تتناول هذه الدراسة ديوان الشاعر العراقي عبدالوهاب البياتي (قمر شيراز) بالتحليل وتموضع بنياته الدالة في سياقاتها التاريخية والحضارية.

البنيات الدالة وإطارها التاريخي

في ديوان (قمر شيراز) للبياتي

عبدالهادي أحمد الفرطوسي

"أجرح قلبي, أسقي من دمه شعري,.....  تولد من شعري امرأة"(1)
نستطيع القول أن العبارات السابقة تشكّل المولد الشعري لقصيدة "قمر شيراز" لعبد الوهاب البياتي، والمولد ـ كما يعرفه ريفاتير ـ هو "تحوّل جملة حرفية صغرى إلى إسهاب مطول ومعقد وغير حرفي"(2)، ولعل أول ما يواجهنا في تلك العبارات أنها تشكل سلسلة من الجمل الفعلية ترتبط فيما بينها ارتباطا تتابعيا (أجرح... أسقي) وسببيا (أسقي... تولد)، وحين نواصل قراءة النص نلمس هيمنة طاغية للجمل الفعلية الخبرية، الأمر الذي يدفعنا إلى النظر إلى القصيدة بوصفها نصا سرديا ـ غنائيا في آن واحد، ومن ثم فأن القراءة السياقية لها ستكون مزدوجة: تتناول الأولى تحليل البنية السردية لها، على وفق قواعد علم السرد، وتتناول الثانية المحاور الدلالية والثنائيات المهيمنة وتتبع تشابكاتها؛ وصولا إلى القراءة التأويلية. 

1 ـ القراءة السياقية
يكشف تحليل النموذج العاملي أن الحالة قبل البدئية تفيد وجود علاقة اتصال بين فاعل متمثل بالبطل الراوي الذي يعبر عنه ضمير المتكلم، وموضوعه، ويحصل التحويل الأول مع بدء الأحداث فتقوم حالة انفصال بين الفاعل وموضوعه (المرأة ـ المدينة) نتيجة لسلسلة أحداث المساق الأول:
"أجرح قلبي, أسقي من دمه شعري,.... تولد من شعري امرأة"
وهنا لابد من الإشارة إلى أن النهر وجوهرته والفراشات الحمر تؤدي دور المساعد في هذا التحويل:
"تتألَّق جوهرة في قاع النهر الإِنساني, تطير فراشات حمر"
غير أن علاقة اتصال بين فاعل ثان هو القمر الشيرازي والموضوع ذاته تنشأ بوساطة اسم الفاعل (حاملة)، نكشفها العبارات:
"حاملة قمرًا شيرازيّا في سنبلةٍ من ذهب مضفورًا"
بينما يؤدي عسل الغابات و النار الأبدية دور المساعد:
"يتوهج في عينيها عسل الغابات وحزن النار الأبدية".

ومع المساق الثاني يبدأ تحويل ثان، فتصير المرأة فاعلا والشمس موضوعا، يتصل الفاعل بموضوعه محققا الاكتساب على وفق كريماس ـ فينفصل الموضوع عن الفاعل الضد (حبات العرق و الألوان المخبوءة في اللوحات) محققا الانتزاع، ومن المعلوم أن الاكتساب والانتزاع يمنحان النص صفة التوتر والصراع، ومما لا بد من الإشارة إليه أن الأجنحة والليل يأخذان دور المساعد في هذا التحويل، يتبين ذلك من النص الآتي:
"تنبت أجنحة في الليل لها, فتطير, لتوقظ شمسًا نائمة في حبات العرق المتلألئ فوق جبين العاشق, في حزن الألوان المخبوءة في اللوحات".

في المساق الثالث يحصل تحول ثالث، فالمرأة ـ المدينة تحافظ على دور الفاعل، ولكنها ترتبط بموضوعين: الأول هو (القمر الشيرازي)، والثاني هو البطل الراوي، يتحقق الاكتساب فيحدث الاتصال بالموضوع الثاني، متمثلا بالتعبد فيها، دون أن يرافقه انتزاع فيبقى الموضوع الثاني متصلا بالفاعل، ولنتذكر أن دور المساعد في هذا التحويل يأخذه النوم والقلب والشعر وكلها مضافة إلى الموضوع الثاني، ومعها الليل الذي أخذ دور المساعد على الاتصال بين الفاعل والموضوعين معا:
"امرأة حاملة قمرًا شيرازيًّا, في الليل تطير تحاصر نومي, تجرح قلبي, تسقي من دمه شعري, أتعبد فيها".

ويتحقق التحول الرابع باتصال المرأة المدينة ـ  بوصفها فاعلا ـ بموضوع جديد هو المدن، ويكون الغرق صورة لذلك الاتصال، بينما يؤدي النهر والسحر العسليٌّ دور المساعد على ذلك الاتصال:
" مدنًا غارقة في قاع النهر النابع من عينيها, يتوهج سحر عسليٌّ يقتل مَنْ يدنو أو يرنو أو يسبح ضد التيار".

في المساق الخامس يأخذ البطل الراوي دور الفاعلية فيرتبط بموضوعين: الأول المرأة ـ المدينة، والثاني الألوان المخبوءة في اللوحاتْ، الذي كان في التحويل الثاني فاعلا ضدا، أن التحول الخامس يتحقق بانفصال الفاعل عن الموضوع الأول واتصاله بالموضوع الثاني، فيحصل بذلك انتزاع واكتساب في آن واحد، ومن الجدير بالذكر أن الليل والجناح يأخذان دور المساعد، مثلما حصل في التحويل الثاني:
"أتملَّكها, أسكن فيها, أعبدها; أصرخ في وجه الليل، ولكن جناحي يتكسر فوق الألوان المخبوءة في اللوحاتْ"
في المقطع الثاني من النص يواصل البطل الراوي دور الفاعلية فيرتبط بموضوعه السابق المرأة ـ المدينة، محققا تحويلا سادسا من الانفصال إلى الاتصال، يتجسد ذلك بالسباحة في النهر النابع من عيني المرأة، ويأخذ نهر النار والعسل الناري دور المساعد:
"مجنونًا بالنهر النابع من عينيها بالعسل الناريِّ المتوهج في نهر النار أسبح ضد التيار".

ويتأكد ذلك التحول عن طريق جزء من منطوق التحول الخامس:"أتملكها, أسكن فيها أعبدها"،وتتكرر صورة التحول السادس ذاتها في المقطع السادس بتعديل يبلغ به الاتصال مداه الأقصى بغرق البطل:
"أسبح من غير وصول للشاطئ, أغرق سكرانْ."

ويحصل التحويل السابع في المقطع السابع، إذ يأخذ البطل الراوي دور الفاعل وتأخذ المرأة دور الموضوع ويأخذ القمر الشيرازي دور الفاعل الضد، فيتحقق الاتصال بين الفاعل وموضوعه من جهة، مستعينا بالأجنحة والليل مساعدا: "أُفرد أجنحتى وأطير إليها في منتصف الليل..... كوني..... زادي في هذي الرحلة كوني آخر منفى وطن, أعبده, أسكن فيه وأموتْ"، كما يتحقق اتصال آخر بين الفاعل الضد والموضوع من جهة أخرى تأخذ فيه البوَّابات الحجرية وأغصان حديقتها دور المساعد فيه:
"تحلم بالقمر الشيرازيِّ الأخضر فوق البوَّابات الحجرية يبكي, يتدلَّى من أغصان  حديقتها ويظلُّ وحيدًا يتعبد فيها".

وهنا لا بد من الانتباه إلى  ملاحظتين: ألأولى أن حالتي الاتصال المشار إليهما تمثلان "حالة كيان" في لغة غريماس(3)، أي أن حضور الموضوع والعلاقة لا يتحققان قي الواقع الفعلي، وإنما يكونان قائمين في ذهن الفاعل فقط. والثانية أن اتصاف الحالتين المذكورتين بأنهما حالتي كيان ومجيئهما بعد حالة الاتصال الواردة في التحويل الخامس، يدلان على وجود تحويل مغيب يتضمن حالة انفصال.

وفي المقطع الثاني عشر يحصل التحويل الثامن فيتحقق الاتصال بين الفاعل وموضوعه متمثلا بالمرأة المدينة، ويأخذ دور المساعد كل من النار والأجنحة والفجر:
ونبقي نرحل في الليل إليها محترقين بنار الحزن الأبديَّة, تنبت
أجنحة في الفجر لنا, فنطير, ولكنا قبل وصول الركب اليها, نتملَّكها نسكن فيها".

ولنتذكر أن هذا الاتصال يمثل كسابقيه حالة كيان بدلالة "قبل وصول الركب اليها"، لكن ما يلفت الانتباه أن الفاعل هذه المرة أخذ صيغة جماعة المتكلمين بدلا من صيغة المتكلم المفرد، الواردة على امتداد النص.

ويتحقق التحويل التاسع في المقطع ذاته فتحصل حالة انفصال بين الفاعل وموضوعه:
ونعودْ

أما التحويل العاشر فقد جاء في المقطع الختامي، بصورة اتصال بين الفاعل متمثلا بالبطل وموضوع جديد متمثلا بالنور، ويأتي الجناح مساعدا في هذا الاتصال:
"وجدوني عند ينابيع النور قتيلاً...  وجناحي مغروسًا في النور" لكن تعبيرا كنائيا يومئ إلى اتصال آخر بين الفاعل ذاته والموضوع القديم المرأة المدينة، فالعبارات: "وفمي بالتوت الأحمر والورد الجبلي الأبيض مصبوغًا" تحيلنا على المقطع السابع من النص والقول: "كوني أيتها المشربة الوجنة بالتوت الأحمر والورد الجبلي الأبيض زادي" ومن ثم فإن اصطباغ فم البطل بلون التوت ولون الورد كناية عن تقبيله لوجنتي المرأة، وبذلك فأن الاتصال الذي حصل في التحويل السادس، بحالة كيان يصير تحققه فعليا هنا. 

