من لحظة الرؤيا ووضوحها تشرع القاصة المغربية إحسان شرعي في نصها المحاور في رمزية مكثفة ولغة شعرية الليل بمعانيه المضمرة كرمز للتستر وإخفاء العيوب والمراوغة مركزة على لحظة انبلاج الفجر لتكسر الأصنام في رأسها وتنطلق نحو صفاء الذات ووضوح الهدف في الحياة

انعتاق

إحسـان شـرعي

كم كان وجه الليل يتمزق أكثر كلما نظرت إليه أكثر، هو لم يبك أبدا كما بكى ذلك اليوم ولم تبد نظراته قبل هذا حقيقة مشاعره، كان دائما مظلما وظالما، لكنني لم أنظر إليه، لم أنتظر.

فانبهاري بالفجر الرضيع كان أكثر سيطرة، فشاطرت الضوء جنونه، بل أمددته بشيء من جنوني حتى صار ملكا. أحسست أنني منتشرة، وغير ملموسة مثله، هو استطاع بلمسة واحدة على جبين السماء أن ينسيها كلما مرت به من ظلام، أما أنا لم أستطع أن أنسى موكب جنازة الليل، و كم سار خلف نعشه من نجوم و أجرام، وكم حزنت السماء لغيابه. لكن أجمل لحظة في تاريخ السحر، لحظة انبلاج وانسلاخ الحب الجديد من القديم، لحظة الفجر.

أنا لم أرد ركوب البرق، فقط الصدفة جعلتني هناك، لطالما كانت  إرادتي أضعف من النظر إلى غيمة تسبح في الأفق. ما نويت أبدا أن أسكن النور البعيد، فقط الجرح جعلني متعددة الانشطارات المشعة، وجعل لي ألف حصان وموكب. فقط لما قلت لا، رأيت السماوات المتراصة تتفتح كزهرة طال نومها، ثم دنت عندي حتى امتطيتها فانكشف لي قلب السكون وانكسرت كل الأصنام. لما تعرت السماء وجدت كل الأجوبة، ووجدت السر علبة مغلقة بالخوف والتخويف المتشابك، كقلعة من الصمت السرمدي الهائل. للانعتاق لون أبيض و صدى ريح خفيفة بعطر الياسمين المبلل، بأماني نهار جديد ،لا يعرفها إلا من يقول لليل لا.