تؤكد هذه الدراسة أن دولة الاستيطان الصهيوني في فلسطين هي عدو العرب الرئيسي، وتكشف عن أن تكريسها للعداء يتغلغل في بنية الثقافة برمتها، وفي القيم والمبادئ التي تبثها في عقول ونفوس أطفالها، بصورة تحول بينهم وبين أي معرفة حقيقية بالعربي أو بواقعه.

بذور العدائية في الأدب العبري

وقفة مع الطفل العبري

السيد نجم

لم ينل أدب الطفل العبري الإهتمام الواجب، على الرغم من خطورته، وليس فقط لأهميته. فكل ما تلاحظ من عدائية وكراهية وعدوان فى الأدب العبري قبل وبعد أكتوبر73، قد ترسخ وأصبح منهجا تربويا فى أدب الطفل العبري، بهدف دوام تلك الحالة العدائية! يكفى الإشارة إلى أهم سلسلة للمغامرات "حسمبا" التي صدرت في عام 1950م، وحتى وفاة كاتبها "أفنير كرميلى" عام 1994م. وقد صدرت باللغة العبرية، وأصبحت أكثر شيوعا من تلك القصص العالمية الشهيرة مثل "روبنسون كروزو" و"أليس في بلاد العجائب" و"طرزان". كما نشير إلى أكثر من سلسلة صدرت بعد معارك عام 1967م. الجديد أن تلك الأعمال ترجمت، وتخطت حدود الطفل بالداخل إلى الطفل اليهودي وغير اليهودي في العالم كله!

يبقى الإنتباه إلى دلالة تاريخ الإصدار، حيث الأولى صدرت عام 1950م، مع بداية وضع ركائز دولتهم والسعي لتنشئة جيل جديد، بمفاهيم تهمهم. أما الأخريات فقد صدرت لمخاطبة طفل العالم وتلقينه المفاهيم نفسها، بعد معارك عسكرية أرادوا حصد الكثير من ورائها، بعد الانتصار فيها.

بماذا يخاطب الكاتب العبري أطفال بلاده؟
يقول "لابين" كاتب أدب طفل عبرى: "كنت أسأل نفسي باستمرار: ماذا يمكن أن أقرأ لو كنت طفلا أعيش مثل هذا الواقع .. نحن نعيش في زمن الصراع مع العرب، نعيش فيما يمكن أن يطلق عليه "حقول الدم". لهذا نجد من واجبنا أن نبتعد عن كتابة القصص الجميلة التي تتحدث عن الفراشات والأزهار وزيت الزيتون النقي .. هذا سيوقعنا في كارثة، نحن في غنى عنها. ترى ماذا سيكون موقف الطفل الذي تفاجئه الحرب، وهو يقرأ قصة الطائر المغرد؟ ماذا سيفعل؟ لا شك أنه سيفقد ثقته بنفسه وينهار، وهذا تضليل لا يمكن أن نسمح به"

بينما تقول الناقدة العبرية "تامرا مازور": "إن الظاهرة التي تهزنا بعنف هي أدب الأطفال في البلد، حيث نجد أن الأطفال تتخطف الكتب بلهفة وشوق كبيرين، هذه الكتب التي تركز دائما على موضوع واحد، هو تصوير الأطفال اليهود بأنهم أطفال جبابرة عظماء لا يقهرون، يهزمون العرب الأغبياء بسهولة ويسر، هؤلاء الذين يريدون أن يقتلونا من أجل المتعة الذاتية فقط". (الإتجاهات الأيديولوجية في أدب الطفل العبري-عالم الفكر)

نخلص إلى أن أدب الطفل العبري تتم كتابته بناء على إستراتيجية محددة، ويدخل ضمن منظومة البلاد الإستراتيجية، وليس من أجل الترفيه أو التسلية. وهو ما أجملته الدكتورة الإسرائيلية "تسيبورا شارونى" في مقدمة دراسة عن التوجه القومي في برامج التدريس في المدرسة العبرية في عام 1988م"، قالت: "إن جميع الجنود ممن يؤدون الخدمة العسكرية بالمناطق المحتلة، الشباب الذين يسكنون أور يهودا ... وحيث عمليات إحراق العمال العرب ... إن ذلك كله نتاج مدرستنا ... نتاج البرامج التعليمية، نتاج التربية الرسمية وغير الرسمية، ولكن للتربية الرسمية نصيب الأسد فيها، إذ لم ترد في إشارة في البرنامج التعليمي لليهود حول التطلع للسلام بين إسرائيل وجارتها." (الصهيونية في الكتب المدرسية الإسرائيلية/ هارون هاشم رشيد) لذا كانت أهمية التعرف على محتوى بعض كتب المناهج الدراسية وكتب الأدب.

يتسم التعليم بالملامح العلمانية إلى جوار الملامح الدينية التي عرف بها قبل 1948م. وهو ما أكده "موشى ديان" وزير الدفاع بعد حرب يونيو 67 في إحدى المقابلات التليفزيونية في 11-6-1967م وقال: "إننا نريد دولة يهودية خالصة كالفرنسيين الذين يملكون دولة فرنسية". (هكذا يربى اليهود أبناءهم/ سناء عبداللطيف) وفى دراسة (بعد الإنتفاضة الثانية عام 2000م)، أجراها أحد أساتذة الاجتماع في إسرائيل، على طلبة المدارس الابتدائية، خرج بنتيجة تشير أن 60% من 1066 طالبا تتراوح أعمارهم بين 9-14 سنة، أيدوا الإفناء الكلى للعرب المقيمين في إسرائيل في حالة أي صراع مسلح مع الدول العربية .. حتى أنهم إعتبروا مرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمى، من القديسين.

أولا: تعليم الطفل العبري
لقد أوجزت كل المناهج التعليمية للمراحل العمرية المختلفة، من مرحلة الحضانة حتى الالتحاق بالجامعة، مجمل الأفكار التراثية التوراتية والصهيونية. كما أن حضور المستجدات العسكرية والسياسية، خصوصا ما يتعلق بالحروب التالية لعام 1948م. أعلن القيادي اليهودي "الياهو كوهين" في المؤتمر الصهيوني الثالث والعشرين في عام 1951م؛ أن مصير إسرائيل يرتبط بإيجاد جهاز حقيقي لتنفيذ التعليم والتربية حسب المبادئ الصهيونية. (الصهيونية بين النظرية والتطبيق/ترجمة هاشم حمادي) وأكد "ديفيد بن جوريون" (أحد القادة المؤسسين لدولة إسرائيل ورئيس الوزراء) في المؤتمر الصهيوني الرابع والعشرين في عام 1956م، أنه لن يكون للحركة الصهيونية مستقبل بدون تربية وثقافة عبرية لكل يهودي بوصفه واجبا ذاتيا. واعتبر أن معرفة التوراة كفيلة بتزويد الفرد اليهودي بجذوره وأصله وعظمته ومستقبله، ويضمن ارتباطه بمملكة إسرائيل، ثم يتساءل: "ما الذي سيحفظ اليهودية؟" ويجيب: "إنها التربية العبرية".