المحاور الدلالية
وحين ننتقل إلى مستوى المحاور الدلالية نجد الماء والألفاظ المجاورة له دالا مهيمنا في قصيدة "قمر شيراز" لعبد الوهاب البياتي، مثلما وجدنا في قصيدة "يغير ألوانه البحر"(4)، فنجد ألفاظ الماء قد استدعت أضدادها من ألفاظ النار والألفاظ المجاورة لها، هكذا تبرز اثنتان وعشرون لفظة من ألفاظ الماء والألفاظ المجاورة لها، بحسب الجدول رقم1، يقابلها تسع من ألفاظ النار والألفاظ المجاورة لها، ومن بين تلك الألفاظ كان لفظ "النهر" الذي تكرر ست مرات ولفظ النار الذي تكرر خمس مرات، هما الدالان الأكثر هيمنة على القصيدة.

ترتبط مهيمنة الماء بمهيمنة أخرى هي مهيمنة النور التي حققت حضورها في تسعة ألفاظ، واستدعت خمسة من أضدادها ألفاظ الظلمة، يكشف ذلك الجدول رقم 2، ثم ترتبط من جهة ثالثة بألفاظ تنتمي إلى حقل الارتفاع وأخرى إلى حقل الانخفاض، وترتبط من جهة رابعة بألفاظ تعود إلى حقل الولادة وأخرى إلى حقل الموت.

وحين نبحث عن علاقة المحاور الدلالية بالنموذج العاملي، نجد "النهر" في التحويل الأول قد اتخذ موقع المساعد على الانفصال متعززا بالفعل "أسقي" مرتبطا بلفظ من ألفاظ النور "تتألَّق" وآخر من ألفاظ الانخفاض قاع: "تتألَّق جوهرة في قاع النهر"،

أما لفظ النار فقد جاء جزءاَ من الدلائل التي اتصف بها الموضوع، وبعضا من المساعد على تحقيق الاتصال متعززا بالفعل "يتوهج"، ومتصلا بلفظ من ألفاظ النور "قمرًا" المتضمن دلالة العلو، والذي جاء فاعلا ثانيا، وعلى مستوى ألفاظ الموت والميلاد تتقابل لفظة "أجرح" المنتمية إلى حقل الموت مع لفظة تولد المنتمية إلى حقل الولادة.

وفي التحول الثاني يتجسد حقل الماء بلفظة "حبات العرق" التي مثلت دور الفاعل الضد محققة الانفصال عن الموضوع (الشمس) الدال على النور، بينما يغيب قطب النار، ويبقى ما يدل على الارتفاع (الأجنحة والطيران) والظلام (الليل) مساعدين على الاتصال.

يتجسد قطب الماء في التحول الثالث بفعل مجاور له هو "تسقي"،  وقد جاء جزءاَ من الدلائل التي اتصفت بها المرأة ـ المدينة، لتحقيق فعل الاتصال، ويغيب قطب النار غيابا كليا، أما حقل النور فقد تمثل بالقمر الشيرازي الذي جاء موضوعا أولا، تقابله كلمة الليل التي أدت وظيفة المساعد على الاتصال، بارتباطها بالفعل تطير المنتمي إلى حقل الارتفاع. بينما ترد لفظتا "نومي, وتجرح" المجاورتان لألفاظ الموت دون أن يقابلهما شيء من ألفاظ الولادة، ويتمثل قطب الماء في التحول الرابع بصورة النهر الذي شكل جزءاَ من الفاعل، ومساعدا على تحقق الاتصال، كما تتعزز هيمنة قطب الماء بعبارتي "يسبح" و "التيار"، بينما يغيب قطب النار غيابا كليا، ومعه يغيب ما ينتمي إلى ثنائية النور والظلام، بينما تبرز من ألفاظ الانخفاض كلمة "قاع" مضافة إلى النهر، دون أن يقابلها لفظ من ألفاظ الارتفاع، وعلى مستوى الموت ترد كلمتا "غارقة" و "يقتل"، دون مقابل من ألفاظ الولادة.

ويغيب من التحويل الخامس قطبا الماء والنار معا، كما يغيب قطب الضوء، ويبرز قطب الظلام متمثلا بالليل الذي يأخذ دور المساعد على تحقق فعلي الاتصال والانفصال معا. كما يغيب قطب الانخفاض، ويبرز قطب الارتفاع متمثلا بالجناح الذي يؤدي دور المساعد على الاتصال، مرتبطا بلفظة "يتكسر" المجاورة لألفاظ الموت، ويغيب قطب الولادة كليا. ويبرز لأول مرة التقابل بين القطبين (الماء والنار) في تركيب واحد في التحويل السادس حيث يرد النهر مضافا إلى النار، ليكون مساعدا على الاتصال، وقد تأكد بتكرار لفظة النهر، كما تأكد باستعمال الفعل "أسبح" المجاور لألفاظ الماء صورة للاتصال. وتأكد القطب الآخر بمجيء الناري والمتوهج صفتين للعسل.

وإذ يتعطل مسار التحولات في المقاطع الثلاثة اللاحقة، فيتجلى قطب الماء ـ في المقطع الثالث من النص ـ بلفظة النهر مرة والأنهار أخرى، مرتبطا بلفظة "طيور" المنتمية إلى حقل الارتفاع، ويخلو من ألفاظ النار، وفي المقطع الرابع ترد لفظة يغتسل مجاورة لألفاظ الماء، وتخلو من ألفاظ النار، ويخلو المقطع الخامس من مهيمنتي الماء والنار وبقية المهيمنات.

وفي المقطع السادس، الذي جاء تكرارا للتحويل السادس تتمثل مهيمنة الماء بألفاظ النهر والسيل والفيضان،في موقع المساعد على الاتصال ومعها لفظة اللهب صورة لألفاظ النار، أما اللفظان المجاوران "أسبح" و"أغرق" فقد جاءا صورتين للاتصال، بينما يرتبط حقل الموت بحقلي الماء والنار معا، هكذا تأتي لفظة "المفترس" المجاورة لحقل الموت صفة للهب، مقابل تضمن لفظة أغرق دلالتي الموت والانخفاض معا إضافة إلى مجاورتها حقل الماء. ويخلو التحويل السابع من محور الماء ـ النار، لكن التقابل بين لفظ الظلام متمثلا بالليل مرتبطا بحقل الطيران ولفظ النور متمثلا بالقمر يتحقق  مقترنا بتكرار ما يدل على الموت: (الموتى وأموتْ ) و"نائمة" بوصفها مجاورة لحقل الموت.

ويخلو المقطعان الثامن والتاسع من كافة المهيمنات، وفي العاشر ترد لفظة شراعان مجاورة لألفاظ الماء، وقنديلان مجاورة لألفاظ النار، كما ترد لفظة "اغتسلوا" مجاورة لألفاظ الماء، في المقطع الحادي عشر. وفي التحويل الثامن تغيب ألفاظ الماء ويتحقق حضور النار، وقد تكررت ثلاث مرات، مساعدا على الاتصال، مقترنة بالفعل "يخبو" مرة، وبلفظة الليل مرة أخرى، بينما يرتبط "الفجر" وهو من ألفاظ النور بألفاظ العلو (الطيران والأجنحة)، وتأتي لفظة "محترقين" متضمنة دلالة الموت إضافة إلى انتمائها إلى حقل النار، يقابلها الفعل "تنبت" المتضمن دلالة الولادة. وإذ تغيب كل المهيمنات في التحويل التاسع، ترد في العاشرـ من ألفاظ الماء لفظة "ينابيع" دون اقتران بلفظ ناري، ويتكرر لفظ "النور" دون الاقتران بشيء من ألفاظ الظلام، ومن ألفاظ الارتفاع ترد لفظة الجبلي صفة للورد، دون أن يقابلها شيء من ألفاظ الانخفاض، ومن ألفاظ الموت ترد لفظة "قتيلا" دون ارتباط بألفاظ الولادة. 

2 ـ القراءة الوظائفية: الماء ـ النار
حين نتتبع حركة النهر، الدال الأكثر هيمنة، سنجد فاعليته في ثلاثة تحولات: الأول والرابع والسادس، يبرز مقترنا بالنار، في التحول الأول مساعدا على الانفصال الذي أخذ صورة الولادة، وفي الرابع متعززا بعبارتي "يسبح" و "التيار"، ليكون جزءاَ من الفاعل، ومساعدا على تحقق الاتصال، الذي أخذ صورة الغرق، باعتماد صيغة اسم الفاعل "غارقة" وقد غاب عنه القطب المقابل، ويبلغ مداه الأعظم في التحول السادس، حيث يرد مضافا إلى النار، ليكون مساعدا على الاتصال، وقد تأكد بتكرار لفظه، كما تأكد باستعمال الفعل "أسبح" المجاور لألفاظ الماء صورة للاتصال. ثم يظهر في المقاطع الثلاثة التي تعطل فيها مسار التحولات بلفظ المفرد مرة والجمع أخرى، ثم يتكرر منطوق التحول السابق مؤكدا بلفظين مجاورين له هما السيل والفيضان، ويغيب عن بقية التحولات.

