يخلص الباحث في تناوله لأزمة المثقف في الواقع العربي الراهن إلى ضرورة تفكيك خطاب السلطة والقوى الرجعية معا من قبل المثقف العربي لصالح بناء ثقافة تقدمية، بما يمتلكه من قوة الفكر النقدي الواعي، واستشراف المستقبل، وممارسة النقد الهادف لتنوير الجماهير، وعدم التخلي عن الوظيفة التنويرية للداعية التقليدي بغية تحقيق التغيير نحو فضاء ثقافي عقلاني.

نهاية الدّاعية أم عودة الدّاعية

حاتـم المشيّ

لقد أبانت نتائج الانتخابات التي جلبت أبناء التيار الديني للحكم عن هشاشة التكوين الثقافي والوعي بفكرة المدنية في المجتمعات العربيّة، ومنذ تلك اللحظة والسؤال لا يتوقف عن مآل جهود نحو قرن من الزمان للثقافة العربيّة؟ فيتساءل أحدهم، هل تبخّرت الآمال في التنميّة التعليميّة والتربويّة والاتّصال بثقافات العالم وترسيخ قيم الفنّ والجمال والتسامح وتكريس فكرة المواطنة والدولة؟ ويضيف آخر هل ذهبت كل تلك الجهود هباء منثورا، بمجرد أن سُمح، لأوّل مرة وبشكل مباشر ودون معوقات، للمجتمعات العربية أن تعبر عن "أشواقها" الحقيقية ونموذجها الأمثل للحكم الرشيد؟ ليصل إلى الحكم حزب "النور" في مصر، و" النهضة"، في تونس ومن لفّ لفهما ربما في بلدان أخرى؟ ويتساءل ثالث، هل كنا كعرب نعيش خدعة الدولة العربية والحداثة طيلة العقود الماضية، منذ رحيل المستعمرين والاستقلال وقيام الدول العربيّة، على مُدد متفاوتة؟

لقد عقدت الدهشة ألسنة الكثير من المثقفين، في مصر وتونس وبقية البلدان العربية، وتملّكتهم الحيرة عندما اختبروا بالملموس حقيقة وزنهم الاجتماعي والسياسي، وعمق تأثيرهم في المجتمعات العربيّة، فصرّح بعضهم علنا بحيرته وحسرته. فيما حاول البعض الآخر تلطيف الهزيمة بمحاولة التخفيف منها، إما بامتداح الديمقراطية، معتبرا أن هذه المرحلة مجرّد جولة عابرة، أو القول إنّ المجتمعات العربية واعية جدا وهي فقط تريد تجريب الإسلاميين وإفقادهم حجّة الضحيّة الخالدة التي حرمت من الحكم والسلطة(1). لكن مهما يكن من أمر فإنّه يبدو أن هناك انحصارا لمفاهيم المدنية والدولة القطرية الحديثة المؤسِسةُ والراعيّةُ للعقد الاجتماعي العلماني بين مكونات المجتمع المدني. ويبدو أيضا أنّ هذا المسار فشل في العالم العربي لصالح أطروحات موغلة في الحنين التاريخي الديني، مع فوارق هنا وهناك.

هي مرحلة ينفتح معها الجدل من جديد حول دور المثقف العربي في الشأن العام، باعتباره صانعا أو مروّجا للمقولات والمفاهيم السياسية، وطبيعة علاقته بالسلطة، خصوصا بعد نتائج الربيع العربي. أسئلة حارقة تتولّد أو تتجدد في عصرنا الحالي، وتجد امتداداتها في الماضي السحيق بحثا عن فهم ممكن.

مثقف الأمس ومثقف اليوم: قصّ الحال
لا يتوانى "عبد الإله بلقزيز" في مفتتح كتابه "نهاية الدّاعية"(2) عن إبراز أمراض المثقفين العرب التي يعتقد أنّها السبب الرئيس في ما آلت إليه أوضاع المثقفين العرب اليوم. فيقسّم هذه الأمراض أو الأسباب إلى صنفين كبيرين، فيجعلها "موضوعيّة"، متعلقة بوضع المثقف العام وأخرى "ذاتية" وهي مباشرة متعلّقة بالمثقفين أنفسهم.

الأسـبـاب الـموضـوعـية:
لا يتردد "بلقزيز"، عند إبراز أمراض المثقفين العرب الموضوعية من إقامة المقارنة بين مثقف اليوم ومثقف الأمس معتبرا أن فعل المثقف الكلاسيكي كان منتميا انتماء عضويا إلى حركة تاريخية كبرى هي إنتاج الحضارة. الحضارة العربية الإسلامية في العصر الوسيط، المنطلقة-ابتداء- من المشروع النبوي المحمّدي في مكة والمدينة والمجال الحجازي، والبالغة نقطة نهاية تاريخية بسقوط غرناطة والأندلس، كان حينها المثقف العربي في حركة صعود تاريخي حضاري نحو الشفوف والعالمية، كان صانعا من صنّاعها وناطقا رسميا بها (...) فكان في وسع مثقف هذه الحقبة الوسيطة من التاريخ الإنساني، أن يكون صاحب مشروع فكري فعّال في مجتمعه وفي تاريخه، وحضارته، بل كان في وسعه أن يكون عالميا على خلفيّة مركزية حضارته في التاريخ العالمي(3).

أمّا المثقف العربي الحديث فشروطه كانت مختلفة تماما، إذ خرج إلى الوجود في أعقاب السقوط الحضاري"العظيم"، وبعد ظلمة ظلماء من التراجع والانحطاط، مستندا إلى جدار متآكل وقواعد مهترئة، فكان عليه أن يفتتح حضوره في حضرة عالم جديد عليه تماما، عالم تغمره مدنيّة أخرى منتصرة في المنافسة الحضارية، مدنية تحدد الحدود، وترسم الأطر، وترسي القواعد، وتكرس القيم، على مشيئة حرّة سيّدة، ولم يكن أمامه سوى أن يختار أحد أمرين إمّا أن يمانع ويعاند، فيهاجر إلى الماضي باحثا عن نقطة ارتكاز يقف عليها "متوازنا"، ليساجله مساجلة المدافع عن وجود متمايز صعب. أو أن يداري ويجاري، فيصغي ويتعلّم ويقلّد ويبشّر باحثا عن سبيل إلى الاعتراف بكينونة لم يعد يملك أن يقرر الحق فيها منفردا(4). لكن في الحالين معا، في حال الإقبال على حضارة وثقافة"الآخر"، وفي حال الإعراض عنها، ألفى المثقف العربي الحديث نفسه مأزوما، ليس يقوى على أداء أي دور بحجم ما يريده لنفسه ويرضاه.

المثقف التقليدي المنكفئ على مدوّنة الماضي والأصول، لم يبرح موقع المدافعة المستحيلة لحضارة وثقافة لم تعودا في قلب مشهد المنافسة الكونية، ولذلك لم تكن المدافعة لتنتمي إلى فعل يروم إنتاج حضارة لم تعد تستطيع أن تنتج إلا الحنين إليها. والمثقف الحديث هكذا كان شأنه: مسوقا إلى التعلم والتتلمذ على الغير، مدفوعا إلى التبشير بحضارة لم يكن من منتجيها ولا يملك أن يدافع عنها أصالة، بل نيابة تشهد على تطفله أو تسوّله. كما منحت حيازة الحقيقة التي جاد بها الوحي القرآني، وعززها اجتهاد من أجمع أهل الرأي على حجيّة اجتهاده، المثقف العربي الإسلامي الوسيط الشعور الحاد بإيجابية الأفكار التي كان يزرعها في النصوص وفي النسيج المجتمعي باطمئنان لا يهزه قلق أو يعرض له استفهام، كان وعيه ثمرة تلك الحقيقة المطلقة، بمقدار ما كان حارسا لها ضد أخلاط فكر المتسربين بآرائهم إلى داخل "دار الإسلام" من أهل "الملل والنحل"، الأخرى، التي لانت عريكتهم واستسلموا للفتح بالقوة أو بالانقياد لكنه في الحالين كان صاحب فكرة انتصرت في العصور الوسطى على ما سبقها وعاصرها من أفكار، خاصة بعد أن نهلت من منظومات ثقافات الآخرين لتتوج نفسها ثقافة كونية بامتياز(5).

لكن المثقف العربي الحديث لم يكن في وسعه أن يكون ما كان عليه مثقف العهد الوسيط، ليس فقط لأنّه لم يكن فقيها، أو متكلما، أو عالما بعلوم الشرع شأن سلفه، بل أيضا وأساسا، لأنّه نشأ في بيئة فكريّة وثقافية لم يكن فيها الفكر الديني في قلب مشهد المعرفة، ولم تعد فيها المعرفة بالمطلق، أسُّ الأسس في نظام التفكير ولم تكن مشكلته فقط في تدهور مركز ثقافته العربيّة إلى درك سافل في مراتب المعارف والثقافات، وفي مضمار المنافسة بينها. بل كانت أيضا في اهتزاز وتصدّع يقينيات المعرفة الإنسانية القديمة، حول الطبيعة والإنسان والمجتمع، ونبتت على شروخ تصدّعها أسئلة مؤرّقة حرجة، وبات النسبيّ في امتدادها الشيء الوحيد الذي يستنهض مغامرة التفكير(6).

كان مثقف الأمس جاهزا للجواب عن أي شيء من شؤون الدنيا والدين، فالمعرفة لديه ليست أكثر من استدعاء للنص، ومن التماس العون من مدوّنة موضوعة تحت التصرّف، أما مثقف اليوم، فلم يكن في وسعه غير أن يأخذ حذره في الكلام، ويبطئ في الجواب، وينصرف في الأغلب الأعمّ من الأحوال إلى التساؤل. لقد أصيب وعيه بما أصيبت به مدنيتٌه من تصدّع، ولم يعد يملك أن ينتج المعارف بحريّة على مثال ما كان عليه مجتمعه، فكان من نتائج ذلك أن توقّف عن إنتاج الحضارة والمشروع التاريخي(7).

