يبحث الشاعر التونسي، غازي لغماري، عن أناه المفتقدة بين ثنايا تفاصيل الزمن والجسد والمرأة، بين هذه التفاصيل المنفلتة يتلمس الشاعر جزء من بقاياه لعله يقبض على "الحقيقة" والتي تنأى بعيدا، وفي بحثه يكشف عما يمور داخله من هواجس القصيدة وذاته المتربصة بالخواء والغياب حين تفقد تلك التفاصيل الحميمة في الداخل أي معنى.

اختفاؤك قبلة في فم الكون

غـازي لغـماري

 

1

كأنني لست أنا.

كأنني لحاف يتغطّى بي،

أو شجرة تختبئ خلفي،

أو غرفة بلا نوافذ.

أأنا عتمة حلّت بي وغطّتني،

ليلة ثانية لن تأتي،

عين بلا بؤبؤ؟

كأنني سأعود يومًا، لألتقي الشّبح

المتخفّي بي،

ونشرب معًا سائلاً

كأنه أنا.

 

2

كنتُ بين النهاية والمنتصف

منحلاً متلاشيًا متبخّرًا

متّصلاً باسمي المنفصل عنّي

مُتراصًا فيّ متهاويًا بعيدًا عنّي

دائرًا كعقرب في مفترق طرقي

طائرًا بين شعاعي وإشاعتي.

ما قدّمته شخير

ما عرفته شخير

ما غاب عنّي شخير.

التاريخ حمّى وهذيان

الموت قوس قزح رمادي

الأصل شاعر مغمى عليه

الحرف التاسع والعشرون

عين مطبقة.

 

3

تدخل جسمك الأول كي تخرج

من الثاني

تلج جسمك الثاني كي تُطِل

من على جسمك الثالث

تغطس في جسمك الألف كي تراقص

عيونك المتلألئة

تدور حول طيفك المعلق

في الهواء

تقفز بين رسم وحلم.

يظنّك الغياب ذكرى

يتصوّرك المزج وهمًا

يحسبك العمق سطحًا طائرًا

تراك الصورة جنونًا من زمن آخر.

ظهورك اختفاء

اختفاؤك قبلة في فم الكون.

 

4

المرأة العارية الراكضة هناك

على سطح البحيرة،

هي الرجل الجالس

هنا، خلف مكتبه،

المحدّق

في مسمار مدقوق في

حائط غرفته،

المعلقة هناك

على قمّة الجبل المتسلق

ظهر إله،

السابح في البحيرة

النائمة هنا،

في رأس الرجل

الراكض خلف المرأة العارية

هناك،

في الغرفة المظلمة.

 

بنزرت – تونس