لعل أكثر الأمثلة إيجازا ودلالة للتعبير عن التوجهات الصهيونية، خلال المراحل التعليمية الأولى، هو ما يدرس في مادة "الحساب"، تعرض على الطفل المسألة التالية: "كان هناك 100 عربي، قتلنا منهم 38، فكم يكون الباقي الذي يلزمنا قتله؟" (العولمة والعالم الاسلامى..أرقام وحقائق/ عبد سعيد عبد إسماعيل) قام "وائل القاضي" أستاذ التربية في جامعة النجاح الوطنية ببحث: "التربية في إسرائيل بين الأهداف المعلنة للتربية وغير المعلنة". وقد ناقش قانون التعليم في إسرائيل الذي صدر عام 1953م، والذي يقنن للقيم والمفاهيم والأسس التربوية للطفل العبري. كما عرض لملحق القانون الصادر في 1977م، والذي جاء بعد حرب 1973م، وقد أدعو أن ما حدث في أكتوبر 73، كان بسبب إهمالهم أو تقصيرهم في تلقين القيم القومية بما فيه الكفاية! أورد "القاضي الأهداف الرسمية للتربية والتعليم في إسرائيل كالتالي:
أولا: تكوين مجتمع عضوي موحد.
ثانيا: بناء دولة عصرية تمتلك أسباب القوة المادية والروحية.
ثالثا: الحفاظ على التراث اليهودي ونشره وتعميقه.
رابعا: دعم مركزية إسرائيل بين يهود العالم والالتزام نحوها باعتبارها دولة اليهود.

أما الأسس التربوية لتحقيق تلك الأهداف فهي: تعميق الوعي اليهودي الصهيوني .. التربية على قيم القومية اليهودية الصهيونية .. بث روح العداء للعرب والمسلمين .. وتشويه صورتهم وثوابت عقيدتهم .. ترسيخ جذور الشباب الإسرائيلى في تراثهم التاريخي .. التعلق بالأرض، وهو المرتبط بهدف تكوين دولة موحدة للشتات اليهودي .. فلسفة "دين العمل" وهو المرتبط بالهدف السابق بوصفه أحد أركان الثقافة اليهودية وتحقيق الاستيطان اليهودي .. غرس مفهوم "الشعب اليهودي الواحد" .. لقد حرص اليهود على غرس معاني الرحمة والإنتماء للشعب اليهودي في الوقت الذي يتفرق فيه غيرهم. وهو ما نص عليه البرنامج التربوي في قانون التعليم عام 1953م. (هكذا يربى اليهود أبناءهم/ سناء عبداللطيف)

على الجانب الآخر قدم الطفل للكيان الصهيوني خدمة جليلة للغة العبرية، لقد كانت من اللغات الميتة، وربما اندثرت منذ عشرين قرنا، إلا من التراتيل الكهنوتية في معابد اليهود .. وبات "الطفل" هو مستقبل تلك اللغة، والحافظ عليها من الاندثار ثانية، بعد أن أصبحت "اللغة العبرية" لغة التعليم ولغة كتب الأدب، فضلا عن كونها اللغة الرسمية. يذكر أن "اليعزر بن يهوذا" وهو الملقب بأبي العبرية الحديثة، هو زعيم بعث تلك اللغة، بعد أن نال منها الشتات على يد الرومان، منذ الأزمنة البعيدة، ما كانت تسمع إلا في "الجيتو" و"التجمعات الصغيرة" لليهود، وداخل المعابد. يذكر له الفضل أولا، ثم للطفل العبري من بعده. (وجهات نظر-العدد73)

وقد قام "بارطال" بتحليل القيم المغروسة في كتب الدراسة العبرية عام 1994م، وذلك بتحليل 124كتاباً مدرسياً وتدرس في المراحل الثلاث: الابتدائية والإعدادية والثانوية في المدارس الرسمية والمدارس الدينية اليهودية ومن أبرز النتائج:

  • أن اليهودي يظهر كضحية خصوصاً في كتب التاريخ .. وتظهر الكتب سلبية وعدوانية شديدة لكل ما هو عربي، وتضع علامات استفهام على مجرد شرعية وجودهم، ويظهر هذا واضحاً في كتب المدارس الابتدائية! حيث يذكر العرب بأنهم لصوص وقتلة ومشاغبون، وأقل ثقافة وتربية من اليهود! (www.balagh.com)

حول المناهج ونظم التعليم العبري يقول "جوزيف كلاتزمان" وهو من العلماء الفرنسيين اليهود في كتاب له (الدروس المستفادة من التجربة الإسرائيلية): "وقد تحمي الصواريخ والطائرات والدبابات الأمن الإسرائيلي في المدى القريب ولكن المدرسة والجامعة تحميانه في المستقبل البعيد".

*نماذج تطبيقية، للمفاهيم العدائية بالتعليم العبري:
- مادة التربية الدينية

قال "ميكل باينز": "إن أي شعب آخر/ يمكن أن تكون لديه/ تطلعات وطنية/ منفصلة عن الدين/ أما نحن اليهود/ فإننا لا نستطيع ذلك." في حوار ساخن بالكنيست الاسرائيلى، بعد معارك 1967م، إختلفت الآراء حول أسباب الانتصارات التي حققوها، فوقف وزير الشئون الدينية "ميكل" وردد كلماته السابقة. نماذج من أحكام التلمود: "اليهودي لا يخطىء إذا اعتدى على عرض الأجنبية، فان عقود الزواج عند الأجانب فاسدة، لأن المرأة غير اليهودية بهيمة، ولا تعاقد مع البهائم" .. "من يقتل مسلما أو مسيحيا أو أجنبيا، يكافأ بالخلود في الفردوس، وبالجلوس هناك في السراي الرابعة". (التعليم في إسرائيل ديني أم علماني-كتاب المعرفة)

فيما أشارت الكتب الدينية المدرسية إلى الإسلام قائلة: "لم يكن هناك جديد في تعاليم الإسلام، حيث لم يأت محمد بشيء. لم يضف محمد إلى الإسلام شيئا على ما صادره من تعاليم اليهودية والمسيحية (وربما في المعتقدات الفارسية) ثم مزج كل هذا بشكل غير متجانس" (وجهات نظر-عدد73)

في دراسة بحثية أجريت بإشراف "على بن صالح الخيتى/ فلسطين"، تناولت المفاهيم الصهيونية والرؤية الخاصة نحو الإسلام والعربي بالمواد الدراسية المختلفة للطفل العبري في مراحل التعليم ما قبل الجامعة.. تضمنت بعض المحاور والتوجهات: www.moqawama.tv.))

