رسالة المغرب: الرواية الجزائرية والكلمة في عيون الكتاب المغاربة

عبدالحق ميفراني


ندوة الرواية الجزائرية: "الذات والتاريخ والحلم" 

احتضنت قاعة المحاضرات التابعة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك ـ الدارالبيضاء. فعاليات ندوة "الرواية الجزائرية: الذات والتاريخ والحلم" وذلك في الدورة الأولى للقاء الرواية الجزائرية ـ المغربية. المنظم أيام 15 ـ 16 ـ 17نونبر2007 وقد عرف هذا اللقاء ست (6) جلسات علمية في المحاور التالية:

ـ النص، الحقيقة، التاريخ
ـ تخييل الذات في الرواية الجزائرية
ـ أشكال التخييل
ـ السرد وتمثل الهوية
ـ تخييل الراهن في الرواية الجزائرية
ـ تأسيس الوعي المغاربي تخييليا من خلال الرواية الجزائرية.

وعرفت هذه الجلسات مقاربة عدد من النصوص الروائية الجزائرية، من خلال مقاربات قدمها نقاد وباحثون مغاربة. تناولت في مجملها إشكالات أساسية تهم الجسد الروائي الجزائري من قبيل إشكالات نقدية تهم خصوصا: تسريد الهوية من خلال الرواية ـ تسريد الوقائع التاريخية ـ التاريخ حقيقة الرواية ـ حضور المحكي الذاتي ـ الهوية المتغيرة والملتبسة ـ مفهوم الرد بالكتابة ـ النص الحكائي كإحدى أشكال المقاومة... هذا جزء من إشكالات الأوراق النقدية المقدمة على مدى يومين، تابعتهما مجلة الكلمة، في خمس جلسات محورية، و30 نص روائي جزائري كموضوع استقرائي، على مدى يومين كاملين، كانت قاعة المحاضرات بآداب بنمسيك بالدار البيضاء ملتقى لنقاد وباحثين مغاربة. والوفد الجزائري ممثلا بعز الدين جلاوجي و محمد زتيلي وعبد الحميد هيمة وشادية شقروش وآمال منصور والناقدة السورية مها خير بك.

النصوص التي قاربتها هذه الندوة هي: الأمير، سيدة المقام لواسني الأعرج، بخور السراب لبشير مفتي، حمائم الشفق لجيلالي خلاص، الشاذ لربيعة مراح، ثلاثية أحلام مستغانمي، بحر الصمت لياسمينة صالح، ، تيميون لرشيد بوجدرة، بوح الرجل القادم من الظلام لإبراهيم سعدي، درس في الشاطئ المتوحش لمحمد ديب، الكافية والوشام والوساوس الغريبة لمحمد مفلاح، البارانويا لسعيد مقدم، بيت من جماجم لشهرزاد زاغر، قدم الحكمة لرشيدة خزام، عصافير النهر الكبير لمحمد زتيلي، حلم على الضفاف لحسيبة موساوي، كيف ترضع الذئبة دون أن تعضك، Garçon manqué لنينا بوراوي، الرماد الذي غسل الماء لعز الدين جلاوجي، عشاق شهرزاد لسليمة غزالي، ذاك الحنين للحبيب السايح، امرأة بلا ملامح لكمال بركاني، الهجمة لياسمينة خضرا، نجم الجزائر لعزيز شواكي، الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء للطاهر وطار، البطاقة السحرية لمحمد ساري، دم الغزال لمرزاق بقطاش، جرس الدخول إلى الحصة لعبد الله خمار.

وقد شارك في أشغال هذه الندوة من المغرب النقاد: أحمد أبو حسن،عبد الرحمان غانمي، محمد غرناط، عبد الرحيم مؤدن، أحمد فرشوخ، صدوق نور الدين، عبد اللطيف محفوظ، عبد الفتاح الحجمري، شعيب حليفي، يوسف ناوري، بوشعيب الساوري، احمد بلاطي، محمد المصطفي، لحسن احمامة، محمد أمنصور، إبراهيم الحجري، لمعاشي الشريشي، فتيحة بناني، سعيد زيدون، إدريس الخضراوي، جمال بوطيب، لطيفة لبصير. 

أما برنامج الندوة فقد توزع على الجلسات التالية:
جلسة الافتتاح:الخميس 15 نونبر 2007 ابتداء من الساعة 9.00 صباحا. برئاسة نور الدين دنياجي. وقدمت خلالها كلمات: السيد عميد الكلية رابطة أهل القلم والوفد الجزائري مختبر السرديات

الجلسة الأولى ـ (س 10 صباحا). برئاسة نور الدين دنياجي.
المحور: النص، الحقيقة، التاريخ
ـ أحمد بوحسن: الروائي والتاريخي في رواية " كتاب الأمير: مسالك أبواب الحديد ".
ـ شعيب حليفي: تخييل الحقيقة في السرد الروائي.
ـ عبد الفتاح الحجمري: يبدو أني غفوْتُ قليلا:قراءة في رواية " حمائم الشفق " لجيلالي خلاّص.
ـ عبد اللطيف محفوظ: العوالم الممكنة في رواية الشاذ لربيعة مراح.
ـ لطيفة لبصير: المحكي الذاتي وصنع الرواية الأسرية في رواية " بحر الصمت" لياسمينة صالح .
الخميس بعد الزوال: 1 ـ الجلسة الثانية: برئاسة محمد زتيلي
المحور: السرد وتمثل الهوية
ـ بوشعيب الساوري: تمثلات الهوية والآخر في الرواية الجزائرية.
ـ فتيحة بناني:béance identitaire ou syncope générique dans Garçon manqué de Nina Bouraoui
ـ أحمد فرشوخ: الرد بالكتابة في روايتين جزائريتين: لسليمة غزالي وعز الدين جلاوجي.
ـ إدريس الخضراوي: البطاقة السحرية: التاريخ وسرد الهوية.
الخميس بعد الزوال: ـ الجلسة الثالثة
المحور: أشكال التخييل
ـ عبد الرحمن غانمي: مخاضات الحكي بين الفزع والفراغ.
ـ محمد المصطفي:من الأسطورة إلى الخيال العلمي:مسار في الشاطئ المتوحش لمحمد ديب.
ـ يوسف ناوري: البناء الروائي في رواية بوح الرجل القادم من الظلام.
ـ محمد أمنصور: سلطة الحكي في أعمال محمد مفلاح.
الجمعة 16 نونبر ـ صباحا: ـ الجلسة الرابعة
المحور: تخييل الذات في الرواية الجزائرية
ـ محمد غرناط: الشخصية النسوية في ثلاثية أحلام مستغانمي.
ـ جمال بوطيب: الاستعارة الجسدية: الذات والآخروالتاريخ في الرواية الجزائرية.
ـ إبراهيم الحجري: رواية "تيميمون":أزمة الذات ـ أزمة الواقع الاجتماعي.
ـ أحمد بلاطي: رؤية الذات في الرواية الجزائرية"امرأة بلا ملامح " لكمال كيلاني و "ذاك الحنين " للحبيب السائح.
الجمعة 16 نونبر ـ صباحا: ـ الجلسة الخامسة
المحور: تخييل الراهن في الرواية الجزائرية
ـ عبد الرحيم مؤدن: الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء:سرد الكشف والاكتشاف.
ـ لحسن حمامة: الراهن الجزائري روائيا.
ـ سعيد زيدون:قراءة في رواية الهجمة لياسمينا خضرا .
ـ مريم حريزي: قراءة في رواية نجم الجزائر لعزيز شواكي.
الجمعة 16 نونبر ـ زوالا: الجلسة السادسة
مائدة مستديرة برئاسة نور الدين صدوق. ورشة نقاشية.
المحور: تأسيس الوعي المغاربي تخييليا من خلال الرواية الجزائرية.
مع طلبة الدراسات العليا_ماستر الدراسات الأدبية والثقافية بالمغرب وماستر الإشهار والتواصل).
ـ توصيات.

