يجادل الباحث حول الإطار التاريخي الذي ساعد على إنضاج حضارة عربية راقية منذ عصر الرسول وحتى نهاية القرن السابع الهجري. ويشدد على إيجابية الإطار الجغرافي في تطورها، حيث توفرت الإمكانات المادية والطبيعية والكوادر العلمية الصانعة للمنجزات الحضارية، وعلي إعلاء قيم العقل والإبداع.

الإطار التاريخـي والجغرافـي للحضارة العربيـة

في العصور الوسطـى

يعـرب نبهان

إن أهم ما تتميز به الحضارة العربية في العصور الوسطى، هو امتدادها الزمني الطويل إلى حد ما، وكذلك انتشارها على رقعة واسعة من الأرض، شملت آسيا وإفريقية، في وقت كان العالم فيه تقريباً يعيش حياة قلة وفقر وتقهقر في الميدان الحضاري والعلمي.

أما بخصوص الإطار التاريخي، فيمكن القول: إنه الزمن الذي ظهرت فيه ملامح الحضارة العربية، والذي بدأ من السنة الأولى للهجرة وانتهى في السنين الأخيرة من القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي، ومع ذلك فإنه من غير الممكن أن ندعي، بأن مراحل الدول التي تعاقبت في هذه المرحلة الزمنية، كانت متساوية في مجال العطاء والإبداع والخلق فيما يخص العلم والحضارة، فقد تفاوتت هذه الدول في استعدادها للعطاء والإبداع، فكانت الدول التي حكمها العرب هي الرائدة في هذا المجال، وعلى العكس تماماً كانت الدول التي سيطرت عليها وقادتها قيادات غير عربية، ذلك لأن العرب كانوا يرون أن من أولى واجباتهم ضرورة بناء مجتمع، ينسجم في عظمته وقوته وريادته وتماسكه مع ما جاء في القرآن الكريم، الذي يركز على مبدأ الأخذ بأسباب الازدهار والانعطاف نحو مواقع التقدم والنجاح والقوة، بينما حرص الغرباء على استغلال ثروات البلاد التي حكموها لصالحهم العام دون أدنى التفاتة نحو مصلحة البلاد العليا، فكانت النتائج قاسية قسوة ظلمهم وحكمهم، الذي قام على الحديد والنار وقمع كل مظاهر النزوع إلى التطوير العلمي، تحت غطاء الحرص على الثوابت الإسلامية، وهو غطاء برهنت الأيام والنتائج على أنه كان غطاء خادعاً والدليل على ذلك أن معظم الأذى الذي لحق بالثوابت الإسلامية، حدث في عصر تحكم الغرباء بالقرار العربي الإسلامي الوطني.

ففي عصر الرسول الكريم r وضعت أسس حضارية مختلفة، لم تكن المنطقة العربية، قد شهدت نظيراً لها في العصور السابقة، من حيث شموليتها وتفاصيلها والتطور الإنساني المضطرد، وقد شملت هذه الأسس الحياة الإدارية والاقتصادية والعلمية، وحقوق الإنسان والنظرة إلى الآخر على أسس الاحترام المتبادل وغير ذلك من أمور أخرى متفرقة، تتوافق طرداً مع قيام الدولة العربية الأولى، مع برامجها وتوجهاتها العامة في الداخل والخارج.

وبالفعل فقد ساعدت هذه الأسس، على انتقال المجتمع العربي بجزيرة العرب، من مرحلة الضياع والتأخر والتشتت إلى مرحلة تحقيق الكينونة والوجود، وقد تمثلت هذه الأسس بدستور الإسلام الحضاري وهو القرآن الكريم، وأركان الإيمان مثل الإيمان بوحدانية الله وقوته وجبروته وقدرته على الخلق والإبداع، والإيمان بالملائكة والأنبياء جميعاً وتصديق الكتب التي أنزلت عليهم، ثم الإيمان باليوم الآخر وهو يوم الحساب الموعود، الذي يجتمع الناس فيه بدون استثناء ليحاسبوا على أعمالهم في الحياة الدنيا، ثم الإيمان بالقضاء والقدر، أي أن ما يصيب الإنسان في حياته هو مقدر عليه ومحتوم، وبالنظرة المتقدمة إلى المرأة، لما للمرأة من قيمة بالغة الأهمية في استمرار الحياة وبنائها على الأرض على أسس واضحة ومستقرة، فقد أعطاها الإسلام حق الملكية وحق التصرف فيها، وحق الإرث وعين لها نصيباً منه، وحق اختيار الزوج المناسب ومنع نهائياً إجبارها على الزواج من رجل لا ترضاه، وبالدعوة إلى إلغاء العصبية القبلية من حياة العرب والمسلمين، وقد جاء ذلك واضحاً في قول رسول الله r: "ليس منا من دعا إلى عصبية"(1)، وبالدعوة إلى التوحد في دولة واحدة، تضم كل الداخلين في الإسلام وغيرهم بعد حياة طويلة من التجزؤ والشتات وسفك الدماء بغير حق، وذلك من أجل إبقاء مواطني الدول العربية الجديدة، ينعمون بالقوة والمنعة والعزة في أرضهم وبين جيران أقوياء(2) كما ورد في القرآن الكريم كقوله تعالى: ]وإن هذه أمتكم أمة واحدة[(3)، وهذا ما نحتاج إليه نحن العرب في الوقت الحاضر، من أجل رفع الذلة والهوان والظلم عن أمتنا العربية، التي أصبحت في دولها الراهنة من الشعوب المنكوبة والمغلوبة على أمرها، بعد أن فقدت كل تأثير على المستوى الدولي العام. وبالدعوة إلى احترام الأديان السماوية الأخرى، واعتبار أتباعها مواطنين في الدولة الجديدة، لهم كل حقوق المسلمين وحريتهم شرط الالتزام في نظام الدولة العام، وبالدعوة إلى المؤاخاة والتعاون بين المواطنين في جو يقوم فيه القوي بنجدة الضعيف ومساندته بكل أسباب القوة والحماية والرعاية(4).

