رسالة ألمانيا: أسبوع الأفلام الوثائقية والتسجيلية والقصيرة في لايبزك

احتفالية خاصة بمناسبة مرور 50 عاما

سلمى حربة

.

في الفترة من 29 أكتوبر الى 4 ـ 11 ـ 2007 أقيم في مدينة لايبزك الالمانية أسبوع الأفلام الوثائقية والتسجيلية وأفلام الرسوم المتحركة المعروف باسم "دوكس لايبزك" وهو مهرجان سنوي معروف عالميا ويعتبر ربما الأول من نوعه من حيث التنظيم وسعة المشاركة واختيار الأفلام المعروضة، بدأ لاول مرة عام 1955 أيام كانت فيها مدينة لايبزك تقع ضمن حدود ألمانيا الديمقراطية، وكان يهتم بعرض الأفكار التي تتوافق مع الأفكار المطروحة رسميا آنذاك من تلك التي تتماشى وما طرحته الحرب الباردة بين المعسكرين، المعسكر الاشتراكي والرأسمالي، والوقوف بوجه الإمبريالية وفضح أساليبها في استغلال الشعوب المغلوبة على أمرها، وثورات الطبقة العاملة الى آخر ذلك، أفلام دعائية تهدف الى توسيع دائرة المواجهة مع الغرب الرأسمالي العدو الأول للطبقة العاملة، وتهدف أيضا الى توسيع الروابط بين الشعوب المحبة للسلام وفق رؤية المنتجين لها وأغلبهم كانوا مرتبطين بمنظمات أو حكومات تمول بشكل أو آخر تلك الأعمال.

اختلفت الآن بعد سقوط جدار برلين تقاليد المهرجان فأصبحت عروضه وأفلامه ـ وفي دور السينما التي كانت تعرض الأفلام سابقا ـ تركز على موضوعات التسامح بين الأفكار والأديان والتعايش بين الأعراق وغير ذلك مما هو مطروح في السياسة وما يجري على ألسنة الناس وما تدعي به منظمات المجتمع المدني، فضلا عن أنه يشجع موضوعات لها شأن في التعبير عن حرية الكلمة والمعتقد والرأي والدفاع عن المهمشين ممن يعانون من قهر الدكتاتوريات والواقعين تحت ضغطها بشكل دائم. واذا ما أردنا أن نقارن "دوكس لايبزك" بغيره من المهرجانات السينمائية الشبيهة أو المماثلة له سواء من تلك التي تعقد في ألمانيا مثل مهرجان "لودفيكس بورك" الذي كتبنا عنه في "الكلمة" العدد الثامن، أو في الدول الاوربية مثل بولندا أو في التشيك وهولندا أو فرنسا وإيطاليا وغيرها سنجد أنه فعلا يتميز بجودة أفلامه المختارة وتنوعها، عرضت في هذا الأسبوع السينمائي 315 فيلما وثائقيا وتسجيليا و118 فيلما للرسوم المتحركة من 60 بلدا (في العام الماضي كان 400 فيلما من 50 بلدا) لنيل جوائز المهرجان وعلى الأصعدة كافة وباستقطاب صانعيها من المخرجين الشباب وأيضا بإتاحة الفرصة لعرض مختلف الأفكار وبمختلف الطرق، الجوائز هي الحمامة الذهبية والحمامة الفضية وجائزة قناة دسكوفري التي تمنح لأفضل فيلم يستحوذ على رضا الجمهور وقناعته وجائزة الأفلام الوثائقية، وللتفصيل في هذا الموضوع نذكر أن جائزة الحمامة الذهبية والتي مقدارها عشرة الاف يورو للأفلام الوثائقية التي طولها أكثر من 45 دقيقة كانت من نصيب الرومانية Adina Pintie عمرها 27 عاما، استطاعت أن تثبت جدارة أمام لجنة مؤلفة من محكمين من أمريكا وكوبا وإسرائيل وروسيا وألمانيا في فيلمها "Dont get me wrong" ولقد جسدت في فيلمها ما قدمت به للفيلم "نحن نعرف كيف هم يعيشون وكما سمعنا منهم أيضا"

