يذكر الناقد المغربي أن هذا النص فتح بعض ندوب ماضي الاختطاف القسري التي حاولت العدالة الانتقالية وجهود المصالحة والإنصاف أن تأسوها وتخفف من وطأتها، كما أنه أنطق "الفئة الصامتة" - الناجين من الموت في غياهب المعتقلات السرية - التي لم تفصح بعدُ سردياً عما جرى، ولم تستعد حكاياتها الأليمة مع «الاعتقال من غير محاكمة«.

التمثيل السردي للسجن والسجين والسجان

في نص «ليال بلا قمر»

بوزيـد الغـلى

أمضى الطبيب  عبد الرحمان خواجة  في عتمة المعتقل خمسة عشر صيفاً أو خريفاً، لنسمّها ما شئنا، فإنها تشابهت  في الادلهام  والاسوداد، فاستحقت اسم (ليالٍ بلا قمر )، وإنما أضاءها، بعد الفرَج، نور الكلمة الذي جعلها مبصَرة، والعين الباصرة لا ترى إلا بتمارُج  (مشتق من مرج) سوادها وبياضها، كما أن التجربة السجنية لا تكتمل روايتها إلا بسردِ شرّها المستطير وخيرها الضئيل. ولقد فتح هذا النص الصادر حديثا بالمغرب  (دجنبر 2015) بعض ندوب ماضي الاختطاف القسري التي حاولت العدالة الانتقالية وجهود المصالحة والانصاف أن تأسوها وتخفف من وطأتها، كما أنه أنطق "الفئة الصامتة" التي لم تفصح  بعدُ سردياً عما جرى، ولم تستعد حكاياتها الأليمة مع " الاعتقال من غير محاكمة " كما فعل الكثيرون من أمثال " المرزوقي، الزنزانة رقم 10 "، و" الشاوي، كان وأخواتها" ... أقصد بالفئة الصامتة عددا معتبرا من الناجين من الموت في غياهب المعتقلات السرية التي تسلل اسمها المُخيف الى غلاف " ليال بلا قمر "، فاحتل مكاناً بارزاً من العنوان الفرعي : " مذكرات عائد من معتقلات درب مولاي الشريف، أكدز، قلعة مكونة"، وتتأتى أهمية النص من كونه يؤكد " مقولة شائعة في النقد الأدبي المعاصر، (مفادها ) أن النص الأدبي يقول ما لا يقوله التاريخ، يروي قصة من صنعوا التاريخ، ومن عانوه، ومن تحدثوا عنه[i] .

السيرة السجنية ليال بلا قمر : التمثيل السردي للسجن والسجين والسجّان
لقد " أدرك الصوفية قيمة الكلمة، فنظروا إليها على أنها كائن حي[ii]، بل إن ابن عربي أشار إلى أن الحروف أمة من الأمم أمثالِنا"[iii] و" الكلمات ربما تكون أجدى من غيرها من مظاهر التمثيل الرمزي؛ لأنها قادرة على تجريد الوقائع المادية والمتخيلة من أبعادهما الحسيّة المقيدة بالزمان والمكان، وتحويلهما إلى مفاهيم ٍ مجردة، أو موسوعات  ذهنيةُ  تحيل عليها تلك الكلمات"[iv]، إذ أنها " قادرة على تمثيل العالمين المرئي ّ والغائب تمثيلا رمزيا يمكننا من إدراكهما "[v]، دون أن نغادر أماكننا، فحين نقرأ على سبيل المثال فصلا تحت عنوان : " رحم الله الدرب ما أجمله  "، نستطيع عبر تخيل  صورة "السجن" أن ندرك أنه دركات كما أن الظلم ظلمات، وليس ظلمة أو طبقة سواد واحدة، كما نستطيع أن نصغي إلى التصادي بين هذا المقطع الغارق في السخرية السوداء من السجن "الجديد" والسجان المدجج بمقامع الحديد، والمثل المولّد  القائل  : " رحم الله الحجاج ما أعدله ".