وفي العصر الراشدي(5) على الرغم من أن النشاط العسكري في داخل الجزيرة العربية وخارجها كان هو المسيطر، فإن المظاهر الحضارية في هذا العصر، شهدت تطوراً لافتاً، وخاصة في عصر عمر بن الخطاب، هذا العصر الذي تميز بالاستقرار والهدوء على الصعيد السياسي في داخل الجزيرة العربية وفي الأقاليم المفتوحة، ففي هذا العصر بدأت مظاهر العمران بالنشاط على نطاق كبير، فأقيمت مدينة البصرة والكوفة في العراق والفسطاط في مصر، وأرسلت مجموعة من العلماء إلى المناطق المفتوحة في العراق والشام ومصر، عملوا على تدريس عدد من مواد العلم. وبصورة عامة فإن العصر الراشدي كان عصر وضع الأسس العلمية الأولى في المجتمع العربي.

أما في العصر التالي وهو العصر الأموي(6)، فقد شهد انطلاقة علمية وحضارية هامة، ففيه أخذت العلوم تتبلور تحت مسميات مستقلة في كل الميادين العلمية التطبيقية منها والنظرية، مما ساعد على ظهور نهضة علمية كبيرة في العصر العباسي، ثم بعد ذلك في مراحل من العصور التالية، فقد كان الأمويون هم أول من ركز على دراسة الكيمياء والاهتمام بها معتمدين في ذلك على مصادر الشعوب القديمة، التي كانت قد وصلتهم بطرق مختلفة، وكان خالد بن يزيد بن معاوية أول من اهتم بهذا العلم في العصر الأموي على المستويين الرسمي والشعبي العام(7)، لكن الأمر في مجال علوم الطب، كان أكثر وضوحاً وتطوراً واتساعاً، ولعل مرد ذلك يعود إلى اهتمام الخلفاء الأمويين بالأطباء، ذلك لأنهم شكلوا في مناسبات كثيرة أداة قمع للمعارضين في أيديهم، هذا بالإضافة إلى عملهم على معالجة المرضى والمحافظة على الصحة العامة قدر الإمكان(8). أما العلم الذي ازدهر في العصر الأموي من حيث أهميته، فهو علم الهندسة، الذي تجلى في عدد من المجالات الحيوية الهامة، فقد اهتم الأمويون بقضايا العمران المختلفة من مدن وقصور ومساجد وغير ذلك، ذلك لأنهم أحبوا من خلال هذا الاهتمام، أن يظهروا دولتهم بمظهر القوة والعظمة واللياقة، وكان لهم ذلك إلى حد كبير، ويدل على ذلك أن بعض منشآتهم العمرانية التي بنوها، مازالت تنبض بكل ألوان الحياة حتى يومنا هذا(9).

من ناحية أخرى فقد اهتم الأمويون بإطلاق الحريات لأصحاب ورواد علم الكلام، الذي يقوم على الجدل والمناقشة، وهو العلم الذي تطور فيما بعد إلى ما سُمي بالفلسفة العقلانية أو الفكر المعتزلي، وقد كانت المرحلة المتأخرة من العصر الأموي هي المرحلة الذهبية لظهور هذا العلم، الذي انبرى أصحابه للدفاع عن الدين والعقيدة(10).

وفي العصر العباسي(11) كان الأمر مختلفاً إلى حد كبير، ولاسيما في القسم الأول من هذا العصر، الذي اصطلح على تسميته بالعصر العباسي الأول(12)، فقد حدثت نقلة كبيرة على صعيد العلوم كافة، وكأن الأحداث دوماً ترتبط بأصحابها، فتكون صغيرة إذا كانوا ضعافاً وتكون كبيرة إذا كانوا عظاماً. فهل يختلف أحد على عظمة الخليفة أبي جعفر المنصور أو هارون الرشيد أو المأمون، الذين عُـدّ عصرهم العصر الذهبي في حياة العرب، ذلك لأنه كان عصر التفوق العلمي والحضاري، حتى غدت مدينة بغداد قبلة أنظار العالم في العصور الوسطى. ففي هذا العصر الميمون بنيت عاصمة الدولة بغداد (دار السلام) وفيه ظهرت الوزارة كمنصب هام بعد منصب الخلافة، فلم تكن الوزارة قبل هذا العصر معروفة، ففيه تقررت قوانينها وتجذرت قواعدها، واشتهرت سيرتها من خلال الشخصيات التي تقلدتها، حيث توفرت فيهم كل الصفات التي يجب أن تتوفر بالوزير(13).

