في هذه المجموعة القصصية للقاص السوري تكشف المفارقات التي تنبني عليها قصصها عن تعدد الاسئلة التي تواجه شخصياتها وهي تتأمل حياتها وحياة الاخرين، وتحاول فهم الواقع الذي تعيشه. وتمثل السخرية ملمحا أسياسيا تزيد من حدة المفارقة وتظهر ما يتوارى خلف التفاصيل.

تماما قبله

باسم سليمان

إلى وجهة زاوية

اغتصب الجدار الزاوية، ليتآخى وجدارا آخرا، حبلت الزاوية، أصبحت قائمة، بيتا،

سكن عنكبوت الزاوية، اصطاد فراشة وهواما أخرى.

صعدت الزوجة الكرسي ومكنستها لتزيل ساكن الزوايا، زلت قدمها، سقطت، ارتطم رأسها بزاوية حادة، وماتت؟.

اللوحة                            

1 ـ فصل                           

اللون

لا تزوريني إلا في الأماكن التي أحب؟!.

 القبور أبواب، وفقط متسولو الحياة  أو الموت، هم من يجلسون هناك. فالإنسان غايته أن يمشي قدما في تلك الطرقات اللانهائية.فقبل أن تجوب الكون لا يحق لك أن تقف في حضرة الخالق لتقص له حكايتك. فالله مستمع جيد.

ـ وضعتُ الزهور على قبره وكلماته تتساقط في داخلي (الزهور خلقت للريح أو يديّ عاشق،فلا شيء يبرر للطبيعة قطف الأزهار إلا حرارة الخلق الكامنة في قلب العاشق).

مارست دور الأرملة إلى الآن وكأني بذلك أطيل وجوده في المكان.وأنا أعرف أنه يقول: مازلتِ تحبين حالة لمس اليد وبالرغم من جمالها إلا أنها أكثر الأشياء خداعاً.

لم أكن أرملته حقيقة إذ لم نكن زوجين وفق منطق العيشة سوية،  فالقانون ليس للخاصة بل للناس العوام.

في البدء لم يكن هناك من قوانين.

خُلق الإنسان بكلمة وبكلمة كان التزامه ولأنه فشل بامتلاكه الحرية الكاملة فقد تميّزهَ ولذلك كان صعوده الجديد بسن القوانين التي تجعله عبدا.

كنت اشتهيه أكثر عندما كان الإله المكنون فينا يتفجر فيه. يلقي كلماته كأمواج البحر رغم اختلافها إلا أنها سيماء وجه واحد يقف في وسط الغرفة

ينفث دخان سيجارته وكأنها العماء الأول ويبدأ عملية الخلق.قال لي مرة: يجب على كل إنسان أن يجرب السجن الانفرادي لأنه ضيق و هو من يجبر الإنسان على الخروج من الأبعاد المكانية وارتياد حالات روحية تعيد

له انتماءه الأول. 

بكيته بصمت ( فالحزن أجمل الأشياء وقليل جدا فاستعمليه بعقل كبير)

بقيتُ معه لساعة واحدة محتضنة رأسه بشدة كنت فارغة من كل شيء؛

إلا من سكينةِ  قمرٍ في وسط السماء.

(سأعطيكِ آخر ما أملكه عندما أموت)

 احتضنته، نمْ يا ولدي فالصبح قريب، اتصلتُ إلى المدينة أعلم أخاه بموته.

أجمل الأشياء عندما تصبح عجوزا، إنك تستطيع النظر إلى الخلف دون الخوف من أن تفقد الكثير من الأشياء التي أمامكَ وهكذا تصبح الذكرى مستقبلا جديدا يجب أن تعيشه بكل حب ولربما تعيد تقييم تجربة لم ُيتح لك الزمن تأملها جيدا وهكذا تحصل على المعلومة كاملة،فالإنسان ابن الخطأ

ومع كثرة الأخطاء من المفترض أن يقترب من الصواب المفترض في النهاية، فالاحتمالية هي القانون الدائم والكون ما هو إلا عيوننا.