إن السرد كما قال عبد الله ابراهيم " هو الوسيلة التي يستعين بها الجميع دون استثناء في التعبير عن أنفسهم وعن غيرهم"[vi]، وكما يورد إدوارد سعيد فالأمم ذاتها تتشكل من ''سرديات ومرويات''[vii] "إن السجن اسفنجة ضخمة تمتص الحكايات والمعاناة والشوق لتعصرها وتفرغها بأشكال كثيرة، تختلط هذه القصص والمشاعر وتتداخل وتتعاظم"[viii]، ولقد امتص نص " ليال بلا قمر" محكيات كثيرة  عن الشموخ في مواجهة الموت ومصانعة الظروف القاسية والتكيف الاجباري مع أوضار السجن وأوساخه وتجبر كثير من حراسه، وسنحاول فيما يلي أن نرصد رصداً نصيّا بعض صور السجن والسجين والسجان، كي نعيد بناء " التمثيل السردي" المحاكي للواقع كما رآه وعاينه الكاتب آخذين في الاعتبار أن " الواقع المحاكى، هو إذاً، خطاب الواقع، وهذا الخطاب محكوم كما يقول باختين Bakhtine بالتعابير اللغوية الشائعة (...)، لأن محاكاة الأديب للواقع، لا تتم بمعزل عن تجارب الأدباء السابقين، وهذا ما قصده دريدا J. Derrida، بقوله إن الواقع موصوف،  ومروي، ومعبر عنه سلفاً " [ix].

التمثيل السردي للسجن :
يرى هيكل الحزقي أن " السجن هو السجن أينما كان،  فضاء صلب مغلق." [x]،  ولا يختلف وصفه  في نص ليال بلا قمر عن هذه الصورة النمطية، فدرب مولاي علي الشريف، وأكدز، ومكونة  عبارة عن فضاءات مغلقة[xi] رغم التباينات الخفيفة التي جعلت الكاتب يسخر من الوضع البئيس الذي عاشه في القلعة التي ذكرته بقصور الباشا الكلاوي، إذ قال : " إنه منزل كبير، شامخ الأسوار، ذو غرف فسيحة مشتملة على نوافذ ضخمة كالأبواب. فناؤها مربع الشكل، تتوسطه حديقة صغيرة مخضرة، تزينها أشجار البرتقال المزهرة . كل شيء يوحي أنه كان أحد قصور "الكلاوي"، المنتشرة بالمنطقة ! (...)، صحيح أن إقامتنا هناك منحتنا إحساسا داخليا بالارتقاء إلى طبقة "سجناء القصور!" .

ندرك مغزى  هذه العبارة الساخرة " سجناء القصور"، عندما نستعيد تصوير الكاتب للفضاء السجني بدرب مولاي الشريف، حيث  " مساحــــــة الغرفة مربعة الشكل، لا يتعدى الضلع فيها ثلاثة أمتـار . لا وجود  فيها لأي فراش. في إحدى زواياها يوجد كنيف عار  لمن أراد أن يقضي حاجته، وهناك أنبوب ينحدر من الحائط صوب  الثقب، وينصب منه  الماء من حين لآخر، محدثا صوتا مزعجا ومثيرا للتقزز، لا علاقة له بالطمأنينة التي يبعثها خرير المياه في الحياة الطبيعية ! .. أما الجدران، فقد كانت متسخة بما فيه الكفاية، وقد تخللتها كتابات بذيئة في الغالب، (...) خطت بحروف لاتينية، ورسوم معبرة هي أيضا عن واقع فظيع،  فهناك مثلا صورة قملة سمينة انتقلت من جسد آدمي، بعد أن تركته عبارة عن هيكلٍ عظمي خائر! . كل هذه الرسوم والعبارات، زادها بشاعة كونها لم تكتب بالمداد الطبيعي، ولا بالصباغة الزيتية، ولا حتى بالفحم، وإنما كتبت  ببراز البشر ! ".