الرواية الجزائرية: مسارات التخييل وأسئلة المتخيل الروائي
في الجلسة الافتتاحية للقاء الرواية الجزائرية، تم التأكيد على الندوة تشكل جسرا أدبيا وأبديا ـ يجمع بين الجزائر والمغرب. لقاء يفتح آفاقا للعمل والبحث العلمي، واستمرارا للتجربة الناجحة لمختبر السرديات في انفتاحه على الآداب العالمية والمغاربية. والندوة أيضا استمرارا لملتقى سطيف بالجزائر والذي نظم في محور "الرواية الجزائرية وأسئلة الحداثة". الرواية الجزائرية التي بدأت مع الشهيد رضا حوحو، لتتقوى مع أسماء حفرت تجربتها عربيا: واسيني الأعرج، الطاهر وطار، رشيد بوجدرة، كاتب ياسين، أحلام مستغانمي...وإذا كان المغرب الثقافي عند الروائي الجزائري عزالدين جلاوجي(رئيس نادي سطيف) مدرسة نقدية وإبداعية، فإن الدكتور شعيب حليفي(رئيس مختبر السرديات) يعتبر الندوة محطة لتجديد الأدوات النقدية ومواصلة الدرس الأكاديمي لمد جسور التواصل الثقافي المغاربي.

الجلسة الأولى: النص، الحقيقة، التاريخ
تمحورت الجلسة الأولى حول: النص، الحقيقة، التاريخ. وقد كانت برئاسة الأستاذ نور الدين دنياجي. أول المتدخلين كان الباحث أحمد بوحسن في موضوع (الروائي والتاريخي في رواية " كتاب الأمير: مسالك أبواب الحديد) مستهلا ورقته بقراءة ركزت على التقنية المعتمدة في بناء هذه الرواية، والعلاقة الشفافة بين السرد الروائي والسرد التاريخي، ثم على دور هذا النوع من السرد الروائي في توسيع دائرة الوعي بأهمية التاريخ. فهي تقنية مركبة لما فيها من تداخل بين السرد الروائي والسرد التاريخي، وشبه متوازية لما فيها من عرض غير متكافئ لبعض اللحظات الدالة في حياة الأمير عبد القادر، وبعض اللحظات الحرجة من حياة الأسقف مونسنيور ديبوش، صديق الأمير، الذي سيتولى مهمة سردية أساسية في الرواية. أما العلاقة بين السرد الروائي والسرد التاريخي فتتميز بشفافية خاصة، حيث يبدو التاريخ "الواقعي" شفافاً خلف لعبة السرد. وقد حاول الكاتب فيه أن يقلص المسافة الفنية بين السرد التاريخي والتخييل السردي. ويتمثل ذلك في محاولة المحافظة، ما أمكن، على كل وسائل الصناعة الفنية التاريخية؛ من حيث النصوص ـ الوثيقة، أو التتابع الخطي التاريخي، أو المحافظة على الإشارات التاريخية الدالة المختلفة. وفي ذلك ما يؤكد ويوهم في نفس الوقت بواقعية السرد وإيهاميته.ثم تمثل توسيع دائرة الوعي بحاضرية التاريخ عندما سمح السرد الروائي بالكشف عما لم يتحدث عنه السرد التاريخي؛ فأخضع المسلمات التاريخية للمساءلة، وكذلك بعض السلوكات البطولية، وغيرها من القناعات التاريخية الكثيرة الموروثة، أو تلك الملتصقة بالذات أو بالآخر.

أما الناقد د.شعيب حليفي فقدم ورقة موسومة ب _تخييل الحقيقة في السرد الروائي)، تحدث بأن بحثه ينزع إلى تقديم مقاربة تهم الرواية المغاربية عموما، والرواية الجزائرية تحديدا من خلال رواية (بخور السراب) لبشير مفتي،وذلك عبر التمهيد بأسئلة علاقات التخييل بالحياة والحقيقة باعتبار العناصر المشكلة للحكاية هي نسيج للإحالات المتعددة على كافة الخطابات، البارزة والخفية، والتي يكون الروائي أمامها بين اختيارات من بينها: تأكيد ونقل تلك الخطابات الاحالية ضمن شكل فني حكائي مقنع ، وبذلك فانه لا يضيف شيئا للحكاية. أو نقض الرؤى والخطابات السائدة المهيمنة والمتحكمة في توجيه الأفكار وتنميطها، وذلك بتقديم رؤية /رؤى أخرى في سياق إنتاج خطاب ثقافي وجمالي ضمن جنس الرواية، لأن التخييل، سواء في علاقته بالذات أو بغيرها، هو تلك المساحة الخلاقة التي لا تكرر، وإنما تبدع وتشكل، بمعنى من المعاني، تعديلا ونقدا وتكييفا عبر الحكاية ورؤاها اللامحدودة. في محور تأويلي قارب الباحث كيفية عمل رواية _بخور السراب) على تخييل اليومي بتناقضاته وخطاباته، وبالتالي صوغ خطاب حكائي حول العطب دون استنساخ الخطابات الأخرى. ففي_بخور السراب) ظلت المرجعية البانية لأنوية الدلالة مرتبطة بمجازات وصور بلاغية تحيل على هوية الوطن، والصراع الذي يحرك أحداثه ولرسم هذه الدلالات توسل الراوي بالسرد وتقنياته عبر بناء حكايات تحركها شخوص مختلفة ومتناقضة ومتحولة ، تحيا الظاهر والباطن وتعيش السياسي والديني، الحياد والانخراط.حيث التفاعل مع كل تحول تعكسه ملفوظات الخطابات وتنوع المعجم والإحالات والرموز وتدبيرات أخرى من الراوي في إطار بناء عالم العلاقات المؤدي إلى التباس في الحياة والموت وما بينهما . بخور السراب هي صورة بلاغية لشكل التواصل ودرجات توتره ، وأيضا رسم للتخفي وتبادل الأدوار بين ما هو حقيقي ومحتمل... وهي أهم الجروح التي تحملها شخصيات الرواية بين النفسي والتاريخي والذاتي تعمل الرواية على الحفر فيها وفي ما ينجم من تعفن أو أمل في الشفاء. وتختتم هذه لمداخلة أسئلتها بالبحث في الإضافات الممكنة على مستوى الرؤية والتقاط التحولات الثابتة والطارئة في السياقين العام والخاص والتي تفرز عدة إعاقات وأعطاب واختناقات جعلت من الواقع بدلالاته وحقائقه المتبدلة باستمرار، مرجعا طاغيا وسط رهافة التخييل.

الناقد والباحث عبد الفتاح الحجمري كان ثالث المتدخلين بورقة في موضوع (الوطن في الجيب: قراءة في رواية " حمائم الشفق " لجيلالي خلاّص) عارضا لبنية الضمائر التي تتحكم وتوجه الرواية، تتقاطع فيها سيرة مدينة وإنسان بوحشية مزعجة أحيانا، وبلين مشتهى أحيانا أخرى. وفي الأفق تبدو الأرض قاحلة والعيون حالمة، وكلاهما ينبئان بحالة حرب وتوتر مروع للأماكن والضمائر. الرواية تعبر عن كل حالات الضجر وهي تصور السارد أثناء حرب خاطفة وهي بداية ونهاية الرواية مما خلق نوعا من التاريخ الخاص والهوية و نوعا من التطابق انطلاقا من الضد/ المختلف. عماد الرواية وحكايتها، إذن، حالات التباس بين الكائن والممكن والمرجوّ، بين المدوّي والمثير والهائج والمفزع.

