يقدم الباحث المصري، الذي تميز ببحثه الجاد في تاريخ المسرح المصري الحديث، وجمعه الرصين لمصادره المختلفة، هنا دراسة ضافية عن أدائية تراثية من قديم الثقافة العربية. فيتناول سيرة خيال الظل ووميزاته من وجهة نظر فنية وأدبية، ويتتبع مسيرته منذ ابن دانيال وصولا إلى آخر فنان شعبي مارس هذا الفن الفريد.

مسرحُ خَيَالِ الظِّلِّ من ابن دانيال إلى حسن خنوفة

نبـيـل بهـجت

مقدمـة:
أكد كثير من النُّقَّاد أن مسرح خَيَال الظِّلّ نموذجًا متكاملاً للمسرحية من حيث الشكل والمضمون، وإن كان التمثيل فيه من خلال وسيط، ولم ينقطع النص المسرحي لخَيَال الظِّلّ عن الأدب العربي، بل جاء متأثرًا بالمقامات(1)، وهو ما يدفعنا إلى اكتشاف الظواهر المسرحية العربية بعيدًا عن الآراء التي ترى أن المنتج الغربي للمسرح هو النموذج الذي يجب أن يُحتذى ويُقاس عليه(2).

فالمسرح العربي عرف أشكالاً مختلفة ومتنوعة من فنون الأداء التي تداخلت في الحياة اليومية وأصبحت جزءًا من مكوِّناتها. ولقد توارى هذا الفنّ وأخذ في التلاشي شيئًا فشيئًا حتى كاد يختفي تمامًا لولا جهود بعض المخلصين لاستنهاضه مرة أخرى.

وتحاول هذه الدِّراسة تتبُّع نشأة وتطور مسرح خَيَال الظِّلّ المصري عبر العصور المختلفة وصولاً إلى آخر فنَّان شعبيّ وتتبع أسماء المخايلين الذين ذُكروا في المراجع المختلفة، والوقوف على الأشكال المختلفة لمسارح خَيَال الظِّلّ وكذلك للدُّمَى قديمًا وحديثًا، كما تتناول الدِّراسة موضوعات البابات المختلفة ودراسة بنية بابات حسن خنوفة، آخر ما وصل إلينا من بابات، مقارنةً بنصوص ابن دانيال، أقدم وأرقى ما وصل إلينا من نصوص ظلِّيَّة، للوقوف على التغيُّرات التي طرأت على مسرح خَيَال الظِّلّ شكلاً ومضمونًا، كما تقدِّم الدِّراسة نصوص بابات حسن خنوفة، من واقع التسجيل الذي قمت به  لآخر عرض له عام 2004، حيث توُفِّي خنوفة في ذات العام، وقدم فيه ثلاث بابات: "الصيَّاد" و"العساكر" و"علم وتعادير"، ولم يشر أيٌّ من الدراسات إلى بابة تحمل اسم "العساكر"، بل لم تتشابه أحداثها مع أي من البابات الأخرى.

وتعتمد هذه الدِّراسة على المنهج الوصفي التحليلي في محاولة لتتبُّع نشأة وتطوُّر شكل المسرح الظلِّيّ بكل مكوِّناته عبر العصور المختلفة، ثم الوقوف بالتحليل على نصوص حسن خنوفة ودراستها.

وتجدر الإشارة إلى أن مصطلح "خَيَال الظِّلّ" هو "إضافة مقلوبة صحتها: ظل الخيال، بيد أن المهتمِّين والدارسين والباحثين آثروا هذه التسمية تركيزًا للانتباه على الخيال الذي ينعكس الظل عنه"(3).

كما أن "البابة" هي "لعب خَيَال الظِّلّ"(4).

ويعرفها البعض على أنها: "النص الذي يحرِّك المُخايِلُ شخوصَه على أساسه"(5).

ويستخدم البعض كلمة "لعبة" و"فصل" للإشارة إلى عرض خَيَال الظِّلّ، إلاَّ أنه من المتعارَف عليه في الدراسات استخدام مصطلح "بابة" للإشارة إلى النص المسرحي لخَيَال الظِّلّ وهو ما ستعتمد عليه الدِّراسة.

خَيَال الظِّلّ

النشأة والمكوِّنات:
تشير المراجع إلى أن العرب عرفوا هذا الفنّ للمرة الأولى في العصر العباسي، وكان مجيئه إلى مصر في عصر الفاطميين في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي(6)، ويرى البعض أنه "ظَلَّ حبيسًا في قصور الفاطميين لتسلية الأمراء وضيوفهم المقرَّبين إليهم، ثم خرج بعد ذلك إلى الشعب ليسهم في الترويج للدعوة الفاطمية"(7).

وعندما تولى صلاح الدين الأيوبي الأمور سأل القاضي الفاضل عنه فأجابه: "رأيته موعظة عظيمة، رأيت دولاً تمضي ودولاً تأتي"(8).

"وكان لسلاطين مصر ولع به بعد ذلك، حتى حمله السلطان شعبان معه لمَّا حج سنة 787هـ.. كما أن الظاهر جمقمق أمر سنة 855 بإبطال اللعب به وإحراق شخوصه"(9).

واختلف الباحثون حول الموطن الأصلي له، حيث يرى البعض أن الهند هي التربة الأولى التي نشأ فيها هذا الفنّ، ويربط البعض الآخر نشأته بالصين معتمدًا على أسطورة شاعت وانتشرت حيث "يُحكَى أنه كان هناك إمبراطور صيني يُدعَى ودني توُفِّيَت زوجته ولم يستطع أن ينسى ذكراها، حتى اضطربت أمور دولته واعتلَّت صحَّته.. وكان أن أعملَ أحدُ رجال الحاشية ذكاءه وصنع للسيدة المتوفَّاة خيالاً يظهر منعكسًا على شاشة بفعل ضوء يصدر من إحدى ردهات قصر الملك.. وهكذا ظهر لأول مرة خَيَال الظِّلّ"(10).

ويرجح إبراهيم حمادة أن تكون الصين هي الموطن الأصلي لهذا الفنّ حيث يقول: "إذا كان زوال المَخاِيل الآن في الهند ووجودها في الصين لا يدلِّل على مولدها الصيني فإننا نميل تبعًا لقوة الموروثات العَقَديَّة والاجتماعية إلى الترجيح بصينية المنشأ"(11).

ويقف عبد الحميد يونس موقفًا أشمل إذ يقول: "ومهما يكن من شيء، فإن الباحث المدقِّق يستطيع أن يرجع نشأة خَيَال الظِّلّ إلى الشرق الأقصى، وأن يجعل مهده في منطقة متسعة لا يمكن تحديدها على التحقيق، تشمل الهند والصين معًا"(12)، ويوجز سيرة هذا الفنّ في قوله: "نشأ في الشرق الأقصى، واتخذ الزيَّ الفارسي وواكب الحياة الإسلامية، وأسهمت الطبقات الوسطى في إثرائه، واستقرَّ آخر الأمر في القاهرة فازدهر، ثم انتشر ونفذ إلى ربوع العالم العربي"(13).

فنَّانو خَيَال الظِّلّ:
يُذكر أن الإشارات الأولى لهذا الفنّ كانت في كتابات "لطاف الحكمة للمسبحي" في القرن الخامس الهجري، حيث قال: "إن الناس بمصر كانوا يخرجون في بعض الأعياد ويطوفون الشوارع بالخيال والتماثيل.."(14)، ويَنسُب إلى ابن عبد الظاهر بيتين يشير فيهما إلى أحد أعلام خَيَال الظِّلّ في القرن السادس الهجري هو جعفر الراقص، حيث يقول:

إياكم أن تنكروا جعفرًا* * *ذاك الخياليّ وأصحابَهْ

فنيل مصركم له جعفرٌ* * *مختلفٌ يخرج في بابَةْ(15).

وعرف القرن السابع الهجري ابن دانيال، وهو أشهر المخايلين الذين قدَّموا هذا الفنّ في مصر، وربما جاءت شهرته من أن مخطوطاته ما زالت محفوظة حتى اليوم ويصفها البعض بأنها أرقى ما وصل إلينا من بابات، وهو: شمس الدين محمد بن دانيال بن يوسف الخزاعي الموصلي، هاجر من بغداد إلى سوريا عقب غزو التتار لها ثم انتقل بعد ذلك إلى مصر وعمل كحَّالاً، وترك لنا ثلاث بابات: "طيف الخيال" و"عجيب وغريب" و"المتيم والضائع اليتيم"(16).

ويشير شمس الدين محمد الدمشقي في كتابه "حوادث الزمان" إلى أن مخايلاً عاش في القرن الثامن الهجري عُرف باسم "المخايل الذهبي" وأن محمدًا بن هذا المخايل كان يشترك مع والده في تقديم العروض الظلِّية(17).

ويشير كتاب "نزهة النفوس ومضحك العبوس" إلى أن بن سودون البشبغاوي الجركسي المصري، من أعلام الأدب المصري الساخر في مصر المملوكية، من مواليد القرن التاسع الهجري، وُلد في 810هـ-1407م بالقاهرة، وغلبت عليه موهبته في المزاح والمرح حتى اشتهر بها واتخذ خَيَال الظِّلّ وسيلة للعيش(18).

وتأتي حوادث ابن إياس في عام 923هـ لتنقل لنا نصًّا اعتمد عليه معظم الدارسين والباحثين لإثبات وجود هذا الفنّ في القرن العاشر الهجري وتأكيد أنه انتقل من مصر إلى تركيا مع ما انتقل من فنون وحِرَفٍ إبّان الفتح العثماني، حيث جاء فيها: "أُشيعَ أن السلطان سليم شاه لما كان بالمقياس أحضر في بعض الليالي خَيَال الظِّلّ، فلما جلس للفرجة قيل إن المخايل صنع صفة باب زويلة وصفةً للسلطان طومان باي لما شُنق عليه وقُطع به الحبل مرتين فانشرح ابن عثمان لذلك، وأنعم على المخايل في تلك الليلة ثمانين دينارًا، وخلع عليه قفطانًا مُخمَلاً مُذَهَّبًا، وقال له: إذا سافرت إلى إسطنبول فامضِ معنا حتى يتفرج ابني على ذلك(19).

