عن دلالة الغياب وأثره تكتب الكاتبة اليمنية ياسمين العثمان، في محاولة لتأمل ما يخلفه رحيل هؤلاء الذين يصنعون لنا الجمال من خلال كتاباتهم وإبداعاتهم الخلاقة والخصبة. فهل يحملون معهم، وبغيابهم، هذا الأثر؟ أم تكفي خلود إبداعاتهم وحياتها في ذاكرتنا كي يستمر حضور هذا الجمال الى ما لانهاية؟

عندما يموت الجمال

ياسمين العثـمان

عندما يموت الجمال.. وهل يموت الجمال!؟ ومن يجرؤ على إماتته وقتله؟!كيف يكون هذا القاتل ومن يكون؟! وكيف هي حالنا بعده وكيف سنستمر بدونه؟! هل نستطيع الاستمرار في الحياة؟! 

العيش فقط عبر ازدراد المسئوليات وترك الحياه تزدرد أيامنا تلوكها المشاكل وينتهي العمر فقط لينتهي علًّنا نرتاح منه ويرتاح منا.

إحدى أهم حقائق الكون والحياة هو الموت.. وهو هو الموت هو أحد قاتلي الجمال كونه حقيقة مسلم بها، كل يوم يمضي يسرق الموت بمحض إرداة الأقدار وبمحض معرفتنا بهوية السارق و مسروقه يسرق هذا السارق من حولنا تباعا.

هؤلاء الأصدقاء والأهل والأحباب هم مصدر جمال لحياتنا.. بموتهم ورحيلهم ترحل معهم تفاصيلهم المحببة المرحة وتفاصيلنا معهم، إذ كلما رحل احد أحبابك اجتزأ من روحك بحسب ما كان يحتل في حياتك وبحسب المكانة التي أسكنته في قلبك أو قام هو بذلك عبر ما قدمه لك وكلما كبر المقام والمساحة كبر ذاك الجزء الراحل فيك معهم.

ضحكات أحبابنا أمانيهم ذكرياتهم نكاتهم وهواياتهم ترحل معهم فيذوي فينا الكثير من الجمال الذي شملونا به في حياتهم فكيف إذا كان ذاك الشخص شخصيه عامه؟ إذن يصبح وقتها الجمال عاما والخسارة عامه وفادحة فبرحيل الشخصيات العامة في حياتنا من منتجي وخالقي الحق والخير والجمال تصبح الخسارة فادحه ومساحه الجمال الميت والراحل والمسروق اكبر و المساحة الخالية والتي يخلفونها  بعدهم ولا يمكن لاحد ملئها اكبر واكبر.

فبرحيل العظماء والمؤثرين الفاعلين المصلحين من رجال الدين والسياسة والعلماء والخطباء والثوار يبقى الخير عليل الجسد والحق أعرج القدمين والأمل ضائعا بلا هدف بلا طريق واضح.

 و برحيل الموسيقيين العظام تموت الكثير من النوتات العذبة وتنوح الأنغام بعدهم بل وقد يصيبها الخرس، وبموت عظماء الحرف و الكلمة من مؤلفين وكتاب وشعراء تتعرى الأسطر من الكلمات الجميلة والتجربة الهادفة لتبقى كشجره عاريه والتي لا رجاء من اكتسابها أوراقا جدد ولا في أي موسم.

 وبموت الرسامين تأد الألوان نفسها ويشيعها الأسود على نعش الفرشاة في مقبره الألوان تاركا الأبيض متلفعا بثوب الحداد والحيرة الأبدي. وتبقى التراجيديا تندب الكوميديا والتي تظل واجمه متجهمه بائسه ناظره شاكيه لباقي الفنون التمثيلية برحيل مجسديها بحرفيه ومهنيه وعشق وهم وضمير ووعي ورسالة.

فكيف لا يموت الجمال برحيل كل هؤلاء من ممثلي الجمال وأكثر حتى مع بقاء ما تركوه من جمال لمن خلفهم كإرث.

 

كاتبه من اليمن