يوطد الناقد والروائي التونسي الجديد كمال الرياحي مكانته كأحد أبرز الأصوات الإبداعية والنقدية الجديدة وها هو ناقد تونسي يتناول كتابه الجديد (حركة السرد الروائي ومناخاته) كاشفا عن أهم أفكاره وقضاياه.

حركة السرد الروائي ومناخاته

كتاب للناقد التونسي كمال الرياحي

نبيل دارغوثي

صدر عن دار مجدلاوي للنشر والتوزيع بالأردن كتاب نقدي مهمّ للناقد والمبدع التونسي كمال الرياحي جعل معظم اهتمامه فيه على المتن الروائي المغاربي وجاء الكتاب في 165 صفحة من القطع المتوسّط وفي إخراج أنيق. قدّم الكتاب الناقد والشاعر الأردني د محمد عبيد الله أستاذ النقد بجامعة فيلادلفيا وكتب عتبة الخروج في ذيل الكتاب الناقد والروائي التونسي المعروف د صلاح الدين بوجاه، وصدّره صاحبه بعبارة دالة لكولن ولسن يقول فيها :"إنّ الرواية واحدة من أكبر التعويضات الممكنة التي ابتكرها الإنسان لحدّ الآن". "الآن."

 

 

ومن منطلق المتعة هذا قارب الناقد كمال الرياحي النصوص الروائية التي اختارها، وقد جاءت المقاربات متنوّعة منهجا ومراجعا وروحا. خصّص الكاتب مقاربته الأولى للجزء الثالث من السيرة الذاتية للكاتب المغربي الراحل محمد شكري "وجوه" وحملت المقاربة عنوان "فورة الأجناس ورسوخ السيرة الذاتية" وهي دراسة مطوّلة تحاول أن ترصد العلاقة الممكنة بين السيرة الذاتية والرواية، وتسلّط الضوء على واقع التداخل بين الجنسين الأدبيين. فيقول الناقد في غضون المقاربة: "والسيرة الذاتية، باعتبارها أقرب الأجناس الأدبية من الرواية، كانت واحدة من هذه الأجناس التي تلبّست بلبوس الرّواية حتّى تفرّع من جنسها نوع سمّاه جـورج مـاي بـ"السيرة الذاتية الروائية". وقد نشط هذا الجنس الخاصّ في المغرب العربي عامّة والمغرب الأقصى خاصّة. ومثّـل الكاتب محمد شكري نموذجًا من الكتّاب اللذين وضعوا حياتهم الشخصيّة على محكّ الكتابة. فكانت حياته مرجعه الإبداعي في معظم أعماله الأدبية من قصة قصيرة ورواية ومذكرات"

 

 

أمّا المقاربة الثانية والتي خصّصها الناقد كمال الرياحي لرواية التونسي حسن نصر "سجلاّت رأس الديك" فقد التفت فيها الناقد إلى تيمة الحرّية وسبل التعامل معها في بناء الرواية وفي متنتها، فيقول في خاتمة دراسته: "مثّلت " سجلاّت رأس الديك "نموذجا من الكتابات السردية التونسية التي تأجّجت فيها قيمة الحرية، فكانت مدار بنائها وهاجس متنها، وليس في الأمر غرابة،ألم تنشأ الرواية التونسية في حضن النضال فنقلت عوالمه وأرّخت لحركة التحرّر الوطني؟"

 

 

في الدراسة الثالثة والتي حملت عنوان: "انتصار الفنّي على الإيديولوجي، بحث في روائية الرواية" قارب فيها الناقد رواية جديدة للمبدعة التونسية مسعودة أبو بكر، و قد جعل من تقنيتي الكولاج والمونتاج أهم أدواته الإجرائية، وهو بذلك يستعين بجماليات الفنون الجميلة والفنون البصرية لمقاربة الرواية . يقول :" حاولت مسعودة أبو بكر أن تتمترس بهذه الأسلحة الفنّية في صياغة عملها فتعمد إلى وضع مجموعة من النصوص التي تبدو ذات خامات خاصة فيما يشبه الجذاذات الملصقة...."

 

 

أمّا الدراسة الرابعة فقد كان مدارها رواية الروائية الأردنية سميحة خريس "خشحاش" وقد قدّم الناقد مقاربة جديدة ومتميزة عن هذه الرواية عندما التفت إلى أهمّ ظاهرة فنّية فيها وهي "الميتاقص" فجاء العنوان " الميتاقص أو مرايا السرد النارسيسي في رواية "خشخاش" لسميحة خريس "ونقرأ في الدراسة قوله:" ولأنّه غالبا ما يسلّمك النصّ الإبداعي، بعد الانتهاء من قراءته، مفاتيح مقاربته، فإن قارئ ال"الخشخاش" لن يبحث كثيرا عن موضوع لدراسة هذه الرواية، لأنّها هي نفسها تهبك إلى جانب المتعة خيوط مواجهتها نقديّا . وقد خيّرنا أن نتوقّف عند أهمّ ظاهرة أسلوبية فيها وهي " الميتاقص" التي نهض عليها نصّ سميحة خريس، والميتاقص في تعريف شديد التكثيف هو القص الذي يجعل من نفسه موضوع حكيه، أو كما تسميه ليندا هتشيون " سرد نارسيسي".