وتؤكد هذه الحادثة أن مصر كانت المصدر الذي انتقل منه خَيَال الظِّلّ إلى تركيا، وهو ما أشار إليه كثير من الدراسات(20).

وعُثر في مخطوط "ديوان كدس" الذي يعود إلى القرن الحادي عشر الهجري على إشارات للمخايل داود العطار المناوي حيث نظَم زجلاً كان يؤدَّى في بعض عروضه عن حياته ومهنته القديمة، وجاءت إشارات أيضًا لعليّ نخلة الذي اشترك معه في وضع إحدى هذه البابات، وجاءت الإشارة أيضًا إلى الشيخ سعود الذي كان يعيش في عصر متقدم على داود المناوي(21).

ويسجل العلاَّمة أحمد تيمور حالة هذا الفنّ في بداية القرن الرابع الهجري مشيرًا إلى بعض فنانيه، فيقول: "كان للناس شغف بالخيال في مصر حتى أوائل القرن الرابع عشر الهجري، فكانت له سوق نافعة في الأعراس، قلَّ أن يقام عرس لا يلعب الخيال في إحدى لياليه، وكانت له قهاوٍ يُلعَب فيها، إلى أن اخترع الإفرنج الصور المتحركة، وكثرت أماكن عرضها في مصر، فانكبَّ الناس عليها وهجروا أماكن الخيال فأُبطِلَت واقتصرت على اللعب في الأعراس على قلَّته، حتى كَلَّ المشتغلون به، وكاد يُدرَّس في ما دُرِّس من الأشياء القديمة، وآخر من أدركناه قديمًا بالفن على الطريقة القديمة من الإجادة في تحرير الأزجال، وإتقان صور الشخوص(22)، الحاج حسن القشاش، ثم قام من بعده ولده الأسطى درويش". ويحتفظ متحف الجمعية الجغرافية في القاهرة بمجموعة من دُمَى خَيَال الظِّلّ يغلب الظن أنها كانت ملكًا لحسن القشاش حيث كُتب اسمه على واحدة منها.

ويؤكِّد(23) صابر المصري أن عددًا من لاعبي الأراجوز كانوا يقدمون هذا الفنّ في خمسينيات القرن الماضي، ومنهم محمد أبو الروس ومحمود على صالح ومصطفى الروبي، ويشير حسن خنوفة(24) (الذي يُعَدُّ آخر الفنانين الشعبيّين الذين كانوا يقدمون هذا الفنّ، والمتوفَّى عام 2004) إلى أنه تلقى هذا الفنّ من أحمد الكومي والفسخاني اللذين استمرَّا في تقديم عروضهما حتى عام 1986، وأخذ عنهما خنوفة بابات "علم وتعادير"، و"الصيَّاد"، و"العساكر".

مسرح خَيَال الظِّلّ:
نقلت لنا المشاهدات أوصافًا مختلفة للمسارح التي كان يقدم من خلالها خَيَال الظِّلّ حيث يصف أحمد تيمور أحد تلك المسارح بقوله: "يتخذون له بيتًا مربَّعًا يُقام بروافد من الخشب ويُكسى بالخيش أو نحوه من الجهات الثلاث، ويُسدَل على الوجه الرابع ستر أبيض يُشَدُّ من جهاته الأربع شدًّا مُحكَمًا على الأخشاب وفيه يكون خمسة في العادة، منهم غلام يقلِّد النساء، وآخر حسن الصوت للغناء، فإذا أرادوا اللعب أشعلوا نارًا قوامها القطن والزيت تكون بين أيدي اللاعبين، أي بينهم وبين الشخوص، ويحرك الشخص بعودين دقيقين(25) من خشب الزَّان يمسك اللاعب كل واحد بيد فيحرك بها الشخص على ما يريد".

ويشير يعقوب لندواه إلى وجود مسرح لخَيَال الظِّلّ في القاهرة في بداية القرن العشرين أضيف إليه مسرح آخر سنة 1903، لكنه سرعان ما أغلق، ويصف أحد المسارح التي رآها فيقول: "فوق منصة تقام في [مقر] لها خارج مقهى أو مكان خاصّ، وفي مناسبات معيَّنة بذاتها كحفلات الزواج مثلاً، تُعَلَّق قطعة من قماش رقيق شفاف [لينوه] ويتسلط عليها ضوء قوي من الخلف.. ويتم تركيب الأشكال في ألوان زاهية، ومن جلد شفَّاف وارتفاعه يبلغ نحوًا من ثلاثين إلى سبعين سنتيمترًا.. وأكثر هذه الأشكال إتقانًا منسوخ من النماذج القديمة، وإن كانت هذه الأشكال في الأقاليم أبسط وأقل تعقيدًا، ويحرِّك المقدِّم الأشكال عن طريق عِصِيٍّ تُولَج في ثقوب.. ولا يستطيع وحده إلاَّ في ما ندر تحريك جميع هذه الأشكال بنفسه، لذا يستأجر بعض المساعدين.. ويساعد المقدم أيضًا أربعة مساعدين موسيقيين، اثنان منهم يدقَّان الدفوف والثالث ينفخ المزمار والرابع يدق الطبلة"(26).

ويقِّدم عبد الحميد يونس وصفًا لدار ثانية كان يتردد عليها في صباه فيقول: "كانت هذه الدار تقوم بعد الحرب الكبرى الأولى عند مدخل فم الخليج بحي السيدة زينب، وكانت الدار عبارة عن ردهة متسعة واحدة، تشبه تمامًا الفسطاط الذي يقام في الأعراس، ولم يكُن الدخول إليها بأجر يُدفع عند الباب ومحدَّدًا ببطاقة، ولكن كان حرًّا، وكان التمثيل ينقطع بعد تمهيد من هذه الاستراحة ويدفع النظارة كلٌّ حسب طاقته ما يشبه النقطة. وفي الناحية المغلقة من تلك الردهة المتسعة، أي قبالة بابها، وُضعَت منصة يمكن أن نطلق عليها اسم [المسرح] ولكن لم يكُن مسرحًا يؤدِّي إلى ما بعده من ممرات وإنما استعرضته شاشة بيضاء وراءها مصباح من الجلد، وأغلب الظن أن تلك الرسوم كانت تتحرك على قضبان فتظهر خلالها على الشاشة أمام الجمهور.."، ويشير إلى اثنين كانا يقومان بتحريك الرسوم يعاونهما اثنان آخران، كما خلا العرض من النساء(27).

ويشير فاروق خورشيد إلى طبيعة أدوار الفريق فيقول: "الفرقة العاملة تتكون من الريس حافظ البابات وصبيّ يؤدِّي الأدوار النسائية ومغنٍّ عازف وملحِّن عازف"(28).

أمَّا الصورة الأخيرة لمسرح خَيَال الظِّلّ التي كان حسن خنوفة يقدِّم من خلالها عروضه فكانت عبارة عن "شاشة من قماش قطني أبيض يشد على إطار خشبي يشكِّل مستطيلاً طوله 240 سم تقريبًا وعرضه 140 سم تقريبًا، يغطَّى الجزء السفلي بستارة سوداء بطول 120 سم تقريبًا، وتسمح هذه الستارة بحجب أقدام اللاعبين خلف الشاشة، وعلى هذا يكون طول الشاشة 120 سم وعرضها140 سم، ويوضع مصباح كهربائي خلف الشاشة بحيث يسقط الضوء أمام اللاعب مِمَّا يمنع ظهور ظلِّه على الشاشة، وتُفَكُّ الشاشة بعد العرض لتتحول إلى مكوِّناتها الأولية.

ويؤدَّى العرض من خلال أربعة لاعبين: الريس (حسن خنوفة) الحافظ للبابات، ومساعد دائم يلقنه خنوفة طوال الوقت ما ينبغي أن يقوله، وعازفين يساعد أحدهما في تحريك الشخوص في بعض الأحيان.

عرائس خَيَال الظِّلّ:
تختلف عرائس خَيَال الظِّلّ في العروض القديمة عن تلك المستخدمة الآن، ولقد حفظ متحف الجمعية الجغرافية بالقاهرة مجموعة نادرة ومميزة من العرائس التي ربما تعود ملكيتها إلى حسن القشاش والتي وصفها تيمور بقوله: "تتخذ الشخوص من جلود البقر وهي في الغالب جلود تُعمَل منها أعكام للعشبة التي تأتي من السودان ليتداوى بها، فيشتري بعضَها لاعبو الخيال ويصوِّرون منها ما يشاؤون من الشخوص ثم يصبغونها بالأصباغ على ما تقتضيه ألوان الوجوه والثياب وأجسام الحيوان وجذوع الأشجار وأوراقها وثمارها وأحجار المباني وغير ذلك، بحيث إذا عُرضت الصور أمام ضوء النار المشتعلة ظهرت زاهية بهيَّة لشفوف تلك الجلود"(29).