أما في مضمار العلوم فكانوا شموس الدنيا ومناراتها، فقد أعطوا للعالم كثيراً من المعارف والنظريات، امتد تأثيرها إلى العصر الحديث، ففي حقل الترجمة من اليونانية إلى العربية، ظهر عدد من المترجمين مثل عبد المسيح بن عبد الله بن ناعمة الحمصي، وحنين بن اسحق الذي ولاه المأمون رئاسة بيت الحكمة ببغداد، وعوّل عليه في ترجمة كتب أرسطو وهي كثيرة، وإسحق بن حنين الذي ترجم كتب أفلاطون مثل كتاب ما بعد الطبيعة وكتاب النفس وكتاب الكون وكتاب الفساد لأرسطو، وثابت بن قرة الذي نبغ في علوم الطب والرياضيات والفلك والفلسفة، فكان من حذاق المترجمين، وأتقن ما يسمى اليوم بالهندسة التحليلية، وغيرهم كثيرون(14).

وفي ميدان الفلسفة اشتهر في هذا العصر، يعقوب بن اسحق الكندي الذي يلقب فيلسوف العرب، وقد ألف في الفلسفة والفلك والحساب والموسيقى والهندسة، والفارابي الذي قال، إنّ الفلسفة حق والدين حق فلا خلاف بين حق وحق.

أما في مجال العلوم التطبيقية، فقد برع جابر بن حيان في الكيمياء والخوارزمي في الرياضيات، ولاسيما الجبر واللوغاريتمات والحساب، ومحمد بن زكريا الرازي في الطب، الذي كان إمام وقته في هذا المجال، وابن الهيثم الذي اشتهر في ميدان البصريات والضوء، فهو الذي وضع اسم الشبكية والقرنية والسائل الزجاجي والمائي، وعرف خواص العدسات، فكان ممهداً لاختراع العدسات المصححة لعيوب الرؤيا.

وفي التشريع الديني ظهر في هذا العصر الإمام جعفر الصادق والإمام مالك وأبو حنيفة النعمان بن ثابت وأحمد بن حنبل. يضاف إلى ذلك أن العصر العباسي، كان حافلاً بالثورات المعارضة، مثل الشعوبية والزندقة اللتين استهدفتا التشكيك بالعروبة والإسلام على حد سواء.

وفي المغرب والأندلس تطورت الحركة العلمية بشكل كبير، وبخاصة في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، وسبب هذا التطور يأتي في المقام الأول من خلال الاهتمام الحكومي الرسمي وغير الرسمي ببعث نهضة علمية كبيرة، وذلك بتشجيع العلماء الدارسين بشتى سبل الترغيب، ففي المغرب الكبير اهتم العرب منذ القرن الأول الهجري/ السابع الميلادي بتأسيس حركة علمية، لإيمانهم بدور العلم في صنع مستقبل الأمة على أسس متينة، ففي غضون عملية فتح المغرب الكبير كان قادة الفتح يحرصون على نشر العلم مباشرة في المناطق المفتوحة، فقد ترك عقبة بن نافع الفهري بالقيروان بعد بنائها مجموعة من أصحابه، ليعلموا السكان ما يستطيعون من أصناف العلم، وفعل الشيء نفسه موسى بن نصير في المغرب الأقصى، حينما ترك بين مصامدة الأطلس سبعة عشر من العلماء. وكان أنشط المراحل الزمنية على هذا الصعيد، الفترة التي تولى ولاية المغرب فيها إسماعيل بن عبد الله ابن أبي المهاجر، الذي جسد في أعماله في المغرب الكبير أحلام وإرادة الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، فعمل بجد وإخلاص على نشر مختلف العلوم في شتى أنحاء المغرب الكبير، وذلك بواسطة مجموعة من العلماء كان معظمهم من التابعين(15).

بعد سقوط الدولة الأموية في المشرق والمغرب على حدٍ سواء، أصاب المغرب الكبير ما يعرف بأكبر نكبة في تاريخه، تجسدت في الواقع في تقسيمه إلى عدد من الدويلات المتدابرة المختلفة على كافة الصعد، فقد ظهرت دولة الأغالبة بتونس (المغرب الأدنى) والدولة المدرارية بسجلماسة بجنوب المملكة المغربية (المغرب الأقصى)، والدولة الإباضية الرستمية بالجزائر (المغرب الأوسط)، والدولة الإدريسية بوسط وشمال المغرب الأقصى. وكانت هذه الدول على ضعفها ووهنها، ترى أحقيتها في حكم المغرب الكبير ثم بعد ذلك المشرق، وهذا ما جعلها تعيش حالة سعي مستمر، لأن تكون الرائدة في المغرب الكبير، وكانت العلوم والثقافة من أهم القضايا التي شغلت حكام هذه الدول، ذلك لأن العلم والثقافة هي أهم المظاهر التي تميز الدول المتحضرة. فقد حرص الأغالبة منذ الوهلة الأولى، أن يكونوا رواد العالم والثقافة بالمغرب الكبير، ذلك لأن حقيقة وجودهم بالمغرب الأدنى، هذا الوجود الذي ساندته الدولة العباسية بكل أشكال الدعم والمساعدة، كانت تنحصر في محاولة السيطرة على بقية أجزاء المغرب الكبير، وهذا يحتاج إلى عوامل قوة متعددة، أهمها قوة الفكر والثقافة لما لها من تأثير على كل القوى الأخرى. ورغم ذلك الاهتمام فإن المغرب الأدنى بقيادة الأغالبة، بقي عاجزاً عن مجاراة ما كان سائداً في ولايات الدولة العباسية الأخرى، وخاصة في مجال العلوم التطبيقية، التي بقيت محرمة على المجتمع الأغلبي، يستثنى من ذلك علم الطب ولكن على نطاق محدود، حينما قام بعض خلفاء الدولة العباسية بإرسال الطبيب البغدادي إسحق بن عمران إلى القيروان على مضض، ومع ذلك فإن الطبيب، يُعد المؤسس الفعلي لعلم الطب بالقيروان في العصور الوسطى، من خلال التدريس وتخريج الأطباء، الذين من أشهرهم الطبيب ابن الجزار صاحب كتاب (زاد المسافر)، الذي يرجع الفصل إليه في تعميم ونشر علم الطب بالأندلس بعد أن انتقل إليها(16).