الناقد عبد اللطيف محفوظ تدخل في موضوع(العوالم الممكنة في رواية الشاذ لربيعة مراح) وقد عمل في مستهل قراءته لرواية " الشاذ" لربيعة مراح، على توضيح مفهوم العوالم الممكنة كما صاغه ووظفه أمبرتو إيكو في كتبه "القارئ في الحكاية" و"السيميائيات وفلسقة اللغة". و"حدود التأويل". بناء على ذلك سعى إلى توضيح أن العالم الممكن، بصفة عامة، هو بناء ثقافي، حيث الخصائص هي التي تتآلف وتتقاطع لتميز الأفراد. وهذه الأفراد هي إما ضرورية أو طارئة عرضية. وأن العالم الممكن لا ينفلت أبدا من الخضوع للعالم الفعلي، لأن هذا الأخير وحده يسمح بتشييد عوالمنا الممكنة. وبما أن العالم الفعلي الذي هو بناء ثقافي يشكل جزءا من النسق التصوري لفرد ما، فإن ردود أفعال المحايدين تجاه العالم الممكن تنقسم إلى قسمين: قسم يتفق مع مواقفه الافتراضية، وقسم لا يتفق معها. ولذلك فإن ارتباطه بعالم ممكن ما، هو فعل إيديولوجي. وذلك ما حاولت المداخلة توضيحه بخصوص السارد بوصفه فردا محايدا. كما عرضت لشكل تمظهر العوالم الممكنة المرتبطة بالعوالم السردية وسيميائيات النص، والتي هي عالم الحكاية، وعالم القارئ النموذجي؛ والعوالم الممكنة المشكلة من قبل الشخصيات.

تلت مداخلة الدكتور عبداللطيف محفوظ ورقة الناقدة والقاصة لطيفة لبصير، في موضوع "المحكي الذاتي وصنع الرواية الأسرية في رواية " بحر الصمت" لياسمينة صالح ، وقد وضحت كيف أن السارد "سي السعيد"، يسترجع عبر محكي ذاتي تنافري الماضي الذي عاشه من خلال قرية صغيرة تدعى"براناس"، والتي عاشت تحت نير الاستعمار الفرنسي، وأمام الأحداث التي مرت، يستعيد السارد بنوع من الفجيعة علاقته بابنته التي أبعدتها الحرب عنه، كما أنه يعيد نسج حكايات مرت في الزمن وينظر إليها عبر المسافة، ويرى أن الثورة بقدر ما تخلق أناسا شرفاء، فإنها تخلق أيضا الشخصيات القذرة التي يراها في كل شيء، الأبناء غير الشرعيين الذين يعتبرون من مخلفات الاستعمار أيضا. مع انتقاد كبير للذات. 

الجلسة الثانية: السرد وتمثل الهوية
الجلسة الثانية كانت في محور السرد وتمثل الهوية، تدخل الناقد بوشعيب الساوري في موضوع (تمثلات الهوية والآخر في الرواية الجزائرية) حيث قارب موضوعه معتبرا أن الحديث عن موضوع مثل "تمثل الهوية والآخر في الرواية الجزائرية" يقود إلى استحضار سياقين بارزين كان لهما الأثر الأكبر عليها، وساهما بشكل كبير في تشكل صورة كل من الذات والآخر. وهما سياق الثورة والشهداء المرتبط بالفترة الاستعمارية وما بعدها، وسياق الإرهاب الذي يحيل على تسعينيات القرن الماضي تلك العشرية السوداء.ستنعكس هذه المتغيرات على تمثل الرواية الجزائرية لكل من الأنا والآخر. من ثمة تصير مفاهيم الهوية والآخر نسبية ومتغيرة وملتبسة بهذين السياقين. وللاقتراب من هذا المنطلق تناول الباحث ثلاثة نصوص روائية وهي: لروائي من الجيل السبعيني وقد صام عن الكتابة الروائية وعاد إليها بعد عقود وهو محمد زتيلي من خلال روايته عصافير النهر الكبير، وروائيين ينتميان إلى الجيل الحالي، لكنهما يختلفان على مستوى المنطلقات الفكرية والتطلعات الجمالية، هما حسيبة موساوي في روايتها حلم على الضفاف وعمارة لخوص في روايته كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضك. ويرجع اختيار هذه الروايات ـ كما يقول الباحث ـ إلى ملاءمتها للمنطلقات المنهجية، إذ تعالج كلها تيمة الذات في علاقتها بالآخر، من خلال تجربة الهجرة والعودة إلى الوطن. وأبرز أيضا كيف تناولت الروايات الثلاث مفهومي الهوية والآخر باعتبارها نتيجة تفاعل أصحابها وتمثلهم للسياقين المذكورين أعلاه. مع ربط ذلك بخصوصيات الكتابة الروائية عند كل واحد من الروائيين الثلاث، كل ذلك في علاقة بخصوصية الكتابة الروائية الجزائرية عموما.

وتلتقي الروايات الثلاث في أن هجرة أصحابها كانت اضطرارية ولم تكن اختيارا لأصحابها، كما أنهم وجدوا صعوبة في العودة إلى الوطن. لكنها تختلف في تمثل الآخر والهوية. ففي الوقت الذي عكست فيه رواية حلم على الضفاف تصورا منغلقا للهوية محكوما بالصراع والمواجهة مع الآخر البعيد المتميز عن الذات المسؤول عن تمزق الهوية في الغربة خارج الوطن. نجد رواية عصافير النهر الكبير تبرز تصدع الهوية داخل الوطن، لكن ليس بسبب خارجي وإنما المسؤول هو آخر منبثق من الهوية بعد الاستقلال. في حين أن رواية كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضك تدعو إلى هوية منفتحة موسعة تدعو إلى التخلص من الذاكرة وتجاوز الانتماءات الضيقة بعد الوعي بتمزق الهوية داخل الوطن.

الباحثة فتيحة بناني قدمت الورقة الثانية، قاربت من خلالها موضوع_شرخ الهوية أو محو الأجناس في رواية نينا بوراوي) أبرزت في مداخلتها، والتي ألقتها باللغة الفرنسية، كيف تفضح البنية غير المتوازنة في الرواية الذاتية لنينا بوراوي في روايتها _المسترجلة) عالما وهميا تبحث فيه الساردة عن هوية ممحوة المراجع والثوابت.فقد ولدت بمدينة رين في فرنسا وترعرعت بعدة مدن بالجزائر قبل أن ترحل إلى سويسرا في سن الرابع عشرة من عمرها... كل هذه التنقلات الجغرافية خلقت خدشا في نمو شخصية لم يكتمل بناؤها بعد..لهذا تجد المراهقة كيانها مبعثرا بين ضفتين لا تلتقيان: إفريقيا، أوربا، الجزائر وفرنسا، هنا ـ هناك، الذاكرة ـ النسيان، الأنثى ـ الذكر، الشباب ـ الشيخوخة، الحاضر والماضي . غير أن الشخصية الراشدة تجعل من كل هذا المزيج ثراء تريد الانتماء به إلى بني الإنسانية.. لا للغة معينة أو لجهة بذاتها أو لثقافة خاصة. يبقى السؤال الأهم لماذا تجدي الكتابة الأدبية؟

