يتحول نص الكاتب العراقي إلى صرخة جارحة ضد الحرب مهما تكن دوافعها في واقع عراقي أدمته الحروب المستمرة منذ نصف قرن، فالأم التي جُنت لفقدانها ولدها في حرب طائفية جديدة دوافعها الظاهرة دينية تشتم في ذروة القصة الكون لاعنا الأديان وكافرة بالخالق وهي تريد استعادة ولدها.

أعيدوا لي ولدي

خالد الشاطي

أخرجُ للشارع عارية.. كفَّ زوجي عن منعي وصار مَن في الشارع لا يهتم أو يغض بصره.
لقد سَقطتْ قذيفة هاون على الخيمة التي كان فيها ولدي. أقضي وقتي في فراشه متلفعة ببطانيته أو أخرج حين أشعر بالحر عارية إلى الشارع. لا يزال فراشه وبطانيته ووسادته محتفظة برائحته أو هذا ما يُخيل إلي.
ربما لم أذرف ما يكفي من الدموع، لم أتوسل له أكثر مما يجب. أبوه حاول أيضاً لكنه لم يجبره. ذهبتُ إلى الأولاد : أبناء أعمامه وأصدقائه :
- يا شباب، لماذا تصحبون ابني معكم؟.
قلتُ لهم أيضاً إن الحرب ليست نزهة ؛ إن أكبركم لم يبلغ الثامنة عشرة ؛ إنكم على الأقل لا تعرفون إطلاق النار ولا تفهمون طبيعة هذا الصراع.
يقولون ويقول ولدي والأب أيضاً إنّ لا خطر عليهم، إنهم في مكان آمن بعيد عن المواجهات، وإنهم يؤدون مهاماً غير قتالية. ويضيف الأب:
- هذه تجربة ستنفعه، ستصنع منه رجلاً، ثم أن أولاد عمه وأصدقاءه معه.
عندما يكون في البيت تكون الأشياء كلها في مكانها الطبيعي، لكن دقات قلبي تظل غير مستقرة. أظل خائفة من أنني حين أذهب لإيقاظه في الصباح سأصدمُ بالخدعة السينمائية التي يلجأ إليها عادةً : وسائد تحت البطانية. وسأظل أنتظر ساعاتٍ اتصاله الذي يخبرنا فيه إنه في تكريت أو الرمادي أو الموصل، وأن فلاناً وفلاناً من أولاد عمه وأصدقاءه معه. ولكي أتوقف عن البكاء يظل يؤكد ويقسم أنهم في مكان آمن بعيد.....الخ ويكتفي الأب بالقول :
- حسناً.. كن على حذر يا رجل.
قد يؤسر وهو في طريقه. مثل هذه الأمور تحصل. إنهم في كل مكان وسيقطعون رأسه أو يحرقونه أو يغرقونه. هل شاهدتم فيديوهات القتل ؟ أنا شاهدتها. هل سمعتم حشرجات وصرخات المقتولين ؟ إنها لا تغادرني حتى يعود ؟...
لا أخفيكم ؛ لسبب ما شعرت بالفرح. حين اشترى من السوق بدلة عسكرية وبسطالاً، أو حين علمتُ أنه يقضي فترة ما بعد الظهر لا في لعب الكرة بل في التدريب في مركز للمتطوعين خارج المدينة. انتابني الفرح أكثر حين قال إنه لا يفكر بأبعد من التدريب. حسناً، في هذا البلد يمكن أن نتفهم أن يكون التدريب على القتال هواية مثل القراءة أو الرسم. 
جعلني أقسم أن لا أُخفي حاجياته العسكرية. وذات يوم تلقينا اتصاله الأول. بهتنا جميعا. عاد بعد أيام وشيء ما فيه مختلف. بدا أكثر حيوية ومرحاً وتغيرت لهجته. أظن أنهم يكذبون ؛ ابني وأبناء أعمامه وأصدقائه والأب، كلهم يكذبون، إنهم يشتركون في القتال. ذعري من أن يُقتل ابني أضيف له ذعر آخر : أن يكون صغيري قد قَتل.. رجلاً. تسلّلاته الأخرى جعلت الأمر في نظري أشبه بهروب الأولاد من المدرسة للقيام بمغامرة. وكلما يعود أقول له إنني غير راضية عنه، وإن رضى الله من رضى الوالدين. وعندما يتصل يلحّ في أن أقول له إنني راضية عنه، فأقولها لأن ذلك يريحه. 
يقولون إن القذيفة التي سقطت على الخيمة قتلت أحد أصدقائه أيضاً. 
عندما خرجتُ للشارع عارية أول مرة وأخذتُ أصرخ ؛ ظنّ الناس أنني جننت. رأيتُ هذا في عيونهم فعرفتُ أنني لم أجن.
أعيدوا لي ولدي... كنتُ أصرخ.... أعيدوا لي صغيري.. وأسبُّ الناس كلهم والأديان والسنة والشيعة والله والحرب والرجال والعالم.. أعيدوا لي ولدي...