وتعتمد هذه الدُّمَى على تكرار الوحدات الزخرفية من خلال ثقوب تشكل البنية الداخلية للدمية، تعتمد في تشكيلها الأساسي على التجريد والإيحاء لتكتسب دلالتها من خلال مفهوم إدراكي كُلِّي لشكل الدُّمْيَة، فالمنتج المطلوب ليس الدُّمْيَة، وإنما ظلها، وتعتمد الظلال في تكوينها على الشكل الكلي كما تتَّسم بالتجريد، واعتمد بعض الدُّمَى في تكوينه على تجسيد التفاصيل بشكل واقعي مثل دمية "علم" داخل الهودج التي احتفظ بها متحف الجمعية الجغرافية، فالقراءة الدلالية تكشف عن فهم فنَّان خَيَال الظِّلّ السياقَ الاجتماعيَّ وإدراكِه طبيعةَ العَلاقات، كذلك أدرك فنَّان خَيَال الظِّلّ آنذاك قوانين صناعة النمط من خلال التحكم في النِّسَب والتركيز على عيوب معيَّنة وربما كانت دمية "الرخم" من أدل النماذج على ذلك، كما نلمح اهتمامه بالتفاصيل المعمارية كما في دمية "المنارة" التي تزدحم بالشخصيات ذات الأدوار المختلفة، فهناك من يراقب البحر ومن يجهِّز المدفع ومن يحرس الأبواب، وغيرها، بشكل يجعلنا نشعر أننا أمام أحد تصميمات منارة الإسكندرية. ويتكون هذا النوع من دُمَى خَيَال الظِّلّ من قطعة واحدة أو اثنتين مِمَّا يجعلها محدودة الحركة. ويمكننا أن نفرق بين نوعين من الدُّمَى التي كانت تستخدم في ذلك الوقت:

- القوصرة: وهي عبارة عن تشكيل معماري توضَع علي يمين الشاشة وتتكون من قطعة واحدة.

- الدمي المتحركة: تتكون من قطعتين أو ثلاث قطع.

وأخذ هذا الثراء في صناعة الدُّمَى يختفي تدريجيّا حتى وصلت إلى حالة يُرثَى لها مع خنوفة الذي اعتمد على قِطَع "الكرتون المُصمَت" دون أي زخارف أو نقوش بشكل أعلن عن احتضار هذا الفنّ فلم يهتمَّ بالتفاصيل الزخرفية أو الألوان أو غير ذلك، ولم يستخدم الجلد إلاَّ مع دمية المقدم ودمية الضابط فقط.

أمَّا عن دُمَى خَيَال الظِّلّ الحديثة فيختلف تصميمها حيث تعتمد على ستَّة عشر مِفصَلاً، وهو ما يُكسِبُها مرونة فائقة في الحركة بالإضافة إلى الاهتمام بالألوان، وتُصنَع الدُّمَى الحديثة من جلد الحمار وهو ما يعرف بـ"جلد الميتة"، ويتكون الرأس من قطعتين، وهو ما يتيح حركة الفك، وتتحرك من خلال عِصِيٍّ تُثَبَّت في الرأس وأخرى في كفِّ الدُّمْيَة.

بابات خَيَال الظِّلّ:
قدم العلامة أحمد تيمور وصفًا لعدد من البابات التي كانت تؤدَّى في عهده، وهي "علم وتعادير" و"التمساح" و"أبو جعفر" و"الشوني" و"الأولاني" و"الحجية" و"الحمام" و"التياترو" و"القهوة" و"الشيخ سميسم" و"العجائب" و"حرب السودان"(30) ، ونشر فؤاد على حسنين بابة "لعبة المنارة"(31)، وقدَّم عبد الحميد يونس ملخَّصًا لعدد من البابات، منها "حسن ظني" و"حرب العجم"، وهي أشكال متقاربة من بابة "المنارة القديمة"، وقدم إبراهيم حمادة(32) تحقيقًا لـ"طيف الخيال" و"المتيَّ والضائع"، كذلك أشار المستشرق يعقوب لندواه في كتابه "دراسات في المسرح والسينما عند العرب" إلى عدد من عروض خَيَال الظِّلّ التي كانت تقدَّم في بداية القرن العشرين، منها "التمساح" و"المركب"، وأخرى عن أسواق القاهرة، وفصل "المهندس" "وعلم وتعادير"، وفصل "عجائب البحر"(33).

ويقسم فاروق سعد بابات خَيَال الظِّلّ المصرية حسب موضوعاتها فيجعلها على قسمين:

1- موضوعات طويلة: بابة "المنار القديم"، وبابات ابن دانيال، وبابة "الشيخ طالح وجاريته السرّ المكنون"، وبابة "حرب العجم" أو "المنارة الحديثة"، وبابة "علم وتعادير" و"التمساح والشوني" و"الشيخ سميسم وأبو جعفر والقهوة".

2- موضوعات قصيرة: فصل "إعدام السلطان طومان باي" و"مسطرة خيال"، و"منادمة أم مجير" وبابة "الفيل المرتجل" وبابة "الحمام" وبابة "التياترو" وبابة "المهندس" وبابة "العاقل والمجنون" وبابة "الأولاني" وبابة "العراف" وبابة "العجائب" وبابة "الحجية" وبابة "المعركة البحرية بين النوبيين والفرس"(34) وبابة "حرب السودان" وبابة "قفة البلح والبطيخ". وفي لقاء مسجَّل مع حسن خنوفة(35) أشار إلى فصل "البحر والمركب" على أنها من العروض التي لم تَعُدْ تُقَدَّم بينما قدم ثلاثة عروض: "الصيَّاد" و"العساكر" و"علم وتعادير"، واللافت للانتباه أن آخر ما وصل إلينا كان ثلاث بابات قدمها حسن خنوفة، وهو نفس عدد البابات التي خلَّفها ابن دانيال.

موضوعات مسرح خَيَال الظِّلّ:
تنوعت موضوعات خَيَال الظِّلّ بين النقد السياسي والاجتماعي وتصوير العلاقة مع الآخر، كما كان للتسلية والترفيه نصيب من تلك العروض، وقدمت بابات ابن دانيال نموذجًا للنقد السياسي والاجتماعي، حيث تدور بابة طيف الخيال(36) حول توبة الأمير وصال وبحثه عن الاستقامة والصلاح فيفضِّل الزواج عن طريق الخاطبة أم رشيد التي تُوهِمُه بأن لديها عروسًا جميلة ويكتشف ليلة عرسه أنه تزوج بأقبح امرأة على وجه الأرض فيطلِّقها، وتموت الخاطبة، ويذهب للحج. وتحمل البابة نقدًا مباشرًا لأسلوب الزواج من خلال الخاطبة، وتكشف حِيَل الأمير الذي يسعى من خلال إعلانه توبته إلى إعادة قبول الناس له على المستوى السياسي بعد الهزيمة التي لحقت به على أرض الواقع، إلاَّ أن أفعاله تفضحه، فبدلاً من مقاومة التتار نراه يبحث عن عروس جميلة، ويحمل الأمير في ذاته جميع أشكال التناقض، وهو ما يعكس فساد المعايير واختلال منظومة القيم.

وتأتي نمر الصيد الثلاث "التمساح" و"الأولاني" و"العجائب"(37) لتتناول موضوعًا واحدًا يتشكل من خلال الصراع اليومي للحصول على الرزق، وهو ما يبدو واضحًا في "الأولاني" من ملاحقات السلطة التركية للصيَّاد المصري ومحاصرة مصادر رزقه، وفي "العجائب" يقتل المقدم الصيَّاد بعد أن يفشل في الحصول على ما اصطاده، ليتحول الصراع على الرزق إلى مستويات الحياة والموت، وهكذا دفعت السلطة السياسية بتضييقها في بابة "الأولاني" إلى أن يتقاتل الناس على الرزق في بابة "العجائب"، أمَّا بابة "التمساح" فربما حملت إشارة إلى ضرورة التوحد للتخلُّص من المستبدِّين، فبعد أن يبلع التمساح الفلاح المصري يأتي البربري والمغربي ليُخرِجَاه، وتعرض البابة بشكل عامٍّ لجمال الحياة في الريف المصري.

وتعرض بابة "عجيب وغريب"(38) عددًا من أنماط النقد الاجتماعي من خلال تقديم نماذج لبعض أصحاب المهن الذين حولوا مهنهم إلى وسيلة للاحتيال على العامَّة وإيهامهم بإمكانية تحقيق المعجزات.

كذلك تقدم بابة "الشيخ طالح وجاريته السر المكنون"(39) نماذج الفساد الاجتماعي من خلال نموذج أقرب ما يكون إلى شخصية "محفوظ عبد الدايم" في "القاهرة 30" لنجيب محفوظ، حيث يقدِّم الشيخ جاريته للقاضي ليجعله نائبًا له ويحوز مكاسب مالية ومعنوية، إلى أن يفتضح أمره. وتقدم بابة "الشيخ سميسم" نموذجًا للمرأة الفاسدة التي تتزوج رجلين في وقت واحد.

وتشكِّل العلاقة مع الآخر عددًا من البابات، منها: "لعبة المنارة القديمة والحديثة" و"لعبة المعركة بين النوبيين والعجم" و"حرب السودان" و"علم وتعادير"(40)، حيث مثَّلَت البابة الأولى أشكال الصراع العربي الصليبي واتخذت من الإسكندرية مكانًا للأحداث، وقدمت هذه البابة وصفًا مفصَّلاً لمنارة الإسكندرية، ويشير فاروق سعد إلى أن صلاح الدين ربما شاهد بابة "لعبة المنارة" وأُعجِبَ بها، وهي في مُجمَلها تؤكِّد ضرورة مقاومة العدو وحتمية النصر، ويشكِّل هذا الموضوع معظم البابات التي عرضت للصراع العربي الصليبي، أمَّا بابة حرب السودان فتعرض لفتح السودان في أعقاب دولة المهدي، وتحمل "علم وتعادير" مفاهيم ما يُسَمَّى بالصراع الناعم مع الآخر، حيث تروي قصة حب بين تعادير المسلم وعلم المسيحية، وتنتهي بزواجهما بعد أن تعلن إسلامها، وتأتي هذه النهاية لتشكِّل انتصارًا للقيم العربية والإسلامية، وتحمل هذه البابة كثيرًا من المناظر الاستعراضية، بل إن عددًا من تلك المناظر انفصل ليقدَّم بشكل مستقلٍّ مثل فصل "الحمام" و"المهندس" و"التياترو" و"العاقل والمجنون"، بهدف التسلية والترفيه واستعراض(41) مهارات المُخايِل، وقدمت بابات خَيَال الظِّلّ أيضًا عددًا من الموضوعات الجنسية في بابة "المتيم والضائع اليتيم" و"المقهى"(42)، وبذلك فقد تناولت موضوعات خَيَال الظِّلّ النقد السياسي والاجتماعي والعلاقة مع الآخر، وكشف الفنَّان المُخايِل متناقضات واقعه سعيًا لتجاوُز أزماته في محاولة جادَّة لمكاشفة الواقع بغية إصلاحه.