ولا تثريب أيضا أنّ المثقف الكلاسيكي نشأ في محيط مجتمع أمّي يقدّس الكلمة، كان هو مفتاح الأسرار فيه وكان الوسيط وصاحب الشأن في مملكة العرفان. كان عقل المجتمع ولسانه وقلمه. كان المثقف في زمرة العلماء"ورثة الأنبياء"، على ما علمّته عقيدته عليه، وكان المجتمع مستعدا لأن يصغي إليه ويصدّقه، فهو من سيعلّمه شؤون دينه ودنياه، وهو من يقيم لديه الفصل بين الواجب، والمندوب، والمباح، والمكروه، وهو سراجه في عتمة مجاهل الحياة وضروب التنوّع في "نوازلها". لذلك استحق أن يحظى باعتبار خاص يناسب وظيفته الإستراتيجية في الاجتماعين الديني والمدني، ومكانته في معيار الدين والمنفعة... فتغذّى من هذا الرأسمال الرّمزي، فاسحا المجال في ذات الوقت لتنمية رأسماله الماديّ، وترقية موقعه في سلّم القيم الاجتماعية، والصيرورة في عداد صفوة ذات بال.

أما حفيده، المقذوف به في مرجل عصر التحوّلات، لم يعد العارف الوحيد في مملكة الذاهلين عن الحقيقة، فقد تعدد العارفون بالمدرسة، وبالصحافة، وبالإذاعة، فالتلفزة والأنترنات.. ولم يعد صاحب الرأسمال النادر (المعرفة)، الذي يعلو على غيره، فقد بات الرأسمال المادي أوفر قيمة وأدعى إلى الاعتبار من كلام هو إلى الثرثرة أقرب منه إلى الشيء "المفيد"(8).

وأخيرا كان مثقف الأمس ذا حظوة لدى السلطان السياسي لما يلعبه من دور مركزي في بناء شرعيّة ذلك السلطان والتبرير لها من داخل المنظومة الشرعيّة، وخاصة بعد أن انهارت الخلافة، عقب الخلافة الراشدة. وتحوّلت إلى ملك جبريّ عضوض ظلّ عرضة للطعن والاعتراض، من قبل القائلين بنظام الإمامة (الشيعة)، كما من المتشبّثين بالسياسة الشرعية الرافضين لنظام الأحكام السلطانية (بعض من فقهاء السنة). ولمّا كان على السياسة والدولة أن تحوز الشرعيّة الدينية في مجتمع إسلامي يستقيم بـه أمرها، فقد كان على ذلك المثقف أن ينهض بهذا الدور، وأن يكون إيديولوجي الدولة وعقلها. وقد أتاحت له هذه الوظيفة حيازة موقع مميز في المرتبية الاجتماعية، لم يؤثّر فيه كثيرا انحيازه إلى الدولة على حساب النصّ(9). لكن المثقف اليوم لم يعد يملك أن يقوم بذلك الدور، لا لضعف فيه، بل لزوال الحاجة إليه. فالسلطة باتت تتحصّل شرعيتها من خارج الأيديولوجيا، فهي تتحصّل عليها من المشروع السياسي للنخبة الحاكمة وعليه صار في وسعها أن تحوز الشرعيّة الوطنية في مواجهة الاحتلال، أو العدوان الأجنبي، أو الهيمنة الخارجية. وصار في وسعها أن تحوز الشرعيّة الاجتماعية بدفاعها عن مشروع تنموي وطني، اشتراكي أو مستقل، مثلما باتت قادرة على تحصيل تلك الشرعيّة دستوريا وديمقراطيا من خلال صناديق الاقتراع في كل حال لم يعد الهامش واسعا أمام المثقف ليقوم مقام صاحب التسويغ والتشريع لقيام الدولة والسلطة، وبات قصارى ما يستطيعه أن يظفر باعترافها وببعض عطائها عند الانتباه، وهو الذي كانت شرعيتها -الدولة- تتوقف على اعترافه -المثقف- بها(10).

أمـراض الـمـثقـفـيـن(11):
أ- النرجسيّة الثقافية:
يعتبر"بلقزيز"، النرجسيّة الثقافية واحدة من الأمراض التي تفتك بجسم الثقافة العربية (والثقافة الإنسانية عموما)، ويستعمل"بلقزيز"، عبارة النرجسية بمعنى حبّ الذات المرضي. ويرى الحاجة مُلحّة إلى وضع تمييز فارق بين النرجسيّة الثقافية وبين ما يتقاطع معها في شبهة الدلالة مثل الاعتداد أو الثقة بالنفس، فهاتين فضيلتين في مضمار الفكر، إذ المغامرة والإقدام واقتحام المجاهل والممنوعات ممّا ينهض به حال المعرفة ويقوى عودها، وبغير الشعور العميق بثقة المثقف في النفس يمتنع ذلك امتناعا، أمّا النرجسيّة فهي الحالة التي تفيض فيها تلك الثقة في النفس عن حدودها الطبيعية أو المحمودة إلى حيث تتحوّل إلى إيمانية مطلقة بالذات وإلى تشرنق على عقائدها. وهكذا يختلف النرجسيّ عن الواثق في النفس في أنّه لا يثق في قدرته أو كفاءته المعرفيّة، بل يصدّق كل ما يقوده إليه فكره، وينكفئ عليه راغبا عن غيره.

ويظهر هذا المرض في عدّة أعراض تتمثّل خاصة في سلوكات ثقافية مختلفة يعبّر عنها أولئك المثقفون إما بمدح الذات في حضرة الآخرين، أو بإدمان الانتباه الزائد إلى ما يُكتبُ عنهم، أو إبداء الترفّع والعجرفة في العلاقة بأصحاب المقالات الأخرى من المثقفين(12).

ب- الساديّة الثقافية:
تشكّل السّاديّة واحدة من الظواهر المزمنة التي يعاني منها الوسط الثقافي العربي، وهي في تعريف،"عبد الإله بلقزيز"، ذلك المنزع الجارف نحو الانتشاء بتعذيب الآخرين وبناء على ذلك فهي حالة غير سويّة وتعبّر عن اضطراب خطير في نظام الاشتغال السيكولوجي وفي توازن الشخصيّة النفسي لدى المصاب بها. أما ترجمتها في الميدان الثقافي، فتكون في صورة سلوك عدواني من مثقف أو مثقفين تجاه أفكار وآراء آخرين على نحو لا يتوازن فيه المثقف الساديّ إلا متى الـتـذّ بالتجريح الذي أصاب به ضحاياه من المثقفين.

ويمكن للقارئ أن يكتشف في خطاب، "الساديّ" إدمانا رهيبا على استعمال مفردات العدوان، تظهر أساسا في ممارسة الذمّ والتشنيع والتجريح بلغة الشتم، وعلى تقصّد إيذاء المخاطب في مشاعره الشخصيّة أو القوميّة أو الدينيّة، أي في أخصّ ما يشعره بهويته، بما يحصل معه هدف الإضرار به وإلحاق الأذى النفسي بشخصه. ولا هدف لـ "السّاديّ"، في ما يقوم به تجاه خصمه، إلا إشباع رغبته في التلذذ بتعذيبه، أمّا الأهداف"المعرفيّة"، الأخرى فهي لا تقع في "إستراتيجية" الساديّ(13).

ج- تعذيب الذات:
يدرك "عبد الإله بلقزيز" جيّدا حاجة كل فكر إلى أن يُخضع نفسه لامتحان ذاتي من حين لآخر، مشددا على ضرورة هذا الامتحان لمساءلة الفكر نفسه عن قيمة إنتاجه المعرفي في ضوء المعطيات الجديدة الحاصلة على صعيدي الواقع والمعرفة. وليس ذلك الامتحان سوى تأمّل الفكر (المثقف) في نفسه، وإعادة فحص فرضياته وتصوّراته عن كل منعطف من تطوّر المعارف، أو عند كل تحوّل نوعي في نظام الحوادث التاريخية والاجتماعية. أمّا هدف ذلك التأمّل، ووظيفة هذا الفحص، فيكمنان في تمكينه الفكر من تصحيح نفسه، وتصويب آليات عمله، بما يجعله أقدر على تجديد طاقته الإنتاجية، وأقدر على التكيّف الإيجابي مع"نوازل"، المعرفة والواقع. فالنقد الذاتي مقاربة صحيّة هادئة لأخطاء الذات ولمواطن الخلل أو العطب فيها (...) لكن ليس هذا هو حال جلد الذات، فهذه حالة مرضية لها تعريفها في ميدان علم النفس المرضي وهو المازوشيّة، أو الميل المرضيّ إلى تعذيب الذات.

ولا مرية في أنّ "بلقزيز"، يعتبر أنّ فئة من المثقفين العرب هم من المرضى وبالتالي هم من المازوشيين، لأنّهم يحقّرون أنفسهم أشدّ التحقير، ويعبّرون عن أعلى درجات الشعور بالدونيّة وبفقدان الثقة في الذات. ولما كانت الثقة في الذات شرط وجود المفكّر من حيث هي التي تمدّه بالطاقة لينتج ويبدع، فإنّ فقدانها لدى هؤلاء المصابين بالمازوشية الثقافية تكاد تخرجهم من عداد المثقفين(14).

د. الفوبياء الثقافية:
تتعدد مظاهر وأعراض حالة الفوبياء الثقافية، الزاحفة في أفكار ونصوص قسم عظيم من المثقفين العرب، يكتفي "بلقزيز"، بذكر اثنين منهما على سبيل التمثيل، وهما فكرة "المؤامرة في الوعي العربي المعاصر"، ثم النزعة الحادّة إلى "رفض ثقافةّ الآخر". معتبرا أنّ فكرة المؤامرة من أكثر الأفكار ازدهارا في الثقافة العربية المعاصرة، حتى إن الملاحظ يكاد يحسبها من ثوابت ذلك الوعي في سائر تجلياته الإيديولوجية، وتتمثل اختصارا في الاعتقاد بأنّ الغرب يتآمر على الإسلام، والامبريالية والصهيونيّة تتآمران على الأمة والوطن والعروبة، وتتآمر الحداثة المستوردة على الهويّة والأصالة، والأصولية والرجعيّة تتآمران على التقدّم.

