رسالة الأردن

الرقابة والقدس عاصمة للثقافة والموسيقى البديلة

طارق حمدان

الرقابة الأردنية تشمر عن ساعديها لمراقبة المواقع الأليكترونية
يتساءل كثير من المثقفين والصحفيين والكتاب الأردنيين في كل لحظة عن الديمقراطية التي يتم الحديث عنها في الإعلام الرسمي، ويتساءلون عن معنى تلك الشعارات والدعوات بالحرية الفكرية والتنمية الثقافية في ظل مؤسسات مازالت تمارس المنع والمصادرة و التضييق على حرية الرأي والتعبير. فما معنى أن تشهر المؤسسات الرسمية طبولها و أبواقها للتغني ( بالديمقراطية ) وهي لاتزال تمارس أحكاما بدائية عرفية ورقابية تفرضها على الإعلام والفن والفكر. كما ويرى الكثيرون أيضا أن عسر الهضم ليس نتيجة الطعام غير الصحي والمليء بالدهون فقط ، بل هو ناتج أيضا عن الطعام الفاسد الذي يتناوله الناس عنوة.

فبعد صدمة المثقف والصحفي الأردني، عندما اقر مجلس النواب وبتناغم وانسجام مع الحكومة، تعديلات قانون المطبوعات والنشر، التي أوصت بها لجنة التوجيه الوطني فيما يتعلق بحبس وتوقيف الصحفيين والكتاب الذين خاضوا وقتها معركة طويلة بهدف عدم تمرير تلك التعديلات، هاهي الرقابة الأردنية تستعد هذه المرة متمثلة ب "دائرة المطبوعات والنشر" للتضييق على الصحافة الالكترونية، التي شهدت مؤخرا نشاطا ملحوظا على الساحة الأردنية. ويبدو أن الرقابة الأردنية التي لا يفوتها شيء قد قررت أن تواكب التقدم والتكنولوجيا!! وان تفتح أعينها على المواقع والصحف الالكترونية، التي يبدو أنها وجدت فيها خروجا خطيرا على نمط الإعلام الذي اعتاد المواطنون سماعه، والذي تنظر له شريحة واسعة وكبيرة من الأردنيين على انه إعلام مدجن يغرد خارج سربهم ولا يحظى بالمصداقية والمهنية والثقة التي ينبغي توفرها بين المؤسسة الإعلامية والمتلقي.

تفاجأ الكثير من المثقفين والصحفيين بإعلان " دائرة المطبوعات والنشر " أنها ستبدأ رقابتها على كل المواقع والصحف الالكترونية التي باتت تخضع لرقابتها، وستقوم بالإشراف على هذه المواقع ومتابعة (التجاوزات) التي من الممكن أن تصدر عن تلك المواقع. حيث قرر ديوان التشريع في رئاسة الوزراء بناء على توصية من "دائرة المطبوعات والنشر" اعتبار المواقع الالكترونية الصحفية، والصحافة الالكترونية بشكل عام خاضعة للتدقيق من دائرة المطبوعات والنشر، ولقانون المطبوعات والنشر.

وعند ظهور هذا القرار خرجت ردود فعل سلبية من قبل الصحفيين ورؤساء تحرير الصحف الالكترونية، الذين لوحوا باللجوء إلى القضاء الأردني في حال تم تنفيذ القرار. وعبروا "أن القرار يندرج تحت الأحكام العرفية التي تعود بالمجتمع إلى الوراء، وان القرار هو وسيلة لكبح جماح الحريات التي بدأت بالتنفس قليلا عند ظهور الصحف الالكترونية ".

وهنا تبرز مرة أخرى أصوات جزء كبير من المثقفين والصحفيين الذين يرون بأن الجهات الرسمية ومهما شطحت في الدعوة إلى النقد والمشاركة في الرأي والتعبير، فهي دائما تتطلع إلى الرأي المؤيد والمساند لها، وفي نفس الوقت تتلقف الرأي المعارض التي تحس بأنه يضايقها لتخنقه وتضيق عليه، وإذا بالرأي الناقد أو المعارض يتحول إلى تآمر وخيانة وتشويه وموضع شبهة! فالمواطن الصالح من هذا المنظور هو الطيع الهتاف المصفق والمهلل لكل تحرك و رأي رسمي. وهو الذي يهتم فقط بشؤونه المعيشية كيف سيأكل وينام ويشرب.

للأسف فإن هذا الواقع دفع ويدفع جزءا كبيرا من الصحفيين والإعلاميين الأردنيين إلى التطلع للخروج من الدائرة والعمل في الخارج، فتراهم يقفزون إلى اقرب حافلة يمكن أن تنتشلهم من محيطهم الداخلي الباهت، كي يستطيعوا العمل والتحرك بشكل أفضل، وهذا ما يفسر بؤس الإعلام المحلي الأردني الذي يرثى له.  فالمتابع للإعلام المحلي في الأردن وخصوصا الرسمي منه، يجده في كثير من الأحيان أشبه بالكوميديا، كوميديا تحوي الكثير الكثير من التراجيديا.  