بابات حسن خنوفة(43):
قدَّم حسن خنوفة عرضًا احتوى على ثلاث بابات: "الصيَّاد"، و"العساكر" و"علم وتعادير"، في بدايات عام 2004 وتوُفِّي في نفس العام، وكان هذا العرض هو آخر ما قدَّمه خنوفة من عروض، وقمت بتسجيل هذه العروض، وإعداد فيلم وثائقي، حيث كان خنوفة آخر لاعب شعبيّ حمل هذا الفنّ، وتعلمه مِمَّن سبقوه، وتأثرت بابات حسن خنوفة بعوامل النقل الشفاهي، حيث حُذف كثير من الأحداث الأصيلة لبابة مثل "الصيَّاد" التي تمثل صياغة متأخِّرة لبابة "التمساح"، ونفس الأمر حدث مع بابة "علم وتعادير"، أمَّا بابة "العساكر" فلم يأتِ ذِكرُها في أي من المراجع التي تناولت خَيَال الظِّلّ بالدِّراسة والتحليل.

وبابة "التمساح" من البابات التي حواها كل من "ديوان كدس" و"الروض الوضاح" و"السرماطة"، ولخَّصها أحمد تيمور(44)، ويؤكِّد فاروق سعد(45) أن داوُد العطار المناوي هو مؤلفها، ويذكر أيضًا أن بابة "علم وتعادير" عُرفت بأسماء مختلفة: "بابة البيت"، و"بابة الدير"، ولخَّصها عديد من الباحثين مثل كيرون وأحمد تيمور، ومحمد سيد كيلاني في كتابه "في ربوع الأزبكية"، حيث يشير إلى أنه عثر على مخطوط لها في "الروض الوضاح في تهاني الأفراح" و"اجتماع الشمل في أزجال خَيَال الظِّلّ" و"السرماطة في أزجال خَيَال الظِّلّ".

أمَّا بابة "العساكر" فلم أجد لها ذِكْرًا عند أيٍّ من الدارسين، ويبدو أنها أُلِّفَت بعد الحرب العالمية الثانية، حيث نرى فيها ذِكْرًا لهتلر الذي يُقتَل على يد الشاويش، مِمَّا يجعلها من أحدث عروض خَيَال الظِّلّ تأليفًا.

وحملت بداية بابة "الصيَّاد" إشارات إلى أحداث بابة "الأولاني" وبابة "العجائب"، لتحمل هذه البابة في سياقها جميع البابات التي تحدثت عن الصيد، وتدور أحداث بابة "الأولاني" حول منع التركي صيَّادًا من الصيد في نهر النيل واستعماله خفيرًا لذلك، أمَّا بابة "العجائب" فيظهر المقدم فيها مشاكسًا الصيَّاد.

وتدور بابة "التمساح" حول محاولة الزبرقاش تعلُّم الصيد بعد أن يطرده والده من أرضه، ويبلعه التمساح، وتحضر زوجته مع ولده وتبدأ في البكاء، ثم يحضر بربريَّان يساومانها على إخراجه فيبلع التمساح أحدهما، ثم يحضر مغربيان ليخرجاهما من فم التمساح.

ويستلهم خنوفة فكرة منع الصيد من بابة "الأولاني"، ومشاكسة الصيَّاد من بابة "العجائب"(46)، وينجح الصيَّاد في رشوة الخفير إذ يخبره بأنه سيقتسم معه ما يصطاده، وبذلك يتجاوز أولى العقبات من خلال آليَّات النظام الفاسدة، ثم ينتقل خنوفة بعد ذلك إلى المشاكسات التي أشار إليها أحمد تيمور في كتابه "العجائب"، وإن اختلفت طبيعة الفعل، إذ يدَّعي "المقدم" أنه يصلِّي، ويرفع صوته بما يفضح أمره، إذ نراه يقول ما لا يتَّفق مع الصلاة ويتحدث مع الصيَّاد في أثناء صلاته، ورغم طلب الصيَّاد المتكرر أن يتوقف عن إزعاجه نراه يكرِّر فعله بشكل آلي إلى أن يلتهم التمساح الصيَّادن وبذلك فقد واجه الصيَّاد في بداية البابة القوانين المُجحِفة وتسلُّط القائمين عليها الذين حوَّلوها إلى منافع شخصية، ثم نراه يقف أمام قسوة الطبيعة بعد أن يبتلعه التمساح، وبداية من هذا المشهد فإننا نجد أنفسنا أمام أحداث بابة "التمساح"، إذ يطلب الصيَّاد من المقدم أن يخبر زوجته بما حدث له، فيأتي إليه ابنه فيطلب منه أن يستدعي زوجته التي تحضر بربريًّا ليخرجه، ويستخدم البربري نفس الحيل التي اعتمد عليها في النص الأصلي، إذ يردد كلمتَي "رز" و"عدس" لإخراجه وإدخاله من وإلى فم التمساح، ويسقط مساعده في فم التمساح، وهنا تبحث الزوجة عن مغربي ليخرجهما، وينجح في إخراجهما باستخدام أغنية فيها ذكر الرسول الكريم بخلاف الرواية الأصلية التي يعتمد فيها على التعاويذ السحرية حيث يردِّد المغربي أغنية:

هي هي يا بنات إصلاح

هي هي يا بنات إصلاح

من يوم ما جينا من يافـا

الكرب تحت الكنـافة

محبة في رسـول الله

هي هي يا بنات إصلاح(47)

وينجح المغربي في إنهاء الأزمة، وتنتهي البابة بأن ينهال الأب والابن عليه ضربًا بعد أن يطلب أَجْرًا، وتكشف النهاية عن تأثُّر هذه العروض بنمر الأراجوز، فعلى الرغم من أن خَيَال الظِّلّ أسبَقُ إلى الوجود من الأراجوز، فإنه مع أفول نجمه، أصبح عُرضَةً للتأثُّر بالفنون الأكثر شيوعًا وانتشارًا، وتأتي النهاية على خلاف النهاية الأساسية للبابة التي تنتهي بمشهد التمساح محمولاً.

ويستدعي خنوفة مشاغَبات المقدِّم للصيَّاد من نِمْرَة "البربري" (أحد عروض الأراجوز)، إذ يدَّعي الأراجوز الصلاة ليوهم البربري بأنه لا يراقبه، كذلك يدَّعِي المقدم الصلاة ليراقب الصيَّاد، ويعتمد الحوار على التلاعب اللفظي حيث يستخدم ألفاظ: التمساح، فلاَّح، تُفَّاح لإحداث الفكاهة اللفظيَّة

وتحمل رواية خنوفة اختلافات كثيرة عن الرواية القديمة للبابة، بداية من عدد الشخصيات، إذ يقدم خنوفة بابته من خلال: الصيَّاد، والمقدم، والزوجة، والابن أحمد، والبربري، وعثمان، والمغربي، والتمساح، بينما تحتوي البابة التي وصفها تيمور على اثني عشر شخصًا: المقدم، والرخم، والزبرقاش، ورئيسه وزوجته وولده، وبربريان، ومغربيان، والتمساح والسمك و تختلف راوية خنوفة عما ذكره تيمور وفاروق أسعد حيث لا نجد الأحداث التمهيدية من خروج الفلاح من أرضه ولقائه شيخَ المعاشِ بعد محاولاته الفاشلة في الصيد، ولا نجد أثرًا لشخصية الرخم، كما تختفي جميع الأزجال التي كونت النص القديم، ولا نجد أثرًا للمنافسة بين البربري والمغربي حول إخراج الصيَّاد من فم التمساح، كذلك لا تركِّز رواية خنوفة على سقوط البربري في فم التمساح، بينما نراها تؤكِّد  إخراجه.

أمَّا البابة الثانية التي قدمها خنوفة فهي بابة "العساكر"، ولم يُشِرْ أيٌّ من المصادر والمراجع التي تناولت خَيَال الظِّلّ إلى هذه البابة، وتُعَدُّ امتدادًا لأشكال الصراع الذي عرفه خَيَال الظِّلّ في بابة "المنارة القديمة والحديثة" مع الاستعمار، وتتشابه هذه البابة ونمر "الأراجوز في الجيش" لصلاح المصري، وتدور أحداثها في ميدان القتال، وتبدأ بنِمْرَة يشاكس فيها المقدم الضابط الذي يأمره بالانصراف من الميدان خشية أن يصاب بأذى، فيتخد المقدم من كلام الضابط وحركاته وسيله لصناعة الفكاهة اللفظيَّة ثم ينصرف ليبدأ العساكر في التدرُّب على القتال، وتظهر شخصية الشاويش الذي يُبدِي استهانة واضحة بالتقاليد العسكرية، ويكلِّفه الضابط بتدريب العساكر فيدعوهم إلى المقامرة ثم إلى الذِّكْر، فيُلزِمُه بحراسة المعسكر عقابًا له، وهنا يبدأ هجوم الأعداء وينجح في قتلهم جميعًا. وتنحصر شخصيات هذه البابة في المقدم والضابط واثنين من العساكر وثلاثة من الأعداء، ولا تقف البابة على جوهر الصراع وإنما تسعى لاستعراض شجاعة الشاويش بقدرته على سحق الأعداء فور ظهورهم.

