بمناسبة رحيل صادق جلال العظم مؤخرا تعيد (الكلمة) نشر هذه الرسائل التي كتبها له إدوار سعيد بمناسبة تناوله لكتابه المهم (الاستشراق)، للكشف عن نوعية الجدل الذي ينطوي عليه تناول كل منهما لقضية الخلاف الفكري والنظري بينهما. خاصة تلك القضايا السياسية العامة التي يسعى سعيد إلى طرحها من خلال تناوله لما كتبه العظم.

رسائل إدوارد سعيد إلى صادق جلال العظم

محمد الدخاخني

كتب صادق جلال العظم (1934-2016) مراجعةً لكتاب " (الاستشراق) لإدوارد سعيد (1935-2003)، بعنوان «الاستشراق والاستشراق معكوسا» وأرسلها إلى مجلة "الدراسات العربية" الفصلية، التي كان يقوم على تحريرها في ذلك الوقت سعيد وفؤاد المغربي. وعلى إثرها كانت هذه المراسلات:


10 تشرين الثاني/نوفمبر 1980

عزيزي صادق،
جزيل الشكر على إرسال تحليلك المطوَّل "للاستشراق": إنه، كما أعتقد، مشغول بعناية فائقة، ويقدِّم -من خلال مصطلحاتك الخاصَّة- وثيقةً مقنعةً ومثيرةً للإعجاب حقًا. غير أن فؤاد [المغربي]، وأنا، نعتقدُ أنه طويل جدًا بحيث يصعب نشره كما هو. بالتالي، هناك خياران: الأول، أن تقوم باختصاره نحو 15 صفحة (يمكن استبعاد الكثير منها بسبب التكرار والحشو اللفظي)؛ الثاني، أن نختصره نحن، أو بالأحرى، يختصره المحرر ونرسله إليك للموافقة عليه. دعنا نعرف ردَّك في أقرب وقت ممكن، حتى نتمكن من المضي قدمًا في عملية نشره. وعلى أي حال، ريثما يتسنى لك الرد سنقترح عليك الاختصارات المطلوبة، بحيث، إذا اخترت ثاني الخيارين (المذكورين أعلاه)، يكون لدينا نص مهيأ للنظر من جانبك دون تأخير.

لقد تلقيتُ العديد من المراجعات بخصوص "الاستشراق"، كما تعلم، وقررتُ عدم الرد على غالبيتها العظمى. وفيما يتعلق بمقالتك، سأقدِم على فعل غير مسبوق بالنسبة إلي: سأقوم بالرد عليك. دعني أكن أمينًا معك كصديق معجب بك ومحب لك. في كتاباتك الأخيرة، اكتشفتُ ضيق أفق ودوغمائية مؤسفين أضعفا عمل: وتلك هي الحال مع القراءة التي قدَّمتها لكتابي. أجدُ بعض نقاطك مصقولةً ومقدمةً بشكل جيد. بيد أن دفاعك عن ماركس والنقاط المتعلقة بـ "نُصحي" للمستثمرين الأمريكيين، في اعتقادي، غير ناضجة وسطحية، وسأقوم في ردّي بالبرهنة على شيء من خواء بلاغتك. لا أعتقدُ أنك، في أي وقت سابق، قد اشتبكت مع مُجادل من نوعيتي: إن هجماتك ضد أناسٍ هزيلي الحجة، تُمسك بهم من خلال تعبيراتك المملة، قد ذهبت إلى غير رجعة. من هنا، أعتزمُ أن ألقنك درسًا في كيفية الجدال وبلورة النقاط، ليس لشيء غير الرغبة في حس تعليمي. لعل أسوأ ما في كتابتك هو المدى الذي عليه سوء قراءتك: في الأخير، كما ترى، حين نقرأ ونكتب، نتعاطى مع كلمات، وطريقة تعاطيك مع الكلمات حَرفية جدًا وغير حَرفية كفاية، في الوقت نفسه، وليس بإمكانك أن تمضي في كلا الاتجاهين. حين تقتبس تسيء الاقتباس وحين تُفسِّر تسيء التفسير، وكلا النشاطين بـ«دقة» و"صحة" حجتهما. كمثال على ذلك، خُذ زعمك أن مفهومي حول الاستشراق أحادي الخط (unilinear) ببساطة، أنت لا تقرأ ما أقوله في كل موضع، أن الاستشراق كلمة متعددة المعاني، وعلى المرء أن يكون حساسًا تجاه تلك المعاني. وإذا كان هنالك أي شيء يمكن اعتباره أحادي الخط، فهو [أي الاستشراق] كذلك ليس كمفهوم (ما عدا عند القارئ الكسول وقليل الإحساس(، لكني سأشرح لك هذا أيضًا.

