يكشف لنا هذا الحوار مع الباحثة الأمريكية أن مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، قد يستخدمه الثوار في الحشد والتنظيم، كما حدث في تونس ومصر في بداية الربيع العربي، كما تستخدمه الديكتاتوريات والثورة المضادة في تقويض تعبئة الجماهير، وأن الخطأ ليس في التقنية بل في الوسائل.

مواقع التواصل الاجتماعي في خدمة الديكتاتوريات أيضا!

إيريكا شينويث

ترجمة عبده حقي

* إعتقدنا أنها تكنولوجيا تساعد على التحرر بيد أن لها وجها آخر مظلما.
يعتبر عديد من الأخصائيين أن مواقع التواصل الاجتماعي شكلت فرصة سانحة لإذكاء الثورات الشعبية وهذا استنتاج من السهل فهم مغزاه. فمنذ أواسط سنوات 2000 ومع انطلاق فيس بوك وتويتر ومواقع تواصل أخرى، تصاعدت وتيرة الانتفاضات وحركات التمرد سواء بهدف إشعال ثورات كما حدث في مصر أو إيران، أو من أجل تتبع تحركات الجنود الروس في أوكرانيا أو من أجل إمداد المتظاهرين السودانيين بمعلومات مفيدة في وقتها المحدد.

* إن مواقع التواصل الاجتماعي قد أسهمت في إبراز هذه الانتفاضات بشكل كان أكثر من المتوقع.
إنها وجهة نظر صائبة إذ أن التكنولوجيات الجديدة قد قدمت الكثير من الدعم للنشطاء والمعارضين السياسيين. يتجلى ذلك بوضوح في استعمال عبارات للتواصل بين النشطاء مثل: (أين، متى، كيف، لماذا.. إلخ) وهي عبارات قد أسهمت في حشد تجمعات عدد أكبر من المحتجين كما أسهمت بشكل وافر وواضح في تقليص كلفة نشر المعلومة والخبر. وكمثال على ذلك ما قام به موقع تويتر من دور فعال في صالح حركة (أوروميدان) Euromaidan في أوكرانيا سنة 2014. وهناك منصات تواصل أخرى مثل موقع يوتوب الذي أسهم من جانبه في تلقين النشطاء الحقوقيين قواعد التظاهر الناجح وآليات تقدمهم على المستوى التنظيمي. أما في حالة ما إذا تعذر تنظيم تظاهرات بسبب حظر السلطات فإن مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك، تويتر، روديت Reddit) تستطيع خلق تظاهرات افتراضية مفتوحة للجميع ويصعب على السلطات حجبها أو منعها.
من جانبهم يرى عديد من المتتبعين المتفائلين أنه باستطاعة وسائل الميديا ومواقع التواصل الاجتماعي معا خلق فضاءات حقيقية للنقاش إبان الأزمات حيث بإمكان النخب والجماهير الشعبية أن يحققوا من خلالها بدائل سياسية رغم الرقابة السلطوية. يا لها من فعالية! في سنوات التسعينات ما يناهز 70 % من حملات المجتمع المدني عرفت نجاحا فائقا. وبالرغم من هذه النسبة المتفائلة فإن ما يسمى بـ(تكنولوجيا التحرر) لم تسهم في الحقيقة في فعالية الحركات الديموقراطية. ومن دون شك أنه مع قدوم وسائل التواصل الرقمية فقد أصبحت تعبئة المجتمع المدني أكثر فعالية من ذي قبل. لكن يجب التذكير أيضا كيف كانت النضالات السلمية (اللاعنفية) نشيطة حتى قبل ظهور الإنترنت. منذ غاندي ومقاومته الاستعمار الإنجليزي سنوات الثلاثينات والأربعينات، فإن تقنية التظاهرات السلمية كانت لها شعبية واسعة ورائجة. وبالتالي فإن المقاومة اللاعنفية اليوم فقدت فعاليتها مقارنة مع الحقب السابقة على ظهور الإنترنت.