وتأتي بابة "علم وتعادير" لتمثِّل آخِر البابات التي يقدِّمها خنوفة في حفلته، ويصف تيمور هذه البابة فيقول: "أشهر اللُّعَب، وأطولها وكانوا يلعبونها في القهاوي، مقسَّمة على سبع ليالٍ فتستغرق أسبوعًا، ولكنهم يختصرونها في الأعراس بحذف الأزجال والألعاب فيلعبونها في ليلة واحدة، وفيها شخوص نحو 160 قطعة من إنسان وحيوان وأشجار وأثمار ومبانٍ"(48).

وتدور البابة حول قصة الحب بين تعادير المسلم وعلم بنت الراهب منجي، وتستمر محاولاته في الوصول إليها قرابة سبع، سنوات يجازف فيها بكل شيء تقريبًا إلى أن يُجَنَّ بالفعل، ويشفى بعد سنوات ليخرج ويعاود مغازلة علم، فيجد والدها قد مات فيتزوجها بعد أن تُسلِم ويهدم الدير(49).

وتعتمد رواية حسن خنوفة لهذه البابة على مجموعة من النِّمَر اللفظيَّة والحركيَّة، حيث تبدأ بنِمْرَة لفظيَّة حول "السلام عليكم" بين تعادير والمقدم نعرف منها أنه مُسلِم وأنه يحب فتاة تسكن في أحد منازل الحيّ ويظهر، بولس ليقدم نِمْرَة حركيَّة يشاكس فيها المقدم وتعادير، ويطلب منه تعادير أن يُحضِر أخته علم فيشترط عليه بولس أن يصفها له، ويأتي الوصف في شكل إجابات وأسئلة، ويتدخل بولس معقِّبًا على الإجابات واصفًا نفسه ليشكِّل مفارقة لفظيَّة، ويحاول تعادير الوصول إليها فيتخفى في صفة بائع متجول للعسل ثم للَّحم ثم للبطاطا، وتظهر هنا شخصيَّتا إبراهيم ومصطفى اللذين يمدانه بما يبيعه فيه، وبعد أن يفشل في الوصول إليها يحضر ماكينة لتقدِّم فاصلاً من "الردح" إلاَّ أنها تعجز أمام مهارة بولس الذي يُسكِتُها بسرعته، وينال من الماكينة ومن تعادير، وبذلك خرجت البابة في رواية حسن خنوفة عن الأحداث الأصلية ولم تحمل إلاَّ بعض الإشارات إلى قصة الحب، ولم تهتمَّ بجوهر الصراع الذي هو في أساسه صراع هُوِيَّة مع الآخر، فبعد الهزيمة التي لحقت بالصليبيين في بابة "المنارة" تأتي بابة "علم وتعادير" لتقدِّم انتصارًا آخَر للذات والهُوِيَّة العربيَّة، وهو ما لا نجده هنا.

وعلى هذا فلقد أبقى لنا الزمان على ثلاث بابات تعالج موضوعات الرزق والحب والصراع المسلَّح مع الآخَر، وهي موضوعات تُلِحُّ على الإنسان الشعبيّ وتشغله وتشكِّل جانبًا هامًّا من وجدانه وتصوُّراته عن الحياة.

بنية البابة بين ابن دانيال وحسن خنوفة
بابات ابن دانيال هي أقدم ما وصل إلينا من نصوص خَيَال الظِّلّ، وجاءت بابات حسن خنوفة كآخر ما وصل إلينا، وعلى هذا فمن المفيد النظر إلى بنية بابات حسن خنوفة مقارنة بما قدمه ابن دانيال للوقوف على مدى التطوُّر الذي حدث للبابة إيجابًا وسلبًا.

ويقدم مدحت الجيار تحليلاً لبابات ابن دانيال يُوجِزُها في النقاط التالية:

- مقدِّمة نثرية تشمل الحمد والثناء والصلاة على النبي، ثم الدخول في الموضوع.

- سيطرة الصوت الواحد على النص وندرة الحوار.

- تخيُّل متلقٍّ يسأل ويجيب عن سؤال، كما كان يفعل الفقهاء عند الإجابة عن الأسئلة المتخيَّلة من جانب المتلقِّي، أو كما يتخيل الخطيب سؤالاً من الحاضرين دون أن ينطقوا به فيجيب عنه.

- الخطاب المباشر للمتلقِّي ومحاولة إشراكه أحيانًا.

- الاستشهاد بالشعر والتراث الإسلامي.

- سيطرة الحِسِّ الوصفي التقريري.

- كل شخصية تبدأ الحوار، تبدأ كلامها وتختمه بالصلاة والتسليم.

- وصف المتلقِّي بالمحاور والدعاء له.

- تنتهي البابة -دائمًا- بالتوبة والاستغفار وطلب الرحلة للحَجِّ الذي يعيد الإنسان كيوم ولدته أمه، طاهرًا من كل ذنوبه القديمة كما أخبرنا الحديث الشريف(50).

والقراءة المتأنية للنصوص التي تركها حسن خنوفة تكشف عن اختلاف واضح طرأ على بنية البابات، حيث يقلُّ الاستشهاد بالشعر والتراث الإسلامي بشكل عامٍّ، وتأتي النهايات متأثرة باعتدائية الأراجوز، ويشكِّل الحوار بنية البابة.

ويمكننا أن نحدِّد العناصر المشكِّلة لبنية نص البابة عنده في ما يلي:

- الاستهلال:
يبدأ حسن خنوفة باباته الثلاث بموسيقى شعبيَّة لـ"فرقة حسب الله" تصاحبها رقصة بالعصا للمقدِّم، ويستهلُّ البابة التي تفتتح عروضه بالاستغفار: "اللهم يا منجي من المهالك نجِّنا مِمَّا نخاف يا خفيَّ الألطاف يا ربَّ العالمين، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، وبك نستعين، وعليك يتوكل المتوكلون"، ثم يبدأ في الغناء تمهيدًا لدخول الشخصيات. وتمثل هذه الافتتاحية بداية للحفل بشكل عامٍّ وبابة "الصيَّاد" على وجه التحديد، إذ إنها البابة التي يفتتح بها عروضه، كما يبدأ بابة "العساكر" بموسيقى حسب الله أيضًا ورقصة للمقدم بالعصا ثم الاستغفار والحمد والثناء والصلاة على النبي حيث يقول:

"إذا الليل جنّ عليَّ

أحمده وأشكره من قبل ما ابتدي

أحمده وأشكره من قبل ما أنهيه

أنا حابدأ بقى أغني وشوفوا حيجرى إيه...

وعاشق جمال النبي يصلي عليه"(51).

كذلك يبدأ بابة "علم وتعادير" بموسيقى ورقص للمقدِّم، ثم يقول:

"ليلة سعيدة على من رأيت يا أهل الأدب يحكم بدور الكمال

يا سادات الحاضرين أنا بكم اكتفيت يا من حويتم الفخر والامتثال

لما كسوني باللعب والتفريح وصلني الخيال

قالوا معنا المدد يا حسين وتسمِّعونا الفاتحة

للسيدة بنت الإمام (كل واحد يقرأ الفاتحة في سرِّه)"(52).

ثم يبدأ في الغناء تمهيدًا لدخول الشخصيات، وبذلك انحصر الاستهلال عند خنوفة بين الثناء والحمد والصلاة على النبي والترحيب بالحضور، وهو بذلك لم يخرج في مُجمَله عن الاستهلال الدانيالي، مِمَّا يدلُّ على أن هذا التقليد تُنُوقِلَ جيلاً بعد جيل حتى وصل إلى حسن خنوفة.

- التمهيد للحدث:
يبدأ خنوفة بابته الثالثة بمشهد تمهيدي للمقدِّم يعتمد على نِمْرَة يستعرض فيها المقدِّم مهاراته اللفظيَّة والحركيَّة ويشاكس الشخصية الرئيسية ثم يختفي بعدها تمامًا، وتبدأ بابة "الصيَّاد" بنِمْرَة مركَّبة بين المقدِّم والصيَّاد ويمهِّد من خلالها للحدث الرئيسي، وتبدأ بابة "العساكر" بنِمْرَة حركيَّة يشاكس فيها المقدِّم الضابط الذي يطلب منه مرارًا أن ينصرف من ميدان القتال خشية أن يصيبه أذى، فيهم بالانصراف موهمًا إياه بأنه اقتنع، ثم يعود ليغني: "والله والله العظيم.. إنت أونطجي"، ويتكرر مشهد خروجه ودخوله بما يذكِّرنا بأدوار العذاب في الكوميديا المرتجَلة التي تعتمد على التكرار بغرض إرهاق إحدى الشخصيات، ويعتمد على كلمة "السلام عليكم" لصناعة نِمْرَة لفظيَّة تدور بين المقدِّم وتعادير في بداية بابة "علم وتعادير" نتعرف من خلالها على الشخصيات، ويختتم خنوفة المشهـد التمهيدي في بابة "العساكر" بالمثل الشعبيّ: "نهيتك ما انتهيت والطبع فيك غالب، وديل الكلب ما يتعدل ولو علقوا فيه قالب".

ويستخدم نفس المثل في بابة "علم وتعادير" مضيفًا مثلاً آخر على لسان تعادير كرد على المقدِّم: "إردبّ ما هو لك لا تحضر كيله.. تتغبر دقنك وتتعب في شيله"، ليَثْنِي الشخصية الأخرى عما تريد فعله لعلمه بما سيحدث له، ولا ينتهى المشهد إلاَّ بعد أن يقدم الحدث الرئيسى، حيث يلتهم التمساح الصيَّاد في بابة "الصيَّاد"، ويبدأ مران العساكر لمواجهة العدو في بابة "العساكر" ويعلن تعادير عن حبه لعلم.