يلاحظ الباحث -ودون عناء- أنّ في سائر هذه الحالات ليس الخلل في"الأنا"، أبدا، بل إنّ الآخر دائما هو مصدر الخطر على الذّات، أكان "صليبيا"، أم استعماريا، أم امبرياليا، أم صهيونيا، أم رجعيا، أم أصوليا أم متغربا...، بحسب موقع من يُعيّن ذلك"الآخر"، وذلك الخطر.

يتلبّس بالخطاب إذن- في هذه الحالة- فوبياء مرعبة من كل ما لا ينتمي إلى "الأنا". ويتحوّل "الآخر" في امتدادها إلى شمّاعة تُعلِّق عليها تلك"الأنا "الاجتماعيّة- الثقافية مشاكلها الذاتية، فتستقيل من المسؤولية وتركن إلى الحلول السهلة والسريعة ومن ضمنها الهروب إلى الأمام. وممّا لا شكّ فيه أنّ فكرة المؤامرة الرُهابيّة هذه قذفت بالوعي العربي إلى منزع سلبي تواكليّ وقدريّ أسقط بُعد الفعاليّة والايجابيّة فيه، وجرّده من الشعور بالثقة الذاتيّة، في الوقت الذي يفترض فيه أن يزوّده بالطاقة اللازمة للإنتاج. ولا تقلّ فكرة رفض "الآخر" عن فكرة المؤامرة، بل هي على معطياتها تتأسّسُ وتنطلق، مع إنّ هذه الفكرة تميل إلى الإفصاح عن نفسها من خلال طقوس تعظيم الذات والتشديد على مرجعيتها ومثاليتها إلا أنّ استعراضيتها هذه تخفي في جوفها شعورا حادا بالخوف من ثقافة الآخر وحضارته وفقدانا صريحا لشعور الثقة بالنفس(15).

يتبادر إلى الذهن في هذا المستوى وفي ظلّ تعدد وتزايد أمراض وعلل المثقفين سؤال حرج، هل انتهى دور المثقف أم تراه مازال مطلوبا(16)؟

مازال دور المثقفين مطلوبا:
على الرغم من فداحة النتائج النفسية للانهيارات الكبرى التي أطاحت بطوبى المثقف الملتزم، وطوّحت به في العراء أمام الحقائق المدويّة التي استفاق عليها وعيه(17) فإنّ "عبد الإله بلقزيز"، يؤكد أن دور المثقف مازال مطلوبا وأن الأوان لم يفت بعد لبعث الحياة في رسالة الالتزام التي حملها يوما، دون أن يعني ذلك إمكانية استئناف أوهامه الرسولية، بل عن طريق إعادة تأسيس معنى جديدا للالتزام(18).

معتبرا في ذات الحين أن الوقت قد حان كي يتخلّى المثقفون عن إفراد العوامل الموضوعية، الخارجة عن إرادتهم، بالمسؤولية -حصرا- عن كبوة دورهم المعرفي المطلوب، وأن يبحثوا عن أسباب ذلك في أنفسهم، في أدوات اشتغالهم، وفي عدّتهم المعرفية، وفي القيم والقواعد التي أخذوا بها في ميدان الإنتاج الفكري، داعيا إيّاهم إلى:

عدم الحياد عن الدور المنوط بعهدتهم والانحياز إلى الجماهير:
ولعلّ المسوّغ لدعوته هذه أنّ هذا المثقف ارتضى في يوم من الأيام عرض عقله ولسانه لخدمة الدولة والسلطان، وسكت عن جوره وبطشه، ودافع عنه ضدّ الخصوم والرّعيّة(19) ولا مراء في أنّه أعمل تقليبا في النصوص المرجعيّة باحثا عما يسوّغ له عقد الولاء لصاحب الأمر"مجتهدا"، في أن يتأوّلها على النحو الذي يفيد الحاجة إلى ذلك حتى وإن قاده "الاجتهاد"، أحيانا- بل كثيرا - إلى ما يعاكس مرمى تلك النّصوص، ثمّ لا مراء في أنّه اعتبر الفكر والكتابة حرفة للاعتياش أو في حالة الاستكفاء والغنى رأسمالا للاستزادة من أنصبة الامتياز، ودربا سالكة للارتقاء(20). حاثًا إياه في الأثناء إلى الاستغناء عن إنتاج الرأي، على اعتبار أن هذا النمط من أنماط إنتاج القيم الثقافية والرّمزية، يبدو اليوم تقليديا رغم أنّه هو الذي صنع من المثقفين سابقا مرجعا لا غنى عنه وسلطة نافذة في الاجتماع الوطني(21).

النـقــد(22):
لا يرى "بلقزيز" مانعا من نقد المجتمع نقدا شديدا وشاملا، ولا يعتقد أيضا في وجاهة تأجيله، وهو يعيب على المثقفين العرب تجاهلهم الطويل لهذه الحاجة وسكوتهم عنها سواء كان ذلك نتيجة موقفهم من السلطة أو بسبب حاجتهم الحزبية إلى ممالأة الجمهور طمعا في كسب ودّه، الأمر الذي دفعهم إلى إفراد النقد بالسلطة دون سواها، مما جعل الحاجة ماسّة إلى ممارسة هذا النقد على المجتمع أيضا أسوة بالدولة، وذلك من أجل هذا المجتمع نفسه قبل ودون أي هدف آخر(23). غير عابئ بصعوبة هذا الإجراء -النقد- الذي يبدو سالكه، وكأنه يعرّض نفسه للتيار نتيجة فتحه النار على محرّمات لا يملك أحد أن يطأ أرضها شاكا ومتشككا. ورغم توقعه لفداحة الكلفة التي كان، وسيكون على المثقفين دفعها "جزاء" هذا العصيان النقدي على هيبة تلك الأوثان، فإنّ "بلقزيز" يرى في إعمال مِعول النّقد فيها واجب عليهم لا سبيل للحياد عنه يرقى إلى مرتبة "الفريضة"، بل لعلّ ذلك النقد هو الشيء الوحيد المقدّس الذي يحتاج منهم أن يكونوا بالنسبة إليه بمثابة السدنة(24).

تنمية الرأسمال المعرفي:
من أجل أن يظلّ دور المثقف مطلوبا على الدّوام يقتضي ضرورة تنمية الرأسمال المعرفي ويكون ذلك عبر الانفتاح الكامل على كل المنظومات الفكرية الحديثة، والنهل منها دون تردّد، فلا مسوّغ حينها لأيّة دعوة نكوصية انكفائية قد ترى في ذلك الانفتاح الفكري تهديدا ما للهويّة، فالتراكم -أي تراكم- لا ينشأ إلا في جدلية التفاعل بين الداخل والخارج، وليس في وسع أي ثقافة الإدّعاء بأنّها تكتفي بمصادرها ومواردها الذاتية عن أيّة مصادر أخرى ممكنة. وقد تتعاظم في حالة الثقافة العربيّة، الحاجةُ إلى الانفتاح بسبب الفارق الكبير في موارد المعرفة بينها وبين الثقافة الحديثة وبالتالي بسبب الحاجة إلى جسر الفجوة بينهما أو على الأقل التقليص من مساحتها.

رغم بعض الانفتاح الذي حققته الثقافة العربيّة منذ منتصف القرن الماضي والذي تعيش اليوم على بعض ثمراته، بل هي ربما تضمن بقاءها وقدرتها على التكيّف على قاعدة نتائجه، مع وجوب الاعتراف بأنّ هذا الانفتاح يعاني اليوم من أوضاع عسيرة، تتمثل خاصّة في احتدام حالة المقاومة من قبل بعض تيارات الوعي العربي التي ما تنفك عن المقاومة ضدّ أي شكل من أشكال الانفتاح بذريعة فداحة نتائجه على الهويّة والشخصية الثقافية والحضارية للأمّة(25).

النزول من عليائه:
يدعو"عبد الإله بلقزيز" المثقف إلى التخلي عن نخبويته(26)، من خلال التخلي عن اللغة النّظرية العالمة التي يستعملها، فهو يتحدّث بلغة (عالمة)، لا يفهمها الشعب ولا يتداولها في قاموسه اليومي، في مقابل لغة العامّة الحسيّة، ثم تظهر نخبوية المثقف في الموضوعات الفكريّة المجرّدة التي يشتغل عليها. إذ الموضوعات التي يولع بها غالبا ما تكون بعيدة عن مشاغل الناس، ولا تقع في سلّم أولوياتهم فهو يهتمّ مثلا بقضية حريّة الرأي والنشر والتعبير، فيما ينشغل الشعب بمشاكل الرغيف وتأمين العيش والمسكن...، حتى ليبدو في حال التباعد هذه كل من الفريقين مشدودا إلى موجة مختلفة، وكأنّهما من عالمين على درجة شديدة من التباين(27).

يجعل "عبد الإله بلقزيز" من هذه التقيّدات شروطا ملزمة حتى يظلّ دور المثقف مطلوبا. أمّا في غياب هذه الشروط وفي ظلّ تردّي وضع المثقف العربي فهو لا يتردّد في إعلان "نهاية الدّاعية" وبالتالي نهاية المثقف دون أن يُحمّل المسؤولية لدعاة الأصالة أو الأصاليون، ممن عُرف عنهم تحزبهم التراثي، وحرصهم على تسفيه فكرة الحداثة، وتسفيه من دافع عنها بالتبشير أو بالتوطين من خلال إنتاجها نافيا أن يكونوا وحدهم الذين صنعوا هذا الجحيم الثقافي وأدخلوا الثقافة العربية في المتاهة(28).

