قدم الفنان والخطاط المغربي محاضرة قيمة حول جماليات الخط المغربي أمام لفيف من الفنانين والمختصين والباحثين، واستطاع الفنان أن يقرب جماليات الخط من خلال الصور الداعمة مستقصيا تطوره عبر مراحل تاريخية وتلاقحه مع العديد من الثقافات والحضارات الأخرى، كما شكل اللقاء مناسبة للنقاش حول سبل نقل التجربة المغربية الى مراكز الفن الحديث.

لمحة جمالية عن الخط المغربي

حسـن المعـتمد

بحضور عدد من المتخصصين في مختلف الفنون والممثلين لمختلف الهيئات من فرنسا وإسبانيا ومختلف الدول الأوربية أمثال روبرت فلورنس وابراهيم بوشيخة (ESAVM) واللبنانية هدى أبي فارس(TMM3) Smitshuijzen   التي قامت بالترجمة الدولية لهذه المداخلة وKristyan سركيس وخوان لويس بلانكو وفؤاد ضيف الحبيب ومحمد قرماد وغيرهم، قدم الدكتور محمد البندوري لمحة جمالية عن الخط المغربي مدعمة بالصور حيث اعتبر أن مجموعة من العوامل قد ساهمت في تشكل الخط المغربي المقيد بجمالية خاصة، وهي تتصل بالتطور الحضاري العربي الإسلامي عموما وانعكاسه على كل الأساليب الأدبية والثقافية والفنية في الغرب الإسلامي، وتتصل بتطور الخط العربي وتفريعه إلى الخط المغربي بأنواعه المختلفة، علما بأن هذا التفريع قد اقترن بعدة مقومات ومكونات. وتتصل أيضا بظهور البديعيات في مختلف النصوص اقترانا بالمظهر الحضاري المتطور وتأثيره على مجال التقنية. وتتصل أخيرا بممارسة الكتابة الخطية والمحاولات التجديدية المؤطرة بالمنحى النقدي.

وأكد الدكتور محمد البندوري أن من بين العوامل التي أسهمت في التشكل الجمالي للخط بالمغرب هي الأقلام المغربية التي شكلت دفعة قوية في المنظومة الحروفية المغربية حيث برزت بشكل لافت خلافا لأقلام الطومار المشرقية التي كان يكتب بها الخط الكوفي في كل المشرق العربي. فظهرت أنواع من الأقلام المغربية منجزة من عود شجر الزيتون وشجر الأركان ومن القصب المجاور للخطارات والآبار والسواقي. ومثل لذلك بعرض صور لأقلام مغربية مختلفة.

وشدد على أن قطعة القلم المغربية التي لم يتحدث عنها أحد سواء من القدامى أو المحدثين من المشارقة غير قلة من العلماء المغاربة - في تلميح منهم فقط - قد كانت لها ميزات خاصة في الكتابة المغربية، فهي على خلاف كل القطعات المشرقية والمغاربية صنعت خطوطا جديدة وساهمت في تقديم أساليب جديدة في الكتابة بالخطوط المغربية.

وذكر محمد البندوري بأن المغرب الأقصى قد تميز منذ البداية الأولى للفتح الإسلامي بقطعة مثلثة للقلم، جعلت المغرب يستفرد بها في منجزه التقني في الخط العربي بشكل غير مسبوق من جهة، وكونه ساهم مستقبلا في صنع أنماط وتشكيلات وكتابات خاصة بالخط المغربي، لها من الجماليات ما تتعدد دلالاته ومعانيه.

وقال أن من بين العوامل كذلك المساهمة في جمالية الخط المغربي نجد انعكاس التطور الحضاري على الأساليب الأدبية والثقافية حيث لعب التطور الحضاري المغربي الإسلامي دورا أساسيا في تأسيس كل مناحي الجمال في العمارة المغربية التي أخذت بعين الاعتبار مجال الجمال والتجديد من حيث التصميم والشكل والطرز، حيث تفنن المبدعون المغاربة من خلال عناصر الخط العربــي والمغربي على وجه الخصوص، ومن خلال جملة من الزخارف والفنون التشكيلية أن تجعل ذلك طابعا جوهريا وسمة بارزة تفاعلت مع كل المناحي الأدبية والفنية. ولا شك أن التحول الحضاري في نمط الحياة التي نهجت مسلك الرونق والزينة والتأنق قد اتصل مباشرة بالأساليب الأدبية والثقافية والفنية، وتفاعل معها بشكل أدى إلى إبداع وابتكار أشكال خطية بصرية مغربية غير مسبوقة، حيث اعتمد الشعراء والكتاب أساليب بديعة في كتاباتهم وأشعارهم استرعت الأذواق والأبصار التي دخلت مجال التحضر والاعتناء بالجماليات. وقد تم بسط مختلف الجماليات على الخط المغربي وتم إمداده بأحدث التقنيات والوسائل والإمكانيات الهائلة من تذهيب ومداد يكتبون بدل المداد بمحلول الذهب والعنبر المسقي بماء الورد، وينشفون بمسحوق الذهب. واستعملوا من الدواة الأحسن والأروع. ولصنع ذلك الجمال فقد تم تخصيص محابر من العاج الموشح بالذهب مقدما صور ونماذج لذلك.

وذكر أن من بين العوامل أيضا ظهور خطوط مغربية جديدة مؤثرة في الإبداع حيث ذكر بأن الخصوصية المغربية في كل مكونات الخط تجلت بكل معطياتها في الواقع المغربي حيث أخذ الخط المغربي خصائصه الجمالية المحلية والحضارية وطابعه الفني، وأساليبه في الكتابة ارتباطا بالتطور الحضاري المغربي. فمنذ العهد الإدريسي والخط المغربي يتدرج في التحسن والاستقلالية نتيجة تغليب النمط  المحلي المدجج بالسمات الجمالية والخصائص المغربية التي تمتح من الثقافة المغربية مقوماتها الأساسية، ومن الخصوصية المغربية تقنياتها العالية، مما ساهم في عملية التنوع والتفرد. فظهرت خطوط مغربية صرفة تتسم بالجمالية كالخط المغربي المبسوط والخط المغربي المجوهـــر والخط المغربي المسند وخط الثلث المغربي، بالإضافة إلى الخط الكوفي المغربي والخط الأندلسي بدت بوادرها تلوح في النصوص الأدبية، تتجلى في الأشعار مزدهرة في الصحف أو في الآثار المعمارية، أو في السكة النقدية فتبدت أساليبه الفنية والجمالية مزدهرة خصوصا مع بروز أشكال من الخطوط المغربية المطاوعة لإبداع الأدباء والنقاد ونموها وانعكاساتها على الجانب الثقافي، منها الخط الأندلسي والخط الثلثي المغربي والخط المبسوط والمجوهر والمسند، وكل ساهم بخصائصه ومميزاته التي تعطي النصوص طابعا فريدا، عن طريق التلافيف الرشيقة والخطوط المدورة.. وقد حضر هذه المداخلة القيمة حول جمالية الخط المغربي عدد من المتتبعين والفنانين وباقي الجمهور.