- الاعتماد على النِّمَر اللفظيَّة والحركيَّة لبناء الأحداث
يبنى خنوفة أحداث باباته من خلال النِّمَر اللفظيَّة والحركيَّة مستعيضًا بها عن كثير من الأحداث الأصلية للبابة، فتتشكل بابة "الصيَّاد" من نمر تمهيدية وعدد من النِّمَر الحركيَّة كابتلاع التمساحِ الصيَّادَ ومحاولاته إخراجه، أمَّا "علم وتعادير" فتتشكل من خلال أربع نمر: السلام عليكم، ووصف علم، وتنكُّر تعادير في هيئة بائع متجول للوصول إليها، ونِمْرَة ماكينة السُّباب، أمَّا بابة "العساكر" فتبدأ بنِمْرَة المشاكسة ثم نِمْرَة مران العساكر ثم نِمْرَة لعب القمار والذِّكْر ثم مشهد المواجهة الختامي. وعلى الرغم من اعتماد البابة الواحدة على عدد من النِّمَر المختلفة فإنها تلتزم بوحدة الموضوع، على خلاف ما وصف به لندواه العروض التي شاهدها حيث قال: "مقسَّمة على مناظر عديدة.. لا تربطها علاقة متبادَلة ويقدَّم بعضها في بعض الأحيان بمعزل عن بعض".

فـ"الصيَّاد" تدور حول ابتلاع التمساحِ الصيَّادَ ومحاولة إخراجه، و"علم وتعادير" تدور حول قصة الحب بين علم وتعادير، و"العساكر" تدور حول مران العساكر استعدادًا لمواجهة الأعداء، وتشكِّل هذه الوحدة أحد أشكال التطوُّر الذي لحق البابات عما كانت عليه في بداية القرن الماضي، وهو ما يشير إلى تحوُّل طرأ على بنية عُروض خَيَال الظِّلّ منذ بداية القرن إلى أن وصلت إلى آخر لاعب شعبيّ، وتأثر خنوفة في صياغته هذه البابات بأسلوب الأراجوز في صياغة عروضه، حيث تمثل الاعتدائية أحد أشكال إدارة الصراع، فكثيرًا ما نرى عِصِيَّ المقدِّم تمتدُّ بالضرب إلى الشخصيات الأخرى، كذلك يعتمد على نفس أسلوب الأراجوز في صياغة النِّمَر اللفظيَّة والحركيَّة كما نرى ذلك بوضوح في بابة "التمساح" ونِمْرَة "ادِّعاء الصلاة".

ويصوغ خنوفة نِمَرَهُ اللفظيَّة من خلال العناصر المختلفة للفكاهة الشعبيَّة، ويمثِّل الحوار عنصرًا أساسيًّا لبنية بابات حسن خنوفة، على عكس البابات الدانيالية التي يسيطر عليها صوت الفرد وقلة الحوار، ويعتمد الحوار عند خنوفة على آليات صناعة الفكاهة الشعبيَّة على اختلافها من تلاعب لفظيّ ونكتة وقفشة وغيرها، إذ يستخدم التلاعب اللفظيّ في بابة "الصيَّاد" لصناعة نمره لفظيَّة معتمدًا على ألفاظ "التمساح" و"الفلاَّح" و"التُّفَّاح":

المقدِّم: التمساح.

الزوجة: ماله؟

المقدِّم: كل جوزِك.

الزوجة: جاب لنا تُفَّاح؟

المقدِّم: تفاح إيه؟! باقو للك تمساح.

الزوجة: عمل إيه؟

المقدِّم: كل جوزك.

الزوجة: أه، أصل الراجل ده قليل الأدب ضرب واحد فلاَّح(53).

كذلك يستخدم النكتة كإحدى مفردات الحوار كما في بابة "علم وتعادير":

تعادير: أصل أنا مرة حبيت عربية كارو وجيت آخد بوسة من العَجَل قال لي إوعي وشّك.

واعتمد أيضًا على "القفشة"، وهو أسلوب شائع في الفكاهة الشعبيَّة، بمعنى أن يعثر منه على خطأ منطقي أو غلطة في كلامه، وفي الأصل استُعملت بمعنى "مَسْكة"(54) بمعنى وجد في كلامه ما يمكن البناء عليه لصناعة الفكاهة.

فعندما يردُّ الضابط: "عفارم عفارم" استحسانًا منه صنيعَ الأمباشي، يردُّ الأخير "وشَّك وارم"، كذلك اعتمد على التكرار أيضًا كصياغة أساسية في جميع باباته، ويظهر بوضوح في بابة "العساكر"، إذ يستخدمه كإحدى آليَّات صناعة الفكاهة في مشهد التدريب:

الضابط: صايب ما صايب.

عسكر1: واحد.

عسكر2: اتنين.

الضابط: يا شاويش، ماترد يا شاويش.

الشاويش: أقول إيه؟

الضابط: قول تلاتة.

الشاويش: أقول تلاتة.

الضابط: تلاتة.

الشاويش: بقى انا واحد تقول لي تلاته؟(55)

ويتكرر هذا الحوار بنَصِّه أكثر من مرة داخل العرض.

وتمثِّل الشتائم في بابة "علم وتعادير" عنصرًا هامًّا، إذ تقع عليها مسؤولية نهاية البابة من خلال ماكينة السُّباب، والشتائم هي إحدى الوسائل التي يستخدمها الفنَّان الشعبيّ لصناعة الفكاهة، وكثر استخدامها في المسرح المرتجَل، وعنها يقول الراعي: "وللشتائم دائمًا قيمة ترويحية نفسية، تخفِّف الضغط عن المتفرجين، كما أنها تكسر جمود الأدب الذي يضطرُّ الناس إلى التزامه طيلة اليوم، ومن هنا يُحيِّيها المتفرج دائمًا بالضحك العالي، فهي تعبِّر عن رغبة مكبوتة في أن يتناول الأشخاص والأشياء بسباب يشفي غليله، وهذا ما يفعله الفنَّان نيابة عنه، ودون أن يفقد المتفرج احترامه لنفسه ولا احترام الغير له"(56).

- الشخصيات:
الدُّمَى هي الشخصيات التي ينفَّذ من خلالها عرض خَيَال الظِّلّ، وتتنوع هذه الشخصيات في بابات حسن خنوفة بين آدمي وحيواني وجماد، حيث يلعب التمساحُ في بابة "الصيَّاد" دورًا هامًّا، كذلك نرى ماكينة السُّباب في بابة "علم وتعادير"، ومن ثم يحدث التمازج بين العوالم المختلفة، فـ"للثقافة الشعبيَّة مفهومها الخاصُّ للأداء التمثيلي الذي يعتمد مبدأ المواضعة والتسليم باللعبة"(57)، فالحدود القاطعة ليس لها وجود في الإبداع الشعبيّ، واختلاط العوالم فكرة أساسية في العقلية الشعبيَّة، ولم يسعَ لإبراز عيوب شخصياته بقدر ما حاول توظيفها لخلق فكاهة تعتمد على النِّمَر اللفظيَّة والحركيَّة، كذلك حرص على أن يتجاوز البعد الزمني لكتابة "التمساح" و"علم وتعادير" بما يُشعِرُنا بأن شخصياتها تم اختيارها من واقع الحياة وإن لم يحرص على جعلها شخصيات ذات أبعاد حقيقية، فلم يستطيع أن يقدِّمها من الداخل أو يقدمها بشكل متكامل، وعمد إلى اختصار شخصيات بابة "علم وتعادير" ولم يحفل بالأسماء، فالشخصيات تُعرَف بوظائفها في بابة "العساكر" ولا يسمِّي غير "هلتر" الذي يقع عليه فعل الموت، ولم تكُن لغة الشخصيات معبِّرة عن وظيفتها بقدر ما كانت وسيلة لخلق الفكاهة اللفظيَّة، واستخدام المقدِّم الفصحى لغة لاستهلاك البابات لتختفي تمامًا في أثناء العرض، وجعلها وسيلة لتميز شخصية المقدِّم عن سواها من الشخصيات.

- النهايـة:
تشكل الاعتدائية نهايات بابات حسن خنوفة، إذ تقرر الزوجة والصيَّاد والابن ضرب المغربي حتى لا تدفع الزوجة أجرة في بابة "الصيَّاد"، كذلك يمثِّل قتل الأعداء نهاية للأحداث، وعندما يعودون إلى الحياة مرة أخرى ينهال الشاويش عليهم ضربًا في بابة "العساكر"، ويحضر تعادير ماكينة السُّباب لتوجيه السُّباب إلى علم وبولس لكنها تعجز أمام مهارة بولس الذي ينال منها.

وتمثِّل النهاية في بابة "العساكر" شكلاً "تصالحيًّا"، إذ يستيقظ الموتى ويتحركون بشكل راقص، فالأمر ليس بالجِدِّيَّة التي تتوقف معها الحياة، فكثيرًا ما تنطلق عروض خَيَال الظِّلّ من مفاهيم الكوميديا في صناعة الضحك، "فمن الممتع أحيانًا أن نخلع عنَّا ولو للحظة ردود أفعالنا الناضجة الحكيمة تجاه اهتمامات الناس الأبدية، ولكن هذا الخَلْع المؤقَّت يؤدِّي بنا إلى قَبُول أشياءَ لم نكُن نقبلها من قبل، بل ويساعدنا أن ندرك الحاجة إلى التصالح بين ما هو جادٌّ وما هو بهلوي"(58).