وتدخل الناقد الروائي أحمد فرشوخ بورقة نقدية بعنوان _الرد بالكتابة ، قراءة في رواية الرماد الذي غسل الماء لعز الدين جلاوجي) وقارب الرواية، انطلاقا من وعي نقدي مركب يقرن إنتاج الأدبية بالسياق الثقافي. ومن ثم دراسة العلاقة الحوارية بين فعل التخييل وتشكيل الهوية في محاولة لكسر النموذج الغربي. ذلك أن الرواية الجزائرية دافعت عن وجودها تجاه الآخر من خلال ما يسمى بجمالية المقاومة، لذلك فهي ما تزال بحاجة لمزيد البحث قصد استخلاص قوتها الفنية والأخلاقية والمعرفية بعيدا عن معايير النظرية المتمركزة. ضمن هذا السياق إذن، يركز البحث على العناصر المشخصة للوعي الفني في رواية جلاوجي من جهة ومدى استفادتها من النموذج الروائي الغربي والرد عليه، في آن واحد، مما يفتح المجال أمام مقاربة نقدية طباقية تدمج البعد الاستطيقي ضمن المنظومة الثقافية والتاريخية والإيديولوجية،. ومن هنا طموح البحث لتحرير التحليل من النظرة الاختزالية التي تنظر إلى الرواية بعيدا عن تكوينها التناصي المتصل بتطويع الجنس الأدبي الوافد وتلوينه بتقاليد سردية ومحلية:الأمر الذي يعتبر بمثابة رد بواسطة الكتابة على المركز الثقافي والأدبي،وبالتالي بمثابة تقويض للفرضيات التي كانت تاريخيا تشكل أدب الثقافة المستعمرة . ومن هنا يتيح البحث المجال لطرح أسئلة جديدة من قبيل:.كيف تعيد الرواية الجزائرية في نماذجها الناضجة تعيين اللغة والزمان والمكان؟ كيف تتمثل السرد والتاريخ والرؤية والقيم؟ ما طبيعة نظرتها إلى الواقع و كيف تنظر إلى المعرفة والمعنى؟؟ بل وما طبيعة إدراكها للأدب ذاته؟؟ وكيف كسرت مقولة النوع؟ كيف تناولت الحقيقة والسلطة؟ كيف استعادت الأعراف الأدبية والتقاليد الشفهية؟ بل وكيف تمكنت من الارتياب في مفهوم العالمية الذي اعتبر الأداة النقدية الأوربية المهيمنة لتعيين الثقافات والآداب العليا والدنيا؟ وبالموازاة كيف يمكن للنقد استيعاب طبيعة تكوينها الخاص؟ وما سبيل تطوير نظرته من الداخل لأجل قراءة ما لم يقرأ واستكشاف عناصر الاختلاف؟

أما الناقد إدريس الخضراوي فقرأ مداخلته بعنوان_البطاقة السحرية: التاريخ وسرد الهوية) وتطرق في مداخلته التي قاربت رواية محمد ساري (البطاقة السحرية) عناصر مترافدة أفضت بالكثير من كتاب الجزائر خاصة، والعالم العربي عامة، إلى الكتابة عن التاريخ سرديا. فالتجربة الاستعمارية القريبة التي تعرضت لها هذه الرقعة الجغرافية ولا تزال تداعياتها الصعبة تلاحق الكثير من أقطارها شكلت بالنسبة للكاتب العربي حقلا فكريا وشعوريا غنيا يمكنه من إعادة ترميم بياضات هذه المرحلة الحديثة وكتابة تاريخها المتحرر من إكراهات السلطة على الحقيقة. وهنا نفكر،يقول الباحث ، في سلطة المستعمر التي مكنته من تقديم سردية تخصه، وتشوه الكثير من ملامح الشعوب التي احتلها، وكذلك سلطة الدولة العربية الحديثة التي لم تكف هي الأخرى عن تقديم التاريخ الذي يلائم مصالحها ويحفظ امتدادها بين شعوبها. هذا السياق المتوتر هو الذي حرض الكاتب الجزائري على العودة للتاريخ، وإعادة تقديم وقائعه متسلحا بالسرد، مانحا صوتا للسردية التي غيبتها السلطة أو غمرها نفوذ الأقوياء. بهذا المعنى تضطلع الرواية الجزائرية الحديثة، وهي تأخذ على عاتقها هذه المسألة الصعبة، بمهمة إنسانية وثقافية ملتزمة يتأكد من خلالها أن السرد هو عين الأمة، والمعبر عن وجودها الحضاري. لكن هذه الرواية ليست تاريخية بما أنها تكتب التاريخ وتلاحق ظلاله الملقاة على واقعنا المعاصر، فقد لاحظ الناقد سعيد يقطين، وكذلك عبد الرحمن منيف، بأن هذه الحساسية البارزة في المشهد الروائي العربي، تحرر الرواية من هذا التصنيف، لأن ما تكتبه لا يزال يلقي بظلاله على معيشنا، ولا زلنا نحتك بتداعياته، اجتماعيا وسياسيا وثقافيا. ونتصور أن رواية البطاقة السحرية للكاتب الجزائري محمد ساري تندرج ضمن الكثير من هذه الأعمال السردية الحديثة التي تنجز قراءة مكثفة للتاريخ الجزائري الحديث، وتحفر بقوة في أعماقه لتكشف عن أسئلة سلطة راهنة وزمن عصي عن التحديد.  

الجلسة الثالثة: أشكال التخييل
عرفت الجلسة الثالثة والتي ترأستها دة/ مها خير بك، مداخلة الباحث عبد الرحمن غانمي في موضوع (مخاضات الحكي بين الفزع والفراغ) محللا نصوص (البارانويا) لسعيد مقدم و(بيت من جماجم) لشهرزاد زاغر ثم رواية _قدم الحكمة) لرشيدة خوازم، مبرزا انزياحات في الكتابة عبر التشخيص في مسارب الذوات والعوالم التي تنزع نحو الاحتجاج وإدانة الواقع والوجود الملتهب والمسيج بعلائق قهرية، وضمن هذه الفضاءات يتنامى مخاض الحكي المنشطر على ذاته والمسرف في ملاحقة الأنا الغائصة في متاهات ومصادفات الأشياء والشخوص. كل هذا يتم وفق تجليات متباينة من نص لآخر، حتى وإن كانت النصوص مسكونة بهواجس الحكي الحاضن للقلق ومعنى الخواء والسعي نحو ترميم المحطم والاستئناس سرديا وتخييليا ب" القضايا" السردية الموحشة الموغلة في سبر أيقونات الفراغ الذي تنشئه حكايات وأحداث مفزعة مولدة للتفجع والحلم المجهض والهوية الطافية على أكثر من أتون ساخن، وهي تواجه الفزع والخراب والمجهول، في ضوء علاقة الذات بمحيطها وحاضرها المثقل بوخزاته وانكساراته، وبذلك يأتي الحكي في شكل مخاض وإعادة تشكيل عالم مختلف بناء على مسارات الحكي، وما يمكن أن ينبثق عنه من دلالات تتيح للمعنى أن يتشكل في ضوء حكي الفزع والفراغ.

وقدم الباحث احمد المصطفي ورقة في موضوع (من الأسطورة إلى الخيال العلمي: مسارفي الشاطئ المتوحش لمحمد ديب) فتطرقت مداخلته، والتي ألقاها بالفرنسية، إلى العالم الروائي لمحمد ديب من خلال روايته _مسار على الشاطئ المتوحش) وذلك من خلال النظر إليها عبر تمهيد أولي يرصد الرواية المغاربية المكتوبة باللغة الفرنسية وموقعها والإضافات المجددة التي ساهمت بها. ثم الرواية الجزائرية وتحققات الإبداع فيها. في المحور الموالي، قدم الباحث مقاربة للرواية المجسدة لتوالد الأفكار والصور وتنوعها ضمن سياق مأخوذ بالحيرة والعجيب والتيه والاغتراب.... إنه نص يمتص أشكال وتقنيات متعددة منها الأسطوري والخرافي والفانتاستيكي عبورا إلى الخيال العلمي للتعبير عن شكل فني يحفر ويشكل دلالات تسير في اتجاه البحث عن الذات وعن الهوية.