إلا أننا ولئن كنّا نتفق مع "عبد الإله بلقزيز"، في عدم تحميل المسؤولية/ مسؤولية الجحيم الثقافي وحال التردّي الذي تعيشه الثقافة العربية لدعاة الأصالة دون غيرهم، معتبرين أن بعضا من المنتسبين للسلالة الحداثية مشاركين إن من قريب أو من بعيد في هذا الجحيم الثقافي(29)، فإننّا نختلف معه أشد الاختلاف في اعتبار أن من نتائج غياب التزام المثقف بتلك التقيّدات الحكم بـ"نهاية الدّاعية"، معتبرين أنّ الأمر لا يعدو أن يكون نهاية الدّاعية بقدر ما هو "عودة الدّاعية"، أو على الأقل "نهاية داعيةٍ". مستفيدين في زعمنا هذا مما أفرزته الساحة الثقافية العربية في دول الربيع العربي. فما هي إذن ملامح الدّاعية الجديد؟ وما هو منهجه؟ وما طبيعة الدور الذي يضطلع به؟

عودة الدّاعية من جديد:
في الصورة والمنهج.
صحيح أن المثقف العضوي اليساري (خاصّة) الملتزم خرج من تجربة التزامه مثخن الجراح، محبطا من حصاده، غير أنّه لم ينسحب من المشهد إذ ظهرت له أشباه ونظائر من مواقع فكرية وسياسية أخرى مثّل المثقف الإسلامي أحد نماذجها(30)، ليرتفع بعودته الجدل الصاخب بين دعاة الأصالة ودعاة الحداثة من جديد وإن كان هذه المرّة تحت عناوين فرعيّة. مثل الجدل بين الفكر الديني والفكر العقلاني حول الحقيقة، والجدل بين دعاة الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة ودعاة النظام السياسي المدني العلماني الحديث حول الشريعة، والجدل بين التراث والحداثة، وبين فكرة الشورى وفكرة الديمقراطيّة، وبين الهويّة الدينيّة والهويّة القوميّة(31).

وفي خضمّ هذا الجدل ما فتئ المثقف"الإسلامي"(32)، يردد مقالته التقليدية الموروثة التي تدّعي تقلّده تكليفا رساليا متعاليا، فيأخذ على عاتقه بمقتضى منطوقها النصّي البيّن أو بمقتضى مستنطقها المؤوّل على سبيل الاستنباط دورا يعلو على أيّ "مضارع"، يكون فيه الوسيط بين حقائق الوحي وأفهام الناس، ويكون فيه شارح المستغلق والممتنع، وحارس القول المقدّس من إثم السؤال ودهشة الاستفهام(33)، لا يقف في طابور الانتظار بحثا عن اعتراف وتسليم، بل ينتزع ذلك لنفسه بقوّة النصّ الديني، فلا يتردد من حين لآخر في تنبيه مخاطبيه على أن"العلماء ورثة الأنبياء" وبأنّه هو دون سواه، المشمول بعناية النصّ وتعيين الوارد فيه، ومتى كان له ذلك- في أعين جمهوره- ارتفع سهمه، وعزّت بضاعته وحاز خطابه الحجيّة حيازة تعلو على كل مضاهاة(34).

إنّهم -الدعاة الجدد- ينصّبون أنفسهم اليوم، كما نصّب غيرهم بالأمس أنفسهم، للنطقّ باسم الجماعة، وترتيل القول "نيابة" عنها، معتقدين أنّهم خصّوا دون سواهم - بالحق والعلم به. وأنّهم بلغوا من العلياء في المدارك بشؤون الكون ما يسوّغ لهم -وحدهم- ملكيّة حق الكلام والرأي، وعلى الآخرين فقط وفقط- واجب الإصغاء. أمّا الحقيقة فهم أهلها الذين قُذفت في روعهم كما قٌذفت قبلهم في روع المتصوّفة والأنبياء والأولياء، وحق المصغي في التساؤل يجب أن يكون مجرّد استيضاح الغامض من كلام المتكلّم، ولا يجوز له أن يزيد عن هذا الحدّ وكل اعتراض على رأي مالك الحقيقة الأوحد هو هتك للمعلومة وهرطقة ترتفع إلى مرتبة الإثم العظيم وانحراف عن جادّة الفكر الصحيح، وهي في الأحوال جميعا تضعه في موقع الاشتباه، وعليه وحده أن يحلّ عقدته بالتوبة عن كبائر الظنّ والشكّ، أو بالعودة عن خطّ الانحراف الفكري إلى حضن الحقيقة "العلمية"(35).

يصرحون بذلك سرّا وعلانية دون أن يضعوا في اعتبارهم أنّ النص المقدس هو نص يجب أن يتجاوز حدود زمانه ومكانه الذي قيل فيه فـ"النص"، إن عانى من قيود الزمان والمكان وبات محكوما بـ"الثبات"، الذي يناقض ديناميكية الظروف والمفاهيم المتغيرة دائما أصبح ولا محالة يعاني من قصور في قداسته لأن القداسة محكومة بالمفهوم المتعالي للعلم الأزلي، ذلك العلم الذي لا يقيده زمانه ومكانه الذي تجلى فيه، بل يتعالى عليهما ليضفي على الزمان والمكان-بديمومتهما واستمراريتهما- مفاهيم متجددة مع مرور الزمان وتغيّر المكان، إذ ما معنى أن يكون نص مقدّس ما صالحا لكل زمان ومكان إلا هذا؟(36)

ونتيجة لهذا الدور المخصوص الذي ما انفك الدّاعية الجديد-أو بالأحرى العائد من جديد-، يضطلع به أصبح أسيرا للكلام تنعقد له الولاية، وينقاد إليه المبايعون انقياد المعتقد عن إيمان المستكين النفس إلى اطمئنان(37)، وسولت له فكرة الحقيقة المطلقة شرعية امتشاق السلاح دفاعا عنها، وليس هذا السلاح قطعا هو الفكر، فمالك الحقيقة لا يجادل لأنّه يهبط بحقيقته إلى درك أسفل وهو حينها يُعرّضُها للاستفهام والمساءلة وهما ممّا لا تجوزان عليها. فجعل حينها سلاحه تسفيه رأي غيره وتخطئته كلا وتفصيلا، بالتكفير حينا والتأثيم أحيانا أخرى (إخراجه من الجماعة الوطنية)، لكن مهما يكن من أمر ففي الحالين يعرف المكفرة والمخونة أنّهم لا يدلون بآراء بل يحرضون السلطة والمجتمع على مخالفيهم ويهيئون بذلك لقصاص لا ينتمي البتة إلى نظام الفكر وإلى تقاليد الثقافة!

الأمر الذي قد يفضى شيئا فشيئا إلى تحوّل خطاب المثقفين العرب إلى خطاب وثوقي مطلق، تصبح فيه الأفكار منزهة عن الشكّ والنقد، متشبّعة بوهم "الامتلاك" المعرفي للحقيقة، أمّا الرأي المخالف عندهم فهو لا يملك دليلا لنفسه متى استوى أمره على مقتضى مجانبة الأفكار التي يحملها "أنا"، كل مثقف، وترى فيها الحقّ كله! فتعثر على الإيمانية الوثوقية في دفاعه عن أفكاره بكل وسائط التبرير وفي لغته حيث قاموس الـتأكيد والجزم والقطع سيّد الكلام، وحيث لا أثر للغة الاحتمال وتقاليد الحيطة والحذر.

وتكاثرت تبعا لذلك مقالات التخوين، وتقاطرت فتاوى التكفير حتى إن بعضا ممن أصابه شيء من ذلك التخوين انزوى باحثا لنفسه عن توازن يعيد لذاته الاعتبار ويرفع عنه تهمة قد لا يكون لها ولو أساس ضعيف من الشرعيّة. وخلد البعض إلى الصمت احتجاجا على الصراخ الذي يغمر المكان الثقافي. والبعض الآخر تقمّص دور التائب عن جرم لم يرتكبه، لكنّه احتاج ذلك لاستدرار غفران مؤسسات التخوين وفقهائها المحدثين. بل جنح إلى المضاربة الإيديولوجية ففاق أهل التخوين في إبداء الولاء للمبادئ التي اتهموه بخيانتها...أمّا بعض من أصابه شيء من فتاوى التكفير، فقد خلد إلى خوفه اليومي من نهاية لا يريدها، وثمّة من ارتضى أن يتوب عما قال أو عقل من الأشياء حتّى وإن لم تقنعه توبته، وبعض ثالث قضى بعد إنفاذ حكم المفتي فيه، وبعض رابع مازال ينتظر...إنّها في النهاية أشبه بقيامة ثقافية قد تتحوّل فيها زمرة من المثقفين المستلبين بفكرة امتلاك الحقيقة المطلقة ومن حيث لا يدرون إلى"ميليشيات فكريّة" مسكونة بهاجس الإبادة ! وإلى شرطة أيديولوجية تنظم الرقابة والعقاب أو قد يصل الأمر حد الاغتيال والتصفية الجسدية في أوساط أهل الرأي(38)، وقد يبقى حينها متّسع لحوار أو إصغاء!(39).

الطيف بات حقيقة:
إنّ المتأمل مليا في صورة اشتغال هذا الدّاعية الجديد ومنهجه تستيقظ في ذهنه صورة المثقف التقليدية تلك الصورة التي ارتسمت تاريخيا عبر معاينة نمط سائد من المثقفين في الحضارة العربية الإسلامية هم الفقهاء(40)، حيث كان الفقيه هو المثقف المثال في وعي الجمهور العام، بل قل هو المثقف العضوي الذي أتقن كيف يبني مركزه ومرجعيته من خلال الإصغاء إلى مطالب المجتمع والإفتاء له بلغة العامة(41). نعم يبدو أن هذا النموذج ينبعث من جديد ويحظى بكل آليات التقدير والتبجيل وتتـرسّخ مكانته بكل وظائفه التقليدية(42). إنّ طيفه يتحوّل إلى حقيقة يوما بعد يوم -في واقعنا العربي الراهن- إلى حدّ يمكن اعتباره امتدادا له أو إعادة إنتاجه بأسماء ومعطيات "جديدة"(43).