لكن الأمر كان غير ذلك في ميدان العلوم الدينية واللغوية، فقد قُدّر للقيروان أن تشهد ظاهرة ثقافية في مجال هذه العلوم، وظهر علماء متميزون كأسد ابن الفرات وعبد السلام التنوخي المعروف بسحنون(17). ومن أهم ما شهدته القيروان في عصر الأغالبة، هو انتشار الفكر المعتزلي الذي تبناه الحكام وبعض العلماء، وحاولوا فرضه بالقوة على غرار ما كان يحدث ببغداد وغيرها في ظل المأمون والمعتصم، فعدوا مذهب المعتزلة مذهباً رسمياً وخطبوا به بالقيروان، ودرست مفاصله بمسجدها، لكن هذا المذهب للأسف بقي عاجزاً عن الانتشار بين الناس بصورة مقبولة، وبقي حكراً على رجال الحكم وبعض الفقهاء المتحمسين(18)، وبذلك انتهت أول محاولة علمية عقلانية متنورة، أراد أصحابها نقل المجتمع بالقيروان وغيرها من سيطرة الفكر الغيبي المعطل إلى بحبوحة العلم القائم على المشاهدة والتجربة والمثابرة، وهو نفسه الفكر الذي تلقفه الأوروبيون بشغف بعد ذلك عن عرب الأندلس، وأدى إلى نقل أوروبا برمتها إلى مرحلة رحيبة من التقدم والتطور والازدهار، ومازالت تتقدم باضطراد، بينما أصبحنا نحن العرب والمسلمين على هامش الحياة.

وفي تاهرت عاصمة الدولة الإباضية الخارجية بالجزائر، قامت شبه نهضة علمية بعد إعلان حالة من التسامح مع جميع الناس على مختلف أجناسهم وعقائدهم، كانت جميع الأمور تُحل عن طريق الحوار القائم على أساس من الاحترام المتبادل، يضاف إلى هذا أن الحكام الإباضيين، شاركوا بصورة فعالة في تنشيط حركة الثقافة والعلم، وشجعوا العلماء والمفكرين بكل السبل الإيجابية، وصرفوا على البحث العلمي وشراء الكتب، كما يدل على ذلك محتوى المكتبة الكبيرة بتاهرت، من كتب العلم من كافة الأصناف، حيث بلغت محتويات هذه المكتبة ما يقرب من 300 ألف مجلد في شتى أنواع العلم والفن(19).

كما شغلت مدينة فاس بالمغرب الأقصى دوراً لافتاً في بناء أسس الحركة العلمية والثقافية على مستوى المغرب الكبير، وقد بدأ هذا الدور في الربع الأخير من القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي، حينما وصلت إلى هذه المدينة مجموعات حملت معها أسساً متقدمة في العلم والحضارة، وأهم هذه المجموعات الأندلسية، التي تألفت من ثمانمئة أسرة، طُردت من الأندلس بعد ثورة الربض في سنة 202هـ/ 818م(20)، وقد نزلت هذه المجموعة في القسم المسمى بعدوة الأندلسيين. أما المجموعة الهامة الأخرى فهي مجموعة القيروانيين، التي وصلت إلى فاس قادمة من القيروان، وسكنت الحي المعروف باسم العالية، وقد حملت هاتان المجموعتان شيئاً مهماً من المعارف العلمية والثقافية والحضارية، ساعدت مدينة فاس على السير في طريق التقدم والازدهار، حتى أصبحت أهم مركز علمي وثقافي وحضاري  بالمغرب الأقصى طوال العصور الوسطى، وكان مسجد القرويين بحي العالية، الذي تميز بسرعة تطوره وازدهاره، من أهم مؤسسات التدريس ونشر العلم في هذه المدينة، وهو يشبه مسجد الزيتونة بمدينة تونس بالمغرب الأدنى، وهو مسجد كان قد بني في هذه المدينة في ولاية حسان بن النعمان الغساني في سنة 79هـ/ 698م(21). وقد تابع الفاطميون هذه السياسة في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، حتى بعد خروجهم من المغرب إلى مصر، وذلك من خلال نوابهم من بني زيري، الذين اهتموا بمسجد الزيتونة(22).

وفي الأندلس وعلى الرغم من صعوبة وضع العرب فيها، لما كان يدور حولهم من مؤامرات لطردهم من الأندلس، فقد استطاعوا أن يجعلوا منها دوحة مزدهرة في كل مجالات العلم والثقافة، قلَّ نظيرها في تاريخ العصور الوسطى(23)، وكانت في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي هي الدوحة الأولى في العالم، وفي هذه الدوحة الخصيبة أخذ الأوروبيون أسس ودعائم نهضتهم، هذه النهضة التي مازالت مستمرة باضطراد ونجاح حتى اليوم، وكان الطب من أهم علوم هذه الدوحة، إضافة إلى علوم الهندسة بمختلف أشكالها، وعلوم الزراعة والطبيعة وما إلى ذلك.

