يتناول بوعزة المتخيل في قصص الكاتب المغربي عبد الرحيم مؤدن من خلال تزامن الشفرات المتعارضة وبنية الازدواجية الدينامية تشفيره للهزل في قلب الجد.

خفة الحكي

في "حذاء بثلاث أرجل"

محمد بوعزة

يستلهم المتخيل في قصص (حذاء بثلاث أرجل) للقاص عبد الرحيم مؤدن  استيطيقا الازدواج. في كل قصة يتزامن الجد والهزل، اللسان الفصيح واللسان الدارج، المخيال العالم والمخيال الشعبي. ينقش تزامن هذه الشفرات المتعارضة في الخطاب السردي بنية ازدواجية دينامية. وبتشفيره للهزل في قلب الجد ينتهك الكاتب المنظور التراتبي الكلاسيكي الذي ينحاز للجد على حساب الهزل، و يستعيد الهزل من هامشه المقصي. ما من معيار أو نموذج أو مركز يحكم قواعد اللعبة السردية المحكومة بفلسفة الخفة (السخرية) وليس فلسفة الثقل (النظام)، بحيث لا يوجد موضوع خال من السخرية. وما نقصده بالخفة هو انتهاك النسق والتحرر من قواعده الإلزامية، قواعد النظام والإكراه، سواء تعلق الأمر بنسق استطيقي أو ثقافي، من أجل استكشاف الحياة في عفويتها وعنفوانها وفوضاها الجميلة، وإشاعة روح النسبية المرحة.  تحقق  الحكاية خفتها بتقطيرها من كل الشوائب الزائدة، بغاية تكثيفها وتركيزها مثل قهوة الصباح (هذا الصباح لم تغادر القصة القصيرة فراشها ... فجأة ارتفع صوتها..." لماذا أنا قصيرة؟" .. وغزت أنفها رائحة القهوة بالحليب .. وابتسمت عندما تذكرت سؤال جارتها الدائم: "لماذا قهوة أمك لذيذة؟" هل تريدين معرفة السر؟ ... قلت لك الحليب هو الحليب .. والحكمة .. الحكمة .. اسمعي جيدا .. الحكمة، في عدد قطرات القهوة."(ص9) تعادل الخفة الكثافة والأثر الاستطيقي الذي تحدثه الحكاية في المتلقي، أثر اللذة والمتعة. وتمثل السخرية أهم وسائل الخفة في قصص المجموعة، حيث تتوسل الشخصية بالسخرية لإزاحة الثقل، ثقل القهر الاجتماعي والاقتصادي. الأصل في الحكاية إشاعة الخفة وإزاحة الثقل. تبدأ شهرزاد حكاياتها باستهلال يستحضر خطاب السرور والسعادة في مخاطبة الأمير الحزين شهريار، بلغني أيها الملك السعيد، لإزاحة الثقل عنه، ثقل الحزن والكآبة.

السخرية / تلغيم الخطاب:
تمثل السخرية عنصرا مؤسسا للخطاب السردي في المجموعة، حيث لا يوجد نص لا يرشح بنكهة السخرية وتداعياتها المفارقة. وتكمن أهمية السخرية في أنها تنزاح بالخطاب من استيطيقا المرآة نحو استيطيقا المفارقة والازدواج التي تحفر فجوة عميقة بين الدال والمدلول، إذ  تقوم استراتيجيتها على المفارقات المتولدة من انشطار بنيتها إلى مستويين ظاهر ومضمر، وهو ما يجعلها على مسافة استطيقية ونقدية من الواقع، وموقعا ديناميا لتلغيم الخطاب بالمفارقات والالتباسات والتشظيات. تتعدد استراتيجيات السخرية في المجموعة بحسب وضعيات التلفظ وأنماط بلاغتها، ويمكن أن نرصد بعض صورها في الأنماط التالية:

  السخرية الاسمية: تنتج من تحوير ساخر للتسمية كما هو الأمر في اسم الشاعر المعري، الذي يتحول إلى في نص "الأتورروت" الثانية إلى "المعري" وهو مسكن الميم والعين كما ولدته أمه..." (ص 57) السخرية الاسمية هنا مضاعفة ومزدوجة، تتضمن إلى جانب طابعها الاسمي، سخرية تناصية ناتجة عن محاكاة ساخرة لصورة المعري الشاعر الفيلسوف الذي يتحول في النص إلى شخص عار من كل شيء، موضوع سخرية وإذلال وقهر اجتماعي "وعزت علي نفسي، وأنا العار إلا من رحمته ... واختلط الحابل بالنابل ووجدتني أردد مع المرددين، وكأننا على موعد مبين، ناسيا عريي ومذلتي عند لقائي بعثرتي." (ص58). المحاكاة الساخرة هنا تحطيم للنموذج.