قد تكون الكتابة على الحائط ضربا من ضروب التعبير عن خلجات النفس المكروبة، وقد تكون تصويراً لفضاء يرتع فيه القمل ويمرح، لكن، الكتابة بالخراء أقذع بل أقذر وسائل التعبير في الفضاء السالب للحرية، حيث السجناء مختلفون من حيث جناياتهم (سجناء الرأي، سجناء الحق العام...)، متحدون من حيث وصفهم بالمساحير . وهذه إحدى أهم مفردات اللغة الداخلية الخاصة بالسجناء، إذ يخبرنا السارد أنه حظي بفك عزلته السجنية، ليقطن في "حي المساحير، في ممر صغير يمتد أمام عدد من الزنازن  (...)  مكتظة عن آخرها  ".

ورغم قساوة السجن، فإن  الراوي لم يغفل امتداح لحظات انفراج دشنها ما سماه " عصر النهضة " إثر تعيين مدير أبدى بعض التسامح مع المعتقلين، إذ "  تحسنت ظروف المأكل والملبس، وباتت أبواب الزنازن مفتوحة حتى وقت متأخر من الليل . وتحول الحراس إلى خراف وديعة، بعد أن ظلوا ذئابا ضارية . وصاروا يتوددون للنزلاء، كأنهم ما سبوا، وما ضربوا وما أهانوا .."، ولا   تمثل  اللحظات الهاربة من زمن يبس العاطفة   إلا هامشاً على سيرة تنكيل  معهودة، لم يتمرد عليها سوى "حارس" واحد امتلأ قلبه بالعطف والشفقة على السجناء، فقدم لهم خدمات انسانية، كانت ستكلفه حياته أو منصبه  لو اكتشف أمره.

التمثيل السردي للسجّان :
تطالعنا منذ الصفحات الأولى من الكتاب صورة سردية بالغة السوء للاختطاف القسري، إذ يصف الكاتب زوار الليل البهيم قائلا : " (...) باب الغرفة يُفتح،  ويطل منه شخص غريب،طويل القامة، عريض المنكبين، يلبس معطفا كبيرا أسود (...) دخل  شخص  آخر، نقيض لصاحبــــه في كل شيء : قصير القامة، سريع الحركة، خفيف كالريشة في مهب الريح . لم يلـق حتى السلام، بل بدأ لتوه يعبث بكل شيء كالزوبعة، ألقى الملابس، والكتــــــب، والفراش، وهو يفتش بعناية في باطن الأشياء، حتى مقلمة "أنور" شتت أقلامها، وقلبها من الداخل،  ثم صاح في وجه صاحبه  : أنظر ماذا كتبوا هنا : "عميل الامبريالية والاستعمار (...)،  خرجت مرفوقا  بزواري الذين أصبحوا أربعة بدل اثنين! . الظلام دامس في الزقاق . حتى المصابيح لم تكن مضيئة، كأن القدر تعمد أن تمر عملية الاختطاف في سواد مطبق".

وحين تتواتر الأحداث وتتنامى داخل الدرك الأول من المعتقل (درب مولاي الشريف)، تتكشف أولى معالم صورة السجان التي لا تتخلف أينما كان، إنسي لا اسم له، ولا وسمَ، ولا صفة، ولا هيئة، لأن السجين يسمعه ولا يراه ما دام رأسه ملفوفاً بالقناع، أو يراه، لكنه لا يعرف له من الأسماء إلا ما أُمر بمناداته به : "  إذا أرد ت شيئا أطلب  الحــــاج تجده بجانبك أربعـــا وعشرين ساعـة على أربـــع وعشرين "، وليس يخفى أن " الإحالة على نسق اسمي وظيفي من قبيل" الحاج " بحمولته المرجعية الدينية، هي، على حد تعبير محمد الزموري، محاولة للجلاد للتمويه على هويته لتجذير بنية القمع  والتستر عليها بعيداً عن أية متابعة."[xii].