وتمثل نهاية "علم وتعادير" سخرية من قصص العشق، فالواقع مليء بقصص يتحول فيها العُشَّاق إلى أعداء.

وعلى أي حال فإن الاعتدائية سمة شكَّلت نهايات بابات حسن خنوفة، متأثرًا بالأسلوب الذي ينهي به الأراجوز نِمَرَهُ، ويختم حسن خنوفة بابته الأولى "الصيَّاد" بصوت المقدِّم الذي يقول: "يا من تريد حل أفكار الخيال... كل من وفَّي وقال.. الحفلة الجاية أحلى وكل سنة وانتو طيبين"، ثم يختتم بابته الثانية "العساكر" بقوله: "يا من تريد حل أفكار الخيال.. كل من وفَّي وقال.. الحفلة الجاية هي آخر حفلة.. وكل سنة وحضراتكم طيبين جميعًا"، ويختتم بابة "علم وتعادير" -وهي آخر ما يقدمه- بقوله: "يا من تريد حل أفكار الخيال.. م الكراسي أجمع فلوس كل من وفَّي وقال الحفلة الجاية أحلى من الحفلة دي وكل عام وحضراتكم بخير"، وبذلك يبدأ خنوفة بابته بصوت فردي ويختتمها بنفس الصوت ويجعل من نهايتها إعلانًا عمَّا سيأتي من عروض يقدمها في ليلته أو تشويقًا لما سيقدمه في ما بعد، كذلك يحثُّ جماهيره على بذل المال نظير ما يقدمه من خيال.

وتتفق بنية هذه البابات وما تركه ابن دانيال في البداية بالحمد والثناء والخطاب المباشر مع الجمهور، إذ يطلب خنوفة من الجمهور في نِمْرَة "العساكر" أن يشجِّعوه، ويطلب منهم قراءة الفاتحة في بداية "علم وتعادير"، ويقتصر دور الأشعار على البداية الاستهلالية، ويقلُّ الاستشهاد بالشعر ويغلب الطابع النثري على الحوار الذي يمثل البنية الأساسية للبابة. ويبني ابن دانيال نهاياته في إطار التوبة، بينما تأتي هنا في إطار الاعتدائية، وعلى هذا فإن تغيُّرًا طرأ على مستوى البنية والجانب التشكيلي والجمالي لمسرح خَيَال الظِّلّ.

الخاتمة والنتائج
تحاول هذه الدِّراسة تتبُّع نشأة وتطور خَيَال الظِّلّ منذ بدايته الأولى وصولاً إلى آخر لاعب خيال ظل شعبيّ، الراحل حسن خنوفة، وسعَت الدِّراسة إلى تتبُّع فناني خَيَال الظِّلّ وعروضهم، كما وقفت على التطوُّرات التي لحقت بمسرح خَيَال الظِّلّ والدُّمَى الخاصَّة به أيضًا، وقدمت الدِّراسة بابات حسن خنوفة وسعت إلى الوقوف على بنيتها والتطوُّرات التي لحقت بها على مستوى الشكل والمضمون مقارنة ببنية بابات ابن دانيال، ووصلت إلى النتائج التالية:

- انتقل خَيَال الظِّلّ من الشرق الأقصى واستقر في القاهرة ومنه انتقل إلى ربوع العالم.

- ذكر بعض المراجع أسماء بعض فناني خَيَال الظِّلّ وتم حصر بعضهم في تسلسل تاريخي، فجاء جعفر الراقص في القرن الخامس الهجري، وابن دانيال في القرن السابع الهجري، والذهبي وابنه محمد في القرن الثامن الهجري، وابن سودون في القرن التاسع الهجري، وداود العطار المناوي وعلي نخله والشيخ سعود في القرن الحادي عشر الهجري، وحسن القشاش ودرويش القشاش في بداية القرن الرابع عشر الهجري، ومحمد أبو الروس ومحمود علي صالح ومصطفي الروبي في أواخر القرن الرابع عشر الهجري، وأحمد الكومي والفسخاني في بداية القرن الخامس عشر الهجري، وأخذ عنهما حسن خنوفة باباته "الصيَّاد" و"العساكر" و"علم وتعادير"، وتوُفِّي خنوفة عام 2004 ميلاديًّا.

- أخذ مسرح خَيَال الظِّلّ عددًا من الأشكال، منها ما هو ثابت ومنها ما هو متنقل، ولقد نقل أحمد تيمور ويعقوب لندواه وعبد الحميد يونس وصفًا لأشكال مسارح الظِّلِّ، وكان مسرح حسن خنوفة متنقلاً يحمله معه، وهو عبارة عن شاشة يُلقَى عليها الضوء من الخلف.

- تُصنَع دُمَى خَيَال الظِّلّ من الجلد الشفاف ويقوم اللاعب بتلوينها، وتعتمد على تكرار الوحدات الزخرفية لتكتسب دلالاتها من خلال مفهوم إدراكي كلي لشكل الدُّمْيَة، ووصلت الدُّمَى إلى حالة يُرثَى لها مع حسن خنوفة حيث اعتمد على "كارتون مُصمَت" دون أي زخارف أو نقوش، ولم يهتم بالتفاصيل الزخرفية والجمالية للدُّمَى.

- عرف خَيَال الظِّلّ العربي عددًا من البابات، لم تخرج عن: "المنارة القديمة"، و"طيف الخيال"، و"عجيب وغريب"، و"المتيم"، و"الضائع اليتم"، و"الشيخ صالح وجاريته السر المكنون"، و"حرب العجم"، و"المنارة الحديثة"، و"علم وتعادير"، و"التمساح والشوني"، و"الشيخ سميسم"، و"أبو جعفر والقهوة"، و"إعدام طومان باي"، و"مسطرة خيال منادمة أم مجير"، و"الفيل المرتجل"، و"الحمام"، و"التياترو والمهندس"، و"العامل المجنون"، و"الأولاني"، و"الغراف"، و"العجائب"، و"الحجية"، و"المعركة البحرية بين النوبيين والفرس"، و"حرب السودان"، و"واقعة البلح والبطيخ"، و"حسن طني والمركب".

- قدَّم حسن خنوفة ثلاث بابات: "الصيَّاد" وهي صيغة معدَّلة من "التمساح"، و"علم وتعادير"، وبابة جديدة لم نجد لها أي إشارة في المراجع المختلفة هي "العساكر".

- تناول خَيَال الظِّلّ موضوعات تتعلق بالنقد السياسي والاجتماعي والعلاقة مع الآخر، كما قدمت بعض العروض الجنسية بهدف التسلية والترفية.

- حملت بابة "الصيَّاد" تطوُّرًا في الشكل والمضمون حيث مزج فيها خنوفة جميع البابات التي تتخذ من الصيد موضوعًا لها: "الأولاني" و"العجائب" و"التمساح"، وكشف مضمونها عن الفساد المجتمعي وصراع الإنسان ضد السلطة والطبيعة معًا وانعدام الحس الإنساني، فكل من يأتي لمساعدته في محنته يطلب مقابلاً ماليًّا مِمَّا يُوحِي بفسادٍ يعمُّ جميع الأصعدة، بداية من السلطة التشريعية ثم التنفيذية وصولاً إلى أفراد المجتمع أنفسهم.

- تُعَدُّ بابة "العساكر" من البابات الحديثة التي كُتبت بعد الحرب العالمية الأولى وتأثرت في موضوعها بمفاهيم الجندية، وتتشابه إلى حد كبير مع نِمْرَة "الأراجوز في الجيش" التي يؤدِّيها الفنَّان صلاح المصري.

- جاءت رواية حسن خنوفة لبابة "علم وتعادير" لتخرج عن الأحداث الأصيلة، فلم تحمل إلاَّ بعض الإشارات لقصة الحب مع احتفاظها بالأسماء، إلاَّ أنها كانت في مجملها مجموعة من النِّمَر اللفظيَّة والحركيَّة.

- تتكون بابات حسن خنوفة من استهلالٍ عبارة عن موسيقى تصاحبها رقصة بالعصا للمقدِّم، ثم الدعاء والاستغفار والصلاة على النبي، والترحيب بالحضور، وهو بذلك لم يخرج في مجمله عن الاستهلال الدانيالي.

- للمقدم مشهد ثابت في جميع البابات، يقدِّم فيه نِمَرًا حركيَّة يعتمد فيها على مشاكسة الشخصية الأخرى، ويُعَدُّ هذا المشهد بنية أساسية في بابات حسن خنوفة، وتمهيدًا للحدث الرئيسي داخل البابة.

- تعتمد بنية البابات عند خنوفة على النِّمَر اللفظيَّة والحركيَّة بشكل يجعل نَصَّ البابة عن خنوفة مجموعة من النِّمَر الحركيَّة واللفظيَّة التي يكثر الاعتماد فيها على عناصر الفكاهة الشعبيَّة من قفشة ونكتة وتلاعب بالألفاظ وغيرها.

- طرح حسن خنوفة في شخصياته ما هو آدمي وما هو حيواني وما هو جماد، ولم يسعَ لإبرازها ولم يجعلها ذات أبعاد حقيقية، بل جعلها مجرَّد وسائل لخلق الفكاهة.

- اختلفت نهايات بابات حسن خنوفة عن البابات الدانيالية التي تنتهي بالتوبة والعودة إلى الله، أمَّا بابات خنوفة فكانت الاعتدائية سمة أساسية لها بشكل كشف عن تأثُّره في صياغة هذه النهاية بالأسلوب الذي يُنهِي به الأراجوز نِمَرَه.