2 ـ المعارضات الساخرة: لكتاب قصة معاصرين أو لأشكال سردية تقليدية تراثية. في نص "قراءات قصصية" يحيل السارد على نماذج من كتاب القصة القصيرة (جورجي زيدان، محمود تيمور، نجيب محفوظ، إبراهيم أصلان، محمد زفزاف). جوهر هذه العلاقات التناصية هو السخرية، حيث يتم إدماج النموذج الاستطيقي لكل واحد من هؤلاء الكتاب في سياق تخييلي مغربي محلي، ساخر وهزلي، مثلما نجد في نص "نجيب محفوظ"  مدينة بألف عربة، ومازال العاطي يعطي؟ لم يحدث هذا حتى في أيام كبار "الفتوات", وما حدث في ذلك  اليوم أغرب من الخيال. بغل ولا ككل البغال، مخلاته "الساتان" الأزرق الشفاف، تفوح منه رائحة الذرا المشوية وهو يسير خببا فوق الأرصفة أو الشوارع، سيان .. إلى أن جاء ذلك اليوم ... قال باللسان الفصيح: رشحوني .. ولن تندموا علي"(ص21) تنتج السخرية التناصية من تشويه النموذج النصي (روايات نجيب محفوظ) بتضمينه في سياق هزلي مغربي أغرب من الخيال. مما يدخل القارئ في لعبة مفارقات معقدة.

تنقش المعارضات الساخرة أيضا مسارا تراثيا في الخطاب، ينبع من المحاكاة الساخرة لأشكال سردية تقليدية. في نص "الأتوروت" الثانية يحاكي السارد نسق المقامة  (قال "المعري" وهو مسكن الميم كما ولدته أمه" ووجدت نفسي ألتحف السماء، وأفترش الغبراء، مقطوعا من شجرة، لا زوج ولا ولد، ولا ظهر لي ولا سند ألوية من الغبار.. ( 57).

في هذا النص المشروخ بالتهجين الأجناسي، يبدو المعري بطل القصة أشبه ببطل إحدى مقامات الهمذاني، ولكن مأساته المفارقة أنه يعيش في زمن غير زمن الهمذاني. إن قصته أشبه بقصة أهل الكهف، تم استلابه من زمنه وبعثه في زمن مفارق لوعيه. السخرية تنتج من محاكاة السارد النسق السردي التقليدي لشكل المقامة، ولكن بمضمون معاصر، حيث يتواجه في النص وعيين لسانيين متقابلين أحدهما تراثي والآخر معاصر، وبالتالي فجوهر العلاقة بين السرد والمادة هو السخرية، الناتجة عن مفارقة الشكل للمحتوى، ومحاكاة البطل المعري الساخرة لنموذج البطل في المقامة. وبالتالي فالأمر يتعلق بسخرية مضاعفة ومزدوجة تتضمن مفارقات وجودية وزمنية.

3 ـ السخرية اللسانية: تنتج عن التهجين اللساني الذي يمزج بين وعيين مؤسلبين مفارقين، وعي مؤسلب (بكسر اللام) فصيح عالم، جاد ورصين، ووعي مؤسلب(بفتح اللام)دارج، ساخر وهزلي، يمثل بدوره وعيا انشطاريا يمزج في بنيته المعجمية والدلالية بين سجلين مختلفين، بين لهجة مغربية محلية وبين لهجة مغربية مفرنسة. هذا التمفصل اللساني يؤشر بدوره على تراتب طبقي وثقافي.

