شهدت أحد القاعات السينمائية في العاصمة الإدارية للمغرب الرباط، تقديم العرض ما قبل الأول لأحد الأفلام المغربية الجديدة وقد ترسخت تقليدا فنيا وثقافيا السنوات الأخيرة في المغرب، فيلم جديد لمخرج شاب يمثل الجيل الجديد اليوم في السينما المغربية، وهو ما ظهر جليا في الفلم حيث نقرأ في التقرير بعضا من سماته الجمالية واختياراته الفنية في الإخراج.

فيلم «سليمان» دراما شاعرية بلغة حالمة مشوقة

نموذج سينمائي جديد تتكلم فيه الصورة بلغات الطيف

شهدت قاعة الفن السابع بالرباط ليلة الخميس 15 أكتوبر الجاري، تقديم العرض ما قبل الأول لفيلم"سليمان" لمخرجه محمد البدوي، وذلك بحضور نخبة من السينمائيين والنقاد والإعلاميين وعامة الجمهور، والذين تابعوا الفيلم بشغف كبير.

وقدم هذا الفيلم في إطار افتتاح الموسم الثقافي والفني الجديد لجمعية ملتقى الصورة بالرباط، ومؤسسة الإنتاج السينمائي "ابوسطتروف" بتعاون مع المركز السينمائي المغربي، وذلك بحضور المخرج، و"انا رودريغيز" من اسبانيا كمنتجة مشاركة ومتعاونة في الفيلم.

فيلم"سليمان"، الذي تجاوزت تكلفته الإجمالية 300 ألف اورو، قصة اجتماعية درامية شاعرية، مصاغة في قالب مشوق ورقيق، لكن بلغة حالمة وموحية إلى ابعد الحدود، تكلمت فيها الصورة، بكل ألوان الطيف، وحكت ألف حكاية رائعة، وسط حوار قليل بالريفية بين بعض الشخوص.

كما تتمحور قصة الشريط التي قاربت 90 دقيقة، معظمها صور ممتعة وساحرة وصمت شاعري معبر، حول قصة أسرة فقيرة تعيش على الكفاف بضواحي مدينة الحسيمة بالشمال، معيلها الوحيد، شاب يكسب قوته من البحر، متزوج وله ابن مريض بالسرطان، ومع وصول سائحة أجنبية شقراء إلى الريف وضفاف البحر، خطفت قلب سليمان إلى الأعالي، تغيرت على إثرها حياة الأسرة بسرعة البرق، عبر نظرة خطفت الزوج من أحضان عائشة، إلى ليالي "ايفا" الجميلة.

"ايفا" تعشق البحر وسليمان، وتحب الطفل المريض الذي تسعد بنقله من إلى المدرسة، تتوطد العلاقة بين العشيقين، ما يغضب الزوجة عائشة الريفية التي تقاوم من اجل الحفاظ على تماسك أسرتها الصغيرة ومن أجل صحة ابنها.

سليمان الصياد، الحالم بالبحر والأفق الشاعري، وعاشق الجمال الآتي من الضفة الأخرى، يدخل في علاقة مع ايفا التي تعلمه كيف يسهر، وكيف يحب، وكيف يختار التفاح، بعدما كان يأكل البندورة، في حين أن الزوجة الفقيرة، لا تقدر على اقتناء حبة بطاطس، المسكينة أمام مرض صغيرها، الذي يكابد السرطان في صمت لم تقدر على مغص القلب الذي تسبب فيه الزوج الذي هجرته ايفا في نهاية المطاف، لتختار هي الأخرى رفقة ابنها الموت بشرف، يبكي سليمان بحرقة، ثم يجر جثة الابن والزوج في كفنهما الأبيض، إلى البحر ويدفنهما هناك في صورة درامية وشاعرية لاتقاوم الدموع، لتنتهي القصة من حيث بدأت.

في الشريط الذي استحسنه الجمهور وغصت به القاعة، من خلال طرحه لفيض من الأسئلة على المخرج، برع البدوي في تقديم متعة بصرية راقية، وذلك من خلال توظيف سحر الصورة، كنسق معبر، مليء بكثير من الرموز والعلامات الدالة..إنها صور الصمت الذي يتكلم سحرا، ويكاد يتكلم لوحده، صور البحر والطبيعة والنظرات، والآهات، والعبرات، وصوت الحجر المجنون، إنها وداعة الصورة كسلطة سينمائية عبرت بشكل موحي أكثر ما قالت الحقيقة، فكان الفيلم، حكايا صامتة روتها الإيماءات وحركات الشخوص، عبر إيقاعات موسيقية تهز المشاعر هزا، أبدعتها أنامل الفنانين آرا مالكيان وخوان فرانسيسكو باديلا.

هكذا استطاع المخرج الشاب عبر هذا الفيلم، الذي يترقب ان يعرض في القاعات السينمائية بالمغرب وفي الخارج، ان يقدم نموذجا حيا لسينما ناطقة بالصورة دون إغراق المشاهد في حوارات لا جدوى منها، لتكون الصورة السينمائية المتعة البصرية المشوقة، التي خطفت قلوب الجمهور، إلى ضفاف أكثر درامية وشاعرية لكن بلغة وبأسلوب إبداعي حالم إلى ابعد الحدود.