يخصنا الشاعر السوري عمر يوسف سليمان بنص شعري جديد يبحر في عوالم الاغتراب والمنفى، هذا القدر المأساوي الذي أمسى مآسي تتناقلها وكالات الأنباء، حيث قيمة الإنسان لا معنى لها في ظل لعبة المصالح وحينها يعلن الشاعر بصوته العالي عن اغترابه المضاعف ودعوة لاستعادة «إنسانية الإنسان».

دخانٌ ذهبي

عـمر يوسف سليمان

سيف الصمت

ذئبٌ يلحسُ طفلاً يتيماً

وأمٌّ حمراءُ في غرفةٍ مشتعلةٍ بينَ أنقاضِ قلب

ليلٌ باردٌ كالقبر

وأشجارٌ مقطوعةُ الأيدي

لا أحدَ يعرفُ أمَّهُ الآنَ

ولا شيءَ سوى سيفٍ من الصمتْ

 

عماء

العائلةُ عادَتْ صباحاً إلى نومِهَا

أيادٍ تغطِّيْهَا حجارةُ الجدارْ

ورؤوسٌ من دخانْ

 

في الصمتِ الأعمى

وحدها مائدةُ الإفطارِ نَجَتْ

وحَيرَةُ العصافيرْ

 

نظرة

مرَّتِ الحربُ

سالَ دمُ الصباحِ

كانَتْ نظرةُ العازفِ في وحدةِ الأُفُقِ

وما زالَتْ

 

صورة

يلتحمُ جسدانا

فأرى عيونَ أطفالِ الريفِ آخرَ يومِ العطلة

عانقينيْ

خائفٌ كرائحةِ صنوبرٍ في قنَّاصة

 

ربما تجدينني

ما رأيُكِ أن أخطفَ المدينةَ اليومَ؟

سأخبِّئَهَا في أنفاسِنَا

هكذا لن يعثرَ علينا أحدْ

 

سأقرأ طالعَ شهوتنا

في نجومِ كفِّكِ المرتجفة

وأنزعُ معجمَ العواصفِ من رأسيْ

كي تترجمينيْ إلى نهرٍ خالدٍ بدَمِكْ

 

ما رأيكِ أن نصبحَ تلكَ الطيورَ المهاجرةَ في اللوحة؟

نلعبُ الغميضةَ في غابةِ الجسَدْ

ربما تجديننيْ مرةً واحدةً

إلى الأبدْ

 

آخر الحكاية

الأبجديةَ تهبُّ على مدينةِ الظلامْ

ويُشعلُ الغرباءَ الشمسَ من نارِ جلَّادِهِمْ

 

غائبونَ يلوِّحونَ في الفجر

كانَ الخرابُ مصانعَ أوهامٍ

ونحنُ منذُ دهرٍ في أوَّلِ الحكاية

 

 

احتيال

كنا صغاراً

نصنعُ خياماً منَ الأغطية

كَبُرَتِ الأغطيةُ فصارَتْ مخيَّمَاً

 

كنَّا نحتالُ على عيونِ أمهاتنا

ندَّعيْ النومَ كي نبقى عندَ أقاربنا

كبرْتَ يا رفيقيْ

وادَّعيتَ الموتَ

كي تحتالَ على اللهِ

وتبقى في بيتِ الذاكرة

 

حانة الأبد

حينَ تنامُ المدينةُ يخرجُ ملوكُ الوحدة

يثقبونَ السماءَ بأقلامِهِمْ

ويرحلونَ إلى صدى الغيابْ

 

في الصباحِ يرى العابرونَ مطرَ الطفولة

و دخاناً ذهبياً دونَ نارْ

 

ملوكُ الوحدةِ في رحلتِهِمْ

جروحُهُم ورودٌ في مرايا الزمانْ

 

العالمُ يمضيْ إلى المجهولْ

والملوكُ في حانةِ الأبدْ..