يتشبع هذا التهجين الكلامي الساخر بتوظيف استعارات ومفارقات الأمثال الشعبية المغربية التي تشع في النص مخيالا محليا هزليا فكاهيا "زيد الماء زيد الدقيق.. ليجعل الله البركة في العمارات والتجزئات" (ص13). وظيفة السخرية هنا تحرير المكبوت، وانتهاك المسكوت عنه في  النسق العام.

4 ـ السخرية الاجتماعية: بمقابل الأشكال السابقة من السخرية ، تهيمن السخرية الاجتماعية على القصص، وتنتج  عن اختلال الأوضاع الاقتصادية "فأما من ابيضت وجوههم فهم أصحاب النعمة المحدثة، وأهل الشطارة في خفة اليد والصوت، الذي يذيب الحجر حتى أصبح لكل مواطن قالب سكر على رأس كل ساعة، ...وأما من اسودت وجوههم فهم الذين ضيعوا الدين والدنيا، صراعهم على الشبر والشبرين، والدجاجة أو الدجاجتين، والقفة ذات الأذن أو الأذنين" (ص58) أوضاع اجتماعية واقتصادية مفارقة ترشح بالسخرية السوداء، واختلال في القيم الأخلاقية والثقافية  يؤشر على تحول سلبي كارثي في سلم القيم الذي ينظم علاقات الناس ويتحكم في مواقفهم وتصرفاتهم. يشخص نص"العجوز والطريق" صورة سوداء لهذه الاختلالات الأخلاقية: عجوز في العقد السادس من عمرها ظلت تلوح بيدها لسيارات الأجرة ولسيارات الخواص، لكن ولا واحدة توقفت لها، السيارات تمر أمامها بدون مبالاة "تتابعت السيارات ورؤوس السائقين تلتفت جهة المرأة، وتعود مسرعة إلى وضعها الأول... وارتفعت سبابة أحدهم إلى صدغه، واكتفى آخر بالالتفات نحو الكرسي المجاور وابتسم، ومرقت سيارات أخرى اهتزت أكتاف أصحابها دون مبالاة، ولم تتردد أكف من صفع الهواء بعنف.. والعجوز لا تمل من رفع اليد المعروقة، والتمتمة غير المسموعة... والسيارات لا تتوقف." (ص54) موقف إنساني يرشح بالسخرية السوداء، ويكشف مقدار التشوه الأخلاقي والثقافي الذي أصاب سلم القيم الاجتماعية. فالعجوز لم يشفع لها ضعفها وشيخوختها في إيقاظ الضمير الأخلاقي للناس، وربما شيخوختها ومظهرها المهترئ هو السبب في لامبالاة السائقين  بها، كما يشير النص إلى ذلك ضمنيا، فلو تعلق الأمر بفتاة جميلة في مقتبل العمر لتهافت السائقون على التوقف لها. تتضمن قصة "العجوز والطريق" سخرية تناصية تحيل على رواية "الشيخ والبحر" لارنست هيمينغواي. جوهر العلاقة التناصية بين النصين التقابل والمفارقة. تقدم رواية "الشيخ والبحر" صورة ايجابية مشرقة للشيخوخة سماتها القوة والعزم والإرادة والتحدي، تحدي الضعف وأهوال البحر وسوء الحظ الذي يصاحب الصياد الشيخ. بالمقابل تقدم قصة "العجوز والطريق" صورة بئيسة للعجوز تثير الشفقة، سماتها الضعف والبؤس. 

الاستعارات المفارقة / تقطير الحكاية:
تحيل على مجموعة الصور التي تخترق جسد النص عموديا وتحفر فيه مسارا سرديا موازيا للقصة للإطار. تكمن أهميتها في تنويع الدينامية السردية، حيث أنها تكسر خطية القصة بتشكيل استعارات سردية تحاور المسار الإطار وتنزاح عن جماليته الأفقية، خالقة جماليات ومسارات انتهاكية فيما وراء السرد الخطي. في نص " القصة القصيرة" يشتغل الحليب كاستعارة سردية. فالحوار الذي يدور بين القصة القصيرة التي ملت من قصرها وجارتها حول لذة القهوة، هو استعارة المقصود منها التأمل المجازي في الوسائل الخالقة  للذة الحكي  ، كيف تكون الحكاية لذيذة؟ أي خالقة لمتعة الحكي: "قلت لك .. الحليب هو الحليب.. والحكمة .. الحكمة.. اسمعي جيدا.. الحكمة، في عدد قطرات القهوة.