النظرة إلى الدين الإسلامي .. أظهرت نتائج التحليل أن الكتب الدراسية في إسرائيل ربطت بين الدين الإسلامي والعنف، وربطت بينه وبين السيف، مؤكدة أن إنتشاره تم بالسيف .. حيث عرضت بعض الكتب صورا، لتأكيد هذا المعنى. عرض أحد الكتب صورة لمسجد وبجانبه "الجيش الإسلامي" وأسفل الصورة شعار الحرب عند المسلمين وهو عبارة عن سيفين يتوسطهما هلال من أعلى، ثم تعليقا على الصورة: "الإسلام دين المحاربين"

صورة الرسول (صلع) لم تعترف الكتب الدراسية في إسرائيل بنبوة الرسول، وبأنه مرسل من الله تعالى. والصورة التي تقدم في الكتب، وأنه قرر من ذات نفسه أن يصبح رسولاً، ولم يوصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما يوصف موسى والسيد المسيح عليهما السلام بالنبوة، فيذكر باسمه (محمد) فقط دون تقدير لمكانة النبوة.. الخ. ولهم تأوبلات أخرى بشأن القرآن وأركان الاسلام الخمسة، و مفهوم الجهاد و غيره.

النظرة إلى الدين اليهودي إسرائيل مولود رباني لاهوتي ناشئ عن المرويات التوراتية"، وأن "الشعب اليهودي" لم يولد ولادة طبيعية، بل بتفاعل التوراة والعهد الإلهي، وهو ما تم تقديمه من خلال: أن اليهود في العالم يشكلون وحدة واحدة مهما تعددت أماكن إقامتهم؛ وهو ما تطلق عليه "وحدة الشعب اليهودي"، فنجد تعبيرات مثل: "أمتنا"، و"آباؤنا" و"أرضنا"، و"أبناء إسرائيل"، و"أسباط إسرائيل"، و"أبناء يعقوب"، و"أصحاب الدين الواحد"، و"أبناء شعب واحد"، و"الشعب اليهودي"، و"الأمة الإسرائيلية. وهناك ما يسمى بـ"أرض إسرائيل"، في محاولة لترسيخ وزرع أحقية اليهود في (فلسطين).

الاستعانة ببعض النصوص التوراتية مثل: "وقال الرب لإبرام (اسم لنبي الله إبراهيم عليه السلام قبل العهد): "اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريكَ، فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركة، وأبارك مباركيك ولاعنك ألعنه، وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض". www.paldc.net)) وتغرس الكتب الدراسية الدينية الإسرائيلية في عقل الطالب، أنه رغم إبتعاد اليهود عن فلسطين لقرون طوال فإنها كانت في قلوبهم وعقولهم .. مع إكساب الأرض صفة التقديس أو مقدسة. وتعرض الكتب الدينية لأسباب الأعياد الدينية، أنها بسبب غيرة وكراهية وحقد "الأغيار" منهم وعليهم. ونظرا لعبقريتهم وتفوقهم كانت أحقاد غيرهم عليهم. فعيد الفصح مرتبط بخروج اليهود من مصر، أرض العبودية والذل، ويوم التاسع من آب يوم حريق الهيكل، وعيد يوم التاسع من تموز إحترقت فيه أسوار القدس.. وهكذا.

شعور اليهود بالتفوق والتميز يضرب بجذوره في التاريخ القديم بسبب خصوصية علاقتهم بالرب وإرتباطهم بالتوراة، ولا يمنع الإشارة إلى تلقين الصغير حول إسرائيل الجديدة، وأن إسرائيل هي نور الأمم، وواحة الديمقراطية الغربية، ورائدة العالم الثالث. وعلى مستوى الأفراد تتحدث النصوص عن ذكاء اليهود، وعن النسبة غير العادية من اليهود الحاصلين على جوائز نوبل، وذلك لأن هذه الصفات الإيجابية نابعة من الخصوصية اليهودية. (www.alasra.ps)

مادة التاريخ

في المرحلة الأولى الابتدائية إرتكنت على تاريخ اليهود دون الولوج إلى التاريخ العربي، (في إطار فكرة أن "العربي" هو المخطئ دائما في كل الحروب، والذي يبدأ بالعدوان. مع ملاحظة تحاشى استخدام لفظ فلسطين، والاكتفاء بـ"عرب إسرائيل")  أما عن المرحلة الثانية والثالثة، بعد حرب 67م حيث احتلت أرض عربية كبيرة، فكان التفكير في تعليم اللغة العربية إلى جانب المفاهيم الصهيونية، باعتبار ما حدث هو تحرير للأرض الإسرائيلية .. وبالتالي تناولت كتب التاريخ فكرة "الحق التاريخي للأرض الإسرائيلية القديمة". وأن اليهود لم يتخلوا عن الأرض (إسرائيل) طوال العشرين قرنا الماضية.

-مجموعة كتب "الأرض الطيبة"، صدرت عن وزارة المعارف الإسرائيلية عام 1986م، تدرس بالمدارس الدينية اليهودية. تحت عنوان لأحد كتب السلسلة "لمن تنتمي أرض إسرائيل" .. ويجيب المؤلف على أن أرض إسرائيل تنتمي لليهود، لكن جاءت بعض الشعوب (كالإسماعيلية) ويعنى العرب وكانوا قليلون جدا، إلا أنهم جعلوها خرابا.