ورغم انفراط عقد الوحدة الأندلسية في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، فقد استمرت الروح العلمية الطبية، ومرد ذلك أن زعماء الدول التي نتجت عن تجزؤ وحدة الأندلس وهي ما اصطلح على تسميتها بدول الطوائف، حرصوا أن تكون دولهم على الدوام، تعج بالعلماء وأهل الموهبة من أجل المفاخرة والمباهاة والظهور بمظهر المتفوق القوي، واستمرت هذه الروح في العصرين التاليين، وهما عصر المرابطين والموحدين، بل تطورت إلى درجة كبيرة(24)، وفي هذين العصرين استطاعت أوروبا أن تأخذ ما وجدته نافعاً من منجزات الحضارة العربية، التي تجمعت وازدهرت بالأندلس، فكانت الأندلس من أهم معابر انتقال الحضارة العربية إلى أوروبا.

ازدهرت الحضارة العربية ونمت بشكل سريع في العديد من المدن بالأندلس، فقد كانت في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، قاعدة نشطة لحركة علمية واسعة النطاق، ساهمت في خدمتها السلطات الرسمية وغير الرسمية على حد سواء، فكانت أماكن التعليم تنتشر في كل مكان من هذه المدينة، وكان أهم وأكبر هذه الأماكن المسجد الأموي الكبير فيها، الذي شغل دوراً كبيراً في مجال التعليم، وهو في ذلك يشبه ما شغلته المدارس الكبرى في المشرق العربي، التي بدأت تظهر منذ القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، كالمدرسة النظامية ببغداد، التي ظهرت في سنة 457هـ/ 1065م، لذلك فقد حرص الأمراء والخلفاء الأمويون طوال حكمهم على توسعة المسجد الأموي الكبير بقرطبة، ليتسع للدارسين الذين كانت أعدادهم تتزايد مع مرور الأيام، هذا بالإضافة إلى أن الأندلسيين من العرب، كانوا يحرصون على إقامة صلاة الجمعة في مسجد واحد بقرطبة، وهو المسجد الأموي الكبير، ذلك لأن المذهب المالكي يؤكد على ضرورة تنفيذ هذه المسألة.

هذا وقد كانت في قرطبة العديد من الكتاتيب المتفرقة هنا وهناك، وكان من أهم الذين اهتموا بهذا المجال الحكم المستنصر، الذي كان مهتماً كثيراً في تنشيط الحركة العلمية، فأقام بقرطبة سبعاً وعشرين مدرسة، جعل التدريس فيها بالمجان، كما اهتم من ناحية أخرى بإقامة مكتبة كبيرة، ضمَّت كل مصادر العلوم والآداب والفنون، وبلغ ما فيها من الكتب نحو من أربعمئة ألف مجلد(25). ومن أهم ما كان يدرس في مراكز العلم بقرطبة، العلوم الإنسانية الأخرى(26).

وقد شملت النهضة العلمية بالأندلس جميع فئات السكان هناك، فقد أقبل الإسبان على الثقافة العربية إقبالاً منقطع النظير، واختلطت العقلية الإسبانية بالعقلية العربية، التي بدأت تزدهر وتتألف منذ عصر الأمراء الأمويين في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي. وقد تسبب إقبال الإسبان على الثقافة العربية، وإعراضهم عن الثقافة اللاتينية غيرة رجال الدين المسيحيين، فقادوا حملة مضادة للثقافة العربية، فيما عُرف بتاريخ الأندلس بحركة الاستخفاف(27) ومثل قرطبة كانت إشبيلية وطليطلة وغرناطة وسرقسطة وغيرها.

إن هذه الروح العلمية الوقادة، لم يقدر لها أن تستمر في الفترة التي تلت نهاية النصف الأول من القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي، ففي هذه الفترة المظلمة سقطت بغداد عاصمة العلم في المشرق، وسقطت قرطبة عاصمة العلم في الجزء الغربي من الدولة العربية، وتجزأ المغرب الكبير بعد سقوط دولة الموحدين إلى ثلاث دول، هي الدولة المرينية بالمغرب الأقصى، والحفصية بالمغرب الأدنى، والدولة الزيانية في المغرب الأوسط، وسقطت مصر والشام في قبضة المماليك، فندرت مظاهر الإبداع والابتكار، ولاسيما في مجال علوم الطبيعة وعلوم الزراعة والهندسة والفلسفة العقلانية، وسادت موجة من التقهقر والتردي والتأخر، وعم الظلم وغاب العدل وانعدم الاستقرار، وظهرت ملامح سلبية ولاسيما منها التي تتعلق بالتعصب الديني والإقليمي، وترافق ذلك بهجمات مغولية مدمرة، تعرضت لها العراق والشام بشكل خاص، وهي ما كان مرجحاً أن تظل محافظة على زخمها العلمي المتقدم، كما حدث مالم يكن بالحسبان، حينما وقف رجال الدين إلى جانب رجال السلطة والحكم، وساهموا إلى حد كبير في زيادة الانهيار الحضاري، حينما تصدوا لكل بادرة علمية ظهرت في مصر والشام في عصر المماليك خاصة، وروجوا لثقافة دينية تخدم سلطة المماليك واستمراريتهم في قهر عامة الشعب في مصر والشام. وما حدث في عصر المماليك من بوادر فردية في المجال العلمي، كان نتيجة وعي عربي كبير، تجلى في اهتمام العرب بالعلوم قدر الإمكان، بعد أن فشلوا في مسألة طرد الأيوبيين والمماليك من مواقع الحكم والقيادة، ولكن هذا الاهتمام العربي لم يكن إلا في مجال العلوم النظرية على حساب العلوم التطبيقية من طب وصيدلة وهندسة وفلك وطبيعة وزراعة وغير ذلك.