وإذ نلتفت إلى القطب المقابل نجد للنار حضورها في التحول الأول لتشارك الماء في موقع المساعد على الانفصال، وفي التحول السادس إذ ترد صفة للعسل مرة ومضافا إليها النهر مرة أخرى، وقد أخذت موقع المساعد على الاتصال.وفي الثامن وقد أخذت موقع المساعد على الاتصال أيضا، متكررة ثلاث مرات. 

النور ـ الظلام
يتمثل المصداق الأهم لقطب النور في النص بلفظة القمر وقد تكررت أربع مرات ابتداء بالعنوان، وقد جاءت مضافة إلى "شيراز"، كما جاءت في المرات الثلاث اللاحقة متصفة بالشيرازي، ولنتذكر أن لفظة القمر تتضمن دلالة العلو إضافة إلى دلالتها الأساسية على النور، لقد وقعت في التحويل الأول فاعلا ثانيا محققة الاتصال بالمرأة موضوعا بوساطة اسم الفاعل (حاملة) صورة للاتصال، وجاءت في التحويل الثاني موضوعا أولا متصلا بالمرأة فاعلا بوساطة اسم الفاعل نفسه صورة للاتصال، وجاءت في التحويل السابع فاعلا ضدا متصلة بالمرأة موضوعا بوساطة الفعلين " يتدلَّى" و "يتعبد" صورة للاتصال.

ويبقى من ألفاظ النور الأخرى لفظة "الشمس" التي جاءت في التحويل الثاني موضوعا يتصل بالمرأة وينفصل عن الفاعل الضد (حبات العرق و الألوان المخبوءة في اللوحات)، ولفظة "الفجر" التي أخذت موقع المساعد على الاتصال، ولفظة النور التي وردت في التحويل الختامي موضوعا يتصل بالبطل متماهيا بالنهر بإضافة الينابيع إليه. أما المصداق الأهم لقطب الظلام فيتمثل بالليل، الذي تكرر خمس مرات، يظهر في التحول الثاني والتحول الثالث والتحول الخامس والتحول السابع مساعدا على الاتصال. 

الارتفاع الانخفاض
المصداق الأهم لقطب الارتفاع يتمثل في النص بلفظة الجناح أو الأجنحة إذ تكرر خمس مرات مساعدا على الاتصال. إن أول ما يواجهنا من ألفاظ العلو الفعل " تطير"، يليه "القمر" وقد جاء فاعلا ثانيا في التحول الأول، كما مر، وفي التحول الثاني تأتي "الشمس" موضوعا، والأجنحة مساعدا ويتكرر الفعل "تطير"، وفي التحويل الخامس يبرز قطب الارتفاع متمثلا بالجناح الذي يؤدي دور المساعد على الاتصال، وخارج التحولات تبرز لفظة "طيور" المنتمية إلى حقل الارتفاع ـ في المقطع الثالث من النص.

أما في التحويل السابع فيتمثل محور الارتفاع بالأجنحة مساعدا والفعل "أطير"، ثم بالقمر فاعلا ضدا، وأخيرا بلفظة "الجبلي" التي جاءت صفة للورد. وفي التحويل الثامن  يتجسد الارتفاع بالأجنحة مساعدا وبالطيران، كما يرد لفظ الجناح مساعدا في التحويل العاشر مجردا من الطيران. أما ألفاظ الانخفاض فلا يظهر منها إلا لفظة "قاع" مضافة إلى النهر في التحويل الأول، ومن الأفعال المجاورة لألفاظ الانخفاض تظهر لفظة "أغرق  في التحويل السادس و"يتدلَّى" في التحويل السابع. 

الولادة الموت
تبدأ القصيدة بلفظة "أجرح" المنتمية إلى حقل الموت مسندة إلى ضمير المتكلم، وتتكرر في التحول الثالث مسندة إلى ضمير الغائب المؤنث ومعها لفظة "نومي" المجاورة لألفاظ الموت، و في التحول الرابع ترد كلمتا "غارقة" و "يقتل"، وفي التحويل الخامس ترد لفظة "يتكسر" المجاورة لألفاظ الموت، وعند تكرار التحويل السادس تأتي لفظتا " المفترس " و "أغرق" المجاورتان لحقل الموت، وفي التحويل السابع يتكرر ما يدل على الموت: (الموتى وأموت) و"نائمة" بوصفها مجاورة لحقل الموت، وفي التحويل الثامن تأتي لفظة "محترقين" متضمنة دلالة الموت، وتأتي في العاشر  لفظة "قتيلا" خاتمة لألفاظ هذا المحور الدلالي.

أما ألفاظ الولادة فتأتي في التحويل الأول متجسدة بالفعل "تولد" مسندا إلى المرأة، ثم تغيب في التحويلات اللاحقة ولا تظهر إلا  في التحويل الثامن متمثلة الفعل "تنبت". 

3 ـ القراءة التأويلية
تحيلنا قصيدة قمر "شيراز" على متن مرجعي مهم هو المتن الصوفي ابتداء من العنوان الذي يحيل على "شمس تبريز" اللقب الذي أطلقه جلال الدين الرومي على أستاذه صدر الدين القونوي بوصفه ملهما له(5)، كما يحيلنا على طس السراج الذي ابتدأ به الحلاج كتاب الطواسين واصفا الرسول الكريم: "سراج من نور الغيب بدا وعاد، وجاوز السراج وساد، قمر تجلى من بين الأقمار، برجه في فلك الأسرار..."(6)، ويثير التناص القائم بين النص المدروس والمتن الصوفي جملة إشكاليات في مقدمتها الاختلاف النوعي بين الرمز الصوفي بوصفه رمزا مبيتا، والرمز الشعري المنفتح الذي يكتسب دلالته من خلال السياق العام. لذا فإن البحث سيسعى إلى اتخاذ الرمز الصوفي الموروث منطلقا للقراءة التأويلية للنص من أجل الكشف عن المعنى العميق له، وصولا إلى إدراك درجة الانزياح بين النص الجديد والمتن الموروث، وأثر المتغيرات التاريخية على رؤيا الشاعر المعاصر.

وأول ما يواجهنا من الموروث الصوفي ـ ونحن نتابع ظهور المرأة دالا مهيمنا على امتداد القصيدة رمزية المرأة إلى الحب الإلهي، وحين نطل على تحليل النموذج العاملي كما ورد في الوحدة 2 من هذا البحث وارتباط المرأة بالبطل الراوي، وتناوبهما قي احتلال موقعي الفاعل والموضوع على امتداد تحولات هذا النموذج، يحيلنا ذلك على مستوى الموروث الصوفي على ثنائية الإلهي الإنساني، أو اللاهوت الناسوت، كما هي عند الحلاج، ثم تحيلنا تحولات النموذج العاملي بين الاتصال والانفصال على قضية الحلول والاتحاد، لذا فإن الأمر يتطلب إطلالة سريعة على هذه الموروثات قبل الخوض في عملية التأويل:

1: تقوم الرؤيا الصوفية على أن " الحب هو الذي أخرج الكون من العدم كما هو عند الحلاج"(7)، ومن ثم فإن الحب تعبير عن وفاء الروح لخالقها، لكن الجسد الذي سجن عاطفة الحب حبس في الأرواح شوقها إلى النبع الذي فاضت منه، فكان المتصوفة يعبرون عن معاناتهم في انفصال أرواحهم عن باريها(8)، وبالحب يتحقق التجلي الإلهي، فيطل الجوهر الأنثوي وتبرز المرأة رمزا لله(9) .

2 اللاهوت الناسوت: وخلاصتها القول بحلول اللاهوت في الناسوت، أي وجود روح ناطقة غير مخلوقة تتحد مع روح الزاهد المخلوقة، فيصبح بموجبها الولي الدليل الذاتي الحي على الله(10)، وتلك فكرة قالها الحلاج، وأضاف أن الله سيحكم بين الناس بصورته الناسوتية وأنه قبل إيجاده الخلق ظهر في صورة الإنسان(11).

3 قضية الحلول والاتحاد:وخلاصتها عند الحلاج القول بوحدة الشهود، أي شهود الله لذاته في قلب عبده، الذي يؤدي إلى اتحاد الله بعبده، اتحاد عشق ومحبة وليس اتحادا ماديا كما فهم من قبل بعض الناس(12)، وطريقة الوصول إلى هذا الاتحاد كما يبينها الاصطخري ـ  أن من هذب نفسه بالطاعة والعمل الصالح... "ارتقى بها إلى مقام المقربين؛ ثم لا يزال يتنزل في درج المصفاة، حتى يصفو عن البشرية طبعه، فإذا لم يبق فيه من البشرية نصيب، حل فيه روح الله، الذي كان منه عيسى بن مريم، فيصير مطاعا فلا يريد شيئا إلا كان"(13)، وقد تطورت هذه الفكرة عند ابن عربي، فصار الاتحاد يعني أن يفيض اللاهوت من الله على روح الانسان(14)، وهذا الأمر يتطلب تصفية النفس التي تهيئها للاتحاد مع الحقيقة الإلهية، بسلوك ثلاثة مقامات أساسية: مقام الطالب ومقام السالك ومقام المريد(15).

وحين نعود إلى "قمر شيراز" يحيلنا استهلال القصيدة على الآية الكريمة: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ  (النور 35)، فالقلب يعني في معجم اللغة الصوفية ـ  جوهرا نورانيا مجردا يتوسط بين الروح والنفس الناطقة، وقد مثله القرآن بالزجاجة والكوكب الدري والروح بالمصباح(16) ، في الآية الكريمة، لكن لفظة "الدم" تمنح القلب صفة مادية، بها يتحقق الازدواج الدلالي بين المادي والروحي داخل الذات الإنسانية.