المحاور العامة التي تتناولها كتب التاريخ، على مدار سنوات الدراسة:
الكتب الدراسية تؤكد على أهمية "القدس والهيكل" عند اليهود في التاريخ القديم .. وتسعى الكتب الدراسية لإضفاء الشرعية التاريخية والدينية على إحتلالهم للمدينة (القدس)، فيطلب من الطلاب عقد مقارنة بين قدسية مدينة القدس في الإسلام وفي اليهودية والنصرانية. النصوص الواردة في الكتب الدراسية أن الخليفة "عبد الملك بن مروان"، قد بني قبة الصخرة في القدس لتكون بديلاً لمكة .. وترد في الكتب نصوص تحاول التشكيك بصحة بعض المعتقدات الإسلامية تجاه القدس. (المزيد حول القدس يرجع إلى كتاب "القدس"-حسن ظاظا)

- مادة الجغرافية
ورد بأن "الجولان" و"الجليل بأقسامه" من الأرض الإسرائيلية .. تضمينها "الخريطة الطبيعية لإسرائيل"، وهي تتكون من أربعة قطاعات جغرافية طبيعية تمتد على طولها من الشمال إلى الجنوب، وهذه القطاعات هي: قطاع ساحل البحر، قطاع الجبال، قطاع الوديان، قطاع هضبة الجولان وجبل الشيخ (الحرمون). تلاحظ أن كتب الجغرافية تخلط بمادة تاريخية من أجل إبراز مفهوم أو مبدأ صهيوني .. إستبدلوا بالاسماء العربية لبعض البلدان العربية والمدن في فلسطين أسماء عبرية .. تشير نصوص الكتب إلى أن اسم" فلسطين" اسم أطلقه الرومان على أرض إسرائيل لمحو اسم أرض إسرائيل؛ نكايةً في اليهود و إنتقاما منهم. ويطلق مصطلح "يهودا والسامرة" على الضفة الغربية. كما تسمي حائط البراق بـ"الحائط الغربي أو "حائط المبكى" دون أية إشارة إلى علاقة المسلمين بهذا الحائط. (المرجع السابق)

-مادة اللغة العبرية
لاحظ الدارسون للمناهج التعليمية لمادة "اللغة العبرية" في كتابة موضوعات الإنشاء "أو التعبير" حول العرب، قال أحد الطلبة: "إن العرب يريدون مواصلة ما بدأه الألمان، وقتل اليهود على أرض إسرائيل". وقال آخر واصفا العربي: "وجهه غريب صغير، مثير للغضب، وشعره أخضر من بلاد ليست بلادنا". واضح الإنفصال الجسدي والذهني عند الطالب حول "العربي"، وكأنه لم يره لمرة واحدة في حياته. وفى المقابل كتبوا عن اليهود: "اليهود جلبوا الحضارة إلى الشرق الأوسط". و"إن شعب إسرائيل هو صفوة الشعوب كلها، وأكثر العناصر افتخارا لأنه تكون عن طريق انتقاء الأفضل". (الشخصية العربية في الأدب العبري/ أنطوان شلخت)

وفي دراسة تحليلية لـ"محمد مرسى" لتسعة كتب مدرسية إسرائيلية، خلص إلى أن المناهج تهتم بالآتي: ثقافة العنف – إبراز سمو العرق اليهودي – الكراهية والعنف للآخر وخصوصا العربي باعتبارهم من "الأغيار" – وجود علاقة وثيقة بين المدارس والجيش (عسكرة الطلبة) – إحياء اللغة العبرية – غرس المفاهيم الصهيونية – الادعاء أن الإسلام للعرب فقط. (الوعي الاسلامى–الكويت- يناير 1993م)

أدب الطفل العبري
لم يكن الأدب بعيدا عن صناع الفكر الصهيوني وصناع القرار داخل الكيان الصهيوني، فقد حمل "الأدب" كل توجهات التحريض على الاستيطان اليهودي، وطرد العرب الفلسطينيين، ثم تناول صورة خاصة بـ"البطل/ العبري"، وان تراوحت النظرة إلى العربي والشخصية العربية بين موقف يتسم بالعنصرية والعرقية، وليس لقناعة بأحقية تاريخية وإنسانية. بالعموم بقيت نظرة العداء تجاه العربي، حتى بعد اتفاقيات السلام التي وقعت مع بعض الدول العربية. فكما صيغت الأفكار العنصرية العدائية في الكتب الدراسية، تم تداولها في كتب الأدب والتثقيف للنشء الإسرائيلي، وبعض الكتب التي تتناول المعارف العامة، مثل موضوعات الآثار والتراث. وقد لوحظ أنها تتضمن إقحاما بدور ما لليهود في كل المواقع الأثرية. سواء بمصر أو العراق أو الشام والأردن. ومقولة "مناحن بيجن" في زيارته للأهرام بالقاهرة، أن اليهود هم بناة "الأهرام" ليست بعيدة عن الذاكرة!

*نموذج من القصة القصيرة للطفل:

نص قصة "الأمير والقمر" للقاص العبري "يورى ايفانز":

"النص": "قالت الصغيرة لي: من الذي سرق القمر؟

قلت: العرب.

قالت: ماذا يفعلون به؟

قلت: يعلقونه للزينة على حوائط بيوتهم!

قالت: ونحن؟

قلت: نحوله إلى مصابيح صغيرة تضيء أرض إسرائيل كلها.

ومنذ ذلك الوقت، والصغيرة تحلم بالقمر، وتكره العرب، لأنهم سرقوا حلمها وحلم أبنائها.

هذا الصباح جاء أمير صغير إلى بيتنا وقال: هل تقبلونني ضيفا؟

رضينا به، لكن الصغيرة قالت: على أن تقول لنا من أنت؟

قال: أنا فارس من فرسان الأرض، محارب قديم في أرض إسرائيل. مت صغيرا، لكنني أخرج مرة في كل عام، أطوف في هذه الأرض، وأسأل إن كان شعبي يسكنها أم لا.

قالت الصغيرة: نحن شعبك، وأنا حبيبتك أيها الأمير.

قال الأمير: ما أروعك .. أطلب منك الملجأ ليلة واحدة، فتفتحين لي قلبك، أنت يهودية حقا.

قلت: نعم، كلنا هنا شعب إسرائيل.

ضرب الأمير برمحه وقال: إذن تحقق الحلم الآن أستطيع أن أعود إلى قبري مرتاح البال.

تشبثت به الصغيرة، وقالت: لا .. لم يتحقق الحلم بعد.

قال الأمير: كيف.

قالت الصغيرة: لقد سرقوا القمر.

قال الأمير (وهو يضرب برمحه مرة ثانية): من؟

قالت الصغيرة: العرب.

بصق الأمير على الأرض قال: الجبناء، كلهم لصوص وقتلة، لكن لا بأس.

سألت الصغيرة: وماذا سنفعل؟

قال الأمير: انتظري الليلة، سأعود لك بالحلم الجميل.

انتظرت الصغيرة، القت رأسها على إطار النافذة.

وظلت تنظر إلى السماء.

ومرت الساعات، ونام الأطفال والنساء والرجال والشيوخ، ولكن الصغيرة ظلت تنتظر، لم تيأس ولم تستسلم للنوم، لأنها تعرف أن أطفال شعب إسرائيل لا يكذبون.