وزاد الطين بلّة أن العلوم النظرية، التي حازت على الاهتمام العربي، لم تكن جيدة في مضمونها وموضوعاتها الفكرية، فقد جاءت على هيئة مستلات من مصادر سابقة، فخلت من الإبداع وكذلك من أساليب النقد والتجديد، فكانت تعبيراً أميناً عن روح العصر المملوكي، الذي اتسم بالجمود والبعد عن الابتكار والخلق والجدة والتحضر، فكان من أشد عصور التاريخ العربي ظلاماً وتأخراً وإيلاماً، فلم يتفوق عليه في ميدان الهزيمة العلمية والحضارية، سوى العصر العثماني التي جاء على أنقاضه، ودام أربعة قرون متتالية(28) على الرغم من هذه الحالة المأساوية في مصر والشام في عصر المماليك، فإن بعض الإبداعات التي أصبحت عالمية، ظهرت في هذا العصر غير الميمون، منها اكتشاف ابن النفيس الدمشقي المتوفى بالقاهرة سنة 686ه/ 1288م في مجال علم التشريح ووظائف الأعضاء، وهو ما عرفه ابن النفيس في شرح الدورة الدموية الصغرى، أي حركة الدم بين القلب والرئتين، وهو أهم اكتشاف في مجال الطب التشريحي في العصور الوسطى(29). وكان قبله الطبيب موفق الدين عبد اللطيف البغدادي المعروف بابن اللباد المتوفى ببغداد سنة 629هـ/ 1231م، قد اهتم بالملاحظة على أرض الواقع، فصنف على أنه أفضل أطباء عصره في الاعتماد على التجربة والمعاينة في المسائل التي اهتم بها في بحوثه الطبية، فصحح العديد من مسائل ابن سينا وجالينوس، وخاصة في حقل التشريح الذي مارسه كثيراً في أثناء إقامته بمصر، من خلال الاطلاع على جثث الموتى في أثناء مجاعة حدثت بمصر، أودت بحياة الآلاف من الناس، وتوصل إلى حقيقة علمية هامة في مجال تشريح الفك السفلي عند الإنسان، هي أن الفك السفلي عند الإنسان يتألف من عظمة واحدة لا من عظمتين كما قال جالينوس وغيره من الأطباء، وهو بذلك أحد العلماء العالميين، الذين أقدموا على خوض تجارب علمية رغم معرفته بخطورتها، التي كانت في ذلك الوقت من خلال الإمكانية بإصابته في الطاعون المميت(30).

أما الإطار الجغرافي للحضارة العربية، فقد كان كبيراً جداً إذا اعتمدنا على رقعة الأرض، التي انتشرت فيها منجزات هذه الحضارة وتلك التي نشأت فيها ونضجت. فإذا توقفنا عند الأرض التي نشأت عليها الحضارة العربية، نراها ملائمة جداً لقيام حضارات متقدمة كالحضارة العربية، فمن الناحية الطبيعية تبدو في غاية الوئام، فالحضارة العربية في العصور الوسطى، قامت في بلاد الشام والعراق ومصر والمغرب والأندلس، وهي جميعها ملائمة في مناخها وطقسها وأرضها للاستقرار وممارسة الأنشطة البشرية العلمية والاجتماعية، وهي بلاد ينطبق عليها المفهوم القائل، بأن الحضارة تحتاج لقيامها إلى مناطق معتدلة، وقريبة من البحار أو تمر فيها الأنهار العظيمة دائمة الجريان(31) يضاف إلى العوامل الطبيعية الضرورية لقيام أية حضارة كالحضارة العربية، فإن عوامل حضارية ثقافية موروثة، ساعدت هذه الحضارة على النحو المتسارع في مناطقها الأساسية بالشام ومصر والعراق، وهو أمر تنفرد به الحضارة العربية، لأن هذه المناطق سالفة الذكر، كانت في العصور القديمة من أهم مراكز الحضارة والتقدم على مدى مئات السنين قبل ظهور الإسلام، ففي الشام اشتهرت حضارة الآراميين والفينيقيين الكنعانيين، وفي العراق اشتهرت حضارة السومريين والبابليين والأشوريين، وفي مصر اشتهرت الحضارة المصرية الفرعونية، وفي الجزيرة العربية اشتهرت حضارة اليمن.