***

كنتُ أخاف فرشاة الرسم، أستخدم كل شيء بأريحية أكثر منها،فاللوحة  التي أسميتها إطفاء لم تكن إلا ثديي المضطجعين على القماشة البيضاء

كانت إثر اللقاء الخامس  فمنذ زمن طويل لم تؤطرني عينا رجل وكأنهما يدان. اختصرتُ وقتها السهرة في بيت أخيه وعدت إلى بيتي الموجود فوق منزلهم في الطابق الثالث.

رائحة رجل تستبيح يباسي كأنها احتراق غابة،دخنت سجائري الأخيرة والمرسم المنتظر منذ شهور وقماشته البيضاء لا أرى سواهما.أخذتُ شكل الكرسي، يدي ملقاة على بطني و الأخرى تحتضن ثديي، أريد الاستحمام  بدأت أخلع ثيابي ولكني لم أغادر الكرسي بعد، متقصدة لمس جسدي وأعضاءه السرية وكأنّ اليد هي يد أخرى دفعتها في  أجمتي الصغيرة باحثة عن أرنبي المنسي،لتبدأ مطاردة بعينين مغمضتين عن ملامح وجههِ،حركات يديه، امتصاصه لسيجارته،صوت أنفاسه التي اختلطت مع أنفاسي ليبتل عضوي الجاف.

أفتح عيني أغادر الكرسي باتجاه القماشة، وأدعك صدري باللون الأزرق وأحتضنها،   فيما بعد قال لي: لو إنكِ لم تحتضنينني بقوة.

 اللوحة معلقة في غرفة النوم وكان المكان خياره.

لم يصبح الرسم هاجسا لدي إلا منذ أعلن وجوده في حياتي. كان لقاء، زمنه فنجان قهوة،مع تعارف قصير،لم يكن ينظر لأحد  وهو يتكلم ولكن إيقاعه في الكلام كالمطر الخفيف تبتل به بلا شعور وهكذا كنا نصغي لكلامه أنا وأخوه وزوجة أخيه بهدوء من يراقب ظلاً ينمو، متمعنة بوجهه ولا أظنه وقتها انتبه لذلك،حتى قال لي فيما بعد: لا تنظري للأمور مباشرة لأنه سوف يفوتكِ الكثير لأني أكثر من وجه وأبعد من مسافة قد تفترضينها.

 ومع الوقت أصبحتُ استخدم الفرشاة وكان وجهه لوحتي الأولى التي أصرَ أن تباع فيما بعد.وقد قبلت ذلك بعد أن طلب ذلك بجدية كالتي أخبرني بها أنه يحبني.بقيت اللوحة إلى أن أصبحنا نعيش سوية وقتها قال لي: لا أستحمل هذه اللوحة إنها تشبه شخصا قد سرق ملامح وجهي!!.

 لم يتضح لي الأمر إلا بعد وفاته عندما رسمت له لوحة أخرى،قال عنها من رآها:هل هذا ابنكِ؟!.

 انتقلت للعيش  معه في القرية وبدأت أقيم عدة معارض مشتركة مع رسامين آخرين وأصبحتُ متفرغة للرسم. وحققت شهرة لابأس بها، جعلتني أقيم معارضا لوحدي،ولكنه بقي اللون الوحيد الذي لم أمتلكه رغم الحيازة الصحيحة له،وبالمقابل هو لم يعمد لامتلاكي لأن أجمل مافيّ هو ظلي الذي تملكه الشمس وحدها.( عندما أمتلككِ سوف تهرمين فالزهرة لم تعتد نفسها لذلك لم تتغير وظلت النحلة تأتيها، أما الإنسان كان خلقا آخرا،عندما اعتاد نفسه ملكته فأصبح على ما هو عليه).

