مؤرخون وأدباء وباحثون مغاربة يلتقون في ندوة ليكسروا جدار الصمت في البادية المغربية ضمن برنامج متنوع يجمع إطارات ثقافية وجامعات مغربية، والغرض الأساسي هو نقل المعرفة الى "الهامش"، هذا الأخير الذي تحول السنوات الأخيرة الى مركز حقيقي لفعل يتقاطع فيه السياسي بالنقابي بالثقافي.

الشهداء يعودون إلى الشاوية – أولاد زيدان

محمد الشـوالي

إيمانا بدور المثقف في تعميم المعرفة التي تعيد الاعتبار لذاكرة وهوية الإنسان المغربي في البادية المغربية، وضمن برنامج طويل، تحرك نادي القلم المغربي بتنسيق مع شركاء محليين برفقة مؤرخين من جامعتيْ محمد الخامس بالرباط وجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، د / نور الدين فردي، ود/ صالح شُكاك ، ود/ محمد معروف الدفالي بالإضافة إلى أزيد من ثلاثين من الأدباء والمثقفين في مجالات التاريخ والسوسيولوجيا والقصة والرواية والشعر والترجمة والبحث العلمي والقانون والنشر، قدموا من مدن كثيرة لمشاركة الفلاحين يومهم هذا الذي قال عنه شعيب حليفي، منسق ومسير هذا اللقاء، بأنه يوم  ليس مثل باقي الأيام.

 كان الموعد هذه المرة مع قبائل المذاكرة بالشاوية يوم السبت 23 يوليوز 2016، في قرية صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها ستة ألاف نسمة اسمها أولاد زيدان،في لقاء تحت عنوان : أولاد زيدان : ملحمة الجهاد بالشاوية  ( 1907- 1955)، تزامنا مع موسم موسى بن عياد للتبوريدة.

افتتح شعيب حليفي اللقاء وسط حضور غفير امتلأت به خيمة كبيرة منفتحة على مَحْرَك التوريدة حيث كان الخيالة من حين لآخر يستعرضون واحدةً من بطولات الأجداد وهم مندفعون في السهول، بصدور عارية، دفاعا عن الحياة والمستقبل.وقد قال بأن هذا اللقاء بأولاد زيدان، يأتي لاستحضار أصوات الفلاحين المجاهدين الذين لم يلتفت إليهم المؤرخ الرسمي وقد جاهدوا بكل إيمان في سبيل الدفاع عن المغرب والمغاربة في معارك شهيرة وبطولات ملحمية بكل الشاوية، إلى جانب باقي القبائل خلال سنوات 1907 و1908 ثم ما تلاها وصولا إلى سنوات الخمسينات.فلاحون استشهدوا أو قادوا معارك لا تُنسى كما أرختها الذاكرة الشعبية أو الأشعار والأغاني وكذلك الوثائق السرية للجيوش الفرنسية. لائحة طويلة من الأبطال الحقيقيين الذين لم يبحثوا عن مجد كاذب ومزور أو تعويض زائف، وإنما فعلوا ما فعلوا لأن أرواحهم طاهرة تنبض بالعِزّة والكرامة.

في الجزء الأول من هذا اللقاء تحدث مسؤولو جمعية أولاد زيدان للتنمية والتضامن وإدارة مهرجان التبوريدة والمجلس الجماعي حيث أجمعوا على أهمية اللقاء وضرورته. وفي الجزء الثاني تدخل الأساتذة المؤرخون د/ نور الدين فردي الذي تحدث طويلا وبتفصيل عن المقاومة الشعبية لرجال ونساء الشاوية ومن ضمنهم أولاد زيدان في عدد من المعارك، متوقفا عن أبطال أولاد زيدان ومنهم محمد بن العربي الزيداني الذي سقط شهيدا في معركة بير الورد، وغيره كثير، نساءً ورجالا.

 أما د/ صالح شكاك فقد تحدث عن الشاوية ومعاركها في علاقاتها مع جيرانها والبطولات التي واجهت بها الاستعمار الفرنسي، كما تطرق إلى الثروات الطبيعية التي تزخر بها المنطقة.

ورقة د/ محمد معروف الدفالي، ركزت على مقاومة المذاكرة والزيدانيين في سنوات الخمسينات ودورهم في تحرير المغرب. كما توقف طويلا عند واحد من المقاومين وهو عبد السلام أزيدان رئيس فرقة أسد التحرير التي كانت بالدار البيضاء، وعرض لجزء من مذكراته حول المقاومة. كما سيتحدث المقاوم محمد بهلوان الذي حضر هذا اللقاء، خصيصا، عن زميله ورفيقه في المقاومة سي عبد السلام الذي  يعيش حاليا بإسبانيا في منفى اختياري.

وأثناء إلقاء هذه العروض التي غطت جوانب مهمة من تاريخ المذاكرة وأولاد زيدان، كان شعيب حليفي يقرأ، من حين لآخر، من الأشعار والأزجال التي كتبها شعراء وزجالون حول بطولات المذاكرة، كما  قدّم تحية خاصة للمفكر المغربي الكبير د/ محمد سبيلا ، ابن أولاد زيدان.

 وتم تخصيص الجزء لثالث للاستماع إلى ساكنة أولاد زيدان وشهادات حول آبائهم وأجدادهم، فتحدث كل من عبد اللطيف كنوني والمقاوم محمد بهلوان والمعطي بوشواطة وعمر كنوني والباحث إبراهيم أزوغ. بعد ذلك تم اختتام هذا اللقاء في جو احتفالي وحماسي أنعش الذاكرة والوجدان.     

كواليس:

  • لأول مرة يحضر مثقفون من مدن مغربية عديدة إلى قرية ظلت مهمشة طويلا،مما أدهش الحضور الذي قدموا بكثافة للإنصات إلى تاريخهم المنسي.
  • أشار أحد الحضور، من أبناء أولاد زيدان، أن المهدي بنبركة كان قد زار أولاد زيدان سنة 1959أثناء توسيع قاعدة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
  • حركة شهامة وكرم شاوي ،أقدم عليها العدل خالد البعيزي وهو يستضيف مجموع المشاركين الذين الذي قدموا من خارج أولاد زيدان إلى خيمته لفطور قبل بدء الندوة، وقد حرص أن يخدمهم بنفسه.
  • في حوالي الساعة الثالثة، وبعد انتهاء اللقاء كان من المفروض أن تتم دعوة المشاركين وضيوفهم إلى خيمة واحدة للغذاء..لكن الذي وقع أن آل كنوني اختفوا جميعا كما اختفى من كان قد وعد بتدبير هذه الفترة، وبقي المشاركون موزعينضيوفا على فلاحين وخيالةفي خيامهم المفتوحة لكل الزوار.