ولعل أولى مهام " الحاج " التي يذكرها السارد، تسليم النزيل  لباس السجناء، وتلاوة القانون الداخلي على مسامعه :  " ناولني قميصا وسـروالا من " الكاكي "، لبستهمـا بسرعة، وأحكم على زندي قبضة قيد الحديد، ثم بدأ يقرأ علي النظام الداخلي للمؤسسة :ــ الكلام ممنوع، الحركة ممنوعة . إذا حاولت أن تزيل العصابة أو تخطف الرؤية من خلالها، فستندم على أول يوم خرجت فيه إلى الوجود !

يتفنن "الحاج" في انزال العقاب بنزلاء العتمة، بدءاً من الرفس والركل مروراً بلعبة " الطائرة" التي خصص لها الكاتب فصلا خاصا نظراً لفداحتها وتلذذ السجانين  بأنين المتأوهين من شدة نكالها :  

" نفذوا كل هذا في هدوء تام، دون أدنى تكلف، كأن الأمر عاديا تماما ! وانسحبوا إلى إحدى الزوايا،  وسمعتهم يرتشفون القهوة، وقد اختلطت رائحتها برائحة السجائر، وهم يتحدثون عن العقار وأنواع السيارات !، أما أنا فقد لزمت الصمت محاولا تحمل وضعيتي، حتى أخذ الأمر يتعقد : بدأت أشعر بدبيب النمل في يدي ورجلي . لكن الأشد من ذلك، هو الألم الذي بدأ يقطع منكبي . شيء لا يطاق !".

ولم يقتصر التعذيب على التنكيل فحسب، بل امتد إلى الحرمان من الغذاء والدواء : "  الشفاء يتأتى بسهولة مذهلة : بحقنة واحدة من "فيتامين ب 12"  أو بتناول حبات من التمر لمدة ثلاثة أيام ! !، كان الجهاز المسؤول عن السجن يعرف هذه الوصفة ويجيد استعمالها،  فقد حدث أن استقدموا ممرضا عدة مرات، كما حدث أن جلبوا كميات محدودة من التمر كان لها نفس الأثر السحري على المرض، لكنهم لم يكونوا يقدمون على ذلك إلا عندما يصبح عدد القاعدين أكثر من
الواقفين، وبعد أن يكون المرض قد حصد  ما يكفي من الضحايا  !،  إنهم يتحكمون في وتيرة  القتل الممنهج  ! "، و"كان الحرمان  من القراءة والكتابة، يمثل وجها من أوجه معاناتنا الطويلة، لذلك كنا كلما حصل أحدنا على شذرة من ورق مكتوب، مهما كان حجمها، وكيفما كان محتواها، يعمل على تدويرها على الجميع حتى يقرأها كل من له رغبة في ذلك، مع مراعاة المحافظة عليها وتأمين تنقلها بسرية . وقد يطول تداولها أياما بل أسابيع، وقد يعيد قراءتها أحدنا عشرات المرات ".