إنه يأخذ مكانه ويتموقع في الساحة الثقافية بعد أن اختفى المثقف الفلسفي أو النقدي المستقلّ من داخل الثقافة العربية الإسلامية وبعد أن سادت الأرثوذكسية كل مجالات التفكير والحياة(44)، هذه الأرثوذكسية التي لم يكن بإمكانها سوى إعادة إنتاج نمط معين من المثقف هو الفقيه، ذلك الحارس الأمين والشرس للتراث أو بالأحرى لقراءة دوغمائية للتراث والذي لا يفعل سوى إعادة إنتاج الماضي وتأبيد وصاية الأموات على الأحياء، وهو ما ينعته "أركون" بالسياج الدوغمائي المغلق، هو سياج وليس فضاء، ليس مدينة أو ساحة تقبل بتعدد الأصوات والأفكار، وهو دوغمائي لأنّه يتكلّس عند يقينيات ومبادئ فوق التاريخ لا يمسها التغيير، ومغلق لأنّه يكفّر كل محاولة للتجاوز أو للتسلل خارج مضارب النص أو الهويّة. مستندا في وعيه للأشياء إلى نزعة إيمانية حادة تدفعه إلى بناء يقينيات، وإلى التمسّك والاعتصام بها بوصفها إدراكات صحيحة للعالم، وللذات غير أنّ الذي لا مراء فيه أن وعي المثقف العقائدي هذا وعي أيديولوجي بامتياز، فهو حتى وإن كان يعتقد عن يقين وصدق وثقة أنّه لا يمتلك الحقيقة فعلا فهو جاهز للدفاع والمنافحة عنها بما أوتي من حجة البيان والعرفان، اللفظ والعقل، فهي ضالته التي ينشد، ووطنه الذي إليه يأوي، ومدونته التي عليها يعتمد ولذلك كله فهو لا يستطيع أن ينتج أكثر من أدلة وحجج يـنتهلها من ماديّة الواقع أو من قوّة المنطق(45).

أمّا سبيله إلى ذلك فتأويل النّصوص الدينيّة تأويلا مغرضا يهدف إلى جعل النصّ الديني بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في خدمة الجهة المؤوّلة، أو في خدمة الجهة الموظفة للجهة المؤولة والتي تسعى إلى إعطاء الشرعيّة الدينيّة لممارساتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنيّة والسياسية التي تحكم مسار المجتمع وتهدف إلى تأبيد سيطرتها عليه باسم الدين. وفي طريقها إلى تضليل الناس تستحضر العقيدة كما تستحضر الشريعة وتعمل على الربط بينهما إلى درجة يصعب فيها الفصل بين المقدس وغير المقدس سواء تعلق الأمر بالعقيدة أو بالشريعة.

ما قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى صرف الناس عن التفكير في الواقع والانشغال عنه بالأمور الغيبية التي تدخل في إطار تأويلات المفسرين الذين يعطون تأويلات للغيب نفسه مما يجعله يدخل في خدمة مصالحهم ومصالح الطبقة الحاكمة(46) أو غيرها ممن يُفسَّرُ الدين لصالحهم ويجعلهم يقبلون بالتجييش وراء مفسري الدين من أجل "الجهاد"، لتحقيق بناء الدولة الدينية التي تكون مسؤولة عن تطبيق "شريعة الله في الأرض". مستحضرين -من الكتب القديمة(47)- صورة حضارة عربيّة إسلامية شامخة ومركزيّة كونيا ملحين في ذات الحين على أنّ السبيل إلى ذلك الإصلاح هو العودة إلى ما اصطلح عليه بأحوال"السّلف"(48)، أيّ إلى الشريعة الإسلامية كما جرى تطبيقها في الصدر الأوّل من الإسلام وإلى نقطة من التاريخ لم تزل فيها لحظة القوّة والوحدة والصعود هي اللحظة المسيطرة أي إلى اللحظة التي عاشتها الجماعة الإسلامية مشدودة إلى مرجعيتها الدينية النصيّة موحدة عصيّة على الاختلاف(49).

ومن نافلة القول، إنّ هذا الضرب من الخطاب وهذا النوع من الثقافة -الثقافة الدّعوية التبشيريّة- لا ينتمي إلى ميدان المعرفة على نحو ما تعرّفه نظريّة المعرفة الحديثة، وعلى نحو ما هو معروف في حقل العلوم الإنسانية. فالثقافة الدعوية لا تقدّم إدراكا ما للعالم أو تصوّرا ما عنه، إنّما هي ثقافة حسبها أن تنتج مواقف منه، بل هي تنتجها في لغة استنهاضية حركية تقوم على التجييش الإيديولوجي. فالدّاعية لا يخاطب عقل جمهوره، بل يخاطب "وجدانه" وهو لا يفعل ذلك لقصور ما في أدوات الخطاب لديه، بل لأنّ وظيفة التبشير والدّعوة هي التأثير في"الوجدان"، وليس استنهاض حاسّة التأمّل والنقد لدى المخاطب(50).

لكن ورغم ذلك فإنّ المتابع للساحة الثقافية اليوم يلاحظ أنّ طاقة الدّاعية لم تضمحلّ، بل هي شحنت أكثر من ذي قبل مع صعود تيار"الإسلام الصحوي"(51)، رغم التوجس ريبة في نجاعته ونجاعة خطابه ومدى تأثيره. إذ ماذا في وسع جمهور مزوّد بشعارات أن يفعل؟ وماذا في وسع مثقف يخطئ دوره المعرفي ويتقمص دورا خلاصيا نبويا في عصر لم يعد فيه أنبياء أن يفعل؟ نعم عاد الداعية اليوم وسيستمرّ، وسيكون له في كلّ عصر جمهوره الذي يصغي إليه أو يمحّضه الولاء ولكن ماذا بعد؟ ماذا يستطيع أن يفعله خطاب يجافي منطق المعرفة لينتصر للمصلحة الإيديولوجية في زمن تتحوّل فيه المعرفة إلى سلاح استراتيجي لا غنى عنه في معركة التقدّم، بل والبقاء؟(52).

إنّ مثقفا أو داعية أو مصلحا أو مهما تكن المسميات يتبنى هذا المشروع الفكريّ الحضاريّ اليوم نعتقد أنّه لا يقدّم شيئا للثقافة العربية، سوى عوامل الانشداد إلى الوراء وعجز عن مسايرة ركب التطوّر والتقدّم، وإن كان هذا المثقف مثقف اليوم أو داعيته الجديد يرتضي لنفسه لعب مثل هذه أدوار فإنّ الأمر قد قضي حقيقة بنهاية الدّاعية كما تقرر ذلك عند "عبد الإله بلقزيز"، وهي دعوة له إن كان حقا يريد أن يتبوّأ مكانة في صدارة التاريخ فعليه أن يصمت، وأن ينسحب من المشهد بهدوء كي يفسح فرصة للمثقف الباحث كي يزوّد ثقافته بمساهمة هي في عوز إليها، آن له أن يحترم دوره، وأن لا يتعدّى حدود المعرفة فلا يظلم نفسه(53).

لقد أزفت الساعة بالنسبة إلى المثقف بأن ينأى بنفسه عن التجاذبات من أجل التموقع داخل المجتمع وآن له أيضا أن ينشغل عن حلمه بالزعامة وأن يحرر العقل العربي من رهان سلطتي السلف والخلف، التي ما انفكت تتسع دائرة الخلاف بينهما وتضيق ظاهرا وباطنا وتتقلّب فيه موازين القوى بحسب تغيّر الخيارات السـياسية وتنـوّعها بين الحـداثية المنفتحة على الغـرب والإسـلامية الحالمة بإسلام نقي صاف وليس أدلّ عليه -طبعا- من إسلام القرن الأوّل للهجرة(54).

لقد آن الأوان لأن يُعاد طرح السؤال من جديد، والاستعاضة عن سؤال من يقود الجماهير بسؤال من ينير وعي الجماهير لأنّ انشغال المثقف عن وظيفته التنويرية واكتفاءه بالوظيفة الأيديولوجية لخدمة مصالح ضيقة وتمرير برامج ومشاريع فكرية مستوردة قـد يقتضي الأمر من أجلها تصفية حسابات ثأر قديمة لن تكون نتيجته إلا التقهقر عن سوية العصر، متمثلا ربما في خرافة في الوعي، وارتباك عال في النظر إلى الذات والعالم، ونظام بطريركي مغلق، ومنـزع تواكلي مـتنام، واحتقار متعاظم للعمل والإنتاج، وعنف متزايد في العلاقات بين الناس، وتفسّخ فاضح في نسق القيم، ولامبالاة مفرطة تجاه الشأن العام، وتقديس أعمى للحقائق الجاهزة، وتعايش سلبي مع السائد والمألوف. قد تتحوّل نتيجة لذلك كلّه، الثورة إلى ديكتاتورية عمياء، والتنمية المستقلّة إلى تبعيّة مطلقة، والوحدة إلى تجزئة، والتحرير إلى تسليم للأرض، والتنوير إلى تكديح عقلي، والعدالة إلى إجحاف، والإبداع إلى حجر على الرأي، وسوى ذلك من المفارقات التي لا يقوى رأي على إقامة حسن جوار بينها!(55).

لقد حان الوقت لأن يُسمح فيه للأفكار المتناقضة أن تتصارع إلى النهاية لينتج ما بعدها ويكتمل التجاوز أي ليحصل تطور نوعي في البُنى الفكرية والمعرفية وتنتج نقلة حضارية، والعمل على التسوية الكبرى بين التيارين الكبيرين داخلها: تيار العقل والنقل، وتخليص الثقافة الإسلامية من مأزقها الذي قال عنه "أدونيس"، أنّه يتمثل في عمليتي الإبداع والإتباع أو الثابت والمتحول اللذين لم يلتقيا لقاء حوار وأخذ وعطاء بل التقيا لقاء نفي وإقصاء(56).

وليعلم الجميع أن طريق الثقافة العربية إلى الإنتاج والإبداع والتقدّم لا يكون إلا عبر الحريّة، حريّة الرأي وتكريس تقاليد الحوار والإصغاء المتبادل وتأصيل قيم النسبية في التفكير ضدّ النزعات الوثوقية الإيمانية، وأن الثقافة تنمو بالتسامح والاعتراف والانفتاح، لا بالعدوان والإنكار والانغلاق(57). ولابد في هذا المستوى من التشديد على ضرورة دراسة التراث واستيعابه وتعلّم الحكمة منه فما من مجتمع من المجتمعات وصل إلى قمة حضارته إلا بعد أن أجاد حسن علاقته مع تاريخه وهذا عبر تأصيله ومن ثمّ تجديده.

