صرخة الشاعر المغربي خليل الوافي ضدا على هذا الوضع القاتم الذي تعيشه الشعوب العربية، وهو ما يجعله الإنسان يعيش حالة اغتراب مضاعفة تدفعه الى الأفق المسدود، ومن خلال حوارية مستعارة يصيغ النص الشعري وجها آخر لهذا الوضع الملتبس الذي تزداد قتامته وسوداويته مع الوقت.

ألواح من زمن الآلهة

خليل الوافي

استهلال

نفضتُ الغبار

عن وجه الجدار.

ألواح من طين،

توحي عن وحي ..

عن حروف من نار.

رماد يكتنز جرح بوح

في أرخبيل زنجبار.

تحضرني ذكرى بلاد

لا أعرفها،

أجمع أبجديات فقري،

أدخل بابا

به  قاف وراء،

به   طاء و باء

وآخر الحرقة،

تاء .

أراك ملفوفة في سرة بيضاء،

أتحسس دهشة غريب

 أدمته حروف بكاء،

سال دمي على الألواح،

ما علمت  بأي أرض أقف،

ألملم صمت الكلمات .

ما قرأت

كان وهما

 ما سمعت

كان حلما .

 

- قال :

تراني أعصر آهات الوجع

على أطراف قرطبة،

أداوي جرح نخل

من غبار العاصفة .

لا أخفيك غيرتي

حين يغيب صوتي

عن شفتيك الجارفة .

وحدك،

يعتريك الملل

في طقس الكلام .

ما أشبهني بك

في غمرة الترحال،

أيتها الحسناء الفاتنة .

 

- قالت :

كيف الرجاء لحلم يأتي

متأبط شر أحفادي؟

كيف لي البقاء

تحت سقف سماء

لا أملك ريش طائر؟.

ولا أجنحة ملاك .

أنت الذي قطعت المشيمة،

قبل صرخة طفلي :

في اكتمال دورتي،

في دمي ..

تلاشت كل القبائل،

من بابل حتى قشتالة،

أعد أصابعي؛

كي أشير بها إلى قاتلي.

 

- قال :

كم قرأت فيك ظنوني،

وأنت في حلمي

ترفعين آذان صبحي.

رأيت الشمس تغرب

قرب نافذة بيتي :

حزينة،

تركتها

تمشي،

خجولة..

ما كان على الغروب أن يأتي،

لولا ليل يكبل ضوئي،

كلما اقتربت منك.

 

- قالت :

لم أكن فتوحاتك

التي انهزمت،

هجرت سريرك ألف عام..

كيف لك بنصحي؟!

جدران شرفتي

تآكلت من فرط دمعي،

ليلي،

يفتح كل مساء نعشي،

كلما أَهلّ فجر حيرتي.

انتظرت،

أشعلت..

فوانيس قلبي،

كويت..

قمصانك القديمة؛

لعل عطرها

يتسرب إلى أقاليم جرحي،

يشفي وجع الصراخ

المتكدس مثل الحطام

على ما تبقى مني.

ظلمة..

تسربلت في بهو دهشتي،

وأنا..

ألامس إطار صورتك الحزينة

على مرمى يدي.

بريئة نظرات عينيك،

جريئة ملامح وجهك البعيد.

حبات رمل

تحجب عني شمس الرؤية.

حلم..

شاخت ألوانه في النسيان .

 

- قال :

لم تكوني بطنا من بطون العرب،

ولا أسرع من نكاح أمّ خارجه؛

حين أنجبت أجيالا

في قلب العاصفه،

ولا "ماري تريزا"

ولم تكوني  (ضباعة)

حين أرخت شعرها

فأتت جيوش الروم

تجر خيباتها منكسره.

أنا (ربيعة الكناني)..

أنا حامية الظعائن..

تهابني الأرض و ما فيها،

قلت للطيم :

انطلق..

ندّك معاقل كسرى،

وندخل غزة فاتحينا؛

أبواب سماء

وأرض تبكينا.

 

- قالت :

لم تكن..

ابن بطوطة في بلاد التتار،

تجوب الأمصار .

لا نصيب لك اليوم في ولد،

يحمل اسمك بعد هذا الغياب،

شيبك علا؛

حين سقطت قرطبة

في وحل "العقاب"

ذات ليلة هوجاء

انهار الجدار،

-عصيبة على التذكر-

خائن يفتح طريقا شرقيا،

وآخر يلبي النداء .

حدائق الغناء في مراكش الحمراء،

كانت تبكي الدمع

 كخريف جلنار .

 

- قال :

أنا من "هابلة"،

لنا فصاحة وأكثر من قافلة .

لم تكوني أميرة

و لا شاعرة،

 لم تكوني (الولاّدة) 

حين جمعت القوم حولها،

كاد الشعر

أن يتحول إلى موسيقى دافئة.

عشقت ابن زيدون،

دون أن تراه العين،

سبقت ريحه الجالسة .

لهفة بنت المستكفي،

خضبت طريق أندلس،

وأوقعت فخاخا للتائهين .

ما قالت القصيدة

إلا كذبا.

قلب يميل كل الميل،

ويستقيم على قول سلطانة،

أقفلت أبوابها

في وجه الريح الطائشة.

أدرك أن الأمر لا يعنيك،

صبابة نجوى،

سالت قصائدا

ودمعة سقطت

من هول عين خائنة.

 

قالت:

ما كان بي

إلا أن أختار في الهوى

من تهواه الأذن قبل العين

سمعت فيك عفة شموخ وكبرياء

ونظما رقيقا،

يفتح شهية الساهرين ،

ويشفي العليل من هوى اللطائف .

ما قول الشعر سفاهة،

ولا زندقة المبعدين .

ماء،

يتسلل بين الشقوق

لكي يزهر الاقحوان

في غابة الغائبين.

الآن،

تكتمل دورتي.

الآن،

يحين موسم قطافي.

الآن،

أكتب أول قصائدي .

 

- قال :

 حُسنا

ما أتى به الزمان ،

أخبرتني عنه دهشة عينيك .

كلماتي

التي تبللت برموشك،

سبقت مجرى عطشي .

إشارات،

توقظ وجع أمتي،

ونساء الحي،

يقارعن خيانة قميص،

صُكَّت أبوابه

في وجه غدي.

 

قالت:

لا أملك إلا نفسي،

اليوم جنون الهجر،

وأنا ابنة الخلفاء .

أدري ما يصيب الطريدة

بعد الجرح.

اسأل عني خزاعة

وقبائل نجد.

لغتي فصاحة الأولين،

وقولي حكاية الغابرين.

لست وحدك في جزيرة

نطقت ضادها،

قبل أن تنطق ألسنة الوافدين.

من سأل التفاحة

عن شجرة الهبوط .

ضاجة..

تأتي الخيول،

ينبت الصهيل في السراب،

تكبر الصحراء في عيون الرمل،

يزهر النخيل واحة جدي .

خذ بيدي

قطعان الحيرة،

تائهة في صمت المراعي،

واكتب للماء رسائلي

التي اختفت على مرأى شمسي .

اترك بوحي،

يشفي غليله .

عجل بقتلي،

كي أراك ثانية،

تحمل شموع فرحتي

إلى بلاد لم تكن بلادي .

 

شاعر من المغرب