***

براءة الطفولة تلك الكذبة الكبيرة التي يتم تسويقها بكل غباء من يختبئ وراء حلم نظافة الراشدين،كنت سمينة، وأنفع كفراش كما قال الصبيان،

تلك البديهة التي تتناساها النساء في غمرة الحب، رفضَ حبي وأعلن أنه لا يستطيع أن يحب فتاة سمينة إلى  هذه الدرجة !!!. أية درجة؟!، فهمت  وقتها الدرجة التي يستطيع أن يتمادى الإنسان بها بدون أن يعلق به ما يلوثه،فكل ما يغسل هو مقبول، المهم أن يبقى خفيا، فنحن نأكل علانية ونتبرز خفية.  

الجميع يعمل على تنظيف مرآته، إنه التناسي لأجل مقاربة الصورة التي نقبل بتأطيرها لنا. 

***                                                                  

وجدتُ نفسي وحيدة مع تركة أبي من الكتب التي كنت أقرؤها بعيدا عن نظر أمي،عملتُ على اختيار الكتب بشكل يخدم تطورات جسدي ونفسي، وبدأت أفهم الإشارات بشكل كان يثير فيَ الضحك، عندما يفترض الآخرون فيك الغباء ويرون في الفارق العمري حاجزا لا يمكن تجاوزه.

وهكذا لم أوفر الوقت في تجربة أبعاد الخطوط الحمراء، الريجيم كان الخطوة الأولى، عملتُ على نحت جسدي ومع الوقت أصبحت أرى صورتي المفترضة تأخذ مكانها و خاصة عندما أمارس عملا ما، تفرض عليَ سمنتي السابقة شكلا ما في التصرف أُفاجأ مما  حدث وكأن الأمر لم أكن أتوقعه.

جسدي الجديد المتفق مع صور المجلات والتلفزيون، لم أحرمه من التعبير عن جماله،فكنتُ أقف أمام المرآة أبدّل ثيابا، أتعرى، أكتشفه بعدسة مكبرة، أردت أن أحفظه غيبا.

 كم عدد شاماتي؟، أعتقد أنها خمس عشرة ولكنه هو من أكد لي أنها ثمان وعشرون،وقتها قلتُ: يالها من صدفة: عدد الأحرف، أجاب بابتسامة من اكتشف شيئا: المهم أن أجيد تركيب لغة تحمل طموحات هذا الجسد،فلو كانت ستا وعشرين لكنا في بلد آخر!.

***

من يحفر في الأماكن الرطبة سوف يجد الماء وأنا وجدتُ الحب و لذتي عبر رجال الروايات الذين لم يبخلوا بحبهم وشهواتهم العارمة وحين يبدأ الكاتب بالبوح لا يجد صوتا نسائيا يفرض نوعا من الحشمة تخدم مصالح الرجال في زيادة تخصيص المرأة، كنت أفعلها مع جميع رجال الروايات وحتى مع الكتاب إذ كنتُ المرأة السرية لهم وأسخر منهم لعدم اكتشاف خيانتي.

الخيال عالم نظيف،لكنه الابن الحرام للواقع.

***

كان لطيفا كجدّ ولكني كنتُ أكثر من حفيدة مفترضة.

صديق والدي بعد وفاة زوجته واستقلال أولاده بقي وحيدا في بيته رافضا الانتقال للسكن لدى أحد أولاده، هو من المدرسين الذين يرون التدريس رسالة خالدة،احتجته لبعض دروس القواعد، ومن خلالها تعرفت لعالمه الهادئ المملوء بالألوان.