بينما يحيل (الشعر) على الكلمة أو اللوغوس كما هي عند ابن عربي، ومن المعلوم أن مذهب محي الدين بن عربي يقوم على نظرية الكلمة المرتبط بواحدية الوجود، إذ يعدها تصورا للعالم، وإنها حقيقة الحقائق ومبدأ خلق العالم، ومن ثم فهي مظهر خفي للألوهية، وعنها يصدر العالم، وهي مستودع الأسرار والنماذج العليا الثابتة لعالم التغير، وهي الله كما يكشف عن نفسه في صورة النفس الكلية، وفي الإنسان الكامل تتمثل الكلمة الجامعة(17) .

إن هذا الارتباط بين القلب ودمه والشعر صورة للارتباط بين المادي والروحي، الناسوت واللاهوت، ومن التقائهما تنبثق ظواهر جديدة، فـ "تتألَّق جوهرة في قاع النهر الإِنساني"، الجوهرة وما تتضمنه من دلالة على النفس الكلية(18) أو الروح الأعظم، و"النهر الإنساني" ودلالته على الجسد وارتباطه بعالم البرزخ الذي تومئ له لفظة "قاع"، والذي يعبَر به، وفق المعجم الصوفي، عن الحاجز بين الأجسام الكثيفة وعالم الأرواح المجردة(19)، يتحقق تجلي هذه النفس الكلية  نتيجة التقاء الدم بالشعر، لكن ذلك التجلي لا يتحقق إلا في أعماق الجسد الإنساني،  كما "تطير فراشات حمر" بما تتضمنه الفراشة من دلالة على روح المتصوف التائقة إلى الاتحاد بالله، وما يحيله فعل الطيران على العلو نحو الذات الإلهية، لتؤدي هذه الأفعال إلى الفعل الأهم وهو ولادة المرأة: "تولد من شعري امرأة"، بكل ما تحمله المرأة من دلالة على الذات الإلهية.

لكأنَّ آليات القصيدة تشتغل وفقا لقانون وحدة الأضداد وصراعها، فيتمخض عن لقاء الضدين (الدم النازف من القلب والشعر، أو المادي والروحي) المحصلة النهائية (المرأة) التي تحمل نقيضها منذ ولادتها "حاملة قمرًا شيرازيّا"، لتعيدنا من جديد إلى ثنائية اللاهوت الناسوت، وهنا يجدر بنا التوقف عند الصيغة الصرفية لكل من الأداتين اللتين تحقق بوساطتهما الاتصال والانفصال على مستوى النموذج العاملي، فالانفصال تحقق بصيغة الفعل المضارع (تولد) بينما تحقق الاتصال بصيغة اسم الفاعل (حاملة)، وقد كان النحاة الكوفيون يسمون اسم الفاعل بالفعل الدائم لتضمنه الديمومة الزمانية، من هنا ندرك أن انفصال الفاعل الأول عن موضوعه انفصال آني، أما اتصال الفاعل الثاني بذات الموضوع فهو اتصال أبدي. كما يقودنا ارتباط النهر بالفاعل وارتباط النار بالموضوع، إلى العودة إلى فكرتي الماء والنار وما تتضمنه من دلالات أسطورية قديمة، يقول باشلار عن النار "هي المبدأ المذكر الذي يكسب المادة المؤنثة شكلها وهذه المادة المؤنثة هي الماء"(20)،.

أما في المدونة الصوفية، فإن الذات الإلهية تتجلى بصفتها الأنثوية دائما، في مقابل الصفة الذكورية التي يتميز بها عشق المتصوف، لكن البياتي يقلب الأمر فيمنح البطل الراوي علامة أنثوية من خلال اقترانه بالماء، كما يمنح المرأة التي تومئ إلى الذات الإلهية علامة ذكورية وهي النار، وتلك أول مظاهر الانزياح عن المتن الصوفي. وإذ نعود إلى التحويل الأول نجد الفاعل الثاني هو القمر وقد ارتبط بعلاقة اتصال بالموضوع، فماذا يعني ذلك القمر؟ لعل الصورة التي رسمها الشاعر له "قمرًا شيرازيّا في سنبلةٍ من ذهب مضفورًا" وما تضمنته من ذكر للذهب تعيدنا إلى غايو مارت الإنسان الكوني الاول، في الميثولوجيا الفارسية الذي من روحه جاء الذهب(21)، هكذا يفلت النص من أدائه الصوفي ليعود إلى الأداء الأسطوري القديم، وتتعزز الإحالة على الأسطورة الفارسية باقتران الصورة بالمدينة الفارسية شيراز، ولكن لماذا يأخذ الذهب شكل السنبلة؟ إن فكرة الإنسان الكوني الأول في الأساطير القديمة قد تمثل نموذجا بدئيا تحول عند الصوفية إلى الإنسان الكامل، فلا بد من التوقف عند هذين الموضوعين قليلا:

تذكر الميثولوجيا الفارسية أن غايو مارت "شخص هائل ينبعث منه الضوء، حين مات انبثقت كل أنواع المعادن من جسده، ومن روحه جاء الذهب، سقط منيه على الأرض، ومنه جاء الزوج البشري الأول"(22)، ولدى الأمم الأخرى نماذج من هذا الإنسان الكوني يذكر من بينها هندرسن الصورة اليهودية لآدم، ومثله بوروشا في الميثولوجيا الهندية و بان كو الصيني وأمثلة عديدة أخرى(23)، ويجد هندرسن ـ استنادا إلى غوستاف يونغ أن الإنسان الكوني هو تشخيص رمزي للذات، وبتعبير آخر هو النواة الأعمق للنفس، أو هو صورة نفسية داخلية تعود بالفرد إلى عالمه الداخلي النفسي، ويضيف هندرسن أن صورة هذا الإنسان الكوني حاضرة في عقول البشر بوصفها هدفا للسر الأساسي في حياتنا، وهو البداية والهدف النهائي لكل الحياة، ولأنه يمثل ما هو كلي وكامل، فإنه يعد كائنا خنثيا(24) .  

أما الإنسان الكامل كما يقدمه ابن عربي ـ مصداقا للرأي الصوفي ـ  "هو الذي تتمثل فيه الكلمة الجامعة، وعلم الله بذاته يصل إلى ذروته في الإنسان الكامل، وفي هذا الإنسان يتحقق الغرض من الخلق.... والكلمة في صورة الإنسان الكامل هي أصدق التجليات الإلهية"(25) وهو المرآة التي تتجلى فيها أوجه الكمال الإلهية، ولنتذكر أن المتصوفة يطلقون فكرة الإنسان الحيوان على الإنسان الذي يعتمد على حواسه وعقله الفاعل (المسؤول عن الاستدلال العقلي) بوصفها أدوات للمعرفة، ويدعو إلى اعتماد العقل المنفعل الذي منحه الله القدرة على «القبول لما يعطيه الحق، ولما تعطيه القوة المفكِّرة»(26) ، ومن ثم إلى التوجه نحو النور الذي  تبثه الذات الإلهية، بسلوك يقطع خلاله مراحل معينة يطلق عليها المقامات، وحين يصل إلى نهاية الطريق يتحقق له الفناء والانحلال في الوجود المحض والتوحد مع الموجودات كافة، إذ ذاك تصدق عليه لفظة "الإنسان الكامل"

إن مقارنة بين النموذجين المذكورين تكشف لنا التشابه النسبي بينهما ومن ثم تقودنا إلى الاقتناع بما توصل إليه الدكتور عاطف جودة نصر، من أن مذهب "الإنسان الكامل" هو صياغة جديدة للرموز الأسطورية القديمة(27)، ونضيف إليه أن "الإنسان الكامل" هو الصورة المعقلنة في عصر اللوغوس للإنسان الكوني الأول. واستنادا إلى هذا التشخيص نستطيع القول أن "القمر الشيرازي" ينتمي إلى نموذج الإنسان الكوني الأول أكثر من انتمائه إلى نموذج "الإنسان الكامل"، بدلالة الإشارة السالفة الذكر التي يحققها الذهب، وما يتضمنه القمر من إشارة إلى الجمال الأنثوي مقترنا بالصفة الذكورية على مستوى اللغة، ليحقق بذلك التكامل الذي يميز الكائن الخنثي. العلامة المميزة للإنسان الكوني الأول.

هكذا يكون قمر شيراز النواة الأعمق لذات البطل الراوي، فتصير المرأة (رمز الذات الإلهية) بموجبه مرآة لفاعلها الأول تحمل صورته البدائية في داخلها، بقدر ما كان قاع النهر الإنساني (رمز الجسد الإنساني) يحمل جوهرة الروح الأعظم في داخله، بما يتضمنه من إحالة على "الإنسان الكامل"، ما دام هو "أول موجود خلق الله على صورته، وهو الخليفة الأكبر، وهو الجوهر النوراني"(28) ، لعل هذا التقابل بين النموذجين يعبر عن انشطار رؤيا الشاعر إلى رؤيين أحداهما أسطورية بدائية والأخرى صوفية. 