بعد منتصف الليل بقليل، انشقت الغيوم فجأة، ورأت الصغيرة القمر لأول مرة، رأته جميلا ورائقا، حدقت فيه طويلا، ثم ركضت إلى وقالت: استيقظ يا أبى، استيقظ، وقادتني إلى النافذة وقالت: أنظر يا أبى، هل هذا وجه الأمير الصغير؟

قلت: يا بنتي، الذي سرق القمر هو الذي قتل الأمير الصغير.

لم تبك الصغيرة، فقد تحقق حلمها وأشرق القمر على أرض إسرائيل." 

(جريدة الأسبوع الأدبي-20-8-2005)

تعليق على القصة:
تلك القصة معبأة بالأفكار والأهداف التربوية والمعلوماتية، والتي يرى الكاتب العبري غرسها في الطفل العبري، منها:

- "البحث عن الذات" العبرية، والتي يستشعر الكاتب ضياعها أو الخوف على ضياعها.

- فكرة "أن اليهود ضحايا التاريخ"، وما صنع فيهم يجب الانتباه له وألا يتكرر.

- فكرة "الاستيطان" وأنها واجبة عليهم وحق يجب غرسه في الأجيال الجديدة.

- فكرة "الآخر العربي الحقير، الذي يجب قهره"، وهو بدا في القصة من خلال.. خروج الأمير الصغير لمحاربة العرب، أن العرب يسرقون الحلم والنور (رمز القمر)، كما أن العرب سفهاء (يستخدمون القمر للزينة على جدران بيوتهم).

- ربط "اليهودي" أو المنتمى إلى ديانة سماوية، بفكرة "الصهيونية" العنصرية أو المنتمى إلى جملة عقائد أيديولوجية ما.

- مع محور تكريس فكرة "كره العرب" و"تعبئة الجيل الجديد بالأفكار العدائية" و"القتل هو الحل، مع عدم الرغبة في القتل، بل ضرورة يجب على اليهودي ممارستها".

*إقتباسات متنوعة من نماذج قصصية للطفل: (صورة العرب في القصة العبرية القصيرة/ سيد سليمان علبان) و(هكذا يربى اليهود أبناءهم/سناء عبداللطيف)

من قصة "فتيان بريوحاى": "كان ربى شمعون يجمع فتيان إسرائيل في تسبورى وفى الجليل، ويغرس في قلوبهم الحب لشعبهم ولغتهم" .. من قصة "قيثارة داود": "أنهم قتله، سفاحون، متمردون، حيوانات مفترسة، وتافهون ومحتقرون" (أنه يتحدث عن العرب في قصته) .. من قصة "حديقة بجوار البيت": تبدأ القصة بتأمل الطفلة "ميرمام" للطبيعة حول بيتها فتقول: "انظر يا حييم .. واحسرتاه على الأرض هنا، تعال نعمل حديقة ونزرع أي شيء هنا" (وهو هنا يؤكد أن فلسطين أرض قاحلة خربة واليهود سيقومون بتعميرها). في قصة "طفل الاستغماية": قام الأطفال بزيارة طفل غريب يبكى، فقال أحدهم "عومر": "يا أطفال .. يا أطفال، أوقفوا اللعب، يوجد هنا طفل يبكى" .. يعلق الكاتب في سرده: "إن عومر يملك قلبا من ذهب .. لقد كاد يبكى لما رأى الطفل يبكى" (إنها دعوة للرحمة فيما بينهم!) .. من قصة "حرب ثمار الصنوبر": حيث كانت الأطفال تلعب وانقسموا إلى مجموعتين، أحدهم تعلق بفرع شجرة وكاد ينكسر به، ويتعرض زميلهم للخطر .. فيسرد الكاتب كالتالي: "لما أحس الأطفال بالخطر الذي تعرض له حيث كاد ينكسر بت جذع الشجرة، اجتمع الأطفال، ونزل القناصة من أعالي الأشجار وانضموا إلينا .. وقفنا جميعا حول الشجرة .. لم نعد مجموعتين .. لم تعد هناك روح الحرب التي تفرق بيننا .. إن القلق على سلامة "زئيف" وحده جمعت بيننا" (هكذا يكون السلام بينهم فقط)

وتلك قصيدة قصصية، عالية المستوى، سيئة الدلالة: بعنوان "حكاية":

"زئيف طفل صغير/ لم يكبر بعد/ عاش على هذه الأرض/ أحبها/ وحين حاصر الغزاة هذه المدينة/ مات/ كيف مات؟/ لا أحد يدري/ هل مات من الجوع؟/ أم تحت التعذيب/ برمح طائش؟/ أم تحت سنابك الخيل؟/ لا أحد يعرف/ لكن هل تريدون أن تموتوا مثل زئيف؟/ لا/ إذن صوبوا بنادقكم تجاه العرب."

وقد تمثل افتعال المعجزات في كتاب الّفه "مردخاي جور" (رئيس أركان سابق) للأطفال، وروى فيه أحداثا تصنع فيها الكلبة "عزيت" ما لا يستطيع البشر صنعه "عزيت الكلبة المظلية" حيث يقهر الجنود الأعداء كأنهم الرجال الخارقون، وفي هذا تلقين العدائية والعنف للطفل العبري. وهو الموقف الصهيوني الذي يعبر عنه الشاعر، فيقول: "السيد هو السيد/ والعبد هو العبد/ وان كانا من أحفاد أبراهام/ ما ينطبق على الأمة ينطبق على أبنائها/ فلماذا يخالف العرب قانون الله؟"

الأهداف من التعليم والأدب الموجه للطفل العبري:
أولا: تزكية الروح الدينية العنصرية في الطفل .. في سبيل ذلك تقدم الكتب الدراسية وقصص الأطفال الكثير من المعلومات الدينية، للتعريف بها وربطها بالبعد الاستراتيجي للصهيونية.

ثانيا: إحياء اللغة العبرية التي ماتت منذ عشرين قرنا .. لأن اللغة العبرية هي لغة التراث، ومن أجل البحث عن ملامح واقعية لـ"القومية اليهودية" المزعومة، جعلوا من اللغة العبرية، لغة رسمية للتعليم والأدب والحياة اليومية .. لعلها تنجح في الجمع بين أناس يتحدثون ثمانين لغة من بلاد المهجر تعيش داخل إسرائيل، وبالتالي يمكن تعميق الانتماء للأرض والوطن. كما أطلقوا الأسماء العبرية على الأماكن، حرصوا على تسمية عناوين القصص للأطفال بالأسماء العبرية .. ففي قصة "فتيان بر يوحاى" يقول الكاتب: "كان ربى شمعون يجمع فتيان إسرائيل في تسبورى وفى الجليل ويغرس في قلوبهم الحب لشعبهم ولغتهم" www.moqawma.tv