المداخلة الأخيرة في اليوم الأول ألقاها الناقد والقاص محمد أمنصور حول (سلطة الحكاية في أعمال محمد مفلاح) حيث استهل ورقته بكون الروائي" محمد مفلاح" يكتب ما يمكن أن نصطلح على تسميته ب" الرواية الواقعية التشويقية" معتمدا في ذلك على سرد الأحداث بلغة شفافة تهيمن عليها الإحالة المرجعية على الجزائر وأوضاعها الاجتماعية والسياسية والنقابية. فالطابع الحدثي ـ الوقائعي الذي تتعاقب بمقتضاه الأفعال السردية يجعل من الخلفية التاريخية والاجتماعية والسياسية والنقابية مداخل لخلق عوالم روائية تتصارع فيها مصائر الشخصيات الروائية ذات النفس الواقعي ـ الاجتماعي. في روايتي" الكافية والوشام" والوساوس الغريبة يلاحظ هيمنة تيمات العشق والجريمة والكتابة..إلخ، وهي الموضوعات التي يتم اختبارها انطلاقا من شخصيات روائية تبنى وفق إيقاع متسارع في السرد قوامه الحذف والتكثيف والاختزال. ثمة، أيضا، ما يشبه الحبكة البوليسية على مستوى البناء الروائي في روايتي محمد مفلاح بالنظر إلى الحضور المكثف لموضوعة الجريمة في صلب السيرورة الحدثية، مقرونة بعنصري الإلغاز الإثارة، وهي مميزات تدرج رواية محمد مفلاح ضمن مفهوم الأدب الروائي التشويقي القائم على التواصل مع أوسع شرائح القراء بعيدا عن أية حذلقة إنشائية أو نخبوية متعالية. 

الجلسة الرابعة: تخييل الذات في الرواية الجزائرية
القاص والناقد محمد غرناط، كان أول المتدخلين في الجلسة الرابعة، بورقة نقدية حول (الشخصية النسوية في ثلاثية أحلام مستغانمي) مركزا على المحاور الأساسية التالية: سؤال الكتابة وسلطة السرد ثم العلاقات المعقدة و اللغة والجسد. في المحور الأول تناول علاقة المرأة بالكتابة، وبصفة خاصة بالجنس الروائي كشكل تعبيري اختارته الكاتبة لتشخيص ذوات وأحداث وأسئلة تشغل فكرها ومخيلتها وهي تحاول التقاط تفاصيل الكينونة وتجاوز العوائق لإعادة بناء تاريخ الذات والوطن، وإنتاج نص تؤسس فضاءاته وشخوصه بعيدا عن أي سلطة مادية أو رمزية. أما المحور الثاني فبسط للشخصية النسوية الساردة. وما تتميزبه من تمظهرات متعددة، فهي مؤلفة وشخصية محورية وساردة منظمة للمحكي.وهذا يثير قضية أخرى تتعلق بحضور العناصر السير ذاتية التي دعمت هيمنة صوت المؤلفة الساردة مما جعل منها شخصية محورية و وظيفية والمحكي يمر عبر وعيها. أما المحور الثالث فجاء حول قضية علاقة الشخصية النسوية بالمكونات الأخرى الروائية. فيما كان المحور الرابع يهم قضية اللغة والجسد من منظور إخضاع اللغة لشروط الأنوثة في سياق استعادة حق الكلام و تجاوز السائد المغلق. وهنا تعزز المرأة موقعها بامتلاك لغة تعكس تجاربها النفسية والاجتماعية ضمن العلاقات الظاهرة والخفية بالجسد كما يعكسه الوعي القائم والممكن من خلال مختلف مظاهر و تحولات الوقائع والأحداث.

وتلت مداخلة الدكتور محمد غرناط، ورقة الناقد جمال بوطيب، الذي تدخل في موضوع (الاستعارة الجسدية: الذات والآخر والتاريخ في الرواية الجزائرية) ينطلق جمال بوطيب من ملاحظة مثيرة في أعمال واسيني الأعرج وهي حضور ثنائية الذات/ الجسد، لاسيما أن الروائي يختار لمتونه السردية ذاتا/ جسدا واحدا هو الذات الجزائرية، عبر مختلف تمظهراتها التاريخية المسجلة لمراحل زمنية متعاقبة من تاريخ الجزائر الحديثة. ففي سيدة المقام مثلا يظل الهاجس الأوحد للرواية فيها بينما تكون المدينة استعارة métaphore للجسد القاتل . إذ يقدمها الروائي على أنها " متقبل" لفعلي الإجهاز والتصحير المنفذين من طرف بني كلبون وحراس النوايا تنفيذا بالتعاقب. ويظهر هذا البرنامج الاستعاري الجسدي الذي يعتمده الكاتب عبر سنن" المتقبل المنفذ " ، أيضا في روايته " وقع الأحذية الخشنة "، لكن هذه المرة من خلال ازدواجية المنفذ في حالات الفعل ومن خلال تحوله إلى متقبل في حالات تلقي الفعل. ف " ليلى " تسند إليها وظيفة التنفيذ في علاقتها مع السارد أو البطل تنفيذا استعاريا. بينما يكتفي العاشق بتلقي الخطاب البلاغي الجسدي وتقبله محاولا فك سننه، وحين يعجز عن فكه واقعيا يفكه استعاريا.أما أهم محاور الاشتغال في هذه المداخلة فهي: في نقد السيرة، الذات الجمعية والجسد الخاص، الجسد المرجعي، تفحيل الجسد الأنثوي، الجسد المستعار، الرقص والموت، الوعي الجسدي، الوعي بالجسد في علاقته بالذات، الوعي بالجسد في علاقته بالآخر، الوعي الآخر بالجسد.

وقرأ الناقد والمبدع إبراهيم الحجري (رواية "تيميمون":أزمة الذات ـ أزمة الواقع الاجتماعي) والتي صنفها تنتمي ضمن الأعمال الروائية التي تنصرف إلى النبش في تفاصيل الذات المأزومة بحثا عن سر اللعنة الراسخة في الأعماق، وهي روايات ذاتية، في غالبيتها، تنزع نحو تشريح الذات، في جانب معين من خصوصيتها، تماما كما تفعل السير الذاتية، لكن بشكل أفظع أحيانا. ولعل رغبة الروائي الأكيدة في القبض على عوالمه المجردة الداخلية تجعلها يسلك هذا المسلك في رفع الحجب عن شخوصه وتشخيص مكامن الخلل في ذواتها الخبيئة التي تشكل بؤر توتر عميقة تؤثر على مسار هذه الشخوص في علاقاتها المتشعبة بالحياة، فيكون المعبر الأصلح بالنسبة إليه هو تقشير ذاته القريبة منه، أو جعل الشخصية الرئيسية تحل في شخصيته هو لتكون أقرب إليه، وليستطيع تحويل عصارة آلامها إلى كائنات مرئية. إنه ببساطة حينما يحول ذاته إلى شخصية يفسح ما أمكن لصور الآخرين وهم يعاركون واقعهم ومآسيهم بأن تلوذ بظله هنيهة حتى يمكنه القبض عليها ويستمع إلى جراحاتها التي تتأبى على فضحها. انطلاقا من هذه الفلسفة يركب رشيد بوجدرة صهوة متخيله الذاتي، ليعابث قسوة الواقع، وينشر على حبل الغسيل أمراض الذات وهي تهادن هذا الواقع أو تتمرد عليه بطرقها المتعددة. إن هذه الرواية الذاتية بقدر ما هي بوح جريح، فهي أيضا إعلان عن سخط ضد الوضعية السياسية والاجتماعية التي تعيش عليها بلاد المليون شهيد، ومثلما هي قاسية على الذات فهي قاسية أيضا على العالم بما في ذلك القارئ نفسه.