* في سنوات التسعينات وكما سبقت الإشارة إلى ذلك ما يناهز 70 % من حملات النضال المدني قد توجت بالنجاح الباهر، ومنذ سنة 2010 عرف هذا الرقم تراجعا ملحوظا بلغ 30 %. لماذا إذن وماهو السبب ؟
هناك بعض الحقائق التي تثبت ذلك. في المقام الأول وكما وثقت ذلك بكل تدقيق (أنيتا كوديس Anita Gohdes) الأستاذة المساعدة في العلاقات الدولية بجامعة زيورخ بسويسرا وعضوة مركز الدراسات المقارنة والدولية قالت: إن الحكومات تعلم جيدا مدى استفادتها من خدمة مواقع التواصل الاجتماعي، بشكل أفيد من نشاط الحقوقيين والسياسيين. وبالرغم من آفاقه التحررية المعروفة فإن الإنترنت بانفتاحه على الأنشطة التجارية والسياسات الحكومية العامة جعل من مفهوم الخصوصية وسرية البيانات والمعلومات الشخصية للأفراد أمرا في حكم الماضي البائد. فالحكومة الروسية على سبيل المثال استطاعت أن تتنصت على مكالمات معارضيها بهدف استباق بل ردع أي مظاهرة قد يقومون بها. إنه سلوك لم يستثن حتى بعض الدول الديموقراطية بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية حيث لم يكن البرنامج المجحف للتنصت الطليق لوكالة الأمن القومي الأمريكي NSA أو تعاون شركة ياهو Yahoo مع الحكومة من أجل تجميع المعلومات حول نشاطات مستخدميه لم يكن كل هذا سوى البداية في مسلسل انتهاك خصوصية الأفراد.

* منذ بضعة أسابيع راج خبر مفاده أن بعض مصالح الشرطة المحلية تراقب مواقع التواصل الاجتماعي بهدف تجميع معطيات حول قانونية وضعها. وإذا كانت الحكومات في الماضي في حاجة إلى ناسخات المصادر من أجل ترصد تحركات المنشقين وتتبعهم فإن واقع الفضاء الرقمي اليوم بات يشجع الأشخاص بكل حرية وثقة في النفس على إبداء آرائهم ومعتقداتهم وهويتهم السياسية والاجتماعية والدينية.. إنها معطيات قد تمكن قوة النظام ومصالح الأمن من استهداف طرائدها بشكل فعال.
طبعا هناك بعض التقنيات الضرورية من أجل حماية السرية لكن القليل منها من تقع في فشل خصوم عنيدين. إن الدور السوسيوشبكي الذي اعتمدته الحركات الاجتماعية قد أدى أحيانا إلى تراجع تجربة العمل التشاركي، حيث أن بعض النشطاء ومنهم جماعة "المتقاعسون" slacktivistes (وهي جماعة تدعم قيمة الكسل والخمول وتتخذ من الإنترنت منصة لنضالها وقد تطورت منذ سنة 2000 خصوصا مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي) يمكن لهذه الجماعة أن تتعبأ من أجل قضية لوقت محدد فحسب لكن ليس من السهل لديها أن تنخرط في التزام شامل وأطول في صراع ما.

ولأجل نسج نوع من الثقة بين الجماعات المهمشة أو الجماعات المقموعة فذلك أمر يتطلب بعضا من الوقت والطاقة والمثابرة والتواصل الإنساني وهذه آليات يجب أن تكون دائمة ومتواترة، ومن دون هذه الثقة وهذا النزوع نحو وحدة شبكية فإن هذه التعبئات سوف يكون مصيرها نحو الخفوت بسبب عوامل الضغط. ولكوننا نأخذ بعين الاعتبار بالنشاط والنضال الرقمي فإنه يتشكل لدينا انطباع بأن الأمور تتحرك إيجابيا؛ لكن وكما أكد ذلك (إيفيجيني موروزوف Evgeny Morozov ) فإن التغيير الحقيقي يتطلب إخلاصا وتضحيات لها آثارها الإيجابية.

ثالثا إن مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن يكون لها أثر سلبي على تعبئة الجماهير عندما يعمد المتدخلون المسلحون إلى تهديد النشطاء السياسيين والحقوقيين أو إيذاءهم بشكل مباشر عنيف ومنسق. وكمثال على ذلك فخلال الثورة الليبية سنة 2011 قام نظام معمر القذافي باستثمار خدمة الرسائل النصية القصيرة من أجل دعوة المواطنين للعودة إلى مقرات عملهم. إنها رسائل كانت غايتها شل حركة النشطاء مثل: (إن الدولة تتابعك عن قرب وإذا أنت أيها المواطن كنت تساند التحريض فإنك ستؤدي الثمن باهظا.) ومن هذا المنطلق اتجهت دراسات عالما السياسة (فلوريان هولانباخ Florian Hollenbach) و(يان بيرسكالا Jan Pierskalla ) اللذان توصلا إلى نتيجة مفادها أن ظاهرة تصاعد حركات العنف في إفريقيا قد تزامنت مع ارتفاع في عدد مبيعات الهواتف المحمولة. في المقابل إذا كان بعض المناضلين قد اعترفوا على مواقع التواصل الاجتماعي بتعرضهم للعنف من طرف قوات حفظ النظام فإن الأشخاص الذين ترددوا في الخروج للتظاهر، ومكثوا في بيوتهم قد قاموا بدورهم بالتظاهر في وقت لاحق. وإذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي قادرة على تعبئة الفئات الناقمة عن الأوضاع الاجتماعية فإنها تسهم بالعكس من ذلك في تقاعس الأشخاص المتوجسين وبالتالي فإنها تنيط مهمة النضال للفئات الراديكالية وأحيانا (المتهورة).