ثالثا: تشويه صورة العرب وغرس العدائية وبذور العنف تجاههم .. بدا مسعى أهل السياسة والفكر الصهيوني، إلى "تشويه صورة العربي" وغرس "العنف" تجاهه، تبدى على محورين: الأول بتوظيف المعطيات العقائدية سواء في التوراة أو التلمود وبروتوكولات صهيون، من جانب، وعلى الجانب الآخر بالتعليم (الرسمي وغير الرسمي) ويلعب الأدب الموجه للطفل الدور نفسه. (الصهيونية في كتب المدرسة الصهيونية-هارون هاشم رشيد)

كثيرا ما يرددون ما جاء في سفر العدد: (30: 9-10) "وسبى بنو إسرائيل نساء مدين وأطفالهم، ونهبوا جميع بهائمهم وجميع مواشيهم وكل أملاكهم، وأحرقوا جميع مدنهم بمساكنهم وجميع حصونهم وأخذوا كل الغنيمة وكل النهب من الناس والبهائم، وتم ذلك بعد أن قتلوا كل الرجال والملوك". توضيح إبراز فكرة العنف تجاه العربي من خلال تركيزهم على المحاور التالية:

-تلقين الصغار فكرة أن اليهود هم أساس التطور في فلسطين.

-تعتبر فلسطين الجولان أرضا يهودية، والأقاليم المجاورة غريبة عنها.

-العرب محتلين للأرض، والفتح العربي غزو تاريخي.

-العرب بدو رحل جاؤوا إلى فلسطين لهضم الحضارة اليهودية.

-توجد ممتلكات يهودية في الأردن وجنوب لبنان.

-وصف العرب في الكتب الدراسية وغيرها على أنهم معتدون وقطاع طرق.

-إظهار قدرة الجندي الصهيوني وكأنه بطل أسطوري.

-الأدعاء بأن الفلسطينيين هم الذين هربوا من ديارهم.

-إتهام العرب بالعدوان والبدء في كل الحروب التي خاضوها معهم.

وقد توقف بعض رجالهم على خطورة هذا التوجه، يقول "تسيبورا شارونى" في حديثه عن التوجه القومي للتدريس في المدارس العبرية: "إن جميع الجنود ممن يؤدون الخدمة العسكرية في المناطق المحتلة، أولئك الشبان الذين يسكنون أور يهودا حيث عملية إحراق العمال العرب ... إن ذلك كله نتاج مدرستنا. نتاج البرامج التعليمية .. نتاج التربية الرسمية وغير الرسمية، ولكن للتربية الرسمية نصيب الأسد‍‍‍، ‍‍‍ إذ لم ترد كلمة واحدة في البرنامج التعليمي لليهود حول التطلع للسلام بين إسرائيل وجاراتها‍‍."

ويمكن الإشارة إلى بعض النماذج: ففي قصة "قيثارة داود" يصفهم الكاتب العبري فيقول: "إنهم قتلة، سفاحون، متمردون، حيوانات مفترسة، وتافهون ومحتقرون". (ويعنى العرب) كما وصف الكاتب "موشيه سميلانسكى" في كتابه "القرية العربية" فيقول: "أن امرأة أقسمت بالله أنها ولدت ستة أولاد دون أن يمس الماء جسدها .. وأنهم (أي العرب) يقولون: "إن الطفل إذا إتسخ يصح ويشتد" (التعليم في إسرائيل ديني أم علماني)

رابعا: التركيز على توقير العمل اليدوي وفنون الزراعة .. جاء ذلك مباشرة في قانون التربية والتعليم الإسرائيلي، كما وردت تلك المفاهيم في قصص الطفل. ففي قصة "حديقة بجوار البيت" الطفلة "ميرمام" تنظر إلى الطبيعة وتقول: "أنظر يا حاييم.. واحسرتاه على الأرض هنا، تعال نعمل حديقة ونزرع أي شيء" (هكذا يربى الأطفال أبناءهم-سناء عبداللطيف)

خامسا: غرس مفهوم القومية اليهودية، والشعب اليهودي الواحد .. تعد الدروس الدراسية حول الأحداث الدامية التي شاهدها الأجداد في "الشتات"، أساسية وبارزة، خصوصا تلك التي تصف معاناة اليهود مع المانيا النازية، حيث معسكرات التعذيب والمعتقلات .. مما ينمى روح التعاطف والانتماء للوطن.

وفى القصص الكثير من تلك الصور، ففي قصة "حرب ثمار الصنوبر" كتبت الكاتبة "نعما لافين": "لما أحس الأطفال بالخطر الذي تعرض له "زئيف الصغير"، حيث كاد ينكسر به جذع الشجرة، اجتمع الأطفال، ونزل القناصة من أعالي الأشجار وانضموا إلينا .. وقفنا جميعا حول الشجرة .. لم نعد مجموعتين .. لم تعد هناك روح الحرب التي تفرق بيننا .. إن القلق على سلامة "زئيف" وحد بيننا جميعا".

سادسا: تمجيد فكرة البطل الأسطورى اليهودي والاسرائيلى الذى يتسم بالقوة الخارقة .. "البطل" في الفكر الصهيوني هو البطل اليهودي القديم (في العهد القديم)، والبطل الحديث الذي أقام دولتهم على الأرض الفلسطينية. ففيه فكرة القدوة للصغار، وفكرة المثل الأعلى. يقول "بنيامين جلاى": "إن العهد القديم يحتوى على بطولات كثيرة تعلم شبابنا منها القدوات والمثل العليا". ويقول أيضا: "أن "المكابيين" قد بعثوا روح العسكرية في اليهود وحولوه من شعب مستسلم إلى شعب مقاتل بطل".

وقد يثار السؤال، بعد ما تم عرضه سلفا: هل نجح الأديب الصهيوني والكاتب للأدب ولمقررات الدراسية في تحقيق أهدافه؟ حول تأثير الأدب العنصري على موقف الولد اليهودي من العرب .. كانت الدراسة البحثية لـ"أدير كوهين" بين طلاب الصفوف الرابعة والخامسة والسادسة في مدارس حيفا. أرفق الباحث نتائج الإستطلاع بمقدمة كتاب له حول "إنعكاس شخصية العربي في أدب الأطفال العبري" (نشر في عام 1985، ترجمة "أنطوان شلحت" (نظرا لأهمية نتائج البحث، ننقله دون حذف أوتلخيص) "www.moqawama.tv"

شارك في الاستطلاع (520) طالبًا حيفاويًا من الصفوف المذكورة طلب إليهم أن يكتبوا حول خمسة مواضيع، وهي:

أولاً: ما هي التداعيات التي يثيرها سماع كلمة: عربي؟! 