"عاصمة الثقافة العربية 2009" بين اللجنة الأردنية وشقيقتها الفلسطينية
"القدس عاصمة للثقافة العربية" هذا ما قرره الوزراء العرب الذين اجتمعوا في مسقط بعد أن اعتذرت بغداد بسبب ظروفها الأمنية. عند صدور هذا القرار من قبل الوزراء العرب، صدر مرسوم رئاسي فلسطيني وتبعه قرار من رئيس الوزراء الأردني لتشكيل لجنة للإعداد والتحضير لاحتفالية "القدس عاصمة الثقافة العربية 2009 " . وعند الانتهاء من تشكيل اللجنة الفلسطينية اثير الكثير من الجدل حول كفاءة تلك اللجنة وحول الكثير من الأسماء التي "لاتمت بصلة للثقافة" حسب رأي المثقفين الفلسطينيين وبأن جزء من تلك اللجنة هم من الشخصيات التي "تدور حولهم علامات استفهام" بالإضافة إلى أن اللجنة قامت باستثناء فلسطينيي الشتات والداخل. مما أدى إلى ظهور أصوات كثيرة تطالب بإعادة النظر بتشكيل تلك اللجنة، وهو ذات المطلب الذي طولب هنا في الأردن لإعادة النظر بتشكيل اللجنة الأردنية التي أوكل لها التحضير والإعداد لحدث من الضروري أن يكون نوعي وناجع.

وكما يرى الكثير من المتابعين فان حال اللجنة الأردنية لا تختلف كثيرا عن حال اللجنة الفلسطينية فاللجنة التي تم تشكيلها من قبل رئيس الوزراء غاب عنها المثقف والفنان والمبدع وجاء مكانهم رجال الدين وأكاديميين وموظفو وزارة التربية والتعليم !، وهنا سؤال برسم الإجابة يطرحه الكثير من المثقفين: هل هناك فهم واضح لفكرة "القدس عاصمة للثقافة العربية"؟ ، أم أن الأمر خيل كما لو أن الاحتفال سيكون منصبا على قداسة المدينة وتاريخها، ومنزلتها لدى سائر المسلمين والمسيحيين. ما معنى أن يغيب المثقف والفنان والمبدع الحقيقي عن لجنة القدس الأردنية التي من شأنها الإعداد والتحضير لهكذا حدث؟ وما المبرر لتوزيع اللجنة على وزارة الأوقاف و وزارة التربية والتعليم وقاضي القضاة واللجنة الملكية لشؤون القدس ومجلس الكنائس؟ هل هناك سوء فهم و تصور لـ "القدس عاصمة للثقافة العربية"؟

من المؤكد أن خصوصية المدينة وكونها تحت الاحتلال ورمزيتها الدينية وقدسيتها تحتم وجود بعض الشخصيات الدينية، ولكن أيضا يرى الكثير من المثقفين في الأردن أن رجل الدين والمدرس وموظف الحكومة ليس باستطاعتهم وحدهم إنجاح مشروع عاصمة الثقافة العربية دون تواجد المثقف والفنان بشكل رئيسي وفاعل. وفي اتصال مع الدكتور صلاح جرار عضو اللجنة التي شكلتها الحكومة، لسؤاله عن مبررات عدم وجود مثقفين وفنانين في اللجنة التي شكلت، كان رده أن "هذه اللجنة هي اللجنة التحضيرية، وانه سيتم (لاحقا) تشكيل لجنة أخرى يكون فيها المثقف والفنان". وهناك سؤال آخر: من بإمكانه وضع تصور تحضيري لمشروع ثقافي هل هو المثقف أم الموظف ورجل الدين؟

لانريد أن نستبق الأحداث ولكن يطرأ على أذهان الكثير المثل الشعبي الذي يقول أن "المكتوب يقرأ من عنوانه" فالمدة الفاصلة بيننا الآن وبين إعلان القدس 2009 هي مايقارب السنة، والى الآن لم تتخذ أي خطوات عملية مشجعة، فأي مهرجان ناجح لاتتعدى مدته الأيام القليلة يحتاج إلى عمل وتحضير وإعداد قبل عام على الأقل، فما بالنا بفعالية ضخمة تمتد على مدار عام كامل كعاصمة الثقافة العربية إلى الآن لم يتم الانتهاء من (لجانها) ولم يتم وضع التصور الصحيح والمناسب "كيف يجب أن تكون؟". ما يشكو منه المثقف في فلسطين هو ذات الأمر الذي يشكو منه المثقف في الأردن، ويبدو أن الاحباطات وزعت على الجانبين، بحيث لم تترك أي انطباع يثير الأمل في النفوس.