إن الأمر الذي يؤدي بنا إلى خيبة أمل قصوى هو أن التغليط الإعلامي يمكن أن ينتشر بسرعة أكثر من المعلومات الصائبة والصحيحة. إنه نفس الأمر الذي قام به المتصيدون الروس من أجل الاستفادة من التضاربات في مجال المعلومة وبالتالي العبث في نتائج الانتخابات الأمريكية على سبيل المثال.

* هل ينتعش التغليط الإعلامي عبر التأكيد على صحة المعلومة المغلوطة .. وغاياتنا الطبيعية هي انتقاء مصادر المعلومات التي تدعم مواقفنا؟

لقد باتت مواقع التواصل الاجتماعي مصانع فقاعات محكمة إلى درجة أنها صارت قادرة على تشتيت المجتمعات بدل لملمة آرائها حول قضية واحدة. أو تعبئة الجماهير المتصدعة. وحتى أولئك المشهود لهم بالثقة والذين يعتبرون مصادر موثوقة على مستوى إمداد وقراءة المعلومات الصحيحة؛ هم أيضا، وبسبب جهل ما، قد يخلقون لنا مشاكل. إن الإطاحة بديكتاتور ما في العالم بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي قد تحرض مناضلي البلد المجاور على الانتفاضة والثورة كذلك. حيث تمكنهم من استيراد نفس التكتيك والطرق من خارج الحدود وتطبيقها على وضعيتهم، وقد تكون بعواقب وخيمة أكثر من سابقتها. يكفي فقط أن نشاهد ما يجري في سوريا وليبيا لكي نقتنع بهذه النتيجة. فالبنسبة لهذين البلدين فقد كان في رأيهم الاقتداء بالربيع العربي في تونس ومصر، واللجوء إلى حشد الجماهير في الساحات العمومية والفضاءات العامة يكون كافيا لقلب الديكتاتوريات في بضعة أيام ... لكن هذه النتيجة قد تطلبت عديدا من السنوات من التعبئة السرية للانتفاضة سواء في تونس أو مصر وهو ما دفع بالليبيين والسوريين فيما بعد إلى ثقة زائدة من أجل إنجاح تمردهم المرتجل والفاشل.

* توضح أبحاث (كورث ويلاند Kurt Weyland) حول ثورة 1848 أن الثوار يستمدون أسوأ الدروس من الانتفاضات التي حدثت قبلهم منذ قرون خلت.
إنها حقيقة قد تسهم في تفاقمها مواقع التواصل الاجتماعي بتشجيعها لنشر الآراء ووجهات النظر التبسيطية والمجانية دون الأخذ بعين الاعتبار الدراسة والطريقة والصبر والتحليل. لقد كتب (مالكولم كلادويل Malcolm Gladwell) سنة 2010: إذا كان مناضلو الأمس عارفين جدا بقضاياهم، فإن مناضلي اليوم يعرفون بوسائلهم فقط، وأخطر شيء هو العمل على إنشاء حركة جماهيرية شعبية والحفاظ في نفس الوقت على استمراريتها. وإذا كان علينا أن ننظر إلى هذه الخسارات باعتبارها خسارة عامة للتعبئة والتحريض السلمي اللاعنفي فإنه يجب علينا أن نفهم بشكل واقعي وإيجابي أن مواقع التواصل الاجتماعي قد قوضت تعبئة الجماهير، وأن الخطأ ليس في التقنية بل في الوسائل.

ــــ إيريكا شينويث Erica Chenoweth دكتورة وأستاذة مساعدة للإدارة الحكومية في جامعة ويسليان Wesleyan ومديرة برنامج خاص عن الإرهاب والبحث في شؤون التمرد بالولايات المتحدة الأمريكية. تعتبر شينويت مستشارة معترف بها دوليا في قضايا مكافحة الإرهاب، والمقاومة السلمية،. أصدرت ثلاثة كتب منها: (لماذا الاشتغال على المقاومة المدنية) و(المنطق الاستراتيجي للنضال السلمي).