أعتقد أن الفرق الحقيقي بيني وبينك أنك دوغمائي وحَرفي لم يمضِ أبعد من ماركسية الأممية الثانية؛ وإنني شكوكي، في كثير من الأحيان، وأناركي لا يؤمن على طريقتك، بالقوانين، أو الأنظمة، أو أيًا كان ذلك الهراء الذي يثبط فكرك ويحد من أفق كتابتك. وماركس بالنسبة إليك يُشبه الخميني بالنسبة إلى أتباعه: في واقع الحال، إنك خمينيّ يسار لم ينتمِ أبدًا أبطالي، غرامشي ولوكاش، إليه.

لا بُدَّ لي أن أقول، أخيرًا، إنني وجدتُ تلميحاتك حول علاقاتي الوهمية بالإمبريالية الأمريكية دون مستواك، وغير جديرة بك. ويمكنني فقط أن أرجعها إلى مجاري الصحافة اللبنانية، التي أمضيت فيها الكثير من وقتك. بالنسبة إلى باحث ومفكر مثلك، أن تُلمح إلى أشياء من هذا القبيل يعني أن تترك نفسك مفتوحةً على تُهم أسوأ، على سبيل المثال، كونك )حرفيًا) خادم طوعي وصامت للنظام السوري، الذي يوظِّفك حاليًا ويطلب صمتك، ثمنا - كما قلتُ لك سابقًا - أنت قبلت بدفعه للأسف. لكني لا يمكن أن أصرّح بذلك علانيةً؛ وهذا هو الفرق بيننا. سأقولها لك سرًا كما أفعل الآن، ليس أكثر. ولعل الأمر برمته جزء من متلازمة إخصاء الذات التي أجدها في عملك؛ متلازمة مَن لديه الكثير ليقوله ويُسهم به، لكن يقوِّض ويدمر نفسه في كتاباته. هذا ما أعتقدُ أنك قد أقدمت عليه؛ لقد ضحيتَ بتأثيرك المحتمل لصالح ضجة وتشهير، لن يجعلانك، في النهاية، إلا أقل تأثيرًا بكثير مما كان متوقعًا منك. أيضًا، السؤال الذي سيكون علي أن أحاول الجواب عليه هو: لماذا يؤذي صادق نفسه وقضيته طواعيةً، ولماذا يشل مقدرته في ذات النَفَس الذي يعبِّر فيه عنها؟ هذا سؤال ثقافي من المفيد جدًا طرحه.

آمل أن تأخذ نقاطي بالروح التي قصدتُ منها. لكن سيكون من الجيد للمجلة أن نناقش بعضنا البعض بتأدُّبٍ على صفحاتها: لهذا، فكِّر في المواضع التي ستختصرها. على أي حال، لن يكون لدي وقت للرد عليك حتى الأول من كانون الثاني/ يناير. فأنا، حاليًا، غارقٌ في العديد من الواجبات والأوراق: ومع ذلك، أتطلع بشغفٍ إلى الرد عليك تفصيلًا.

مريم تُرسل مودتها لفوز ولك - وأنا أيضًا.
احترامي،
إدوارد

 

2 كانون الأول/ديسمبر 1980

عزيزي إدوارد،
شكرًا جزيلًا لك على الخطاب الذي أرسلته في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 1980. عرفتُ أن مقالتي ستكون مزعجةً، لكنني لم أتوقَّع مثل هذا الانفجار العنيف من جانبك، خاصةً الهجوم على شخصي. وحقيقةً، أعتقدُ أن حدة ردة فعلك لا تتناسب و"الجرائم" التي يبدو أنني اقترفتها في انتقاد بعض جوانب كتابك.