هو تمني أخير يطلقه الآن العديد من المثقفين في الأردن وفلسطين بأن يتم إعادة النظر باللجان التي وضعت للإعداد والتحضير لحدث يجب أن يعكس الجانب الثقافي والفني وان يركز عليهما، لا أن يقتصر على الجانب الديني والفلكلوري والتاريخي الذي اشبع، فالاحتفالية ليست دينية ولا تراثية . اللجان المشكلة هي التي باستطاعتها إنجاح المشروع سلفا ، وهي التي بإمكانها أيضا إفشاله وجعله باهتا، وعلى الجهات الرسمية الأردنية أو الفلسطينية أن تفسح المجال " واسعا واسعا " للشاعر والكاتب والموسيقى والفنان، وان تفكر مليا كيف يمكنها أن تتجنب الإخفاق و تقلل إمكانية الفشل الذي تعود الإنسان العربي عليه.  

تجمع للموسيقى " البديلة " في عمان
يقول منظمو مهرجان برايم للموسيقى انهم "لم يكونوا في حاجة إلى تسمية التجارب الموسيقية الجدّيّة، بالبديلة لولا طغيان موجة فنية ما في الوطن العربي عموماً. وصِفة بديلة لا تعني جيّدة أو جدّيّة بالمطلق، إنما هدف التيار الموسيقي الذي بدأ يتطور إقليمياً لتأمين خيار فني بديل عن الموجة التجارية للجمهور العربي،أعطى حكماً كلمة بديل معناً محدداً، ألا وهو: غير تجاري. والدليل على ذلك هو أن هذا التوصيف لم يكن جزءاً من قاموس الفن عندما كان هذا الأخير لا يزال راقياً بالإجمال. إذن هو مهرجان للموسيقى البديلة التي قام بها شباب كثر حول البلاد العربية أرادوا أن يقدموا شيء مختلف بهدف خلق فن بديل عن الموجة الاستهلاكية التجارية الطاغية ، وجاء المهرجان " ليعرف الجمهور العربي بتلك المحاولات الموسيقية في ظل التهميش الإعلامي الذي تعاني منه ".

بدأ المهرجان أولى حفلاته مع الموسيقي الأردني الشاب يزن الروسان و فرقة لومي من لبنان واستمر المهرجان لمدة أربع أيام حتى يوم الثلاثاء 11 سبتمبر، جمع فيه فرق موسيقية من لبنان وسوريا والأردن وفلسطين.  وكان الجمهور قد التقى في ثاني أيام المهرجان ، بفرقة الراب " كتيبه ه " والتي جاءت من لبنان منبعثة من احد المخيمات الفلسطينية، وجاء بعد " كتيبه ه "، مغني الراب الفلسطيني الآتي من رام الله boykutt . أما سهرة اليوم الثالث فجاءت لتؤكد على الموسيقى الشرقية العذبة، واستهل السهرة عازف العود الفلسطيني محسن صبحي، وتلته فرقة " طويس " السورية التي قدمت قطع كلاسيكية من الموسيقى الشرقية الأصيلة ، وكان من ابرز حفلات المهرجان حفلة المغنّية السورية الشابة لينا شماميان، التي رافقها عازف الساكسوفون باسل رجوب، موزّع أغنياتها المأخوذة من التراث العربي الشعبي. و من الجهة الأردنية قدمت فرقة «زمن الزعتر» حفلة جمعت بين الشرقي والجاز والفانك والروك. بالإضافة إلى المغنية والمؤلفة الأردنية ربى صقر، و كان الختام مع فرقة «إطار شمع» السورية، وذلك في آخر أيام المهرجان يوم الثلاثاء 11 سبتمبر في قاعة برايم ميغا ستورز في مكة مول . 

برايم ميوزك: الموسيقى البديلة في العالم العربي اليوم
بدأت هذه الحالة الفنية تتبلور في منطقة الشرق الأوسط مع فنانين مستقلّين من لبنان وسوريا والأردن وفلسطين ومصر، واتخذت شكلين أساسيَين هما: الأندرغراوند الذي يشمل الأنماط الموسيقية الغربية التي تقدمها فرقٌ عربية بأسلوبها الخاص، و أصوات الشرق الجديدة التي تقدم الأغنية )أو الموسيقى الآلاتية( الشرقية في إطار عصري يستقي من أصول موسيقتنا ويعمل على مزجها بأنماطٍ من العالم أو في إطار محافظٍ وأكثر كلاسيكية، دون أن يسقط في الرجعية، كما تغوص بعض التجارب في التراث وتعيد تقديمه بلغة موسيقية يمكن أن يتقبلها الجيل الجديد في الوطن العربي ويستطيع أن يفهمها الجمهور الأجنبي. تعاني هذه التجارب غير التجارية من تهميش تمارسه وسائل الإعلام العربية وخصوصاً المرئية والمسموعة منها، لذا تلجأ إلى وسائل بديلة لإيصال صوتها إلى الجمهور وذلك عن طريق إنتاج الأسطوانات الخاصة وتأمين التوزيع اللازم لها في الشرق الأوسط والعالم، وهنا نشير إلى دور شركات التوزيع المحلية المستقلة والمغامِرة التي تعمل على تأمين صلة الوصل بين الفنان والجمهور كشركة أورنج رد الأردنية وشركة إنكوغنيتو اللبنانية التي تحضن هذه التجارب في لبنان، سوريا، مصر، الأردن وفلسطين.  

 

tarikil@yahoo.com