلون نيابةً عنه، ويستبسلون لحمايته والدفاع عن وجوده، ويدفعون له الكثير ليرضى، ويضحون بما يملكون ليشعر بالأمن، ويستقر به الحال، وإن كانت مساعدتهم له على حساب مواطنيهم ورفاهية شعبهم، ومن جيوب دافعي الضريبة من عمالهم وتجارهم وموظفيهم وأرباب العمل لديهم.

دوماً الكيان الصهيوني يعمل لصالحه، ويشتغل لنفسه، ولا يقبل أن يكون وكيلاً لأحد، أو نائباً عن آخر، بل يحرص منذ أن تأسس على أن يكون أصيلاً في دوره، وواضحاً في فعله، وقاصداً في تصرفه، وسيداً في سياسته، ولا يهمه من يعارضه، ولا يصغي السمع لمن يهدده، ولا يستجيب لمن يخوفه، ولا يمتنع عن فعلٍ هو يريده، لأنه يعلم أن أحداً لن يقوَ على الضغط عليه، أو الإساءة إليه، أو اكراهه على القبول بما لا يريد، أو النزول على ما يكره، ارضاءً لخصم، أو توفيقاً لحل، أو جسراً لهوة، وحلاً لمشكلة.

الكيان الصهيوني يدرك أنه مقربٌ من الولايات المتحدة ودول أوروبا، وهو عندهم مدللٌ ومستجابُ الطلب وملبى الرغبة، يسمعون لشكواه، ويصغون لأنينه، ويهبون لنجدته، ويسرعون لمساعدته، ويقلقهم أمنه، ويزعجهم خوفه، لا لأنهم في حاجةٍ إليه وإلى قوته، وأنهم بحاجةٍ إلى يده القوية، وذراعه الطويلة، وكلمته الخشنة الرادعة، وأنه يساعدهم في تنفيذ خططهم وتمرير مشاريعهم، وأنه شرطيهم في المنطقة وحارسهم في الإقليم، والأمين على مصالحهم الاستراتيجية، فهم ليسوا في حاجةٍ له، فقد اشتروا أنظمة المنطقة ورهنوا سياستهم إليها، وربطوا اقتصادهم بها، وجعلوها لهم تبعاً ولجسمهم ذيلاً، فلا خوف منها، ولا قلق من جهتها، ولا حاجةَ لقوةٍ تردعهم، أو شرطيٍ يؤدبهم، فهم مؤدبون ومرعوبون وخائفون.  

لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية ومعها بريطانيا وفرنسا في حاجة، كما لم تكن من قبل، لتخزين أسلحتها في الكيان الصهيوني، إذ أن لهذه الدول منذ عقودٍ طويلة قواعد ضخمة في مختلف الدول العربية، وفيها جنود وضباط من مختلف القطاعات، وفيها ترسانات مهولة من الأسلحة المتطورة والحديثة والفتاكة، التي تخضع بالكلية للسيادة الأمريكية والأوروبية، ولا يحق للدول المستضيفة الاعتراض عليها، أو رفض عملها، حتى ولو وجهت إليها أسلحتها، واستخدمتها في بلادها ضدها وضد مصالحها الحيوية والاستراتيجية، وقد تبين بالتجربة أن الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا قد استخدموا قواعدهم العسكرية في كلٍ من السعودية والكويت وقطر والأردن والإمارات، في عمليات الحلفاء العسكرية في العراق وسوريا، دون أن تكون في حاجةٍ إلى استخدام قواعدها في الكيان الصهيوني.

علماً أن الكيان الصهيوني يطمح أن يكون جزءاً من أي حلفٍ دولي يتشكل في المنطقة، يشارك في العمليات الحربية، ويساهم في تحقيق الأهداف الدولية، ويشارك في المناورات الإقليمية المختلفة، لكنه يدرك أن الولايات المتحدة الأمريكية ومعها دول الناتو في غنىً عنها، ولا تتعلق مشاريعها بها، ولا تتوقف عليها، وقد تتم بصورةٍ أفضل بدونها وبعيداً عنها.

تدرك دول الحلفاء أن الكيان الصهيوني عامل تمزيقٍ وفرقة، فهي باشتراكها في أي حلفٍ يتعلق بالمنطقة تؤذي إلى تفككه، وتشوه سمعته، وتشكك في نيته، وتتسبب بفشله، وقد تنقلب الصورة ويتغير الحال ويصبح الكيان الصهيوني هو الهدف، وعليه تطلق الصواريخ، وتضرب بالنيران من كل اتجاه، فمشاركتها محرجة، ودورها يخرب الجهود، ويضيع الأهداف، ويعود بنتائج غير مرضية.

الكيان الصهيوني ليس شرطةً ولا عصا، ولا حارس ولا كفيل، ولا ضامن ولا مدافع عن المصالح الغربية، إنما هو في الحقيقة عبء على الغرب، ومشكلة ملقاة عليهم، وهم يعلمون أن الكيان الصهيوني غاصبٌ ومحتل، وقاتل ومجرم، وعنصريٌ ودموي، لكن الحركة الصهيونية تحسن الاستفادة من أوراق القوة لديها، وتعرف كيف تمسك العصا ومتى تستخدمها، فهي تشكل لوبياتٍ ضخمة، وجماعاتِ ضغطٍ مؤثرة، تتحكم في القرارات السيادية للدول، إن لجهة السياسة أو الاقتصاد، أو الإعلام والقضاء.

للأسف إن الكيان الصهيوني الذي فشل في أن يكون شرطياً للولايات المتحدة الأمريكية والغرب في منطقة الشرق الأوسط، قد ينجح وبجدارةٍ في أن يكون شرطياً للأنظمة العربية وحامياً لها، وحارساً لعروشها ومراكزها، وعيناً تراقب لهم، وتحفظ أمنهم، وتسهر على راحتهم، وتزودهم بكل ما يحتاجونه من معلوماتٍ وبياناتٍ ليكونوا في مأمنٍ عن أي خطر، وبعيداً عن أي قلق، وبذا تصدق المقولة بأن إسرائيل شرطي المنطقة، ولكنها شرطية بموافقة الأنظمة العربية ومن أجلهم، تضمن وجودهم، وتحقق أهدافهم.