لقد خضتُ، كما تعلم، نقاشات ومناظرات أشد مرارةً من قبل ونجحتُ في الاعتصام بموقف مستقل إلى حد معقول. ومن ثمَّ، أتجنَّبُ اتهاماتك التعسفية، وأتغاضى عن المقارنة التي عقدتها بين الصفات والفضائل المتعلقة بك وتلك الخاصَّة بشخصي المتواضع، والتي تقود كلها، كما هو متوقَّع بما فيه الكفاية، إلى نتيجة محتَّمة تتمثَّل في تفوقك. أعتقدُ أن أمورًا كهذه ينبغي أن تترك للآخرين كي يتحدثوا ويتناقشوا بشأنها (لو كان ينبغي)، لأننا لا نُقدِّم الكثير لأنفسنا حين ننغمس في مثل هذه المقارنات والتقييمات الأنانية. كما أحبُ أن أنوِّه إلى أن "هزيلي الحجة" الذين اشتبكتُ معهم لم يكونوا أساتذةً متعكري المزاج أو مثقفين هادئين، وإنما أشخاص، ومؤسسات، وحكومات مدججة بالسلاح وخطيرة بشكل لا يقبل الجدال. وغارقين في تقاليد "الاستبداد الشرقي"، يُعرف عنهم الميل إلى تسوية الاختلافات في الرأي مع النُقَّاد والمجادلين عبر اللجوء إلى الرصاص والمتفجرات والحرق والقمع والاغتيال.

يؤسفني إصرارك على إساءة فهم الصفحات القليلة الأخيرة من الجزء الأول من مقالتي. فكما يبدو لي، ثمة اختلافٌ واضح بين القول إن "س" لديه علاقات (من نوع أو آخر) مع الإمبريالية الأمريكية، والقول إن "س" يحمل آراءً ويُعبِّر عن وجهات نظرٍ تلعب دورًا (أو قد تلعب دورًا) أو تقدِّم منفعةً للإمبريالية الأمريكية، ينبغي تنبيهه بخصوصها والنقاش صراحةً بشأنها. وتكون هذه المهمَّة أكثر أهميةً وإلحاحًا إذا كان "س" مشهورًا بموقفه المناهض للإمبريالية.

إن الصفحات المعنيَّة توضح لك أن الإمبريالية الأمريكية يسرّها: (أ) حكمك أن علاقة التبعية العربية-الأمريكية غير مأساوية؛ (ب) إصرارك أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تسير على ما هي عليه لأن المخيال الاستشراقي ما زال يسيطر على عقول واضعي السياسات وغيرهم من الخبراء الذين يوجِّهون هذه السياسة. يبدو لي، بشكل وجيه، أن هذه المواقف لا يمكن أن تنسجم مع موقف حقيقي مناهض للإمبريالية. وددتُ لو أراك تُجادل عكس ذلك بدلًا من أن تكون غاضبًا جدًا معي. وبشكل مماثل، إذا كنت ترغبُ في الدفاع عن الشرق ضد الاستشراق الغربي والإمبريالية فإنه ينبغي أن تتوقف عن الالتزام بالنقطتين (أ) و(ب)، أو عليك أن تخبر الزعماء الأمريكيين أن عليهم تطهير رؤوسهم الإمبريالية من التوهمات والتجريدات الاستشراقية. وعندي أن هؤلاء الزعماء وخبراءهم هم أناس عديمي المشاعر يمتلكون في العموم عددًا قليلًا من الأوهام ويعرفون بالضبط ماذا يفعلون وفي سبيل أية أهداف. ربما أكون مخطئًا. لكني أرغبُ في رؤيتك تجادل أن الموقف المعارض يمكن الاستمرار في الدفاع عنه بجانب التزامٍ حقيقيٍ بمناهضة الإمبريالية، بدلًا من نعتي بأوصافٍ لا تليق.

أعتقدُ أننا ننتمي إلى هذا النوع من الناس الذي يمتلك وجهات نظر قوية حول مسائل الحياة المهمَّة وقضاياها المشتعلة، وأننا ندافع عن قناعاتنا بقوة وننتقد الآخرين بحماسة، لكن هذا لا يقدِّم حجةً لأي منا أن يُظهر توفقه الأخلاقي، ويحمِّل المواقف أقدس مما ينبغي، ويزعم قدرات متفوقة في إعطاء الآخرين دروسًا نموذجية. وسواء كانت وجهات نظر ماركس بشأن الهند ناتجة عن استلاب أفكاره من قِبل رطانة المستشرقين وتعريفاتهم القاموسية، أو ناتجة عن نظرته العامَّة بشأن التغير التاريخي؛ وسواء كان هناك تصور أحادي الخط للاستشراق في كتابك أم لا، كلها تساؤلات قيمة يمكن نقاشها وتوضيحها بعقلانية دونما التلمظ بمتلازمات ونظريات الإخصاء، أو اللجوء إلى أشكال أخرى من الاغتيال الشخصي.