التمثيل السردي للسجين :
تشرع صورة السجين في التكوّن والتخلّق  سردياً،  منذ  لحظة وصول الكاتب مكبل اليدين إلى المفوضية المركزية، حيث سينتابه    " شعور عميق بالضيق والاختناق . شعور مؤلم بالخروج من عالم الحرية والكرامة إلى عالم الحرمان والمذلة والمهانة ... وداعا أيتها الحرية الحبيبة ! ".، ويزداد هذا الشعور ايلاما، حين سيدخل العتمة، ويحجب القناع النور عن عينيه، فيتذكر " العميان الذين حكمت عليهم يد القدر بالعيش في عتمة دائمة، في خضم الحياة !  (...) "، فيحدث نفسه : " ما أعظم العميان وما أقوى عزيمتهم !" . إنها الفكرة ذاتها التي خامرت دريدرو، وألهبت خياله، فأقدم على نشر كتابه «رسالة عن العميان في خدمة المبصرين» في عام 1749 (...)، وقد اختار «ديدرو» للتعبير عن أفكاره شخصية عالم إنجليزي ضرير يدعى «سوندرسون» ليكشف من خلاله المسار الناجح لحياة الأعمى الذي آمن بحواسه، ما خلا البصر، في معرفة العالم من حوله، وشقّ طريقا ليكون عالِما يشار إليه بالبنان، وابتكر طريقة للكتابة الناتئة تماثل ما توصل إليه «بريل» فيما بعد، فقصة ذلك العالم الضرير هي التعبير التمثيلي عن مجموع الأفكار التي أراد «ديدرو» طرحها"[xiii] .

وتتردد صورة السجين في عين سجّانيه بين :

" سلعة " :

" ــ أما رأيت السلعة الجديدة ؟
ــ تعال لتبصم على البضاعة ! ...«

أو " رقم " :

احفظ رقمك، وإياك أن تضيعه"

" صاح بملء فيه   :ــ .!    37،  وفجأة،  نزل علي بركلة  موجعة أصابتني في الكتف : لماذا لا تجيب يا سافل ؟  قلت له إن رقمي » .«87  وانهال علي بلكمة على الصدر، معلنا أنني لازلت أحتاج إلى المزيد من الترويض"  .

أو "مسحور " :

" كان النظام الداخلي يقتضي أن ينهض كل " مسحور " هكذا كانوا يسموننا ( ويجلس في مكانه حتى تمر عملية المراقبة"، كما يحسن بالسجين أن  يكون حليق الرأس  وفقاً لنصيحة حلاق السجن :ـ" لا فائدة في الشعر الكثيف هنا . فقد يكون سببا في إيذائك   !،  تذكرت  الليلة البارحة لما أخذ أحدهم يمسك بي من الشعر ويــــهزني بقـوة ".

و لن ترخي  الصورة السردية المؤلمة للسجين ظلالها الشاحبة  إلا بعد أن ينتقل السجناء بعد سنوات من الاعتقال المرير إلى سجن آخر مهترئ، حيث ستظهر من شقوق الجدران المتآكلة " نساء هزيلات، بل هن أشباح نساء فقط، حالهن يثير الرأفة والرثاء، ولباسهن كأنما مرت عليه السنون .. كن يتنادين في ما بينهن في تحاور هادف موجه إلينا، كأنهن يقلن لنا : " هذه مباركة"، و" تلك الغالية"، و"دماحة "و " المامية ..."، وتزداد الصورة ايلاما عندما يصف من اخترمهم الهزال : 

" العشرات من الرجال يغدون ويروحون في هذا المكان المسدود، ولا يكادون يتكلمون إلا همسا .رؤوسهم منحنية  كالسنابل المثقلة، وثيابهم رثة مرقعة، وكل الذين تعرفنا عليهم قد تغيرت ملامحهم من فرط الهزال !، وكان منهم  من عجز عن المشي، فأخذ يزحف على أربع".