أما الإطار الذي انتشرت داخله الحضارة العربية، فقد كان أوسع بكثير من الإطار الذي نشأت في داخله هذه الحضارات المتقدمة، وهو أمر تفردت به الحضارة العربية دون غيرها من الحضارات السابقة. فقد انتشرت إضافة إلى الوطن العربي الكبير، في آسيا الوسطى في أوزبكستان وتركمانيا وكازاخستان وقرغيزيا وطاجكستان، وبعض المناطق المجاورة مثل أذربيجان وأرمينيا وآسية الصغرى (تركيا اليوم) وإيران أو ما كان يعرف ببلاد فارس، وفي غرب وادي السند في كشمير وما حولها، وفي ما يعرف اليوم بباكستان وأفغانستان، وهذه المناطق برمتها كانت في العصر الأموي والعباسي، تتبع ولاية العراق في مجال الإدارة العامة، وكانت ملامح الحضارة العربية، قد وصلت إلى هذه المناطق تباعاً منذ العصر الراشدي، لكن أهم تأثيراتها كانت في العصر الأموي والعصر العباسي الأول، وقدّر لهذه المناطق أن تفرز بعض الشخصيات المتفوقة في مجالات علميّة مختلفة(32)، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على نضوج كبير في الحضارة العربية، فرض على الجميع أن يصطبغوا بصبغة الثقافة العربية، ويقال إن الحضارة العربية، انتشرت في هذه المناطق عن طريق القوة بأن فرضت على السكان فيها، لكن الذي تبين من خلال ما جرى على أرض الواقع، أن هذا القول لم يكن متوافقاً مع الوقائع، فعمليات الفتح لم تستغرق وقتاً طويلاً، وكانت غير شاملة لهذه المناطق بمعنى أن عمليات الفتح اقتصرت على بعض المناطق الهامة، مما يجعلنا نقبل أن الحضارة العربية، انتشرت في هذه المناطق بشكل سلمي طبيعي حتى وصلت إلى غرب الصين، ودليل ذلك أن الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز كان مصراً على سحب القوات العربية من آسيا الوسطى وما جاورها، لولا أن أهل المنطقة أقنعوه بضرورة وإيجابية الوجود العربي، الذي نتج عنه انتقال هذه المنطقة الواسعة إلى موقع أكثر رحابة وتقدماً بفعل مؤثرات الحضارة العربية(33).

كما انتشرت الحضارة العربية في أوروبا انتشاراً واسعاً، ذلك لأنها كانت الحضارة الأولى في وقت انتشارها، فلم يكن أمام أوروبا من خيار سوى الاعتماد على الثقافة العربية، وكانت إسبانية (الأندلس) من أهم المواقع التي نضجت فيه وازدهرت هذه الحضارة، وبالتالي من أهم المواقع التي انتشرت منها هذه الحضارة المتقدمة، فقد كانت الأندلس بمناخها المعتدل وشعبها المتحمس، بيئة صالحة لقيام نهضة علمية وحضارية في مختلف وجوه العلم والفن، ولعلها المركز الأهم من حيث تأثيره العالمي في بناء الحضارة الحديثة، التي كانت أوروبا قاعدتها الرئيسية(34).

هذا وقد هبت رياح الحضارة العربية على مناطق أخرى، لم يكن فيها الوجود العربي بذي أهمية على الإطلاق، وهذا دليل آخر على أن هذه الحضارة، بلغت شاواً متقدماً في العصور الوسطى، جعلها قبلة لكل الشعوب التي تسمو لصنع المجد والازدهار. من هذه المناطق غرب القارة الإفريقية، وغرب الصين ومواقع أخرى متفرقة، وكانت التجارة من أهم الوسائل التي نقلت منجزات الحضارة العربية إلى هذه المناطق، وخاصة التجار العرب الذين كانوا يشتركون في القوافل على طريق الحرير، الذي يبدأ من الشام ومصر والعراق، ويمر بإيران وآسيا الوسطى إلى الصين، وكذلك التجار الذين كانوا يشتركون في عمليات التجارة الشنطة. التي كان قوامها الذهب والمعادن الثمينة، التي كانت تأتي من غرب إفريقية عبر بوابات مغربية مثل سجلماسة بجنوب المغرب الأقصى وتاهرت بشمال المغرب الأوسط، وكان التجار يتابعون إلى الأندلس ومنها إلى حيث يريدون في شرق أوروبا وغربها، وفي المقابل كانت مجموعة من التجار المغاربة يحملون البضائع المغربية إلى بلدان غرب إفريقية، وعن طريق هؤلاء انتشرت بعض ملامح الحضارة العربية، ذلك لأن التجار في العصور الوسطى مثلوا بصدق وأمانة الأخلاق والمزايا الإيجابية، التي تميزت بها الحضارة العربية، فقد ترفعوا عن الكذب والغش والرياء، وتحلوا بالصدق والوضوح والاستقامة(35)، وهي صفات ساعدت على الإقبال على الثقافة العربية، ليس في غرب إفريقية وشرقها فحسب، بل في العديد من مناطق العالم المعروفة.

مجمل القول أن الإطار التاريخي للحضارة العربية، كان كافياً إلى حد كبير لإنضاج حضارة راقية في مختلف وجوه الحضارة وأشكالها، فقد بدأت هذه الحضارة في الظهور منذ عصر الرسول r المدينة المنورة، واستمرت في التطور والازدهار حتى نهاية القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي. وكانت أهم مرحلة من مراحل ازدهار الحضارة العربية، هي القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، ولاسيما في الأندلس في ظل الخلافة الأموية هناك، التي تميزت عن غيرها برعاية الحركة العلمية بالتعاون مع كل فئات المجتمع الأندلسي آنذاك. وكان الإطار الجغرافي عاملاً مساعداً إيجابياً في تطور هذه الحضارة، وخاصة في أماكن ولادة ملامح هذه الحضارة، حيث توفرت الإمكانات المادية والطبيعية والكوادر العلمية المستعدة والمتحفزة لصنع منجزات معينة، وهي معطيات لابد منها في الأماكن الحضارية، هذا وقد ساعدت هذه الإمكانات، التي توزعت على مناطق شاسعة في غرب الدنيا وشرقها، على سرعة انتشار منجزات الحضارة العربية وانتقالها إلى مناطق أخرى مجاورة لمكان نشوئها، وبذلك يكون الإطار الجغرافي قد شغل دوراً إيجابياً كبيراً على صعيد تطور هذه الحضارة، وتبلورها في إنجازات بالغة الأهمية والتأثير، وعلى صعيد انتشارها واعتمادها كأفضل حضارة في عصرها على الإطلاق.