فيما يتعلق بنشر مقالتي في مجلة "الدراسات العربية"، لدي نقطتان: (أ) بالنظر إلى أن مقالتي تتعاطى مباشرةً مع كتابك وبالنظر إلى أن ردة فعلك قد جاءت حادة على محتوياتها (إلى حد كسر تعهداتك بعدم الرد على المنتقدين)، ظننت أنك ستمتنع تمامًا عن أخذ أي نوع من القرارات أو الاقتراحات التحريرية وما إلى ذلك، بخصوص هذا النص. (ب) أصرُّ على نشر مقالتي دون حذف كلمة واحدة وكما هي، مهما كانت مشاكلها. وهذا أمر نهائي وغير قابل لمزيد من النقاش. وفي حال وجدت المجلة طلبي غير معقول (أو من المستحيل تلبيته لسبب أو لآخر)، سأقدِّر إعادة نسختي على عنواني في بيروت في أسرع وقت ممكن.

نتمنى لكم جميعًا عيد ميلاد سعيد وسنةً جديدةً سعيدة.
خالص الاحترام،
صادق

 

10 كانون الأول/ديسمبر 1980

عزيزي صادق،
مَن يُبالغ الآن في ردة فعله؟ لم أذكر في خطابي أي شيء يمس شخصك غير خنوعك للنظام، وسرعان ما تخطيتُ الأمر. أما أن خطابي يشير أو يتضمن ادعاء تفوقي عليك، فهذا محض هراء. لستُ أنا من يستخدم هذه الأساليب، ولكن ما قلتُه -وهذه مرة أخرى تسيء فيها القراءة- إنني متفوق كمجادلٍ أو مشتبكٍ مع هجماتك، في الجدالات على الأقل، مقارنةً بخصومك المعتادين. وها أنت تؤكد ذلك عبر قولك إن خصومك عمومًا كانوا مستبدين شرقيين يُعملون السيف. تلك بالضبط هي وجهة نظري، التي لا شك أنها فاتتك.

بالنسبة إلى نقطتك الأخرى، حول النُصح أو تقديم المنفعة للإمبريالية. إذا قرأت المقطعين المعنيين، ستعرف 1) ما أقوله حول أن سياسة الولايات المتحدة يجري بناؤها على المخيال الاستشراقي ليس أكثر من إعراب عن حقيقة، لا تتضمن توجيهي النُصح بشأن ما هو الشرق، ولا أني أود أن أكون معاونًا في تغيير تلك السياسات. بل على العكس تمامًا، أقول ما يجب أن يُقال كوصف لما يحصل، و -إذا كنت تكمِل القراءة- أقول أيضًا إنه ما من سياسة مختلفة ممكنة نظرًا لطبيعة المؤسسات والنظام وما إلى ذلك. 2) أما الفقرة الثانية، عن العلاقة التبعية -ما قلتُه أن العلاقات التبعية بحد ذاتها لاحظ أني استثنيت العلاقات الاقتصادية (حيث إن كل منظري الإمبريالية الذين ذكرتهم، فرانك وجاليه وأمين إلخ، يتكلمون عن علاقات التبعية الاقتصادية)- ليست سيئة تعريفيًا. ما أعنيه هو أنه من المستحيل أن تكون كل الثقافات متساوية في عالم ثقافي معقد، وأن كل هذه الثقافات مستقلة ومبدعة ولا تستنسخ غيرها: هل يمكننا القول إن علاقة التبعية بين روما واليونان كانت سيئة نتيجة أنها كانت علاقة تبعية من الناحية الثقافية، كما كان الحال في العلاقة التبعية بين ألمانيا وإمبراطورية النمسا؟ لا. فبعض العلاقات من هذه النوعية قائمة نتيجة شكل العلاقة - ومثالًا على ذلك علاقة العالم العربي مع الغرب، حيث إن العلاقة أحادية الاتجاه، وبالتالي هي علاقة استنساخ، ومن ثم غير متكافئة. هذه هي النقطة التي أردتُ أن أثيرها. أما حجتك حول ماركس فلن أكلف نفسي عناء التعاطي معها هنا، لأنها تنطوي على أشياء أكثر تعقيدًا، كما أنها مثيرة للاهتمام لأسباب أخرى.