ثانيًا: كتابة قصة أو وصف قصير أو موضوع إنشاء حول لقاء مع عربي. 

ثالثًا: تلخيص كتاب قرءوه وينطوي على وصف للعربي، وشرح مؤثراته عليهم. 

رابعًا: محاولة شرح أسباب النزاع مع العرب.

خامسًا: المجاهرة بآرائهم فيما إذا كان إحراز السلام ممكنًا، وفيما إذا كان ممكنًا قيام حياة صداقة وتعاون مع العرب.

كانت نتائج الإستطلاع ما يلي:

1. مستوى الخوف من العربي عال بشكل مذهل، ففي أكثر من 75 بالمائة من الإجابات ترافقت شخصية العربي مع "خاطف الأولاد" و"القاتل" و"المخرب" و"المجرم" وأشباه ذلك.

2. تجريد شخصية العربي تجريدًا سلبيًا (قولبتها)، وهو تجريد مكرّس في أدب الأطفال العبري، طاغ على الأسئلة الخمسة التي طلب إلى الطلاب الإجابة عليها. ففي حوالي 80 بالمائة من الإجابات تأطرت تشابيه العربي في العبارات التالية: "يعيش في الصحراء" و"صانع الخبز" و"يلبس الكوفية" و"راعي بقرة" و"ذو سحنة مخيفة" و"في وجهه ندبة" و"قذر ونتن" و"تنبعث منه رائحة كريهة" وغيرها.

3. الجهل التام، بين أوساط الطلاب اليهود، لشكل العربي وهيئته وهندامه وتاريخه وعاداته. فبعض الطلاب قال أن العرب "أصحاب شعر أخضر" وأن "العرب لهم ذيول"!

4. تسعون بالمائة من الطلاب يتنكرون لحق العرب في البلاد ويؤمنون بأنه ينبغي قتلهم أو شنقهم أو ترحيلهم.

5. قلائل من الطلاب حاولوا شرح أسباب النزاع مع العرب بقدر من التفصيل، فيما اكتفى الباقون بجمل مقتضبة ومن سياق التاريخ مثل: "أنهم (إي العرب) ينوون قتلنا .. وتشريدنا من البلاد .. واحتلال مدننا. وقذفنا إلى البحر"!!

6. غالبية الطلاب الذين يرغبون بالسلام يرون أن "السلام" ينبغي أن يعني تسليم العرب بالسيادة الإسرائيلية على "أرض إسرائيل الكاملة"، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة!

بَيد أن هذه النتائج هي النصف الأول، يبقى النصف الآخر، الذي لا يقل أهمية، وهو ما ورد في إجابات الطلاب على أسئلة الاستطلاع. ولتقديم أمثلة منها:

-ردًا على السؤال الأول (التداعيات التي يثيرها مجرد الاستماع إلى كلمة عربي) ردّ (ر.ش) بقوله: "مجرم، وسخ، نتن، راعي بقر، مختطف، لصّ، غريب، فلاّح، عامل بناء".

وكتب (ي.ع): إن "سحنته غريبة، عصبي المزاج وحادّ، ذو شعر أخضر، شرير، مخبول"

وكتب ثالث، رفض توقيع اسمه: إنه "عدو، خنزير، لصّ، مخبول، جلده غامق". وكتب رابع، رفض هو الآخر توقيع اسمه: "يجب أن نقتل العرب .. وان نجلسهم على كرسي كهربائي. وان نعلقهم على أعواد المشانق. وان نطردهم من البلاد- أنا كهانا".

-وإجابة على السؤال الثاني (كتابة قصة أو وصف أو موضوع إنشاء عن لقاء مع عربي)،

كتب أحد الطلاب ما يلي: "صعدت إلى الباص .. جلست. صعد إليه عربي. وجلس بمحاذاتي. فكرت فورًا انه يجدر بي أن انتقل إلى مقعد آخر. انتقلت. وانتقل العربي إلى المقعد ذاته، وفكرت انه يخطط ضدي شيئًا ما. همّ العربي بالنزول، لكن السائق منعه وقام باستدعاء البوليس، الذي ساقه إلى السجن".

وكتب الطالب (ي.ع): "عندما سافرت إلى القدس جلس بمحاذاتي صبي عربي كان ينتعل حذاءً ممزقًا ويرتدي ملابس رثة. كان لونه اسود وتنبعث منه رائحة كريهة. فقمت من جواره لأنني لا أريد أن أجلس بمحاذاته".

وكتب (ج.ل.): "سافرت في الباص، وفجأة جلس بمحاذاتي صبي عربي .. هممت أن أقوم، فقال انه سيمسني بسوء. رأيت أن بحوزته سكينًا حادًا. فجأة وقفت على قدميّ. فأخرج الصبي العربي السكين وحاول أن يقتلني. أسقطته أرضًا وأخذت السكين. فجأة لمحت شيئًا مشبوهًا. فنقلت الأمر إلى سائق الباص، الذي اتصل فورًا بالبوليس، وجاء البوليس فطلبت منه أن يحقق مع الصبي العربي. وفي التحقيق كشف العربي عن مكان سكناه. وقام البوليس بسجنه وأفراد عائلته لمدة عشر سنوات ثم أخلى سبيلهم".

-توقف الباحث عند أدب الأطفال العبري وتأثيره على القراء (وهو موضوع السؤال الثالث في الاستطلاع) يخلص إلى القول انه ضمن حصيلة كتب الأطفال المعروضة في السوق حتى تاريخ إجراء الاستطلاع والتي يقبل عليها "القراء الصغار" لا تزال غالبية هذه الكتب تشوّه شخصية العربي وتنمي بين أوساط قرائها مشاعر الكراهية للعرب والاستخفاف بقوتهم وبمقدرتهم العقلية. ويرد الباحث ذلك إلى واقع انه في الخمسينات والستينات كان الاتجاه الطاغي، بشكل تام، على أدب الأطفال العبري هو اتجاه تشويه شخصية العربي. أما في السبعينات (وتحديدًا في أعقاب حرب أكتوبر 1973)، والثمانينات، فبتنا نجد بعض القصص النادرة التي تحاول أن تقدم بطلاً عربيًا يمكن أن تكون له ذاته الإنسانية، فاتحة الباب بذلك لتحول بسيط صوب التعامل مع شخصية العربي كإنسان وصاحب حق. ومن هذه الكتب النادرة أعمال دفوره عومر وبنيامين تموز ودوريت اورغاد وموشيه بن شاؤول. إلا أن هؤلاء الكتاب- يؤكد الباحث- حاولوا في قصصهم أن يتعاملوا مع العربي بضوء ايجابي في مواجهة نوع من حالة توبيخ الضمير (شعبهم يضطهد شعبًا آخر)، أو في سبيل دفع ضريبة كلامية والتظاهر بالليبرالية. ولهذا طغت على نتاجهم سمات الصنعة والافتعال. وبدا العربي في هذا النتاج شيئًا من أشياء الطبيعة يحبّه البعض كما يحبّ زهرة برية. ولم تحمل شخصيته خصائص الحركة الفردية المستقلة، بل ظل يتحرك في إطار الشخصية العربية المستحضرة لأغراض إسرائيلية محضة- أغراض انتقاد المجتمع الإسرائيلي. مقابل هذا الإتجاه (تعليق أنطون شلحت)

-أما بالنسبة للسؤال الرابع (أسباب النزاع مع العرب) فقد أبدى الطلاب اليهود جهلاً مطبقًا في الإجابات عليه. ويؤكد الباحث إن الجهل هو دفيئة جيدة لنمو الأفكار المتطرفة الجامحة.