الـخـاتـمـة:
وفي نهاية المطاف هي دعوة للمثقفين بأن يعيدوا قراءة وظيفتهم من جديد وأن يتقنوا طرح الأسئلة الحقيقية على أنفسهم، وممارسة الاعتراف بأخطائهم، والقطع مع أوهامهم، توصّلا إلى بناء دور جديد مستفيدين في ذلك من التمرين النقدي الضروري لعملهم(58)، في الوقت الذي لم يعد فيه النقد فعلا مشروعا بمعايير المعرفة والأخـلاق فحسب، بل بات يرقى إلى مستوى الفريضة العلميّة التي تترتّب على المثقفين العرب على مقتضى العين لا الكفاية. إذ يعدّ النقد اليوم شرطا صحيّا لازما لإعادة بناء عمران ثقافي اهترأت أساساته بالتقادم، وما لم تتمّ المراجعة النقديّة وفحص المقدّمات، والمسلمات والأدوات لن يكون في حوزة العقل العربي ما يقدّمه للمجتمع، والأمّة والتاريخ(59). غير عابئ بخطورة التُهم التي تُكال إليه -المثقف العربي-، فليس من حقه أبدا أن يصم أذنيه أو يغض الطرف عما يعتمل داخل محيطه الاجتماعي، أو يكتفي بالتخندق داخل التخصص العلمي الضيّق أو التبحر الموسوعي البارد في الوقت الذي تحدّق بمجتمعه أخطار مهلكة(60). دون أن تعني وظيفة إنتاج المعرفة التي يختصّ بها المثقفون، انعزالا أو انسحابا من التاريخ، أو إضرابا أكاديميا عن الالتزام، بل هي نفسها التزام(61)، التزام بخط العقل والإنتاج والإبداع والتزام بالنضال ضدّ الجهل والخرافة والأمية، والتزام بالنضال ضدّ الاستبداد والكبت وقمع حريّة التعبير والبحث العلمي والتزام بإسداء الخدمة للوطن والشعب من خلال تحقيق تراكم للمعارف هو -اليوم- الشرط الضروري الذي لا شرط سواه لكسب معركة التقدّم، وتأمين القواعد العلمية الضرورية لخوض منافسة صعبة في عالم جديد تحكمه المعارف، ويسيطر فيه من ينجح في تحقيق التنمية العلمية والثقافية. والابتعاد عن وهج السلطة مهما كانت توجهاتها وعدم الوقوع في شرك اللحظة الراهنة(62) أي يجب عليه أن يصمد حرا شامخا مهما كان الإغراء أو الترهيب ليُعبّر عن آلام شعبه وآماله، ويدافع عن قضايا أمته من خلال إنتاجه الإبداعي الهادف والملتزم المتجذّر في تربة الوطن والمتفاعل مع نبض الرأي العام وعمق النسيج الاجتماعي بهدف مقاومة الفساد والمساهمة في التغيير إلى الأفضل والأحسن(63). مقدما على تفكيك خطاب السلطة والقوى الرجعية معا لصالح بناء ثقافة تقدمية، بما يمتلكه من قوة الفكر الواعي للتحليل والاستنباط واستشراف الآفاق المستقبلية وممارسة النقد الهادف والبناء لتنوير الجماهير حتى يكون قادرا، على تغيير شعبه(64)، يحوله من الاعتماد على أوصياء المجتمع إلى التمتع بعقول متحررة ومتنورة تعتمد على التفكير النقدي، لأنّه من دون جهد تنويري حقيقي يتجلى خلقا لفضاء عقلاني، يبقى الدفاع هشا ويكون حظ المدافع التقليد وإتباع السلف أو العودة إلى إحياء تراثه أي يكون المدافع سلفيا ولا فرق أكان السلف علمانيين أم لاهوتيين.

(كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة تونس)

mechi_hetem@yahoo.fr

* * * *

الهوامش

(1) وهذا طبعا وهم كبير يكرره كثيرون حول أن الإسلاميين لم يجرّبوا السلطة والحكم في العالم العربي ونماذج على ذلك شاهدة مثل السودان.

(2) عبد الإله بلقزيز، نهاية الدّاعية الممكن والممتنع في أدوار المثقفين، المركز الثقافي العربي، بيروت-لبنان، ط1، 2000. هو الكتاب الذي أقمنا عليه فكرة مقالنا وسنذكره اختصارا بـ"نهاية الدّاعية".

(3) عبد الإله بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص19.

(4) عبد الإله بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص19-20.

(5) بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص21.

(6 بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص21.

(7) بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص22.

(8) بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص23.

(9) بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص24.

(10) نفسه، ص24-25.

(11) لئن فصّل عبد الإله بلقزيز القول في أزمة المثقفين فإنّ عبد الله العروي يقصرها على سبب وحيد تقريبا يجمل أزمة المثقفين على اختلاف مشاربهم فيقول "إنّ المثقفين يفكرون حسب منطقين: القسم الأكبر منهم حسب الفكر التقليدي السلفي والقسم الباقي حسب الفكر الانتقائي وإنّ الاتجاهين الاثنين يوصلان إلى حذف ونفي العمق التاريخي. [و] كل ما يؤدي إليه الفكر اللاتاريخي هو العجز عن إدراك الواقع كما هو، إذ هو يمحو منه بعدا من أبعاده المكونة له". لمزيد الفهم يمكن الرجوع إلى: عبد الله العروي، العرب والفكر التاريخي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء-المغرب، ط3، يوليو1992، الفصل السابع: "أزمة المثقف وأزمة المجتمع"، ص205، وما بعدها.

(12) بلقزيز، نهاية الداعية، ص40-41.

- يرجع "علي حرب"، حصار المثقف إلى نرجسيته وتعامله مع نفسه على نحو نخبوي اصطفائي أي اعتقاده بأنّه يمثل عقل الأمة أو ضمير المجتمع أو حارس الوعي. إنّه صار في المؤخرة بقدر ما اعتقد أنّه يقود الأمة وتهمّش دوره بقدر ما توهم أنّه هو الذي يحرر المجتمع من الجهل والتخلف". لمزيد من التعمق يمكن الرجوع إلى: علي حرب، أوهام النخبة أو نقد المثقف، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء-المغرب، ط1، 1996، ص80.

(13) بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص42-43.

(14) بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص45-46.

(15) بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص48-50.

(16) يلخّص "علي حرب"، أمراض المثقفين في النقاط التالية: الأوّل هو الوهم الثقافي ويرتبط بمفهوم النخبة، والثاني هو الوهم الأيديولوجي ويرتبط بمفهوم الحرية، والثالث هو الوهم الإناسي ويرتبط بمفهوم المطابقة، والخامس هو الوهم الحداثي ويرتبط بمفهوم التنوير. من المفيد في هذا المستوى العودة إلى"علي حرب"، أوهام النخبة، ص9.

(17) يمضي "علي حرب" قدما في نقد المثقف نقدا لاذعا معتبرا إياه قد فقد مصداقيته وفاعليته، وبات أعجز من أن يقوم بتنوير الناس وتثقيفهم. بل هو في نظره هو الذي أصبح يحتاج إلى أن يتنور ويعيد تثقيف نفسه، بنقد دوره وتفكيك خطابه عن العقل والاستنارة والتحرر، وذلك لتعرية الأوهام التي انبنت بها مقولاته ووجهت ممارساته، والتي أنتجت كل هذا الهزال المعرفي والوجودي الذي آل إليه وضع المثقفين اليوم، خصوصا في العالم العربي. لمزيد الاطلاع يمكن الاستفادة من:علي حرب، أوهام النخبة، ص65.

(18) وأوّل الخطو نحو ذلك أن يكفّ عن تضخيم دوره "التاريخي"، وان يقلع عن عادة انتداب النفس لأداء مهمّات أعظم من حقل الثقافة ذاته.

(19) يتحدّث،"جوليان بندا"، عن تحوّل في وظيفة المثقف، معتبرا أنّ الحكومات حوّلت المثقفين إلى خدّام لها، فيطلب من المثقفين الحقيقيين تعريض أنفسهم لأخطار الحرق، أو النّبذ، أو الصلب، لا أن يستعملوا العبارات الملطفة، وأن يبتكروا على نطاق أوسع أنظمة كاملة من اللغة الأورويلية الموربة، التي يمكنها إخفاء حقيقة ما يجري باسم النفعية. لمزيد الإطلاع يممن الرجوع إلى:

- Julien Benda; The Treason of the Intellectuals; trans; Richard Aldington; New York Norton; 1969; P43.

وتتردد نفس الفكرة عند "ادوارد سعيد"، فيدعو المثقف إلى أن يتحلّى باليقظة والحيطة وأن يكون محرجا ومكدرا للرأي العام. لمزيد التوسّع يمكن الجوع إلى: إدوارد سعيد، صور المثقف: محاضرات ريث 1993، نقله إلى العربية غسّان غصن، راجعته منى أنيس، دار النهر، بيروت- لبنان، ط1، 1996، ص29، ص37، ص38.

(20) بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص17-18.

-يصرح "ادوارد سعيد"، بأنّه"ضدّ مبدأ التحول إلى معبود سياسي من أي نوع كان، وضدّ الإيمان بمثل هذا الإله، معتبرا أنّ الحالتين كلتيهما لا تليقان بالمثقف"، ادوارد سعيد،"مرجع سابق"، ص112.

(21) انظر، بلقزيز، "نهاية الدّاعية"، ص109.

(22) يجعل "عبد الإله بلقزيز"، من النقد فرض عين لا فرض كفاية.

(23) بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص113. فلم تعد تكفي إعلانات الحرية وبيانات الحقيقة وادعاءات المشروعية. لمزيد التعمق في هذه الفكرة يمكن العودة إلى: علي حرب، "مرجع مذكور"، ص30-31.

(24) بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص111.

(25) راجع: بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص128- 129.

(26) يتفق كل من، "عبد الإله بلقزيز" و"علي حرب"، على أنّ من بين أسباب أزمة المثقف"نخبويته"، وحتى تحصل الإضافة يمكن الرجوع إلى:

- علي حرب،"مرجع مذكور"، ص32-34.

- Johon Carey, The Intellectuals and the Masses: Pride and Prejudice Among the Literary Intelligentsia, 1880-1993, New York: St Marin’s Press, 1993.

(27) راجع بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص 36، ص 37، ص 134.

(28) يمكن الرجوع إلى : بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص ص 66-67.