ـ كم عددها؟
هذه هي الحكمة." (ص9).

في مقابل السرد الخطي تخلق استعارة الحليب سردا انشطاريا، يطرح إشكالية القصة القصيرة (الميتاقصصي المجرد) في مسار تصويري مجازي. هل مفهوم القصة القصيرة كمي يتعلق بالحجم أم مفهوم نصي يتعلق بالأثر الاستطيقي؟  يجيب النص على هذا الإشكال الميتاقصصي من منظور تصويري استعاري. الحكمة في إعداد القهوة تكمن في اليد التي تمزج الحليب بقطرات القهوة، بما يعني أن الحكمة ليست في المادة (الحليب) ولكن في طريقة الإعداد التي تهيئ القطرات المناسبة والملائمة، أي في عملية التقطير، كذلك كتابة القصة  عبارة عن عملية تقطير لعناصر المتخيل  بما يحقق انسجامها وتناسقها. وبالتالي فالعبرة ليست بالحجم أو الطول، ولكن بالطريقة التي تؤلف بها القصة. أي في عملية التأليف التي تخلق أثرا استطيقيا. الحكمة في الخطاب وليس في المادة.

تتجاوز هذه  الاستعارات بعدها البلاغي لتنغرس في سردية النص، حيث أنها تمثل عتبة لتوليد مسارات سردية انتهاكية، تؤسس جماليتها ودلالتها فيما وراء السرد المركزي. وهكذا فالصور الاستعارية التي تنتشر في القصص هي ذات طبيعة ساخرة. وبالتالي تقوم بوظيفة المضاعفة التخييلية للطابع الساخر المفارق للمتخيل القصصي. حتى في المواقف الجادة يتم انتهاك الجدية بالصور الفكاهية الساخرة. في نص"حذاء بثلاث أرجل" يتم تضمين صور ساخرة لاستعارة الحذاء في موقف جدي مصيري هو إحالة الموظف على التقاعد "أنا المسمى ... حارس الأمن بالمقاطعة ... منذ أربعين عاما ... والمعروف بصاحب الحذاء اللامع، صيفا وشتاء، مقاسه(42)، وهو في الواقع لا يتجاوز (40والنصف) بمقاس ماوراء البحار. وهذا أمر طبيعي.. ولا يعقل أن تكون أرجلنا أكبر من أرجلهم... وأنتم تعلمون أن الحذاء مثل القبر: شبر وأربعة أصابع..الحذاء مثل القبر وعندما يصل أجلك لن تأخذ أكثر من حقك...ها أنا الآن في يومي الأول من التقاعد.. والحذاء الذي أمامكم يعرفني وكأنه ولد معي، أو لعلني ولدت منه ..."(ص35) تغطي استعارة الحذاء بصورها الساخرة التي ترشح بالسخرية السوداء على صورة الموظف المحال على التقاعد، بحيث تحل صورة الحذاء محل صورة الموظف التي تتلاشى أما زحف حكاية الحذاء العجيب. يتشيأ الإنسان ويتحول إلى مجرد خلفية لحكاية الحذاء. فالموظف لا اسم له، يسلب من هويته ويعرف فقط بحذائه. الحذاء هو هويته وحكايته . لا هوية له بدون حكاية الحذاء، ولذلك ظل الموظف يحرص علي حذائه أربعين عاما..يتحول الحذاء إلى تحفة نادرة يسهر الموظف على حراستها. قيمة الحذاء أفضل من حياة الإنسان." أنا المسمى... حارس الأمن بالمقاطعة... منذ أربعين عاما وأنا أحرس هذا الحذاء الوفي.. أنا الآن في اليوم الأول من التقاعد، وهو في العام الأول من التقاعد، وهو في عامه الأربعين... الرجل هو الحذاء.. لا ..لا.. الحذاء هو الرجل..(ص37).

