على الرغم من قصر الوقت الذي اقتحم فيه عبدالسادة الوسط الثقافي ببغداد إلا هذا الشاعر أثبت حضوراً فاعلاً ومؤثراً وهو يدجج نصه بتوترات شعرية جمالية وتعامل ذكي مع المرجعيات.

نبوّة زليخا

أحمد عبدالسادة

 

برهانها...

عطرٌ مريضٌ بما ادّخرتْ من بروق ٍ ..

لترويض ليلها العاري.. 

على سجّادة ليله اللهبيّة.

برهانها...

نجومٌ منذورةٌ لإرضاع سمائه ِالعمياء

طوافٌ حريريّ لاستدراج الابدية..

الى نبضهِ المغدور..

بنبوة ٍ نسَجَتها إبرة السراب.

برهانها على دمها النبويّ

وقتٌ كاملٌ يرجمُ ادغالَهُ بالسجود !.

          *  *  *

لم تكن تعرف بأنّ برهاناً آخرَ..

ستهطلُ تجاعيدهُ الكثة .......

..................................

على وردتهِ الآيلةِ للاغماء

بنزيفها الغيميّ .......

كانت لهُ بكلِّ ما أوتيتْ من شهوةٍ

بكلِّ غاباتها الحبلى بالنبيذ

بكلِّ أدعيتها المعتقةِ بجرار الجمر

كانت له بكلِّ سخونةِ زينتها

بكلِّ جنائن لياليها المعلقةِ

على شفا شهقةٍ من سريره ِ.

وكان لها ..

(يوسفُ) ربيبُ يديها الحالمتين

كان لها ..

وكان يهمُّ بالتهام تنفسها

لينسجَ منه خارطة ً لهوائهِ

وكانَ يمسّدُ براريه ِ..

لذئاب هسيسها الجائع

ويلمّع محراثَ حليبه ِ الوحشيّ

لقضم ليمون بريّتها المخمّر.

كانت الشياطينُ الطيبة ُ كلُّها محتفلة ً..

ببزوغ دوار ٍ ليليٍّ ..

في شرايين ظهيرتهما ..

ظهيرتهما الناهدة ..

ظهيرتهما المتنهّدة ..

ظهيرتهما المنهدّة ..

برائحة التفاح البدائية!

كانت الشياطينُ الذكية ُ كلُّها محتفلة ً..

(لولا ان رأى برهان ربهِ)

برهانَ نكبتها فيهِ

برهانَ الحادهِ ..

بنبوّتها الحامل بشهيق الربيع.

لم تكن تعرفُ بأنّ برهانَ ربهِ

سيمرغ ُ خصوبتها بآيات الجفاف

ويتوّجُ اسماءها بالرماد

ويحرّفُ وشمَ الليل ..

في بئرها الإباحيّ.

هي التي حمّمتْ أيامَهُ بنار عيونها

وأهرقتْ مجراتِ صمتها

 ـ أي صراخها الأحمرـ

في خيمة نومهِ الساهية

وألقمتْ صهيلهُ الساخنَ ..

ثديَ أحلامها.

هي التي قشرتْ لهُ بئراً نقيضاً

وغرقاً طائشاً ..

في سرير (العزيز)

وأسرجتْ لرعودهِ اللاسعة ..

مبخرة ً من عروق الندى

وباقة ً من أرق ٍ مؤنث

وقافلة ً من تأوّهاتٍ ملكية

ووتراً إلهاً  يئنُّ بين فخذيها.

         *  *  *

هبّتْ ، إذن، دقائقُ من رمل ٍ خائن

سمّرتْ عطشاً شاهقاً في دم المكان.

ولزليخا أن تختنقَ أقمارها ..

ببثور سماءٍ عاقة

وأن تعجنَ صمتها سكاكينُ الفراغ

وأن يُجعّدَ عطرَها هواءٌ مدجّن.

إذن .. لا هديرَ عري سيلفعُ المكان

ويدلّهُ الى وقته الخالص.

هكذا يشهرُ اللهُ سرابَهُ

ويُتخمُ أوتارَ اللهب

بثلجهِ الأسود .

هكذا يرمي الرمادُ قميصَهُ

على تفاح الغجر

هكذا يفقدُ المكانُ عيونهُ.