(29) يبرز"عزيز العظمة"، كيف أن علمانية الدولة القومية السلطوية، أو الأصولية العلمانية هي من أهم العوامل التي أدت إلى صعود الإسلام السياسي. من المفيد الرجوع إلى: عزيز العظمة، العلمانية من منظور متخلّف، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت-لبنان، ط1، 1992.

- ويزيد "أحمد موصللي"، في كتابه:"جذور أزمة المثقف"، ص 41. في تفصيل الموضوع معتبرا أنّ:"النخبة العلمانية تسوّغ قمعها للمجتمع، وعدم منحها الأكثرية السلطة الفعلية، تحت شعار أنّ الأكثرية هي أكثرية طائفية أو جاهلة أو تقليدية. لذا تجد هذه الأكثرية في الدين آخر مرجع لها في مواجهة السلطة النخبوية السلطوية". أحمد موصللي ولؤي صافي، جذور أزمة المثقف في الوطن العربي، دار الفكر، دمشق-سورية، ط1، آذار/ مارس، 2002.

(30) بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص169. ومن علامات هذا اللفظ صعود التيارات الإسلامية الأصولية ولعب المفكر الأيديولوجي الأصولي دور المثقف العضوي الجديد. ومع قيام الساداتية تمت تصفية المثقف القومي العربي واستبداله بالمثقف الإسلامي الأصولي. لمزيد التعمق يمكن الرجوع إلى: أحمد موصللي،"جذور أزمة المثقف"، ص43.

(31) نفسه، ص75.

- انظر أيضا: محمد عابد الجابري، الخطاب العربي المعاصر، المركز الثقافي العربي، دار الطليعة، بيروت- لبنان، ط1، 1982.

(32) هكذا يسمّي،"عبد الإله بلقزيز"، المثقف الإسلامي. كما يمكن للباحث في هذا المستوى الاستفادة من تصنيف "محمّد أركون"، المثقفين المسلمين إلى قسمين:

أولا: التحديثيون المنفتحون على تأثيرات الثقافة الغربية أو على الاشتراكية العلمية.

ثانيا: التقليديون الملتصقون بالقيم الإسلامية ويرى أركون أن وعي المثقف الإسلامي قد ارتبط أساسا بالقرآن وعاش حالة تأويلية تطورت في أثناء مرحلته التاريخية الأكثر ديناميكية وإنتاجا وهو الآن يواجه كل التوترات والأزمات المتولدة عن المجابهة بين التراث الحي والحداثة بسبب انقطاعه عن أصوله الأساسية وقربه من الغرب الحديث. هذا القرب من الغرب ولّد أيديولوجية مقاومة شوّهت القدرة على نقد التراث الحي. لمزيد الاطلاع يمكن الرجوع إلى: محمّد أركون، تاريخية الفكر الإسلامي، مركز الإنماء القومي بيروت-لبنان، ط1، 1986، ص136-138.

(33) لخّص الشيخ محمد الغزالي أحد جوانب الإشكالية قائلا مشكلة أهل الحديث هؤلاء أنهم يفهمون الحديث على نحو ما ثم يجعلون فهمهم هو مراد رسول الله(ص). محمّد الغزالي، مستقبل الاسلام خارج أرضه: كيف نفكر فيه؟، دار الشروق، د.م، د.ط، د.ت، ص83.

(34) بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص33.

(35) بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص69.

(36) حسن محسن رمضان، السلفية والعلمانية:إشكاليات الرؤى والممارسة ومقالات في الفكر والسياسة والدين، دار الحصاد، سوريا- دمشق، ط1، 2008، ص65.

(37) نفسه، ص7. (يمتلك هؤلاء الدعاة اليوم قدرة هائلة على إقناع الجماهير والسيطرة على عقولهم، فبمجرد فتوة تصدر عن هذا الشيخ أو ذاك قد تمّ الزج بآلاف الشباب في أتون الحرب هنا أو هناك).

(38) بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص70.

(39) راجع : عبد الإله بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص61-67.

(40) ومن ثمّ فقد وردت صفة مثقف بمعنى العالم الديني وكانت هذه الصفة تطلق بالأساس على طائفة الفقهاء الذين يشتغلون"بدراسة الحقل الثقافي وإدارة شؤونه"، وهو ما كان يطلق عليهم القراء، أي حملة العلم الإسلامي الأول. وقد لعبت هذه الفئة دورا أساسيا بارزا في أحداث القرن الهجري الأوّل، ليصبح"العلم" مهنة متخصصة ومتشعبة في مختلف العلوم الإسلامية مما جعل المهمة المنوطة بهم أساسا هي ضبط فوضى الرواية وتوحيد النص. ولمزيد التعمق يمكن الرجوع إلى: علي أومليل، السلطة الثقافية والسلطة السياسية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت-لبنان، ط3، يناير2011، ص31.

أمّا محمّد عابد الجابري فهو يذكر في هذا المستوى أن فئة المثقفين"كان فيهم المنطقي والمتفلسف والمتكلم والفقيه والنحوي والأديب والكاتب. وكان منهم"المشارك"، في هذه الألوان من الثقافة جميعا بنصيب، على أنّ "مشاركتهم"، في شتى المعارف والفنون كانت خالية من أي مجهود إبداعي إلا نادرا". محمّد عابد الجابري، المثقفون في الحضارة العربية الإسلامية: محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت-لبنان، ط2، كانون الثاني/ يناير، 2000، ص55.

-نعتقد أن عدداً من الاعتبارات جعلت المفكرين المعاصرين يتخذون"الفقيه"، نموذجاً للمختص دون غیره؛ نجملھا بما یلي:

أولاً: إن طبقة الفقهاء كانت وما زالت تلعب دوراً مؤثراً في المجتمع أكثر من غیرها من أصحاب العلوم الإسلامیة.

ثانیاً: إن النص في حیاة الأمة الإسلامیة ھو بمثابة روحها، وأن أبلغ مَن اعتمد على النص فهماً وامتثالاهم الفقهاء.

ثالثاً: لقد أضحى الفقهاء ومن على شاكلتهم ممن یُطلق علیهم النصوصیون سلطة معرفیة شبه مطلقة تغطي ساحات التفكیر وقضایا العقائد وسائر العلوم الإسلامیة في مجتمعاتنا الدینیة.

رابعاً: إن للفقهاء دورهم المتمیز في التعامل مع الواقع، خلافاً لغیرهم من رواد العلوم الإسلامیة. لمزيد الفهم يمكن الرجوع إلى: يحيى محمّد، القطيعة بين المثقف والفقيه: دراسة معرفية تستهدف إبراز جوانب القطيعة بين البنيتين العقليتين: المثقف الديني والفقيه، د.ن، د.م، ط1، سبتمبر 2001.

- ونفس الفكرة تقريبا يتردد صداها عند عبد الله العروي، أي أن أنماط المثقفين قديما هم: الفقيه، الكاتب الأديب، المتصوف الحكيم. لمزيد الاطلاع راجع: عبد الله العروي، ثقافتنا في ضوء التاريخ، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء-المغرب، ط1، 1983، ص174-176.

(41) بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص134.

(42) محمّد أركون، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ترجمة وتعليق: هاشم صالح، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ط1، 1989.

(43) الجابري، "مرجع مذكور"، ص86.

(44) وهو تقريبا ما عبّر عنه ميشال فوكو Michel Foucault بقوله: "إنّ من يُسمّى بالمثقف العالمي أخلى مكانه للمثقف الخصوصي"، يمكن الإطلاع على:

- Michel Foucault, Power/Knowledge: Selected Interviews and other –Writings, 1972-1977, ed, Colin Gordon, New York, Pantheon, 1980, PP 127-128.

- Rusel Jacoby, The Last Intellectuals: American Culture in the Age of Acaadimia, New York, Basic Books, 1987.

(45) بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص155-156.

(46) يسعى الحاكم المستبدّ لاستخدام الدين وبعض رجاله كأداة أخرى فعالة للتحكم بسلوك البشر والمحافظة على السلطة من الانهيار.

(47) تجري إحدى صيغ التعريف المعتمدة للمثقف العصري، كما حددها عالم الاجتماع ادوارد شلزEdward- Shils ، على النحو التالي:

" في كل مجتمع...ثمّة أشخاص ما ممن عندهم حساسية غير معتادة تجاه المقدسات، وتبصّر غير مألوف في طبيعة عالمهم وفي القواعد التي تسوس مجتمعهم. وفي كل مجتمع ثمّة أقلية من الأشخاص الذين يفوقون العامة من إخوتهم في البشرية من حيث استعلامهم عن، ورغبتهم في، إقامة صلة حميمة معتادة مع رموز أعمّ من الأوضاع المادية الفورية للحياة اليومية، وذات إشارات بعيدة في الزمان والمجال كليهما. وفي هذه الأقلية، ثمة حاجة إلى تجسيد هذا السعي في خطاب شفوي ومدون، وفي تعبير شاعري أو تشكيلي، وفي استذكار للتاريخ أو كتابته، وفي أداء شعائري وأعمال عبادة. وهذه الحاجة الباطنية إلى التغلغل في ما وراء ستار التجربة المادية المباشرة، وهي التي تميز وجود المثقفين في كل مجتمع. لمزيد التعمق في هذه الفكرة يمكن العودة إلى:

- Edward Shils, The Intellectuals and the Powers: Some Prospectives For Comparative Analysis, Comparative Studies in Society and History. Vol 1,(1958-1959), pp5-22.

(48) وضعنا مصطلح، "السلف" بين علامتي تنصيص مثلما ورد ذكره في العمل، لأنّه يظلّ مصطلحا انتقائيا ذو خاصية مرنة تستطيع أن تُدخل فيه من تشاء وتخرج منه من تشاء، وهذا المصطلح أحيانا يسع الكل وأحيانا أخرى لا يسع إلا أفرادا قلّة، كما إنّه من المستطاع أن يحتج بالسلف على رأي وضده في الوقت نفسه، بناء على من تدخله في مصطلح "السلف"، أو تخرجه منه. إنّ الاحتجاج بالسلف هكذا دون تحديد من الممكن أن يكون إحدى أدوات التضليل التي مارسها البعض ومازال لفرض عقيدة أو رأي ما. لمزيد التعمق يمكن العودة إلى: حسن محسن رمضان، "مرجع مذكور"، ص53، وما بعدها.