- اتفقت بنية بابات حسن خنوفة مع البابات الدانيالية في الاستهلال ومخاطبة الجمهور، واختلفت في اعتمادها على الحوار بشكل كامل وقلة الاستشهاد بالشعر، ومثل الصوت الفردي البداية الاستهلالية والخاتمة فقط، بعكس البابة الدانيالية التي مثَّل الصوت الفردي فيها نَصَّ البابة، كما غلب عليه الطابع النثري، مِمَّا يوحي بتأثُّر خنوفة بأشكال الدراما الحديثة في اعتماده على الحوار بشكل أساسي، بينما افتقر عرضه إلى الجانب الجمالي من الناحية التشكيلية.

- أخيرًا، توصي الدِّراسة بالاهتمام بمسرح خَيَال الظِّلّ وإعادة إحيائه مرة أخرى، خصوصًا أنه لا يحتاج إلى ميزانيات كبيرة لتنفيذ عروضه، ويمكن تقديمه بأقل التجهيزات المتاحة، ويمكن الاستفادة منه في النواحي التعليمية والتربوية.

 

الهوامش
(1) انظر: علي الراعي: المسرح في الوطن العربي، عالم المعرفة، ص23-24، وانظر: علي الراعي: فنون الكوميديا من خيال الظل.. إلى نجيب الريحاني، كتاب الهلال سنة 1971، ص34.

(2) انظر: صا لح سعد: خيال الظل وفلسفة الحمق، مجلة المسرح، ع534، الهيئة العامة للكتاب، 1993، ص51: 57.

(3) منير كيال: معجم بابات مسرح الظل، مكتبة لبنان، ناشرون، ص9.

(4) فاروق سعد: خيال الظل العربي، شركة المصنوعات، بيروت 19930، ص792.

(5) مدحت الجيار: المسرح العربي، كتاب الجمهورية، يونيو 2006، ص44.

(6) لطفي أحمد نصار: رسائل الترفيه في عصر سلاطين المماليك في مصر، سلسلة "تاريخ المصريين"، عدد 141، الهيئة العامة للكتاب، 1999، ص334.

(7) مختار السويفي: خيال الظل والعرائس في العالم، الدار القومية للطباعة والنشر، ص155.

(8) أحمد باشا تيمور: خيال الظل واللعب والتماثيل عند العرب، دار الكتاب العربي بمصر، 1957، ص43.

(9) أحمد باشا تيمور: التصوير عند العرب، الهيئة العامة للكتاب، 2006، ص153-154.

(10) تحية كامل حسين: مسرح العرائس، دار الكرنك للنشر والطبع والتوزيع، 1960، ص15، 16.

(11) إبراهيم حمادة: خيال الظل وتمثيليات ابن دنيال، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة، وزارة الثقافة والإرشاد 1970، ص33.

(12) عبد الحميد يونس: خيال الظل، المكتبة الثقافية 138، الدار المصرية للتأليف والترجمة، أغسطس 1985، ص14.

(13) نفسه، ص15.

(14) إبراهيم حمادة: نفسه، ص57.

(15) فاروق سعد: نفسه ص293.

(16) انظر: إبراهيم حمادة: نفسه، ص88:83.

(17) فاروق سعد: نفسه ص308.

(18) على بن سودون البشبغاوي: نزهة النفوس ومضحك العبوس، تحقيق ودراسة أرنود خروليك، الذخائر، ع191، الهيئة العامة لقصور الثقافة، المقدِّمة.

(19) أحمد تيمور: التصوير عند العرب، الهيئة العامة للكتاب، ص153-154.

(20) انظر: ميتن آند: الأراجوز مسرح خيال الظل التركي، ترجمة منى حامد سلام، أكاديمية الفنون، 1998، ص31.

(21) انظر: فاروق سعد: نفسه ص317.

(22) أحمد تيمور: خيال الظل... نفسه ص19.

(23) صابر المصري: حوار مسجَّل، 2010.

(24) حسن خنوفة: حوار مسجل، 2004.

(25) أحمد تيمور: خيال الظل... نفسه ص19.

(26) يعقوب م لندواه: دراسات في المسرح والسينما عند العرب، ترجمة أحمد المغازي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1973، ص75.

(27) عبد الحميد يونس: نفسه، ص30.

(28) فاروق خورشيد: الجذور الشعبيَّة للمسرح العربي، الهيئة المصرية العامة للكتاب،1991، ص176.

(29) أحمد تيمور: خيال الظل... نفسه ص19-20.

(30) انظر: أحمد تيمور: خيال الظل... نفسه ص23-29.

(31) انظر: فؤاد حسنين علي: قَصَصنا الشعبي، دار الفكر العربي، 1947، ص78-303.

(32) انظر: إبراهيم حمادة: نفسه، ص139-236.

(33) انظر: يعقوب لندواه: نفسه ص59-82.

(34) انظر: فاروق سعد: نفسه ص587-672.

(35) حسن خنوفة، بابات حسن خنوفة،  فيلم وثائقي، إعداد نبيل بهجت، صندوق التنمية الثقافية.

(36) انظر: إبراهيم حمادة: نفسه، ص139.

(37) انظر: أحمد تيمور: خيال الظل... نفسه ص25 و26 و29.

(38) انظر: إبراهيم حمادة: نفسه، ص187.

(39) انظر: فاروق سعد: نفسه ص622.

(40) انظر: نفسه ص629.

(41) انظر: نفسه ص633.

(42) انظر: نفسه ص616-656.

(43) حسن خنوفة، بابات حسن خنوفة،  فيلم وثائقي، إعداد نبيل بهجت، صندوق التنمية الثقافية.

(44)  انظر :حمد تيمور خيال الظل... ص23.

(45) انظر:فاروق سعد: نفسه، ص64.

(46) أ انظر:احمد تيمور: نفسه، ص21-24.

(47) حسن خنوفة: بابة الصيَّاد، لقاء مسجل.

(48) انظر: أحمد تيمور: خيال الظل... ص23-24.

(49) انظر: نفسه.

(50) مدحت الجيار: نفسه ص49.

(51) حسن خنوفة: بابة "العساكر".

(52) حسن خنوفة: بابة "علم وتعادير".

(53) حسن خنوفة: بابة "الصيَّاد".

(54) أحمد أمين: العادات والتقاليد والتعابير المصرية، المجلس الأعلى للثقافة، 1999، ص388.

(55) حسن خنوفة: بابة "العساكر".

(56) علي الراعي: مسرح الشعب، مكتبة الأسرة، الهيئة العامة للكتاب، 2006 ص47.

(57) عبد الحميد حواس: أوراق في الثقافة الشعبيَّة، مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2006، ص215.

(58) ت.ج.ا. بلسن: نظرية الكوميديا في الأدب والمسرح والسينما، ترجمة إدوارد نصيف، أكاديمية الفنون، 1999، ص122.

 

مَراجِعُ الدِّراسة

المراجع

(1) ابراهيم حمادة: خيال الظل وتمثيليات ابن دنيال، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة، وزارة الثقافة والإرشاد 1970.

(2) أحمد أمين: العادات والتقاليد والتعابير المصرية، المجلس الأعلى للثقافة، 1999.

(3) أحمد باشا تيمور: خيال الظل واللعب والتماثيل عند العرب، دار الكتاب العربي بمصر، 1957.

(4) أحمد باشا تيمور: التصوير عند العرب، الهيئة العامة للكتاب، 2006

(5) ت.ج.ا. بلسن: نظرية الكوميديا في الأدب والمسرح والسينما، ترجمة إدوارد نصيف، أكاديمية الفنون، 1999.

(6) تحية كامل حسين: مسرح العرائس، دار الكرنك للنشر والطبع والتوزيع، 1960.

(7) عبد الحميد حواس: أوراق في الثقافة الشعبيَّة، مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2006.

(8) عبد الحميد يونس: خيال الظل، المكتبة الثقافية 138، الدار المصرية للتأليف والترجمة، أغسطس 1985.

(9) علي الراعي: المسرح في الوطن العربي، عالم المعرفة.

(10) علي الراعي: فنون الكوميديا من خيال الظل إلى نجيب الريحاني، كتاب الهلال، 1971.

(11) علي الراعي: مسرح الشعب، مكتبة الأسرة، الهيئة العامة للكتاب، 2006.

(12) على بن سودون البشبغاوي: نزهة النفوس ومضحك العبوس، تحقيق ودراسة أرنود خروليك، الذخائر، ع191، الهيئة العامة لقصور الثقافة، المقدِّمة.

(13) فاروق خورشيد: الجذور الشعبيَّة للمسرح العربي، الهيئة المصرية العامة للكتاب،1991.

(14) فاروق سعد: خيال الظل العربي، شركة المصنوعات، بيروت 19930.

(15) فؤاد حسنين علي: قَصَصنا الشعبي، دار الفكر العربي، 1947.

(16) لطفي أحمد نصار: رسائل الترفيه في عصر سلاطين المماليك في مصر، سلسلة "تاريخ المصريين"، عدد 141، الهيئة العامة للكتاب، 1999.

(17) مختار السويفي: خيال الظل والعرائس في العالم، الدار القومية للطباعة والنشر.

(18) مدحت الجيار: المسرح العربي، كتاب الجمهورية، يونيو 2006م.

(19) منير كيال: معجم بابات مسرح الظل، مكتبة لبنان، ناشرون.

(20) ميتن آند: الأراجوز مسرح خيال الظل التركي، ترجمة منى حامد سلام، أكاديمية الفنون، 1998.

(21) يعقوب م لندواه: دراسات في المسرح والسينما عند العرب، ترجمة أحمد المغازي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1973.

دوريات

صالح سعد: خيال الظل وفلسفة الحمق، مجلة المسرح، ع534، الهيئة العامة للكتاب، 1993.

أفلام ولقاءات

(1) حسن خنوفة: بابات حسن خنوفة، فيلم وثائقي، إعداد نبيل بهجت، صندوق التنمية الثقافية.

(2) حسن خنوفة: حوار مسجل، 2004.

(3) صابر المصري: حوار مسجَّل، 2010.