يواصل الشاعر والمترجم العراقي في قصيدته "الأيادي" محاورة تلك القوى الخفية الخلاقة، ومن خلالها تمسي القصيدة لديه مرآة الآخر، وتلك الأشياء الكامنة أو "الأقل وضوحا في هذا العالم".

الأيادي

هاتف الجنابي

 

1 ـ ذاكرة اليد

حفرتُ طويلا تحت قبة ربّ العالمين

في النهار أطوف وحيدا

وفي الليل يلفعني

فحيحُ الحالمين

قلتُ: ليكنْ ما يكون

المرايا ترانا كما تشتهي

والحفرُ بمقدار حصّةِ عُمْر مُقَدّر

ضمن رحمته المفترضة

صمته بلا حدود واستجابته غامضة

رحمته من عالم آخر

المستكينُ إليها حالمٌ

والباحثُ عن  ذاتهa حالمٌ

بينهما ألفُ عثرةٍ ورحمةٌ واحدة

ألمْ يكن الربُّ وحده؟

ألم تكن الآخرة

وحدها؟

ألم تكن الجحيمُ مفردة،

والفردوسُ منفردة؟

ألم تكن الأنا مصلوبة وحدها على لوحهِ الأعزل؟

حفرتُ طويلا تحت قبة ربّ العالمين

حتى رأيتُ الجذرَ والبطانةَ البيضاء

تناثرتْ أصابعي

فاختلطت أظافري بالمخالب

وجِلْدي بالّلحاء.

حفرتُ حتى حدود الردى:

أيادٍ تُثيرُ الغبارَ ورائي

أصافحها لدى النهر

حتى ينجمد

أيادٍ تُواسي

أداعبُ حلمي الضريرَ بها

فيصحو الكلامُ

على أطراف الأنامل وهو يسري

باتجاه نور قادم من بعيد

علقتْ أذياله المترجرجة

بدخان الأعالي

أيادٍ تكتب ميراثَ السماء

أسبّح باسْمها

فتصعد روحي سُلّماً

يتدحرج أعلى من غبار الخليقة

أدنى من حذاء القدر

أيادٍ أغطّي بها جبهتي

بعدَ رحيل النهار

أكشفها ضارعة نحو السماء

تسّاقط ملأى بالنجوم

وأخرى بالحجر

أيادي الحقول

أيادي التبتل والانبهار

أيادي الغبار.

تلويحةُ العتمة في نهارها

أيادي السوادِ البياض

أيادي المحوِ والذاكرة

أمسِ، صافحتني لؤلؤة

يدها وسادةٌ خالدة.

كلماتي يدٌ

كتابي يدٌ

يدُ الغابة

يدُ القبلة 

يدُ الدمار

لمسةُ اليد

لغةُ اليدِ

في حفرها المستديم

تذكّرنا بأبجدية مارقة

رُمُوزُها مستعصية

والكلماتُ أعواد ثقاب  

في مَرمدة السنين.

أردتُ أنْ أحرّكَ المفتاح

في قفل الحياة

فلم تكنْ يدي بيدي

والختمُ صديء

فصرتُ كالشاهد المبصر الأخرس

في محكمةٍ قُضاتها

عُمْيان.

 أنا الضرير

تسندني يدٌ مبصرة.

سأحدثكم عن خطوط اليد الماكرة

والفضاءاتِ بين الأصابع والمخالب

المخالبُ أعتى، لكنها أشقى

مراوغةٌ حقا مخادعة

حفرتُ تحتها فانغرزتْ خطوطُ اليدين بها

الذاكرةُ اتسعتْ والروحُ تناثرتْ

بينَ قُطْبَيْ رَحاها.

أشربُ خمرتي من يديها

وبها ألوّحُ للقادمين

في مملكتي المحاصَرة.

2 ـ شجرُ اليد

استعنْ بيديك

أيهذا الشجر

واستعيني بماضيك أيتها اليدُ العجوز

وبهذا السُّعارِ المُسَمّى محبة البشرْ،

بالفضيلةِ ماكرةً

وهْي تهوي على الورد

بفأسها اللامعِ ليلا

المُجللِ بالسّواد نهارا

 واستبشري يا خُطواتُ بالصحارى:

لا عناوينَ، لا شوارعَ فيها،

لا فناراتٍ ولا سُفنا مبحرة

صوتها بانسفاحٍ يجيء

والكلامُ تغربله الريحُ والرّملُ ينثره

لا حصادَ ولا زرعَ يقتفيانِ الأثرْ

غير آلهة الوقع الخفيّ

لخُطْواتها الزاحفة

في الفضاء.

أرى من سقف عينيّ

كيف تفركينَ الحجرَ الأصمّ     

كيف تعجنينه خبزا وتنثرينه في الحقول

موشومة بالبياض - السواد

يا يدي الوفية

أمدّ يدي ليدي

تَصْفحانِ

وتَصّافحانِ

فتنبثقانِ

يابلونّا، 16-20.11. 2007

من ديوان معد للنشر بعنوان (سفر العماء)

شاعر ومترجم عراقي