(49) عبد الإله بلقزيز، إشكالية المرجع في الفكر العربي المعاصر، دار المنتخب العربي، بيروت-لبنان، ط1، 1992، ص26.

(50) بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص82.

(51) إنّ من نتائج صعود تيار الإسلام الصحوي، رجوح كفة الإسلاميين أو الأحزاب الإسلامية، ممّا أتاح بدوره للسلفيين، وهم تيارات مهما تكن تنوعاتها تسير في نفس طريق "الإسلاميين"، ما يعني أننا إزاء سلفية بأكثر من وجه لكن لسانها واحد لأنّها تصدر عن نفس الفكر وعن نفس المرجعيات أو تعمل حتى في حالات الاختلافات السطحية على تزكية بعضها وعلى الانتصار لبعضها البعض، تفاديا لشرّ"الحداثيين"، أو "العلمانيين"، أو لقطع الطريق عليهم. فشرّ أهون من شرّ هذا هو المبدأ الذي يصدر عنه هؤلاء.

(52) بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص 83.

(يعتبر"علي حرب"، هذه الحالة شكل من أشكال "الاستلاب"، الذي يتأسس على بداهة يحسن هتكها، وقوامها أن الهوية طور يقف وراء المرء يعود إلى عصر ذهبي أو عهد تأسيسي، ولهذا فإن المثقف الذي يعاني من حال الاستلاب والاغتراب يشعر دوما بالحنين إلى زمن ما أو مكان ما أو حدث ما يتماهى معه. إنّه يحلم بفردوس مفقود أو ينتظر الخلاص في يوم موعود، هكذا هو يشعر بالغربة عن الواقع والعالم بمقدار ما يتعلق بنماذج وصور وشخوص أو أسماء يستلهمها من أزمنة مضت كالعصر الإغريقي مثلا، أو العهد النبوي، أو العصر العباسي، أو عصر الأنوار، أو الثورة الفرنسية، أو الثورة البلشفية وما تلاها من ثورات). (علي حرب، "مرجع مذكور"، ص56).

(53) بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص8.

(54) من أسباب تدهور وضع المثقف العربي انفتاحه على مرجعيتين إسلامية وحداثية. عبّر عنها عبد الله العروي بـ: الإغتراب والاعتراب، معتبرا أن الاغتراب بمعنى التغريب أو التفرنج استلاب. لكن الاعتراب استلاب أكبر، والتركيز على الخطر الأوّل، ما هو إلا تغطية لوضع ثقافي واجتماعي معين. لمزيد من التعمق يمكن الرجوع إلى:عبد الله العروي، العرب والفكر التاريخي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء-المغرب، ط3، يوليو1992، فصل "الإغتراب والاعتراب"، ص207-211.

(55) بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص 112، ص 113، ص120.

(يلاحظ"علي حرب"، أنّه كلما"ازدهرت"،مهنة المثقف الداعية تراجعت الأوضاع إلى الوراء خصوصا على صعيد الحريات. لمزيد التوسع يمكن الرجوع إلى: علي حرب، "مرجع مذكور"، ص24).

(56) لمزيد الاطلاع يمكن الرجوع إلى: علي أحمد سعيد (أدونيس)، الثابت والمتحول، دار الساقي للطباعة والنشر، بيروت-لبنان، ط10، 2011، ج1.

(57) بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص72.

(58) لئن بدا المعنيّ بكلامنا هذا في الظاهر المثقف الإسلامي، فإن الدعوة في الحقيقة يستوي فيها أصحاب المشاريع على اختلافهم، أكانوا علمانيين أم إسلاميين، قوميين أم اشتراكيين.

(59) بلقزيز، نهاية الدّاعية، ص84-85.

ولعل إحدى المهام الفكرية المنوطة بالمثقف العربي اليوم في نظر "أركون"، هو نقد العقل اللاهوتي القروسطي المسيطر علينا منذ مئات السنين إذ بدون القيام بهذا العمل فلا تحرير ولا خلاص. محمّد أركون، قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الاسلام اليوم؟، ترجمة وتعليق هاشم صالح، دار الطليعة، بيروت-لبنان، ط3، آب/ أغسطس، 2004، ص331.

- والنقد بهذا المعنى لا يعني مغازلة النصوص الدينية من بعيد أو استرجاعها حرفيا إلى الذاكرة بل بتشريحها وتفكيكها وإعادة قراءتها من جديد.

(60) هامش كتاب محمّد أركون، الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد، ترجمة وتعليق، هاشم صالح، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ط1، 1989، ص27.

(61) يعتبر الإيطالي أنطونيو قرامشي أول من تحدّث على مفهوم الالتزام عند المثقف مؤسسا بذلك لمفهوم جديد. لمزيد الإطلاع من المفيد العودة إلى:

- Antonio Gramsci, The Prison Notebooks, Selections, trans, Quint Hoare and Gef frey,International Publishers, New York, 1971.

(62) يخصّص ادوارد سعيد الفصل الخامس كاملا من كتابه"صور المثقف"، للدعوة إلى ضرورة "قول الحق في وجه السلطة". انظر: ادوارد سعيد،"مرجع مذكور"، ص91-106.

(63) إنّ شرط نجاح المثقف في التغيير نحو الأفضل والأحسن يكون رهين مناقشته أمهات القضايا لا بمناقشة مواضيع جانبية وهامشية عفا عنها الزمن بالتقادم ولم يعد عندها شيء لتقدمه للوعي العربي ومن بين هذه القضايا الهامشية نجد مثلا: مسألة ختان البنات، والحكم الشرعي لمجاهدة المسلم للمسلم، والرأي في جهاد المناكحة وغيرها كثير.

(64) وعلى الجماهير أيضا أن تكون متسلحة بإرادة حقيقية للتغيير، لأنّ التغيير بقدر ما يتطلّع الناس إليه ويحبّونه، بقدر ما يرفضونـه، ويخافونه تشبثا بقديمهم بحكم الإلف والتقليد والاعتياد ولا يستجيب له منهم إلا المغامرون من الرواد الذين يعشقون الحقّ ويبذلون أنفسهم في سبيله.

(65) المراجع مرتبة ترتيبا ألفبائيا دون اعتماد أبو وابن.

* * *

قائمة المصادر والمراجع.
الـمـصـدر:

(1) عبد الإله بلقزيز، نهاية الدّاعية الممكن والممتنع في أدوار المثقفين، المركز الثقافي العربي، بيروت-لبنان، ط1، 2000.

المراجع باللغة العربية (مرتبة ترتيبا ألفبائيا دون اعتماد أبو وابن):

(1) أحمد موصللي ولؤي صافي، جذور أزمة المثقف في الوطن العربي، دار الفكر، دمشق-سورية، ط1، آذار/ مارس، 2002.

(2) إدوارد سعيد، صور المثقف: محاضرات ريث 1993، نقله إلى العربية غسّان غصن، راجعته منى أنيس، دار النهر، بيروت-لبنان، ط1، 1996.

(3) حسن محسن رمضان، السلفية والعلمانية: إشكاليات الرؤى والممارسة ومقالات في الفكر والسياسة والدين، دار الحصاد، سوريا- دمشق، ط1، 2008.

(4) عبد الإله بلقزيز، إشكالية المرجع في الفكر العربي المعاصر، دار المنتخب العربي، بيروت-لبنان، ط1، 1992.

(5) عبد الله العروي:

- ثقافتنا في ضوء التاريخ، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء-المغرب، ط1، 1983.

- العرب والفكر التاريخي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء-المغرب، ط3، يوليو1992.

(6) عزيز العظمة، العلمانية من منظور متخلّف، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت-لبنان، ط1، 1992.

(7) علي أومليل، السلطة الثقافية والسلطة السياسية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت-لبنان، ط3، يناير2011.

(8) علي حرب، أوهام النخبة أو نقد المثقف، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء-المغرب، ط1، 1996.

(9) علي أحمد سعيد (أدونيس)، الثابت والمتحول، دار الساقي للطباعة والنشر، بيروت-لبنان، ط10، 2011، ج1.

(10) محمّد أركون:

- تاريخية الفكر الإسلامي، مركز الإنماء القومي بيروت-لبنان، ط1، 1986.

- الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ترجمة وتعليق: هاشم صالح، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ط1، 1989.

- الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد، ترجمة وتعليق، هاشم صالح، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ط1، 1998.

- قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الاسلام اليوم؟، ترجمة وتعليق هاشم صالح، دار الطليعة، بيروت-لبنان، ط3، آب/ أغسطس،2004.

(11) محمد عابد الجابري:

- الخطاب العربي المعاصر، المركز الثقافي العربي، دار الطليعة، بيروت- لبنان، ط1، 1982.

- المثقفون في الحضارة العربية الإسلامية: محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت-لبنان، ط2، كانون الثاني/ يناير، 2000.

(12) محمّد الغزالي، مستقبل الاسلام خارج أرضه: كيف نفكر فيه؟، دار الشروق، د.م، د.ط، د.ت.

(13) يحيى محمّد، القطيعة بين المثقف والفقيه: دراسة معرفية تستهدف إبراز جوانب القطيعة بين البنيتين العقليتين: المثقف الديني والفقيه، د.ن، د.م، ط1، سبتمبر2001.

 

المراجع الأجنبية:

(1) Antonio Gramsci, The Prison Notebooks, Selections, trans, Quint Hoare and Gef frey, International Publishers, New York, 1971.

(2) Edward Shils, The Intellectuals and the Powers: Some Prospectives For Comparative Analysis, Comparative Studies in Society and History. Vol 1, (1958-1959).

(3) Julien Benda, The Treason of the Intellectuals, trans, Richard Aldington, New York Norton, 1969.

(4) Johon Carey, The Intellectuals and the Masses: Pride and Prejudice Among the Literary Intelligentsia, 1880-1993, New York: St Marin’s Press, 1993.

(5) Michel Foucault, Power/ Knowledge: Selected Interviews and other Writings, 1972-1977, ed, Colin Gordon, New York, Pantheon, 1980.

(6) Rusel Jacoby, The Last Intellectuals: American Culture in the Age of Acaadimia, New York, Basic Books, 1987.