وحول (رؤية الذات في الرواية الجزائرية"امرأة بلا ملامح " لكمال بركاني و "ذاك الحنين " للحبيب السائح) تدخل الباحث أحمد بلاطي ممهدا بالحديث عن كون الرواية الحديثة قد أنهت المفهوم الكلاسكي للذات باعتبارها كلية متجانسة، فنقلت تشظياتها وانكساراتها؛ بفعل تشظي العالم الخارجي وشكانيته المفرطة. وإذا كانت الرواية الحديثة تسعى إلى هدم العالم و خلخلة تماسكه، فإنها تلغي الموضوع الذي بدونه لا تتحدد الذات. وهذا ما يؤدي بالروائي إلى التعويض عن هذه الخسارة، بتقنيات أخرى تعيد بناء العالم وترميمه، كي تبدو الذات في الوقت نفسه متماسكة؛ فباستعمال الأقنعة واللعب بالضمائر، والإيهام بالواقعي، والإيغال في استدعاء لغة الأحلام، يعيد القارئ بناء الذات نفسها وإعادة تشكيلها، انطلاقا من استراتيجيات التماثل والتقابل والتجاور.  

الجلسة الخامسة: تخييل الراهن في الرواية الجزائرية
من إشكالية "تخييل الذات" الى إشكالية "تخييل الراهن"، الناقد والقاص عبد الرحيم مؤدن كان أول المتدخلين في الجلسة الخامسة بموضوع (الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء:سرد الكشف والاكتشاف)مذكرا بأنه لا يمكن فصل ـ والكاتب يصرح بذلك بوضوح تام ـ هذه الرواية عن روايتين سابقتين للكاتب هما: الشمعة والدهاليز والولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي. ثلاثية روائية تشترك في الكشف والاكتشاف: كشف الذات(الولي) واكتشاف العالم المحيط به، في الماضي والحاضر والمستقبل، خاصة أن نزول ظاهرة الخسوف الكلي على العالم العربي والإسلامي، سمح للولي بالتساؤل عما جرى، والدعاء طلبا للطف والرحمة ـ أو من جهة ثانية ـ رغبة في تشديد العقاب بحثا عن بديل طاهر ينسحب على الإنسان والزمان والمكان.

في الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء نلمس الطرائق(الأساليب) السردية التالية:

                أ ـ أسلوب كراماتي يساير شخصية الولي الحاضر الغائب. الحاضر في كل زمان ومكان. زمنا: هو أني"قرون وقرون ولكن لا يعلم في أي زمن هو الآن."(الرواية، ص.19) ومكانا:"يذرع العالم العربي من المحيط إلى الخليج غاديا بسرعة البرق ويضرب في عمق التاريخ نازلا صاعدا كالكرة المتقاذفة بجاذبية قوية، وبنفس السرعة."(الرواية، ص.21.) والكرامة كما هو متداول، لا تأتمر بأوامر المنطق، بل إن منطقها هو تعارضها مع العادي والطبيعي، ومتحها من الخارج، مما ولد عجائبية السرد والشخصية والحدث، فضلا عن المكونات السردية الأخرى.

                ب ـ أسلوب الروبورتاج الصحفي والعالم في الرواية شاشة كبيرة ـ معجما وخطابا اعلاميا، ساهم في بناء النص من خلال خصائص محدودة(التكثيف، التقريرية، أو المباشرة...) منحته إيقاعا مميزا(السرعة والقدرة على الانتقال من موضوع إلى آخر...) وتحولات في الحدث والدلالة.

                ج ـ أسلوب السرد الكلاسيكي، وفي يختفي السارد وراء زاوية النظر التي تسمح بمسح بانورامي للعالم العربي ووالإسلامي، دون ان يمنع ذلك من وجود محطلت تبئيرية كانت تعود بين الفينة والخرى، غلى الولي من جهة، وتقف من جهة اخرى، عند ظواهر محددة(فلسطين، العراق، النفط، الوحدة اففريقية، اللغة العربية، الأمازيغية....) وعبر الأساليب السردية الثلاثة تحلقت خصائص سردية أخرى من سحرية وسجال...انتشرت في النص بأبعاد مختلفة.

وفي ورقة الباحث لحسن احمامة حول (الراهن الجزائري روائيا) درس الباحث رواية دم الغزال لمرزاق بقطاش وجرس الدخول إلى الحصة لعبد الله خمار. وعبرهما رصد تفاعل الفني والسياسي من خلال الكتابة الروائية على اعتبار أن الرواية الجزائرية المعاصرة لم تنزح عن الإطار الإيديولوجي ونقد الواقع الجزائري الراهن وإبراز تناقضاته ومفارقاته. وهو الأمر الذي قاد لحسن احمامة إلى إدراج الروايتين في ما سماه بالواقعية النقدية التي ترصد تناقصات الواقع ومفارقاته. مع الإشارة إلى اختلاف الروايتين من حيث البناء الفني فرواية دم الغزال رواية تنزع نحو التجريب اما رواية جرس الدخول إلى الحصة فهي رواية تقليدية من حيث البناء.

أما الدكتور سعيد زيدون فقدم قراءة في رواية الهجمة لياسمينـة خضرا والتي تستمد الرواية وقائـع أحداثها من قصة طبيب جراح فلسطيني، الدكتور أمين جعفـري، يعيش مع زوجته الفلسطينية سهـام في تل أبيب. يحمل أمين جعفري الجنسية الاسرائلية ويشتغل في مستشفى بنفس المدينة. أمين يحب عمله إلى درجة لا تتصور، وزملاؤه وأصدقاؤه يكنون له كل الاحترام والإعجاب. رغم العنف وما يجري في الأراضي المحتلة فالدكتور أمين يمثل رمـزا ناجحا للاندماج في المجتمع الإسرائيلي. كل شئ كان على ما يرام إلى أن فجر انتحاري نفسه في مطعم من مطاعم تل أبيب. بعد ذلك شهد المستشفى حركة غير اعتياديـة وبـدل أمين كل مجهوداته في إسعاف ضحايا الانفجار. من سوء حظ الدكتور عثر على جثة زوجته ممزقـة وسط الجثث الأخرى. بعد ذلك أشارت الشرطة بأصابع الاتهام إلى سهـام زوجة الدكتور كالمسؤولة الأولى عن الانفجار.حققت الشرطة مع أمين لتخلي سبيلـه فيما بعــد. وهنا تبدأ رحلة الدكتور في البحث عن الحقيقة .لماذا اختارت زوجته هذه الطريق علمــا بأنها حسب نظره تعيش حياة سعيـدة لا ينقصها أي شئ. في أسلوب سردي وصفي دقيق تتطرق الرواية إلى مواضيع أو محاور مهمة كالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الاندماج، الإرهاب، الـذل، الشرف، الخيانة، التطرف والاعتدال .... كل هذا من خـلال شخصيات نسجها الكاتب مزجت بين اليهود والعرب، المتطرف والمعتدل، الشباب والشيوخ......

وأنهت الباحثة مريم حريزي سياق قراءات الجلسة، بمقاربة لرواية (نجم الجزائر) لعزيز شواكي والتي يروي فيها رحلة مزيان أو موسى الشاب القبائلي نحو نجم الجزائر نحو النجومية العالمية،في أسلوب وصفي متميز يرصد عبره من خلال أعين و صوت موسى جزائر التسعينيات من القرن الماضي. بخطى حثيثة يسير موسى نحو شهرة محلية تؤمن له الاستقرار المادي والعاطفي، في حين تتزوج من قريبها وتتفجر أحدات سياسية و اقتصادية تعصف باحتهم موسى، و يضيع في عالم الخمر و المخدرات.تتوالى الأحداث وتصبح أكثر تعقيدا لتجعل من موسى عاشق الغناء إلى نجم من نوع آخر.لا تخلو قصة نجم الجزائر من مفارقات ومحاور وهموم تتعدى حدود البلد الواحد لما فيها من تعبير عن هموم وطموحات وأحلام واحباطات الشباب في الدول العربية عامة، وفي شمال إفريقيا على وجه الخصوص.