في التحويل الثاني تنتقل الفاعلية من الراوي إلى المرأة، فتتجه إلى تحقيق الاتصال بموضوعها، متخذة من الليل ظرفا: "تنبت أجنحة في الليل لها"، ولما كان الليل يومئ إلى البرازخ المظلمة، فإنه يتماهى بالقاع الذي كان ظرفا للجوهرة في التحويل الأول، ومن ثم تتماهى الشمس بالجوهرة: "لتوقظ شمسًا"، وتتماهى "حبات العرق المتلألئ" بالنهر الإنساني، هكذا تترسخ أنوثة الماء لتصير الرحم الإنساني المادي الذي يحتضن الروح الأعظم، لكن التطابق بين الحالين لا يأخذ مداه الأكمل، حيث يكمن الاختلاف بين الصيغتين الصرفيتين للفعلين "تتألّق" و"توقظ"، فالجوهرة في الحالة الأولى تتألق بذاتها، أما في الثانية فإن الشمس تتعرض للإيقاظ بأمر المرأة، كما لا يأخذ التطابق مداه الأكمل، لأن الراوي في الحالة الأولى جاء متمثلا بضمير المتكلم، أما في الثانية فقد ظل مختبئا خلف وجه العاشق المتلألئ بحبات العرق.

يتناص هذا المنطوق مع أبيات ثلاثة للحلاج:

طلعت شمس من أحب بليل فاستنارت فما لها من غروب

إن شمس النهار تغرب بالليـ

ل، وشمس القلوب ليس{تغيب(29)}
من أحب الحبيب طار إليه استباقا إلى لقاء الحبيب(30)
فيشترك معها في ثلاث علامات هي: الشمس والليل والطيران، لكنه يفارقها في موضعين: أولهما: أن الشمس تشكل علامة على الذات الإلهية بينما جاءت في النص المدروس علامة على النفس الكلية كما مرّ، وثانيهما أن الطيران فعل يمارسه العاشق للوصول إلى المعشوق، وفي النص كان المعشوق يقوم بالطيران للاتصال بالعاشق، ويتأكد المعنى الذي ذكره الحلاج عند جلال الدين الرومي بقوله: "فيا لطيب ذلك اليوم" الذي فيه أطير حتى باب الحبيب، على أمل أن أخفق بجناحي حتى عتبات ذلك الحي"(31)

المرأة التي انتزعت من البطل الراوي موقع الفاعل على مستوى النموذج العاملي، تمتد فاعليتها إلى المستوى التركيبي فـ "تجرح قلبي, تسقي من دمه شعري"، فينبثق عن ذلك ظهور نهر إلهي (ما دام نابعا من عينيها) يجري في مقابل "النهر الإنساني"، وإذا صار النهر الأول رحما للروح الأعظم، فإن النهر الجديد يصير مستقرا للمدن الغارقة "فأرى مدنًا غارقة في قاع النهر النابع من عينيها"، هنا تتحقق الإحالة على أسطورة التكوين البابلية، فقد ورد في إينوما إليش (حينما في العلا) أن مردوخ بعد أن صرع تيامة وشقها نصفين...
"عمد إلى رأسها فصنع منه تلالا وفجر في أعماقها مياها فاندفع من عينيها نهرا دجلة والفرات"(32)
وبهذا تترسخ الفكرة التي توصلنا إليها عن انشطار رؤيا الشاعر بين الصوفية والأسطورية البدائية، قد تكون هذه الصورة غريبة على المدونة الصوفية، الأمر الذي يتطلب تأجيل الخوض في تأويلها إلى حين. لكن مما ينبغي الالتفات إليه، التماهي القائم بين المرأة والمدينة، والذي تكشف عنه العبارات: "أتعبد فيها" و "أسكن فيها" و"أسكن فيها" ثانية، و "يتعبد فيها"  و"نسكن فيها"، فيعيدنا ذلك ثانية إلى تيامة في "إينوما إليش"، أليست الأرض التي نسكنها ونتعبد فيها هي بعض من جسد تيامة؟؟ ويعاود النهر الإلهي حضوره في النص، ولكنه بأتي متحدا بالنار هذه المرة:
"مجنونًا بالنهر النابع من عينيها بالعسل الناريِّ المتوهج في نهر النار".

ترى.. أتكون صورة "نهر النار" تعبيرا عن نموذج الكائن الخنثي الذي يجمع الذكورة والأنوثة؟ أم هي تعبير عن وحدة الوجود، المبدأ الذي يوحد بين كل المتناقضات؟  ترى.. أيكون "نهر النار" أصل الوجود؟
يحيلنا السؤال الأخير على دراستنا الموسومة بـ "التحريف الأسطوري في ويبقى لنا البحر"(33)، حيث توصلنا إلى إن القصيدة المذكورة (لنازك الملائكة ) قد جعلت من البحر جوهر الوجود وأصله الأول، بينما جعلت فلسفة هرقليطس من النار أصلا للوجود وكل ما نراه هو تحولات لتلك النار الأولى(34)، والآن وإذ يأتي النهر مضافا إلى النار نابعا من عيني المرأة، فهو صورة جديدة لذلك الوجود، تتداخل فيها الرؤيا العلمية المادية لهرقليطس بالرؤيا الأسطورية البدائية، ولكن ما مدى اقترابها من الرؤية الصوفية للوجود؟
الوجود عند محي الدين بن عربي هو "الطاقة الكونية الحية التي تُواصِل الفيض أو الإبداع المعروف بالتكوين عبر سيرورة ظهورات وتجلِّيات ذاتية أونطولوجية تدريجية تنكشف في بنية تراتبية هرمية لكلِّ أشكال الوجود أو الكينونة، بدءًا بالصور الميتافيزيائية وانتهاءً بالعالم المادي."(35)

فلما كان العالم المادي آخر تلك التجليات، كان بالنسبة للشاعر نقطة الابتداء، والمنطلق الأول لرحلته في عالم الكشف من أجل الوصول إلى الينبوع الأول، فكان لزاما عليه أن (يسبح ضد التيار) وأن يبدأ رحلته بالنهر الإنساني (رمز الجسد الإنساني) كما مرّ: (أبدؤه بطيور الحبِّ وبالنهر الذهبيِّ الأشجار) وأن تكون رحلته لانهائية (أسبح من غير وصول للشاطئ)، تؤدي به إلى غيبة عميقة داخل النفس (أغرق سكرانْ). الخطوة الجديدة في هذه الرحلة تتمثل في الانتقال من السباحة في النهر إلى الطيران (أُفرد أجنحتى وأطير إليها)، أي تجاوز نقطة البدء والانتقال من المادي إلى الروحي، ذلك نموذج لما يسميه المتصوفة بالمعراج الصوفي الذي حققه دخول الراوي في غيبوبة السكر(36)، لكن الليل مازال ظرفا لتلك الأحداث (في منتصف الليل) حاملا دلالته على البرازخ المظلمة، تقاسمه تلك الدلالة (البوَّابات الحجرية) على مستوى الفاعل الضد، هكذا يقترن الزمان (الليل) بالمكان (البوَّابات الحجرية) ومعه يقترن العلو متمثلا بالطيران بالدنو متمثلا بالتدلي (يتدلَّى من أغصان حديقتها)، تعيدنا هذه التقابلات ثانية إلى ثنائية اللاهوت الناسوت وثنائية الإنسان الحيوان الإنسان الكامل. ما دامت الرحلة لم تصل إلى محطتها الأخيرة.

وحين ننتقل إلى التحويل الثامن يحصل تغييران مهمان: أولهما غياب الفاعل الضد أو القمر الشيرازي الذي يواصل غيابه حتى نهاية النص، وثانيهما تحول الضمير المعبر عن البطل الراوي من صيغة الأفراد إلى صيغة الجمع (ونبقي نرحل)، ولعل التحول الأخير يفتح نافذة على متفاعل نصي مهم، فيحيلنا على حكاية شعرية للشاعر الفارسي فريد الدين العطار بعنوان "منطق الطير"(37)، خلاصتها أن معاشر الطيور خاضت رحلة قطعت فيها سبعة أودية، تروم الوصول إلى السيمرغ (الله)، فلم يبق منها خلال الرحلة إلا ثلاثون طائرا، ويسهب العطار في وصف عذاب الطيور في تلك الرحلة على مدى عدة صفحات(38)، بينما يلخص شاعر "قمر شيراز" رحلته في سطر واحد: (حياتي كانت في الأرض غيابًا وحضورًا تملؤه الوحشة والترحال وأشباح الموتى).

وحين وصلت الطير إلى الحضرة المنشودة وهي على درجة عظيمة من التعب، طلع عليها نقيب العزة وسألها عن غايتها فأجابته بأنها تروم لقاء السيمرغ (الله)، فرفض طلبها ووبخها وأمرها قائلا: "عودي أيتها الشرذمة الحقيرة"(39)، لكنها أصرت على لقاء السيمرغ، وظلت تستعطف حاجب اللطف بكلام طويل حتى لان وفتح لها الحجب، وأحلّها فوق سرير العزة الإلهية، ووضع أمامها رقعة مكتوبة... وحين قرأنها تبين لهنّ أن كل ما فعلن منقوش على تلك الرقعة، فأصابهن الاضطراب والخجل، وصارت أرواحهن إثمدا، وحين تطهرت من كل شيء وجدت أرواحها من نور الحضرة الإلهية ... "وبرزت أمامها شمس القربى، فولّت وجوهها شطر ذلك الضياء، ومن انعكاس وجوه الثلاثين طائرا (السي مرغ)(40) رأوا وجه سيمرغ العالم"... "رأت أنفسها هي السيمرغ (الله) تماما إذ كان السيمرغ (الله) دوما هو ذات أنفسها الثلاثين (سي مرغ)"(41).