الميتا قصصي/ وعي الحكاية:
يخضع الميتا قصصي في المجموعة لتشكيل متميز، حيث أنه  لا يحضر كبنية نظرية مجردة مجاورة لبنيات النص التخييلية. إنه يمثل بنية نصية محايثة مشيدة للنص القصصي. يتشكل كنص texte  وليس مجرد موازي نصي para texte كما هو سائد في الكثير من أشكال التجريب القصصي. إنه لا ينتمي إلى مجال الميتا تخييل النظري المجرد الذي يحاور فيه المبدع علاقته بالكتابة، ولكن ينتمي إلى التخييل الذي يشخص موضوع الكتابة في مسارات سردية دينامية. في نص"القصة القصيرة" شخصية الحكاية هي القصة القصيرة نفسها،  بطلة السرد. تروي القصة القصيرة باعتبارها ذاتا متكلمة حكايتها بلسانها وتنتج خطابها. تتشكل هويتها كإنسان حكاية وليس كجنس أدبي مجرد. تستعيد صوتها من النقاد، وتكتب حكايتها المستلبة وتنقش ذاتها وهويتها وخطابها بالأصالة وليس بالنيابة عنها  ( في هذا الصباح سألت القصة القصيرة السؤال القديم " لماذا أنا قصيرة؟" (ص7) بهذا السؤال الأنطلوجي الإشكالي المحفز للسرد تنطلق حكاية القصة القصيرة في البحث عن هويتها المشروخة بين الطول والقصر " هل أنا قصة قصيرة؟ أم ؟"(ص11) تتحول القصة القصيرة إلى شخصية بطلة تكتب حكايتها. إنها "ذات تتكلم"، "منتجة لخطاب"، وليست مفهوما نظريا مجردا متعاليا، ينتمي إلى ما قبل النص. إنها هوية متحققة، راوية ومروية.

هذا البناء التشخيصي الاستطيقي هو الذي يميز الميتا قصصي في النص وينزاح به عن التوظيف الاستعاري (الاقتراضي) الذي يقتصر على إدراجه كبنية موازية للنص القصصي، بحيث نكون بصدد بنيتين تحكمهما علاقة التجاور: البنية الإطار (النص ـ التخييل) والبنية المؤطرة (الموازي النصي ـ الميتا تخييل).  بالمقابل  يستعيد الميتا قصصي في النص حقوقه ويأخذ موقع الحكاية الإطار. وبالتالي يتحول من موقع الهامش إلى موقع المركز، ومن موقع الموازي النصي إلى موقع النص. ويترتب عن هذا التحول الجذري تحول في الاستيطيقا، حيث ينسلخ الميتا قصصي في النص من مرجعيته النظرية الواصفة المجردة، ويكتسب مرجعية تشخيصية متخيلة تنمو في مسارات سردية ساخرة. وبالتالي يتحول من سياق الميتا تخييل -  خارج النص، إلى سياق التخييل ـ داخل النص.

تشكل هذه البنيات الثلات (السخرية، الاستعارات، الميتا قصصي) ما أسميناه بالدينامية السردية في الخطاب السردي لهذه القصص، ذلك أن الخطاب في كل بنية منها يعمل بإستراتيجية مزدوجة مضاعفة تعمق الفجوة بين الدال والمدلول، وتكسر أفقية السرد المركزي بإطلاق مسارات عمودية انتهاكية. وهذا ما يستوجب من القارئ تجاوز القراءة الأفقية العادية نحو قراءة عمودية لتفكيك شفرات النص واستكشاف بنياتها المضمرة، فالأمر لا يتعلق فقط بانتهاك استطيقي لنموذج نصي، ولكن بانتهاك للنسق الثقافي العام، أي مجموع الأعراف الاستطيقية والاجتماعية والأخلاقية، الشعورية واللاشعورية. وهذا ما يسمح لنا بالقول بأن النزوع التجريبي في المجموعة لا يتخذ طابعا شكلانيا محضا، ينتهي بقتل الحكاية لصالح التقنية والشكل .على خلاف ذلك يسلك التجريب في المجموعة بعدا نقديا استطيقيا وثقافيا دون التضحية بلذة الحكاية وجمالية التلقي. في الوقت الذي يسخر فيه الكاتب من النماذج الاستطيقية التراثية والحديثة، ينتهك النسق العام، مع ما يترتب عنه من  نقد لتحولات السياق الثقافي والاجتماعي بالمغرب، والتي اتخذت بعدا سلبيا كارثيا يمس نسق القيم.  


طنجة ـ المغرب