وقد اختتمت الندوة بمائدة مستديرة أطرها الناقد نور الدين صدوق بورقة نقدية عرض فيها لأهم التيارات الفنية في الرواية الجزائرية وكذا الروائيين بمختلف تجاربهم وحساسياتهم الفنية. ثم تدخل بعد ذلك الوفد الجزائري والمغربي وتم الإعلان عن عقد لقاء الرواية المغربية بعيون جزائرية في ماي 2008 بسطيف الجزائرية كما اتفقوا على نشر أشعال الملتقى بالمغرب والجزائر، كما أعلن عزالدين جلاوجي عن جائزة الرواية المغاربية التي ترعاها رابطة أهل القلم ويشارك فيها الروائيون الجزائريون والمغاربة. 

ملحق نبذة مختصرة عن مختبر السرديات:
المكتب المسير: ـ شعيب حليفي، أستاذ التعليم العالي. (رئيس المختبر)

                - عبد اللطيف محفوظ، أستاذ التعليم العالي.
                - عبد الفتاح الحجمري، أستاذ التعليم العالي.
                 ـ إدريس قصوري، أستاذ التعليم العالي.

ا ـ تأسس مختبر السرديات يوم السبت ثامن مايو 1993، من قبل مجموعة من النقاد و الأساتذة الباحثين المنتمين لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء قبل أن ينفتح ويضم عددا من المثقفين والنقاد من مجموع المدن المغربية باعتبارهم أعضاء منتسبين. وقد اشتغل منذ ذلك الوقت على موضوعات ذات صلة بالسرد بمختلف أنواعه. حيث نظم العديد من الندوات والأيام الدراسية واللقاءات حول الإبداع والنقد السرديين، وقد كان الاهتمام بالكتابات المغربية والعربية والعالمية. بالإضافة إلى إصدار مجموعة من المنشورات.

كما أنجز المختبر ،قبل التأسيس،عددا من اللقاءات الثقافية:

1 ندوة:_قراءة في التجربة الروائية الجديدة بالمغرب) يوم 27 أبريل 1992.
2 مائدة مستديرة حول: _التلقي والنقد الأدبي) يوم 14 يناير 1993.
3 مائدة مستديرة: _الممارسة النقدية بالمغرب: قضايا وظواهر) 11 مارس 93.
4 مائدة مستديرة:_راهنية البحث العلمي بالمغرب) يوم 26 نونبر 1993.

اا ومع التأسيس كانت الرغبة متمثلة في البحث عن الأفق الثقافي بين حداثة الرؤية
و تحديث الأدوات والتشغيل، حيث أنجز المختبر ندوات وطنية، ودولية، إضافة إلى موائد مستديرة وأيام دراسية حول الإبداع المغربي والعالمي جاءت كالتالي:

الندوات:

 ندوة: "أحمد اليبوري: الكاتب والإنسان". الجمعة18 مارس 1994.
 ندوة: "محمد برادة ورهانات الكتابة" بتاريخ الجمعة 30 ماي 1994.
 لقاء مفتوح مع القاص أحمد زيادي حول تجربته القصصية. 29 نونبر 1994
 يوم دراسي: " باب تازة: الرواية والكتابة" لقاء مع عبد القادر الشاوي . 13 دجنبر 1994.
 لقاء مع موليم العروسي حول "مدارج الليلةالموعودة" و "مدارج الليلة البيضاء" 19يناير1995.
 ندوة وطنية: الحداثة وعناصر التحديث في الرواية المغربية. أيام 14 ـ 15 ـ 16 مارس 1995.
 ندوة في الرواية المغربية حول: "عبد الكريم غلاب: الكتابة وأسئلة الهوية" .15 دجنبر 1995.
 مائدة مستديرة: السرديات: النسق والآفاق، لقاء مع عبد الله علوي المدغري .8 مارس 1996.
 ندوة دولية: نيكوس كازانزاكي، العالم الإسلامي والمتوسطي: الآداب والثقافة": 10 ـ 11نونبر 1997 بالاشتراك مع مجموعة البحث في الأدب المقارن، جمعية أصدقاء كازانزاكي وحلقة مليناميركوري.
 مائدة مستديرة حول رواية دون كيشوت: "مع سيرفانتيس" 15 دجنبر 1997.
 ندوة _النقد الروائي) أنجزها المختبر بالقاهرة بتنسيق مع اتحاد الكتاب المصريين يوم 03 مارس 1998 بمقر الاتحاد بالقاهرة بمشاركة: شعيب حليفي، عبد الحميد عقار، عبد الفتاح الحجمري وبهاء طاهر.
 ندوة دولية بمرسيليا حول الثقافة المتوسطية. أيام 6 ـ 9 أبريل 1998 بتنسيق مع CIDIM بفرنسا .
ـ ندوة دولية:الآداب المقارنة: إفادتها للآداب الوطنية ووضعيتها في العالم.أيام 8.9.و10 يونيو 1998.بالاشتراك مع الجمعية المغربية للباحثين في الآداب المغاربية والمقارنة ومركزا لدراسات في الاداب المقارن والديداكتيك.
 ندوة دون كيخوتي والتراث السردي . مع المركز الثقافي الاسباني بالدار البيضاء19 و20 فبراير 99.
 ندوة دولية: الآداب المقارنة في العالم العربي. 28 و29 ابريل1999.
 لقاء ثقافي تربوي مع تلاميذ مدرسة الخنساء(في ضيافة الخنساء).
 ندوة: الديكامرون لبوكاشيو: مقارنات ومقاربات. يوم 17 فبراير 2004 .
                  18 ـ ندوة: المتخيل الذاتي: قضايا الأسلوب والكتابة .بالاشتراك مع زرقاء اليمامة. 9مارس2004.
                  لقاء ثقافي مع تلاميذ مدرسة الخنساء:(الإبداع بصوت الخنساء).27مارس2004 .
                  ندوة: الكتابة والمرأة. بالاشتراك مع مجموعة البحث زرقاء اليمامة.1ابريل2004
                  ندوة: صورة اسبانيا في الرحلات المغربية.17يونيو2005.
                  ندوة: الأدب والتاريخ.بالاشتراك مع cclmc ووحدة المغرب أوربا. 24ماي 2005.
                  ندوة: التجربة النقدية عند نور الدين صدوق: الأداة والرؤية.21دجنبر2005.
                  ندوة: الخيال العلمي في الأدب العربي. 25 ابريل2006.
                  تجارب روائية: تمثلات الحياة في تجارب:عمروالقاضي،علي افيلال،محمد. صوف.25ماي2006
                  ندوة:حبيب سروري:الرواية وتمثل الواقع. 20دجنبر2006.
                  تجارب روائية:قراءات في روايات عبد الحميد الغرباوي،احمدا لكبيري،محمد أمنصور،الحبيب الدايم ربي.22دجنبر2006.بسلا وبالاشتراك مع اتحاد كتاب المغرب.فرع سلا
                  حلقة نقاشية:الصحافة والخطاب السياسي:الوعي والمعرفة.بالتنسيق مع نادي القلم.26 يناير07.
                  ندوة وطنية:الرواية التونسية: رهانات التخييل والكتابة.بالتنسيق مع مركز الرواية العربية بتونس واتحاد الكتاب التونسيين واتحاد كتاب المغرب بالجديدة.أيام 22و23و24 فبراير 2007.
                  تجارب روائية:ورشة الكتابة.قراءات في سرود عزت القمحاوي.بالتنسيق مع نادي القلم المغربي والجمعية البيضاوية للكتبيين.24 مارس 2007
                  ندوة:الروية والتأويل في النقد الأدبي بالمغرب.بالتنسيق مع جمعية الباحثين الشباب في اللغة والآداب.مكناس 26 ابريل2007
                 مائدة مستديرة:أسئلة المسرح المغربي اليوم بمشاركة محمد بهجاجي وعبد الواحد عوزري بالتنسيق مع ماستر الدراسات الادبية والثقافية بالمغرب.18 ماي 2007
                   ندوة وطنية حول الأدب والتاريخ .يوم 29 ماي 2007
                  تجارب روائية،لقاء نقدي حول أعمال يوسف أبو رية .بحضور المؤلف.12 يوليوز 2007 بفضاء الحرية.