على أي حال، افترضتُ أن رسالتي ستثير الغضب بعض الشيء، وأنا آسف لذلك. وشكرًا لأنك دعوتي بالأستاذ متعكر المزاج: لكن كيف أدعوك، الناقد الهادئ والأولمبي لأخطاء الآخرين؟ وهو كذلك - أنت ناقد هادئ وأولمبي لأخطاء الآخرين.

من العار أن تشير إلى أنه، بسبب انخراطي شخصيًا في المسألة، لا ينبغي عليّ اقتراح تغييرات وتعديلات على نصّك. الحقيقة أنني أكثر نزاهةً وعدلًا من ذلك: أتمنى أن ترى ذلك ولو لمرةٍ واحدة. قبل أن أكتب إليك، راجعتُ الأمر مع المحررين المشاركين، فؤاد وإبراهيم أبو لغد: في واقع الأمر، عندما وصل نصك إلى يدي فؤاد، أخبرني، قبل أن أفعل، أنه طويل جدًا. وقد رفضتُ قراءته حتى قدّم لي هو وإبراهيم انتقاداتهم. ويعتقدُ الأخير أن نصك ينبغي أن يُختصر إلى خمس، نعم خمس، صفحات. بالتالي، ما كنت أقوله لا يعبِّر عن تعليق شخصي، ولكن عن عمل تحرير جماعي. وردّك، برأيي، جاء غبيًا جدًا وطنانًا، لأن الاختصارات من الأمور المعتادة حتى في أفضل المجلات، أيضًا لماذا تعتقد، بطريقة أو بأخرى، أن كل كلمة لك مقدسة وفوق النقد؟ من المضحك أن يتخذ المرء مواقف كتلك التي تتخذها. على كل حال، سنعقدُ اجتماعًا في نهاية هذا الأسبوع. وسيكون موقفي مع نشر نصك بالكامل، حتى آخر كلمة، وكما هو. وإذا رفض المحررون موقفي سيعود إليك نصك. وإذا لم يرفضوا، سأنشر حقي في الرد إلى جانبك. هل يعجبك هذا؟

أظن أن الضغينة التي بيننا سيبددها الوقت. وما زلتُ أعتقد أنك لم تكتب هذا النص بنية صافية (نية فكرية صافية)، ولم تقرأ كتابي بالعناية والذكاء المعهودين منك. كما أعربُ عن ندمي على أي شيء قلته وبدا انفعاليًا (لكن هذا لا يشمل الكلام الدقيق الذي قلته لك، حيث إن أغلب ما قلته لك كان دقيقًا) ومسيئًا، لكني لستُ نادمًا على إخبارك شعوري تجاه النقودات التي تكتبها الآن، وتسلطها، بشكل أو آخر، على من يلوح في أفقك. لعله من النافع الإشارة إلى أنني عندما أكتب كتابًا من هذا النوع أكون في حالة معينة وأكتبه لجمهور عمومي وليس لشخص واحد، وما إليه، لكن ذلك لم يؤخذ بعين الاعتبار كفاية في مقالتك.

أنا على استعداد لقول إن الاستشراق ليس كتابًا جيدًا جدًا، ولكني أصر على أنه يحتوي، مع استثناءات قليلة، على قراءات وتفسيرات ممتازة. شكواي الرئيسة منك أنك لا تقرأ جيدًا، أو أنك تكتب أفضل مما تقرأ. وآمل أن تفهم ما أعنيه. ما من جراح بالغة، على الرغم من وجود بعض الكدمات. وعمومًا، قد لا يكون الوضع بالغ السوء. سأكون في بيروت إجازة الأسبوع الموافقة 9-11 كانون الثاني/يناير عند أمي. هل يمكننا أن نلتقي، إذا كان في وقتك متسع؟

كل التحية لأربعتكم-
احترامي،
إدوارد