الحمامات ذهبية وبرونزية

حضور عربي باهت لكنه مؤثر
أما الحمامة الذهبية الثانية للأفلام الوثائقية (أقل من 45 دقيقة) فقد نالها اللبناني ماهر أبي سمرا عن فيلمه "مجرد رائحة" لقد أثار الفيلم إعجاب اللجنة المؤلفة من محكمين من ألمانيا وبلجيكا وكندا، فقد أبرز التصوير جماليات الصورة السينمائية بالأبيض والأسود صورة الدمار الذي خلفته بشاعة القصف الإسرائيلي في حربها الأخيرة على بيروت وعلى المدن اللبنانية الأخرى مستفيدا كثيرا من النور والعتمة ومن دون اللجوء الى التعبير عن ذلك بالكلام، وقد أدهشت لجنة التحكيم بالمناظر التي لم يرها أحد على شاشة تلفزيون أو بثتها وكالة أنباء، ولهذا المخرج فيلم آخر لم أره لكني قرأت عنه هو "دوار شاتيلا" وشاتيلا مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان، ونحن نتذكر هذا الاسم جيدا، وقد سطرت فيه سابقا ملاحم ربما التاريخ على قربه كان كفيلا بأن ينسينا اياها، لكن الجديد في هذا المخيم كما عرضها الفيلم هو أن شوارع المخيم هي نفسها والناس هم نفسهم لكن قضيتهم ضاعت، فالناس تشتتوا داخل شتات المخيم وليس في الشتات العالمي وقضيتهم الكبيرة أصبحت من الصغر بحث لا تخطر في المخيلة، لم تعد العودة الى فلسطين هي أملهم كما كان الأمر سابقا بل البحث عن الماء للتزود به عندما يشح عن المخيم أو البحث عن بدائل للكهرباء عندما تنقطع عنهم، الى آخر ذلك دون أن تنسى الكاميرا أن تظهر لنا صورة ياسر عرفات بين الحين والآخر معلقة بكثير من الإهمال ودون أن ينظر اليها أحد على عمود أو ملصقة على حائط تظهر وراء عجوز نال منه الضجر. 

فيلم "خط الحياة"

أما جائزة الحمامة الفضية المقدمة من قناة ديسكفري فكانت من نصيب الالماني Thomas Heise عن "كيف يمضي الوقت سريعا" وهو فيلم رسوم متحركة للأطفال وقيمة الجائزة خمسة الاف يورو. والجائزة الفضية الأخرى وقيمتها ثلاثة آلاف يورو ذهبت الى الياباني Koji Yamamura عن فيلمه الوثائقي المأخوذ عن قصة لكافكا بعنوان "طبيب القرية"، وقد نال الحمامة الفضية الأخرى المخرج الهنكاري الشاب "Tomek Duki" عن فيلمه التسجيلي "خط الحياة" وكان من أسباب حصوله على الجائزة كما ذكر تقرير اللجنة أن فيلمه يقطع أنفاس المشاهدين لجماله وقد عرض لنا عالما لا نعرفه ولكنه قريب الينا كما أن الأغنية المرافقة له مؤثرة جدا.

أقيم المهرجان السينمائي هذا على ركيزتين أساسيتين بسبب من يوبيله (خمسة عقود مرت على بدايته)، وهذا له طابع خاص، هما: الماضي والمستقبل. والماضي تركز في عرض أفلام سبق أن عرضت في المهرجان نفسه ومن أيام ألمانيا الديمقراطية وأفلام لم يكن الجمهور بقادر على رؤيتها أيام الحكم السابق لأسباب تتعلق بتوجهات النظام الذي كان يمنع عرض ما يخالف توجهاته وأفكاره والثاني هو: الأفلام التي تركز على الرؤية الجديدة للحياة والعالم متمثلة بما يطرحه الشباب الجديد من رؤى جديدة، مستفيدة من كل التجارب السابقة وخير دليل على ذلك ما قدمه الفيلم الروماني الفائز بالذهبية وما قدمه الفيلم اللبناني أيضا.