 

(باحث واكاديمي)

 

الهوامش
(1) ذلك لأن الإسلام دخل فيه الروم والفرس والأحباش والترك والهنود إضافة إلى قبائل العرب.

(2) يقصد بهؤلاء الجيران في تلك الفترة الزمنية البيزنطيون في الشمال والفرس في الشرق وبعض الأفارقة في الجنوب الغربي.

(3) سورة المؤمنون، الآية 52.

(4) عن هذه المسائل فينظر: تاريخ الطبري، ج8، ص 290. ابن سعد ، الطبقات 14، ص99. وينظر: ابن كثير، السيرة، ج 1، ص 240. المقريزي، إمتاع الأسماع ، ج 1، ص 7 و8.

(5) دام هذا العصر من سنة 11 إلى سنة 40هـ.

(6) بدأ هذا العصر في سنة 41 وانتهى في سنة 132هـ.

(7) ابن النديم، الفهرست، ص 324.

(8) حكمت نجيب، عبد الرحمن؛ دراسات في تاريخ العلوم عند العرب، ص 37.

(9) زكي ، محمد حسن؛ فنون الإسلام، ص 33.

(10) أحمد أمين، ضحى الإسلام، ج 3، ص 9 وما بعدها.

(11) بدأ هذا العصر في سنة 132هـ وانتهى سنة 656 هـ.

(12) استمر هذا العصر من سنة 132 هــ إلى سن 247 هــ.

(13) الجهشياري، الوزراء والكتاب، ص 156 وما بعدها.

(14) محمد كامل حسين، مقالة في كتاب أثر العرب والإسلام في النهضة الأوروبية، طبعة مصر، 1987، ص 250 وما بعدها.

(15) تراجم هؤلاء وسيرهم وأعمالهم تراها مفصلة في كتاب: المالكي، رياض النفوس، ج1، ص 64 وما بعدها.

(16) ابن جلجل، طبقات الأطباء، ص 84 وما بعدها.

(17) ابن الدباع، معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان، طبعة تونس، 1901، ص 1 وما بعدها.

(18) المالكي، المصدر السابق، ص 285 وما بعدها.

(19) ابن عذارى، البيان المغرب، ج 1، ص 25 . أخبار الأئمة الرستميين، ص 26.

(20) جرت هذه الثورة في عصر الأمير الأموي الحكم بن هشام في الضاحية الجنوبية لمدينة قرطبة على الوادي الكبير، وهي من أهم الثورات الداخلية التي واجهها الأمراء الأمويون بالأندلس.

(21) ابن أبي دينار، المؤنس في أخبار إفريقية وتونس، مطبعة الدولة التونسية، ص 115.

(22) ابن أبي الضياف، اتحاف أهل الزمان بأخبار تونس وعهد الأمان، تحقيق خالد كشبرج، طبعة أولى، تونس، المطبعة الرسمية، ص 95.

(23) بدأ حكم العرب بالأندلس في سنة 92 هــ وانتهى في العقد الأخير من القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي.

(24) ابن أبي أصيبعة، عيون الأبناء في طبقات الأطباء، ج 2، ص 62.

(25) المقري، نفح الطيب، ج 1، ص 182.

(26) ابن خلدون، المقدمة، ص 539. جودت الركابي، في الأدب الأندلسي، ط 2، مصر، 1966، ص 69 وما بعدها.

(27) حركة الاستخفاف هي الحركة التي قادها مجموعة من رجال الدين المسيحيين بقرطبة في سنة 337هـ في عصر الخليفة الناصر لدين الله، وكان هدفها التشهير بالثقافة العربية الإسلامية والدعوة لضرورة الاعتماد على الثقافة اللاتينية، لكن عملية التشهير شملت الهجوم على الرسول الكريم r وعلى الدين الإسلامي بعامة.

(28) إن ذلك الذي حدث في العصر المملوكي، يكاد لا يصدق بسبب كثرة المدارس ودور العلم في مصر والشام، التي كان من المفروض أن تهتم بالعلوم الرياضية والطبيعية والفلسفية قدر اهتمامها بعلوم اللغة والدين والعلوم الاجتماعية.

(29) عمر فروخ، تاريخ العلوم عند العرب، طبعة بيروت، دار العلم للملايين، 1984، ص 198 وما بعدها.

(30) موسوعة العلوم الإسلامية والعلماء المسلمين، ص 60 وما بعدها.

(31) مثل نهر النيل في مصر والفرات في العراق بلاد الشام، ومثل البحر المتوسط وغيره.

(32) كان في ذلك مجال الطب والصيدلة والفلك والفلسفة العقلانية والرياضيات.

(33) انظر البلاذري، فتوح البلدان، ج 5، ص 620. ابن الجوزي، سيرة عمر بن عبد العزيز، طبعة مصر، 1331هـ، ص 99، وما بعدها.

(34) انظر عن ذلك تفاصيل واسعة في كتابنا: مؤثرات الحضارة العربية الإسلامية في أوروبا في العصور الوسطى.

(35) انظر تفاصيل وافية حول هذه المسائل.