 

 

في مقاربته لرواية "التمثال " لمحمود طرشونة بدا الناقد إنشائيا خالصا، فقد اعتمد المنهج الإنشائي مستفيدا من منجز تدوروف وجرار جينيت ...فقدّم دراسة إنشائية متميّزة احتفلت بالأمكنة والأزمنة والشخصيات في هذه الرواية.

 

 

ثم يعود في دراسته حول رواية بنت البحر "دروب الفرار" ليقارب الرواية من خلال الموسيقى وحضور الغناء فيها وهي دراسة تناصية، بعد أن اكتشف أن الرواية تعتمد اعتمادا واضحا على الموسيقى والغناء في بنيتها وتوظّف متناصات غنائية كثيرة وجب دراستها وقد وقف في بداية دراسته عند الوشائج التي تجمع الفن الروائي ببقية الفنون باعتبار أن الرواية كما يقول " فن الاحتواء بلا منازع فهي تميل إلى ابتلاع جميع الأنواع الأدبية الأخرى وابتلاع الفنون أيضا وتوظيفها في نسيجها الخاص"

 

 

آخر فصول الكتاب اهتمّ باللغة الروائية في رواية الروائي الجزائري عمارة لخوص "البق والقرصان" وقد جعلها مدار بحثه، فاهتم بالعامية وأشكال توظيفها وبالأرقام والأجنبي والدخيل ومحاكاة الأصوات والتقطيع النبري وعلاقة كلّ ذلك ببنية المجتمع الجزائري وانكساراته زمن المحنة فجاءت هذه الدراسة مختلفة وطريفة وتلفت الانتباه إلى إحدى استراتيجيات الكتابة الحداثية التي توسّل بها الروائي العربي في نسج نصوصه السردية.

 

 

إن كمال الرياحي بهذا الكتاب يثبت من جديد أنه من أهمّ النقاد المغاربيين والعرب الجدد كما وصفه مقدّم كتابه وانه من جيل يحمل أفقا واعدا يواصل ما أسّسه نقّاد المغرب العربي الكبار مثل سعيد يقطين وحميد لحميداني وتوفيق بكار ومحمد القاضي وطرشونة وعبد الملك مرتاض ... فكتاب "حركة السرد الروائي ومناخاته" كتاب ينتزع أهمّيته من اختلافه النوعي ومن جدّية طرحه ويكفينا قول د محمد عبيد الله في المقدمة :" لقد أدهشني فيها [دراسات الكتاب] حضور الناقد / القارئ من جديد محاورا ومكتشفا لغنى النص الأدبي .....وما يمكن أن أشير له . ما لاحظته من حضور شخصية الناقد وحضور ثقافته المتنوعة . سواء ما اتصل بنظرية السرد،أو نقد الرواية على تنوّعها وتعدّدها، وقد أحسن الرياحي صنعا عندما نوّع في مرجعياته ودمج بين تيارات مختلفة محاولا أن يشكّل من جماعها طريقة ذاتية يتمثّلها ويعتمد عليها دون أن يلتزم حدودا صارمة في الفصل بين المناهج السردية " بينما يرى الدكتور صلاح الدين بوجاه أن دراسة كمال الرياحي تدنو من الكتابة الإبداعية واعتبره من جيل نقاد" يتوق إلى الجمع بين الدقة العلمية المطلوبة والإحالة الدالة . والعرض الواسع لمحصول القراءات المتنوعة التي تغني البحوث دون أن تثقل كاهله بالمكرر المعاد".

 

 

ولن نغفل في خاتمة هذا التقديم أن كمال الرياحي عرف إلى جانب النقد بحواراته المتميّزة في كبريات الدوريات العربية مع كبار الكتاب والمفكرين العرب صدرت في كتاب عن أمانة عمان الكبرى كما كتب الرواية والقصة القصيرة وصدر له فيها "نوارس الذاكرة " قصص 1999 و"سرق وجهي" قصص2001 و"المشرط" الرواية المتوجة بجائزة أحسن رواية تونسية لسنة 2007 بانتزاعها الكومار الذهبي وله في انتظار النشر مجموعة كتب منها "خصائص الكتابة الروائية عند واسيني الأعرج" و"الرواية العربية والهوية".  

 

 

 

 

 

 

كاتب من تونس

nabildarghouth@yahoo.fr