وحين نعود إلى "قمر شيراز" نجد أن الاتصال بين الفاعل وموضوعه يتحقق في التحويل الثامن  متمثلا بحالة كيان ـ كما مرـ أي أن الراوي يتصل بالمرأة على مستوى الحلم فقط فهو يمتلكها ويسكن فيها قبل أن يصل إليها: (لكنا قبل وصول الركب اليها نتملَّكها نسكن فيها) ، خلافا لما حصل في النص المناص، إذ كان وصول الطير إلى الحضرة المنشودة قد تم على مستوى الواقع، وذلك أول اختلاف بين النص والنص المناص.

ويأتي التحويل التاسع في قمر شيراز المتمثل بعبارة (ونعود) كاشفا عن وجه الاختلاف الثاني، إذ أن الطير بعد تعرضها للطرد لا تعود أدراجها، بل تصر على لقاء السيمرغ، وتستعطف حاجب اللطف، وبهذا الإصرار والاستعطاف يتحقق المسوغ المنطقي لاتحاد الطير بالسيمرغ، خلافا لما وجدناه في "قمر شيراز"، إذ أن الانتقال من التحويل التاسع إلى التحويل العاشر قد تحقق دون أدنى مسوغ منطقي، بل أننا نلمس فجوة كبيرة بين التحويلين، وذلك هو وجه الاختلاف الثالث. وفي الوقت الذي تجد الطير أنفسها في النص المناص ـ قد اتحدت بالسيمرغ (رأت أنفسها هي السيمرغ (الله) تماما)، لا يكتشف الراوي في قمر شيراز ـ  هذه النتيجة، وإنما يكتشفها الآخرون بدلالة عبارة (وجدوني)، وذلك هو وجه الاختلاف الرابع، وأخيرا يعبر النص المناص عن اتحاد الطير بالسيمرغ تعبيرا صريحا مباشرا، بينما يتحقق التعبير عن تلك الفكرة في قمر شيراز باعتماد التلميح الكنائي المعقد: "وجدوني عند ينابيع النور قتيلاً, وفمي بالتوت الأحمر والورد الجبلي الأبيض مصبوغًا وجناحي مغروسًا في النورْ" بحيث لا يدرك المعنى إلا بعد إعمال الذهن والعودة إلى مراجعة النص والوقوف عند المقطع السابع مليا "كوني أيتها المشربة الوجنة بالتوت الأحمر والورد الجبلي الأبيض. زادي" وذلك هو وجه الاختلاف الخامس. 

4 ـ الحركة المكوكية بين النص والتاريخ
جريا وراء جولدمان في دراسة العمل الأدبي بوصفه بنية متولدة، ينبغي الانطلاق من العمل الأدبي إلى التاريخ، ثم العودة من التاريخ إلى العمل بما يشبه حركة المكوك(42)، لذا سنعود إلى حقبتين من التاريخ: المرحلة التي أفرزت المتن الصوفي، والمرحلة التي أفرزت "قمر شيراز". أما عن المرحلة الأولى فيصدق القول أن القرن الثالث الهجري قد شهد قيام حركات فكرية وثورات مسلحة ذات منحى اجتماعي طبقي، من بينها ثورة بابك الخرمي في شرق الدولة الإسلامية وثورتا الزطّ والزنج في جنوب العراق، ثم انطلاق حركة القرامطة من الكوفة بما تحمله من بعد فكري وممارسات مسلحة تهدد مصالح الطبقات الحاكمة بخطر شديد، و تعمل على إقامة المجتمع اللاطبقي، وقد نحقق لتلك الحركة إقامة جانب من هذه الطموحات في المناطق التي سيطرت عليها في شرق الجزيرة العربية، في هذه الظروف التاريخية ظهر الحلاج في بغداد برؤياه الصوفية التي أشار البحث إلى جوانب منها فالتفّت حوله جموع غفيرة من الفقراء، لتجد فيه المنقذ والمخلص.

أما عن المرحلة الثانية فقد شهد القرن التاسع عشر الميلادي انعطافة تاريخية كبيرة على كل المستويات، ما يعنينا منها انتقال المجتمع من مرحلة الإقطاع إلى مرحلة الرأسمالية، ومن ثم تحول الرأسمالية إلى طور الإمبريالية في الربع الأخير من ذلك القرن، وقد ظهرت ـ نتيجة لهذه المتغيرات ـ المادية التاريخية بوصفها فلسفة علمية ثورية، تشارك حركة القرامطة المار ذكرها في بعض الجوانب، وقد التفت حولها جموع غفيرة من الشغيلة، وكانت سلاحا نظريا بأيديهم حققوا بوساطته انتفاضات مسلحة كبيرة من بينها كومونة باريس 1870 وثورة 1905 في روسيا، وأخيرا ثورة أكتوبر 1917، وكان أن انتقل هذا الفكر إلى البلدان العربية في القرن العشرين، وبلغ أوج انتشاره في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ومع بدايات العقد الستيني بدأ العد التنازلي بانتهاج سياسة التعايش السلمي، والدعوة إلى طريق التطور اللارأسمالي على مستوى العالم الثالث، ومن ثم اتجاه الرأسمالية إلى طور النظام العالمي الجديد في الربع الأخير من القرن العشرين.

كان البياتي واحدا من الشبيبة المثقفة التي اعتنقت هذا الفكر، في أعقاب الحرب الثانية فقاده ذلك إلى التخلي عن اتجاهه الرومانسي في الشعر الذي جسدته مجموعته الشعرية الأولى "ملائكة وشياطين"، واعتماد الواقعية الانتقادية ثم الواقعية الاشتراكية، التي تجسدت في مجموعاته الشعرية اللاحقة "أباريق مهشمة" و"المجد للأطفال والزيتون" و"عشرون قصيدة من برلين" و"كلمات لا تموت" و"النار والكلمات" و"سفر الفقر والثورة"، لكن الوقائع التاريخية التي حصلت خلال العقد الستيني وما بعده قد تركت آثارها السلبية على جيل البياتي، وقد لمسنا جانبا من هذه الآثار في دراستنا لقصيدة "اعترفات عام 1961" لبلند الحيدري(43)، إن كلا الشاعرين ينتميان إلى شريحة اجتماعية واحدة مثلت الذات المنتجة للنصين كليهما، ولكن نص بلند قد سبق نص البياتي بأكثر من عقد من الزمان، وبذلك فإن الاختلاف بين البنيات الدالة في كلا النصين يعبر عن المتغيرات التي حصلت لتلك الشريحة في رؤيتها للعالم خلال عقد من الزمان، فما هي البنيات الدالة في "قمر شيراز"؟.

نستطيع القول أن نص قمر شيراز جاء حاملا لثلاث مقولات أساسية هي: الله، الإنسان، اليوتوبيا القادمة في الآتي من الأيام، وهو بذلك يشارك المتن الصوفي في هذه المقولات، ولكنه يخالفها في طبيعة العلاقات القائمة بينها، تنعقد المقولة الثانية على البطل الراوي مرموزا له بضمير المتكلم، وتنعقد المقولتان الأولى والثالثة على المرأة كما بيّنت ذلك القراءة التأويلية. من هذه المقولات تتشكل رؤية العالم لدى البياتي. لابد أن نشير إلى أن رؤية العالم في قصيدة قمر شيراز قد لمسنا صورتها الجنينية في قصيدة بلند بوصفها مقولة ضمن عدد من المقولات "قد تصلب كل صباح حلاجا في صدري"(44)،

وإذا ما جعلنا من "منطق الطير" مصداقا على المتن الصوفي سنجده حاويا على المقولات الثلاث ذاتها، إذ تنعقد المقولة الثانية على الطير وتنعقد المقولتان الأولى والثالثة على السيمرغ. ولكن البحث قد أشار إلى خمسة أوجه للاختلاف بين النصين، يتطلب تحليلها العودة إلى المهادين التاريخيين، وهنا يتطلب الأمر الانتباه إلى نقطتين:

الأولى: إن التصوف يشكل امتدادا متواصلا لحاضنته الفكرية (الإسلام) فمن المعروف أن جذوره تعود إلى الزهاد الأوائل في الإسلام: علي بن أبي طالب وسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري... وإلى الأجيال اللاحقة من التابعين وتابعي التابعين(45) ، وقد نما نموا طبيعيا خلال قرنين من الزمان حتى وصل مرحلة النضج مع بدايات القرن الثالث ثم استقر كمدرسة فكرية لها معالمها الواضحة خلال القرون اللاحقة، دون ان تنقطع مشيمته عن رحمه الأول، أما صوفية البياتي فهي انتقالة مفاجئة من حاضنة مادية صرف إلى واقع فكري آخر مختلف كل الاختلاف عن تلك الحاضنة.

والثانية أن الحركة الصوفية لم تكن في تكوينها الفكري وممارساتها العملية جزءاَ من الحركة الثورية المشار إليها، وإنما كان مسارها مستقلا فكريا وعمليا، وإن كان انطلاقها من نفس الحاضنة الاجتماعية، أما البياتي والشريحة التي ينتمي إليها، فهو جزء من الحركة الثورية، وإن نتاجه الشعري الأخير يشكل تحولا نحو الاتجاه الصوفي، فما مقدار القطيعة مع اتجاهه الأول.

