في أقصى حالات الخيبة تكتب الشاعرة التونسية قصيدتها، من الوجع الذي يحول ذاتها الى مجسم متشظي لا تستطيع أن تلملمه مادامت الويلات المتواصلة قد أنهكته وجعلته أقرب الى "هيولى" بدون ملامح تبحث فقط عن النهوض.

إسطوانة الخيبة

مفـيـدة صالحي

كان لابدّ

من اختصار الاحتجاج داخل رفوفِ الرُّوحِ

لتَقْشِيرِ المَدينةِ منَ الضّيقِ،

لإقْترافِ الصّباحاتِ وهي تتسلَّقُ أضلُعَ الطّريقِ

نحوَ مغيبِ الوقْتِ في جُزُرِ المعنى،

لمْ يعد ثمّةَ داعِ لإنْتِعالِ العزاءِ

 

هيَ إنكِساراتُ  .......

و تُرْتَقُ الجُدْرانُ بِأُخْرى 

و في طُوبِهَا المَرْتُوق  

يَتَخَاصَرُ الدَّمُ والسكّينُ 

حتَّى يجْمُدَ الخيْطُ

و يُغْمى علَى الكُريّاتِ.......

حِينَها ستَتَطَهَّرِينَ لِحَفْلَةِ الذّاكِرة،

و سَيَنْقُصُ أنْ تُبَايعِي الفطامَ عنِ الحُبِّ ،

و أنْ تَنتَهِي رَدِيئةَ

كَتَمِيمَةِ سَقَطتْ من قبوِ التّاريخِ ،

و تُسَبِّحِي بِحَمْدِ مَا مضى

منْ حُزْنِكِ المأخُوذِ ، 

بما يأْتِي .....

 

هِي دقَائِقُ ملْحِ

و يُفْرَجُ على رغَبَاتِ الحُطامِ بتَدْنِيسِ البَرَاعِم ، 

وعنْ هَاجِسِ دُخَانِ عالِقِ  بينَ الهامِشِ والإِحْتِيَاطِ

 

هي دَقَائِقُ مِلْحِ

و تَمرِّينَ باسْمِكِ حِذْوَ الحَواجِز

فَتعْلَقِينَ بينَ الجِدَارِ و إِسْمنْتِه 

و تتَوضّئِينَ بأدبِ الهَتْكِ

مَبْتُورَةَ , كنَهَارِ أَقَامَ على أنْقاضِهِ اللّيْلُ

مُرْتَابَةَ،

كَرصَاًصةِ تخْرُجُ من ثُقُوبِ نَايِ 

عابِرَةِ لِجَنَّةِ النُّقْصانِ ............

 

منْ أيْنَ آتِيكِ بالدَّمِ المُوافِق ؟

و أَنتِ المُعْتَصِمَةُ بِهُدْنَةِ فَاسِقَةِ

لمْ تجِدْ نَولاَ يَنْسُجُها .....

و أَنتِ المُزْدَحِمَةُ كأَوَّلِ الحَجِّ إِلى قِبْلَةِ العِصْيَانِ .

و أنْتِ الطَّالِعَةُ

منْ سُلالَةِ  تَدَفُّقِ عَرَقِ النَّخِيل المقَمَّطِ بالقَيْظِ

تَهُزّينَ بِجذْعِ الأسى فيسّاقَطُ نَزْفَا صَوْبَ العِظامِ

كان لابُدَّ من شقِّ مُلاَءاتِ البِدايَاتِ

كانَ لا بُدَّ من طَمْسِ فقَاقِيعِ وحْيِ أضاعَتْ نَبِيّها

فلَمْ يَعُدْ ثَمَّةَ دَاعِ 

لِإقْتِرَافِ حُلْمِ قُفَّازُهُ بِلا أصابِع 

مُفْرَطُ الصَّلْصَالِ وحِنْطِيُّ المَفَاصِل .......

 

شاعرة من تونس