-أخطر ما في هذه الأفكار المتطرفة الموقف من السلام (السؤال الخامس) في الاستطلاع. كتبت إحدى الطالبات:"حسب رأيي يستحيل أن نتوصل إلى سلام، لأن العرب يكرهون اليهود". والملفت للنظر، في هذا الصدد، أن عشرة بالمائة فقط من الطلاب قالوا أنهم يريدون السلام.

أما الرأي المناقض لذلك، فهو ما عبر عنه الطالب (ع.ك) الذي كتب يقول: "حسب رأيي يجب طرد العرب من البلاد، إذا استمروا في سفك دم اليهود لمجرد كونهم يهودًا. يجب طرد عائلة العربي ومن ثم طرد قريته برمتها. العرب هم بغالبيتهم كارهون لنا ولا نستطيع التوصل إلى سلام معهم لأنهم يعتقدون بأننا أخذنا أرضهم. أعتقد انه يجب نقلهم إلى أية دولة ممكنة، لأن لهم عدة دول عربية ولنا فقط دولة واحدة. وبسبب سفك الدماء في هذه البلاد يظهر أشخاص مثل كهانا ويطالبون، بحق، بطرد العرب من البلاد". وفي النهاية يقول الباحث أن الواقع الذي أظهره يحبطه ويبهظه. ويعلن كفره بمقدرة الأساليب التربوية المتبعة في المدارس اليهودية على أن تشكل "بديلاً إنسانيا" لهذا الأدب الفاسق!

خاتمة:

لما كانت العلاقة بين الأفراد والشعوب تتأثر سلبا أو إيجابا بما يتم تلقينه  للطفل، لذا يمثل هذا المبحث بؤرة ضوء كاشفة عن مستقبل العلاقة بين العبرانيين والعرب عموما والفلسطينيين خصوصا. فالتلقي عند الطفل يخضع لعوامل عديدة، ومؤثرات مختلفة، إلا أن "التعليم" ومن خلاله ومعه "التربية" ثم "الأدب" بأشكاله وأجناسه .. تعد من أهم المؤثرات الفاعلة في ذهنية ووجدان الطفل. فكان التوقف أمام التعليم والأدب للكشف عن علاقة الطفل الذي هو المستقبل في علاقته بالآخر .. وفى المبحث هذا: علاقة وتأثير التعليم والأدب في الطفل العبري، للكشف عن الآخر العربي فيه. إن الخطاب المباشر وغير المباشر للكتب الدراسية وكتب الأدب العبري، تتوجه إلى هدف مباشر، يندر الانفلات منه .. وهو ترسيخ المفاهيم العدائية للعربي في عقل الطفل العبري (هناك قلة أعلنت في بعض البحوث التربوية عن خطورة هذا التوجه المعادى للعرب في إسرائيل والعرب في البلاد المجاورة. إلا أنها أصوات يمكن تصنيفها إلى عدد من التوجهات .. منها من يعرض القضية من خلال الحياد العلمي، ومن يعرضها من باب "الخوف" على البنية النفسية للأجيال الجديدة العبرية، ومن يعرضها من باب الرصد والتوثيق .. وكلها تخضع لمبدأ ("أكره الحرب ولكن لا حيلة غيرها" أو "مبدأ الضرورة" وان كنت أرفضها!)

لقد أوجزت الكتب التعليمية والأدب العبري صورة كريهة للعربي، ورسخت لمزيد من المفاهيم الصهيونية العنصرية والشوفونية .. فالعربي (عندهم) كائن غامض غير مفهوم وغير واضح، حتى على مستوى الصفات الشخصية، الجسمانية والنفسية .. كما أنه يحمل كل الصفات السيئة غير الحضارية .. ولا أمل في الحياة معه أو التعامل لأنه خائن وغادر. ربما يجدر للباحث العربي أن يعيد أولوياته تجاه البحوث التربوية والتعليمية والأدبية على اتجاهين: أولا .. المزيد من البحث في كتب التعليم العبري في إسرائيل، وفى كل المراحل .. وفى كتب "الإبداع الأدبي" وربما كل الفنون، لقراءة رؤية الآخر العبري تجاه العربي أولا وبالعموم .. ثم تجاه الطفل العبري الذي هو مستقبل دولتهم التي تقع في بؤرة وقلب العالم العربي. ثانيا .. إعادة قراءة الكتب التعليمية والأدبية العربية (وخصوصا الموجهة إلى الطفل)، من أجل وضع الردود المناسبة وكشف الأكاذيب التاريخية وعرض الحقائق، للتسلح بالمعرفة والعلم والأدب الحقيقي والراقي الذي يحمى "الإنسان" ويرفع من شأنه ويحقق إنسانيته المؤمنة بالعدالة والحرية.

وقد تلاحظ أن المناهج التعليمية بكل ثوابتها وتوجهاتها، وكتب الأدب بكل ما تعكسه من مؤثرات واضحة وجلية تجاه "العربي" من عدائية. إلا أن الواقع المعاش يؤثر فيها، فبعد كل حرب من حروب إسرائيل مع العرب، تتم عمليات حذف وإضافة، زيادة جرعة في هذا الاتجاه أو نقصانه (سواء التي انتصروا فيها أو هزموا) .. وهو ما نرى معه ضرورة أن تلقى كتب التعليم والأدب الإهتمام. كما تلاحظ بعد رفع شعار "السلام" في التسعينيات من القرن الماضي، أصبح التوجه هو "إبراز دور اليهود في نمو وحضارة وثقافة الشعوب العربية، وخصوصا الشعوب المجاورة، مع بقاء وصف العرب بأنهم جبناء ومتخلفون ومحتلون!

 

Ab_negm2014@yahoo.com