استنادا إلى هاتين النقطتين يمكن أن نفسر الاختلافات القائمة بين النصين، فالوصول إلى اليوتوبيا عند البياتي كان مجرد حلم غير قابل للتحقيق، تعبيرا عن خيبة أمل فرضها الواقع السياسي عبر تراجعات متواصلة على مدى نصف قرن من الزمان، انتهت بوقوف العالم على عتبة النظام العالمي الجديد، الصورة الضد لليوتوبيا المحلوم بها، أما في "منطق الطير" فقد كان الوصول إلى اليوتوبيا إيمانا يقينيا تراكم عبر مئات السنين، ذلك هو تفسير الاختلاف الأول، ومن المنطلق نفسه نفسر الاختلاف الثاني، فالإيمان اليقيني جعل من المعوقات عوارض وقتية زائلة لا تعيق المريد عن الوصول إلى هدفه الأسمى، أما مع تجربة البياتي فإن المعوقات التي وقفت في طريق التحول نحو الاشتراكية قد منح الشريحة المنتجة للنص أحساسا باليأس، ومن ثم السير في طريق الردة التي انتهت ببيروسترويكا كروباشوف، وقد جاءت عبارة "ونعود" استباقا لها. لكن الإيمان بالحتمية التاريخية بالصورة التي رسمها التفسير المادي الجدلي للتاريخ قد بقيت تواصل اشتغالها عند البياتي رغم اهتزاز الصورة، ورغم اليأس الذي جرت الإشارة إليه آنفا، فكان حصول التحويل العاشر، الذي شكل وجه الاختلاف الثالث مع النص المناص.

ونتيجة لهذا الاصطراع القائم في الذات المنتجة لنص "قمر شيراز" حصل اكتشاف التحويل العاشر بصيغة ضمير الغائب، بدلا من ضمير المتكلم كما ورد في النص المناص، وللسبب نفسه جاء اللجوء إلى التلميح الغامض بدلا من التصريح. ولنعد إلى رؤية العالم وما تتضمنه من وعي قائم ووعي ممكن، لقد مر بنا القول أن آليات القصيدة اشتغلت وفقا لقانون وحدة الأضداد وصراعها، وذلك مبدأ استلهمه الشاعر من المادية الجدلية، كما سبق القول أن المرأة التي ترمز إلى الله قد تمخضت عن لقاء الضدين (الدم النازف من القلب والشعر، أو المادي والروحي)، وهي بهذه الصورة تحيلنا على مقولة لودفيغ فيورباخ أن الإنسانُ قد خلق اللهََ على صورته، إن قلب الفكرة هذا يتكرر حضوره في قصيدة "قمر شيراز" مرارا، ولعل ما ذكرناه آنفا من أن  الطيران فعل يمارسه العاشق للوصول إلى المعشوق في النص الصوفي، بينما كان المعشوق يقوم بالطيران للاتصال بالعاشق في النص المدروس، لعل ذلك صورة أخرى لهذا القلب. 

5 ـ الأيديولوجيا واليوتوبيا في الذات/ النص
لعل الصورة التي رسمناها الآن تعبر عن اشتغال ثنائية الأيديولوجيا واليوتوبيا في الذات المنتجة لهذا النص، ما دامت الاثنتان نموذجين للمخيلة الاجتماعية والثقافية، تحافظ الأولى بحسب غيرتز ـ على نظام من القناعات الجماعية الزائفة وتسعى الثانية إلى تدمير ذلك النظام(46)، وما دامت الاثنتان تلتقيان في مشكلة السلطة والقوة، بحسب بول ريكور(47)، الذي يقول: "إن نقطة التحول لكليهما ـ الأيديولوجيا واليوتوبيا تقع في الواقع في نفس المكان أي في مشكلة السلطة، إذا صح أن كل أيديولوجيا تميل في النهاية إلى إضفاء الشرعية على نظام سلطة، أفلا يصح القول بأن كل يوتوبيا لحظة الآخر تحاول التصدي لحل مشكلة القوة نفسها؟ ما يمثل لب اليوتوبيا... استخدام القوة في كل المؤسسات، أليس وجود فجوة مصداقية في كل أنظمة إضفاء الشرعية وكل سلطة هو السبب في وجود مكان لليوتوبيا أيضا؟ بكلمات أخرى أليست وظيفة اليوتوبيا هي إماطة اللثام عن فجوة المصداقية حيث تتجاوز أنظمة السلطة كلها"(48).

لقد جرت الإشارة في البحث إلى فجوة كبيرة بين التحويل التاسع والتحويل العاشر، وقد آن الأوان لتأملها مليا، ونحن نقف أمام فجوة المصداقية المشار إليها: خارج النص كانت الأيديولوجيا الشيوعية (التي اعتنقتها الذات المنتجة) تواصل وظائفها الثلاث: الدمجية والتبريرية والتشويهية، وقد أخذت الفجوة بالاتساع على مستوى الوظيفة الأولى منذ عام 1917، منذ أن جرى التنظير إلى جعل قيادة الحزب بديلا لقيادة المجالس (السوفيتات أو الكومونات)، حتى إذا دخلنا العقد الستيني بلغت فجوة المصداقية مداها الأوسع، بتصاعد الوظيفة التشويهية، متجسدة بالمناداة بالتعايش السلمي، بديلا للصراع الطبقي الذي أخذ صورة معركة دولية قبل ذلك، فكان هذا الأمر نقضا للمبدأ اللينيني القائل أن القرن العشرين يمثل عصر انهيار الامبريالية وانتصار الاشتراكية، وعلى مستوى العالم الثالث تجسد تصاعد الوظيفة التشويهية بنظرية التطور اللارأسمالي، التي كثر الترويج لها خلال العقدين الستيني والسبعيني، ولعل الخوض بهذا الأمر يحيلنا على تصوّر بول ريكور للوظيفة الجديدة للأيديولوجيا بوصفها دمجا في أنها تضع حدا للحرب الاجتماعية ويمنعها من أن تصبح حربا أهلية، وأن يصبح هدف الصراع الطبقي  ليس تدمير الخصم ولكن تحقيق الاعتراف(49) .

وبالوصول إلى هذه النهاية يصير من الضروري أن تمارس اليوتوبيا وظيفتها في إماطة اللثام عن فجوة المصداقية، وقد تحقق ذلك باستبدال صورة اليوتوبيا المهيمنة بصورة أخرى لها، لقد كانت اليوتوبيا المهيمنة متمثلة بمجتمع الشيوعية الثانية الذي تنعدم فيه الفوارق الطبقية وتتلاشى الدولة بكل مؤسساتها، مجتمع لكل حسب حاجته ومن كل حسب قدرته، وبذلك تصير الأمة بأكملها سلطة، لقد كانت هذه اليوتوبيا قبل اتساع فجوة المصداقية سندا للأيديولوجيا، بل هي الأيديولوجيا ذاتها، لكن مع اتساع الفجوة اكتسبت هذه اليوتوبيا وظيفتها التدميرية، وأماطت اللثام عن زيف الأيديولوجيا، يتجسد ذلك في قصيدة "قمر شيراز" في موضعين:

الأول أن الاتصالين في التحويل السابع بين الفاعل وموضوعه والفاعل الضد والموضوع ذاته من جهة أخرى قد أخذ كلاهما حالة كيان، وتتكرر حالة الكيان ذاتها في التحويل الثامن، ولعل ذلك يشكل علامة سيميائية تشير إلى عدم إمكانية التحقق، بينما يكون الإقناع بإمكانية التحقق جزءا من الاستراتيجية الأدبية لليوتوبيا، وبذلك يجري تعطيل تلك اليوتوبيا عن وظيفتها، ويأتي التحويل التاسع تأكيدا على هذا التوجه ودعوة إلى استبدال اليوتوبيا القائمة بأخرى، فما طبيعة اليوتوبيا البديلة؟

يصنف مانهايم أربعة أشكال لليوتوبيا: الشكل الأول يتمثل بألفية مونزر القائلة بأن المسيح سيحكم ألف علم على الأرض، ويصفها بأنها أوسع فجوة بين الفكرة والواقع، والثاني هو اليوتوبيا الليبرالية الانسانية، ومن ملامحها اعتماد التنوير والضوء رمزا، والفكرة القائلة بحتمية انتصار الضوء على الظلام، والشكل الثالث هو يوتوبيا النزعة المحافظة القائم على فكرة التطور عبر الامتداد الزمني من الماضي إلى الحاضر، أما الشكل الرابع فهو اليوتوبيا الاشتراكية ـ الشيوعية(50). وجوابا على السؤال السابق نجد البديل الذي تجسد بالتحويل العاشر يجمع بين ملامح النموذجين الأول والثاني، فهو يأخذ من النموذج الثاني النور وحتمية انتصاره على الظلام، هكذا يكون القمرُ المصداقَ الأهم في النص على النور، وقد مرّ في القراءة التأويلية دلالته على الإنسان الكوني الأول وما يحيله على النواة الأعمق للنفس، وكأنه بهذه الصورة يحقق الإضاءة لعالمه الداخلي، ويبدد الليل الذي يحيل على البرازخ المظلمة في عدة مواضع من النص، وفي ختام القصيدة تتحقق اليوتوبيا البديلة بصورة "ينابيع النور"، كما مر في القراءة الوظائفية تضمنه دلالة العلو إضافة إلى دلالته الأساسية على النور، ومثله جاءت الشمس مصداقا آخر على النور المرتبط بالعلو، ولعله بذلك ينقل اليوتوبيا من الأرض إلى السماء، أي على الضد مما فعل مونزر إذ نقل اليوتوبيا من السماء إلى الأرض، وذلك أول ملمح من ملامح النموذج الأول، والملمح الثاني هو سعة الفجوة بين الفكرة والواقع.