و رغم بشاعة صور الإنهاك، فإن " للروح الجماعية نصيب أساسي في المحافظة على توازن المجموعة والتحامها، وكان وجود المرضى عاملا رئيسيا في إحيــــــــاء روح التضامن وخلق جــــــو من التكافــــــــــل والتآزر . (...)،  فكان المرضى يحظون بالكثير من العناية، فتنظف ملابسهــــــم وفراشهم، ويقدم لهم ما توفر من طعام رغم ندرته، ويعاملون بلطف فائق "، كما قاوم السجناء الملل والرتابة القاسية بأنشطة متنوعة في " عصرالنهضة"، إذ أجاز القبطان مدير السجن الكتابة بالأقلام الصابونية. منذ ذلك الحين، وتطورت صناعة الألواح الكرطونية المغلفة بالثوب الأسود،
حتى أصبح كل طالب يتوفر على الأدوات الأساسية اللازمة للغوص في بحر العلم والمعرفة .. وتكونت نشاطات فنية موازية . فظهرت الإرهاصات الأولى للشعر والقصـة والمسرح . ومن الطبيعي أن ترتبط تلك المظاهر الثقافية المتولدة من رحم السجن، بواقعنا اليومي "، كما خرجت موسيقى " الزندالي بتونس من وراء قضبان "الزندان "،وهو السجن بلغة الأتراك أيام الوجود العثماني بتونس، والزندالي  " ألحان وإيقاعات تهب السجين مساحات أوسع"[xiv] للتعبير والترويح عن النفوس المتعبة.

 

هوامش وإحالات  :

 

[i]  أمينة رشيد، ثلاثية في السيرة الذاتية تكشف تحولات المجتمع المصري، جريدة الخليج، 30/12/2015 http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/25786338-d384-477b-8072-6ab68cfff23b#sthash.gGp2gSne.dpu

[ii]  أمين يوسف عودة، مدونة أولى في شعرية السرد الصوفي، السرد العربي، أوراق مختارة من ملتقى السرد العربي، تحرير وتقديم ومراجعة محمد عبيد الله، منشورات رابطة الكتاب الأردنيين، 2011،  ص102.

[iii]   محي الدين  ابن عربي، الفتوحات المكية، تحقيق وتقديم عثمان يحي، تصدير ومراجعة ابراهيم مدكور، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، الطبعة الثانية، الجزء الأول،، ص 270.

[iv]  أمين يوسف عودة، مدونة أولى في شعرية السرد الصوفي، ص 105.

[v]   أمين يوسف عودة، مدونة أولى في شعرية السرد الصوفي، ص 101.

[vi]  عبد الله ابراهيم، السرد والتمثيل السردي في الرواية العربية المعاصرة، بحث في تقنيات السرد ووظائفه، مجلة علامات، العدد 16 الصفحة 3.

[vii]  سعيد ادوارد، الثقافة والامبريالية، ترجمة كمال أبوديب، دار الآداب، بيروت، 1997، ص 58.

[viii]  هيكل الحزقي، الزندالي،أغاني السجون التونسية، مجلة معازف الالكترونية، الرابط:  http://ma3azef.com/

[ix]  لطيف، زيتوني، معجم مصطلحات نقد الرواية، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، الطبعة الأولى، 2002، ص 145.

[x]  هيكل الحزقي، الزندالي،أغاني السجون التونسية، مجلة معازف الالكترونية، الرابط:  http://ma3azef.com/

[xi]  " فتحوا بابا خشبيا يؤدي إلى داخل البناية . وجدنا أنفسنا في ساحة تتوسط منزلا ضاربا في القدم، عالية جدرانه الطينية . كل شيء
فيه يوحي بالتآكل والنسيان .. أبواب كثيرة موصدة، وثياب مرقعة ملقاة على الأرض، وصمت موحش كصمت المقابر . ساقنا ثلاثة من الحراس إلى إحدى زوايا البناية، حيث فتحوا بابا صغيرا، وأغلقوه خلفنا دون كلام"، ليال بلا قمر.

[xii]  محمد الزموري، سؤال الكينونة في المتخيل السجني، مقالة منشورة على الرابط : http://www.aljabriabed.net/n78_06azammouri.(1).htm

[xiii]  عبد الله ابراهيم، هبة الأعمى، جريدة الرياض،، العدد 17323،  السبت 16 صفر 1437 هـ - 28 نوفمبر 2015م

[xiv]  هيكل الحزقي، الزندالي،أغاني السجون التونسية، مجلة معازف الالكترونية، الرابط:  http://ma3azef.com/