إصدارات المختبر:
 باب تازة: الرواية والكتابة
 رهانات الكتابة عند محمد برادة
 المنهج والمعرفة:  حول أحمد اليبوري: الكاتب والإنسان)
 أسئلة الحداثة في الرواية المغربية

الأنشطة التي أنجزها مختبر السرديات خلال الموسم الجامعي 2006 ـ 2007

 ندوة:الخيال العلمي في الأدب العربي. 25 ابريل2006.
 تجارب روائية: تمثلات الحياة في تجارب:عمروالقاضي،علي افيلال،محمد صوف.25ماي2006
 ندوة:حبيب سروري:الرواية وتمثل الواقع. 20دجنبر2006.
 تجارب روائية:قراءات في روايات عبد الحميد الغرباوي،احمدا لكبيري،محمد أمنصور،الحبيب الدايم ربي.22دجنبر2006.بسلا وبالاشتراك مع اتحاد كتاب المغرب.فرع سلا
 حلقة نقاشية:الصحافة والخطاب السياسي:الوعي والمعرفة.بالتنسيق مع نادي القلم.26 يناير07.
 ندوة وطنية:الرواية التونسية: رهانات التخييل والكتابة.بالتنسيق مع مركز الرواية العربية بتونس واتحاد الكتاب التونسيين واتحاد كتاب المغرب بالجديدة.أيام 22و23و24 فبراير 2007.
 تجارب روائية:ورشة الكتابة.قراءات في سرود عزت القمحاوي.بالتنسيق مع نادي القلم المغربي والجمعية البيضاوية للكتبيين.24 مارس 2007
 ندوة:الروية والتأويل في النقد الأدبي بالمغرب.بالتنسيق مع جمعية الباحثين الشباب في اللغة والآداب.مكناس 26 ابريل2007
مائدة مستديرة:أسئلة المسرح المغربي اليوم بمشاركة محمد بهجاجي وعبد الواحد عوزري بالتنسيق مع ماستر الدراسات الادبية والثقافية بالمغرب.18 ماي 2007
ندوة وطنية حول الأدب والتاريخ .يوم 29 ماي 2007
 تجارب روائية،لقاء نقدي حول أعمال يوسف أبو رية .بحضور المؤلف.12 يوليوز 2007 بفضاء الحرية. 

مجلة "الكلمة": نافذة مفتوحة على الأدب المغربي
هذا الشهر، تنهي مجلة الكلمة سنتها الأولى لتواصل مسيرتها التي انطلقت شهر يناير 2007، ويبدو أن نداء افتتاحية العدد الأول التي خطها الدكتور صبري حافظ، الذي كان سببا مباشرا في إضاءة هذه الشمس العربية بامتياز، قد حولت كتاب الكلمة الى حراس وأمناء الكلمة الشريفة المتأصلة في الوجدان العربي. الكلمة التي تساءل وتفكك وتنتقد وتحلل وتتشاكل. ومنذ العدد الأول انفتحت المجلة على جغرافيات ثقافية عربية، ومنها جغرافية الجسد الثقافي المغربي. وظلت مشروطة بزمن صدورها. لذلك كانت الملفات المقدمة سواء:ملف القصيدة المغربية الحديثة، وملف راهن القصة القصيرة بالمغرب. والملف القادم حول الرواية الجزائرية، والآخر حول الرواية المغربية. إضافة للعديد من الدراسات والبحوث والمراجعات والنصوص. تقدم الوجه المشرق لهذا الجسد الثقافي الغني، وفي نفس الآن تتأمل إشكالاته ومفارقاته.

وبالقدر الذي حرصت فيه الكلمة على الانفتاح على الأسماء التي كانت تؤثث هذا المشهد، انفتحت المجلة على دماء وشرايين شابة جديدة، تمتلك شرطها وأحقيتها في الوجود والتساؤل والتحقق. رغم أن رهان المجلة على أن تصدر عبر الانترنيت. يضعها في علامة فارقة في مشهد إصدار المجلات العربية. فكانت الكلمة شبيهة بالمجلة الأدبية الفكرية الشهرية الورقية التي تصدر من خلال الانترنيت. والى اليوم لازال هذا السؤال المكرر عن الكلمة في الأكشاك المغربية. وكأنها اختارت هذا العبور الافتراضي الذي يتحقق كل شهر من خلال الشبكة المعلوماتية. اختارته افتراضا، على أساس خطها التحريري الذي اختار تسويق رهانه الفكري من خلال الشبكة. كي لا يتحول الانترنيت الى وعاء للتفريغ.

ومجددا تتيح الكلمة من خلال أعدادها 12 ملامسة المشهد الثقافي المغربي. الذي ظل يحبل بالعديد من الأسئلة. فرغم طبيعة المشهد الذي يعاني من انحسار المقروئية، والتراجع المريع في التداول الثقافي والأدبي. وهيمنة الكثير من السلوكات الغير ـ الأدبية. ناهيك على المفارقات التي ظلت تجعل من رهانات الثقافة المغربية، رهانات مؤجلة. جعلت من العديدين يعيدون ديباجة السؤال: "أي ثقافة نريد؟؟".. كل ذلك إذا ما أضفنا إليه شعارات الثقافة الوطنية، في تعدد أصولها ومراجعها الفكرية واللسانية. تعيدنا من جديد الى طرح نفس الإشكالات والأسئلة التي لا زالت لا تغادر هذا الجسد الثقافي الذي أمسى يتحرك بمقود فردي بطولي امتد في جميع الجغرافيات العربية. حتى أمسى لدى البعض مرجعا غنيا في التساؤل والتأويل.

إننا اليوم، ونحن نطفئ شمعة الكلمة الأولى، نجدد دعوتنا المفتوحة الى جميع المثقفين المغاربيين: مغاربة، جزائريين، ليبيين، موريتانيين وتونسيين، الى جميع المبدعات والمبدعين والكاتبات والكتاب. الى الانخراط مجددا في الكلمة ـ المجلة، في الكلمة ـ الرؤية التي تدفعنا الى الانخراط في الدعوة السابقة أي تحرير الكلمة من سدنة التخلف والبؤس الفكري. في اتجاه تحرير هذا العقل العربي المكبل بقيود التردي والبكاء المتواصل.

أن نلتف جميعا على الكلمة لتصبح عبورا للتفكير وللمختلف..
أن نكون هذه "النحن" المنفتحة على التعدد..

رغبت في النهاية أن أختتم هذه الورقة بتوقيع للكاتب والروائي الليبي محمد الأصفر، لعله يلخص ما قلناه: "مجلة الكلمة مجلة قيمة ومتنوعة ومحتضنة الأشكال الأدبية كافة فهي لم تنحز لكتابة من دون أخرى لكنها نشرت للجميع من مختلف الأجيال كانت الكلمة همها النص بالدرجة الأولى وصاحبة بالدرجة الخمسين واشكرها لأنها نشرت روايتي شكشوكة كاملة من دون حذف وأشكرها لأن المواضيع المنشورة فيها والتي قرأتها استفدت منها كثيرا وأتمنى أن تستمر وتصدر ورقيا إن تمكنت من ذلك ونشد على يد الدكتور صبري حافظ من أجل استمراريتها وتألقها ونأمل من المبدعين كافة أن يقفوا مع الكلمة وقفة شرف وحب وفي انتظار العدد الأول من السنة الثانية لأرتشفه كرسمسا أدبيا"