ولكن لماذا جاءت اليوتوبيا الصوفية دون غيرها هي البديل؟
الإجابة تتطلب تقليص مساحة الذات المنتجة للنص لتصير بحجم عبد الوهاب البياتي، الذي قضى طفولته في أزقة باب الشيخ قرب الحضرة الكيلانية وتكيات الصوفية، ثم غادرها إلى العالم الرحب، ولكن حين اتسعت فجوة المصداقية ولم تعد اليوتوبيا الشيوعية قادرة على ملئها، صار لزاما على الشاعر إن يرتدّ إلى يوتوبيا الطفولة. وسبب أهم دفع إلى اختيار يوتوبيا الصوفية أيضا: يرى بول ريكور أن الدول النامية تعيش عصرين في آن واحد: عصر بداية الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، وعصر القرن العشرين، مما جعل مهمة هذه البلدان هي العثور على هويتها الخاصة(51)، هكذا جاء اختيار التجربة الصوفية، اختيار للهوية الشرقية. 

المصادر والهوامش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* اصطلاحات الصوفية: كمال الدين عبد الرزاق القاشاني: تحقيق وتعليق الدكتور محمد كمال ابراهيم جعفر: ط2: قم: 1370هـ. 
* أغاني الحارس المتعب: بلند الحيدري: دار العودة بيروت: 1974.  
* الانسان ورموزه: غوستاف يونغ وآخرون: ت سمير علي:دار الشؤون الثقافية ـ بغداد ـ984.
*  تأويل الشعر:  أمين يوسف عودة: رابطة الكتاب الاردنيين: 1975.
* تراث الإسلام 2: د. حسن نافعة وكليفورد بوزوورث: ت: د. حسين مؤنس: الكويت عالم المعرفة: 1990. 
*  الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري (ج 2): الاستاذ آدم متز: ت:محمد عبد الهادي أبو ريده: بيروت ـ دار الكتاب العربي.
*  دائرة المعارف الإسلامية: المجلد 15: جماعة من المستشرقين بإشراف الاتحاد الدولي للمجامع العلمية: ( النسخة العربية).
*  ديوان الحلاج: صنعة الدكتور كامل مصطفى الشيبي: بغداد: 1974.
*   الرمز الشعري عند الصوفية:د. عاطف جودة نصر: ط3: دار الأندلس بيروت: 1983.
*  الشعر الصوفي: د.عدنان حسين العوادي: بغداد: دار الشؤون الثقافية:1979.
* الصلة بين التصوف والتشيع: د. كامل مصطفى الشيبي: دار المعارف بمصر ط 2:1969. 
* الطواسين: 
* العربي الحكيم محيي الدين بن عربي: ندره اليازجي:
*  قمر شيراز: عبد الوهاب البياتي: بغداد، 1975.
المجالس السبعة: جلال الدين الرومي: ت وتقديم د. عيسى علي القالوب: دمشق دار الفكر: 2004:
* محاضرات في الأيديولوجيا واليوتوبيا: بول ريكور: تحرير جورج تايلور: ت فلاح رحيم: ط1 دار الكتاب الجديد المتحدة:  بيروت: بيروت: 2001.
* مختارات من الشعر الفارسي: جمع وترجمة: د. محمد غنيمي هلال: الدار القومية للطباعة والنشر: القاهرة:  1996.
* مدخل إلى السيميوطيقا: ج 2: إشراف سيزا قاسم ونصر حامد ابو زيد:مبحث (سيميوطيقا الشعر دلالة القصيدة: مايكل ريفاتير:ت فريال جبوري غزول): دار الياس العصرية ـ بيروت.
*  مغامرة العقل الأولى: فراس السواح:بيروت دار الكلمة: 1981.
*   النار في التحليل النفسي: باستون باشلار:ت نهاد خياط: بيروت: 1984 " ط1.
الفتوحات المكية: تحقيق عثمان يحيى: القاهرة: 1985.
*  في الخطاب السردي (نظرية غريماس): محمد ناصر العجمي: الدار العربية للكتاب: تونس:1993.
*  في المتخيل السردي: 
*  مجلة آداب البصرة 35: 2002: المهيمنة في شعر نازك الملائكة: عبد الهادي الفرطوسي.
* مجلة الثقافة الجديدة: العدد 313: سنة  2004: البنيات الدالة وإطارها التاريخي في قصيدة اعترفات: عبد الهادي الفرطوسي.
* مجلة فصول: العدد 68:شتاء وربيع 2006:  عن البنيوية التوليدية، قراءة في لوسيان  جولدمان: د. جابر عصفور.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  قمر شيراز: 109.
(2)  مدخل إلى السيميوطيقا: 68.
(3)  ينظر: في الخطاب السردي: 41.
(4)   ينظر: مجلة آداب البصرة 35: 2002: المهيمنة في شعر نازك الملائكة: عبد الهادي الفرطوسي:  577.
(5)  ينظر: المجالس السبعة: جلال الدين الرومي: ت وتقديم د. عيسى علي القالوب: دمشق دار الفكر: 2004:مقدمة المترجم: 9.
(6)  الطواسين: 9
(7)  الشعر الصوفي: د.عدنان حسين العوادي: بغداد: دار الشؤون الثقافية:1979: 178.
(8)  ينظر:: تفسه: 181.
(9)  ينظر: الرمز الشعري عند الصوفية:د. عاطف جودة نصر: ط3: دار الأندلس بيروت  1983: 142 142.
(10) ينظر دائرة المعارف الإسلامية: المجلد 15: جماعة من المستشرقين بإشراف الاتحاد الدولي للمجامع العلمية: ( النسخة العربية): 355.
(11) الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري (ج 2): الاستاذ آدم متز: ت:محمد عبد الهادي أبو ريده: بيروت  ـ دار الكتاب العربي: 61.
(12): ينظر دائرة المعارف الإسلامية: المجلد 15: 363 364.
(13)  الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري (ج 2): 62 63.
(14)  ينظر دائرة المعارف الإسلامية: المجلد 15:  364.
(15)  ينظر: تراث الإسلام 2: د. حسن نافعة وكليفورد بوزوورث: ت: د. حسين مؤنس: الكويت عالم المعرفة: 1990:  61.
(16)  اصطلاحات الصوفية: كمال الدين عبد الرزاق القاشاني: تحقيق وتعليق الدكتور ممد كمال ابراهيم جعفر: ط2: قم: 1370ه: 145.
(17) ينظر:  تراث الإسلام: 2: 66 67.
(18)  ينظر: اصطلاحات الصوفية: جيث ورد أن كلا من الزمردة والياقوتة والدرة تحيل على النفس الكلية:.
(19) ينظر: المكان نفسه:
(20)  النار غي التحليل النفسي: باستون باشلار:ت نهاد خياط:: بيروت: 1984 " ط1: 49.
(21) ينظر:  الانسان ورموزه:289.
(22) الانسان ورموزه:289.
(23) ينظر:  الانسان ورموزه: 285 ـ  290.
(24)  ينظر:  الانسان ورموزه: 280 290.
(25)  تراث الإسلام: 3: 67.
(26) الفتوحات النكية: تحقيق عثمان يحيى: القاهرة: 1985:  2: 319.
27) الرمز الشعري عند المتصوفة: 48.
(28) تأويل الشعر: 260.
(29)  كذا وردت في الديوان.
(30)  ديوان الحلاج: صنعة الدكتور كامل مصطفى الشيبي: بغداد: 1974: 32.
(31) مختارات من الشعر الفارسي: جمع وترمة: د. محمد غنيمي هلال: الدار القومية للطباعة والنشر: القاهرة: 1965:204.
(32)  مغامرة العقل الأولى: فراس السواح:بيروت دار الكلمة: 1981:63.
(33)  من بحوث المؤتمر العلمي الأول لكلية الآداب جامعة البصرة: المنعقد في 6 ـ 7 / 3 / 2002، نشر في مجلة آداب البصرة 35: 2002، وقد فاز بجائزة الملتقى الثقافي العراقي الأول لعام 2005، ونشر في كتاب الملتقى المذكور
(34)  ينظر: المهيمنة في شعر نازك الملائكة..
(35) ندره اليازجي : العربي الحكيم محيي الدين بن عربي:
(36) يذكر شريف هزاع شريف  أن"  السكر أول درجات الإرسال /الانفعال، وهذه الحالة تؤدي إلى درجة اعلى من الذوق تسمى (المعراج الصوفي)": استراتيجية التأويل في الخطاب الصوفي عند الحلاج: شريف هزاع شريف:
(37)  ينظر: مختارات من الشعر الفارسي: ترجمة وتقديم د. محمد غنيمي هلال: القاهرة: 1965: 383 ـ  412.
(38)  نفسه: 404 ـ  406.
(39) نفسه: 408.
(40) سي مرغ تعني بالفارسية ثلاثين طائرا.
(41)  ينظر: مختارات من الشعر الفارسي:  408 411.
(42) عن البنيوية التوليدية، قراؤة في لوسيان  جولدمان: د. جابر عصفور: مجلة فصول: العدد 68:شتاء وربيه 2006: 37.
(43)  يتظر: البنيات الدالة وإطارها التاريخي في قصيدة اعترفات: عبد الهادي الفرطوسي: الثقافة الجديدة: العدد 313: سنة  2004: 127 ـ  133.
(44)  أغاني الحارس المتعب: 86.
(45)   ينظر: الصلة بين التصوف والتشيع: د. كامل مصطفى الشيبي: دار المعارف بمصر ط2:1969: 339 ـ 379.
(46) ينظر: محاضرات في الأيديولوجيا واليوتوبيا: بول ريكور: تحرير جورج تايلور: ت فلاح رحيم: ط1 دار الكتاب الجديد المتحدة:  بيروت: بيروت: 2001: المحاضرة العاشرة.
(47) ينظر: نفسه: 65.
(48) نفسه: 65  ـ 66.
(49) ينظر: نفسه:353 ـ 354.
(50) ينظر: نفسه: 369 373.