 إنه يرسم ومعه اكتشفت فك طلاسم اللون الممزوج، فتح لي غرفته السرية ورأيت تجاربه الأولى كلون يتحسس الظلام من حوله،ولكنه كان ضوء شمس لسرعة تطوره، كنتُ كغيوم الشتاء ما لبثت أن أمطرت، لمَ لا أكون نموذجه،فكل الرسامين يحتاجون لنموذج،عرضت الأمر عليه كامرأة مجرّبة، أذهله العرض ولكنه كان سخيا و من الغباء أن يرفضه، قَبِل معي شرط أن يبقى الأمر سريا.

وجهي،اللقاء الأول،جلستُ وأنا استذكر من خلدهم الرجال المدمنون على اللون،بين ضربة للريشة وأخرى، أنفاسه أصبحتْ أقرب  لوجهي.

 يتعمد أن يوازن بين توضّع رأسي في كل جلسة، أنامله التي تتحسس وجهي بدقة من يمشي في حقل ألغام أصبحتْ أخبر لتلامس لغم الشفة بدون أن تنفجر،أحيانا مع إنزار خفيف بعضة، فيعلّق- وقد احمر لونه - لم أعلم أن لديّ كلبا  صغيرا هنا، فأردّ بزمجرة خفيفة. 

وجهي يتوسط اللوحة كغيمة صيف وحيدة،

قلت له لم أرتكب جرما أستحق عليه قطع الرأس،وعدت إلى مكاني، وكأميرة أمرته بمتابعة الرسم،لم أعطه الفرصة ليأخذ نفسا، فككت أزرار القميص فنفر ثدايّ ونفر تْ دهشته  كبحرة لم تمارس قذف الماء من زمن  أشرت له أنْ ارسُمْ، فتابع كمن يعترف بتقاليد المهنة ولكن كطبيب لم ينفعه قسمه من أن يسترق الإحساس وهو يفحص مريضته الأولى.

تتابعت لقاءات الدرس والرسم، جلس بقربي بعد أن كان يجلس في مواجهتي، لم يترك سببا يمر دون أن يستغله للاقتراب وكأنّ المكان يضيق رويدا رويدا فلقاءات العشاق تعشق الزوايا، عملت على إنفاد صبره بقدر ما كانت لوحاته تتكاثر تحمل موضعا واحدا.

الدرس الأخير،شكرته بهدوء، مازال صامتا كحجر تنتظر الأزميل،

وكاشتعال عود الثقاب أطبقتُ على شفتيه معوّضة كلّ قبل الهواء فيما سبق

 وتركته أبيضا كلوحة لم ترسم.

***                                                                                                  سجين سياسي ـ لم أتوقع هذا، كل ما افترضته رجلا بأسلوب غامض- لمدة عشرين سنه، إنه السّلم الخبيث لتوافق الاتجاهات المتعارضة فالوطن الحمار لا يحمل إلا راكبا واحدا يسوقه.

استفسرتُ عنه كمريض يريد أن يقف على أبعاد  مرضه ودوائه، عاد إلى الضيعة وكان لا يأتي إلا عندما يجلبُ بعضا من نتاج الأرض لأخيه أولشراء بعض الحاجيات. النبيذ الذي أحضره تشاركنا جميعا في تذوقه، إنه كالغبار يستقر عليك ولكنه غبار رطب يلصق بقوة، لم يتحدث عن فترة سجنه بل تكلم عن حال الغابة المتدهورة في أعلى الجبل، بطريقة حساسة بشدة ؛حتى لتخاله تحول إلى لون أخضر.

***

الأخضر لون أستاذي  القديم،  والأحمر للصيف وباجتماعهما تكون الثمار.

كان روايتي المفضلة التي تنتظر صفحاتها البيضاء أن أملأها بالحبر الذي أريد.

عما أبحث معه؟. هل سقطت في فخي الذي نصبته؟!، أم أنه الحب تلك العشبة الغربية النمو، التي تكسر احتمالات الفصول، لم احسم ما حدث إلى الآن ولربما هذا أفضل فبعض الطرق يجب أن تمشى بدون تعليق.

***

بعد تلك القبلة حدث نوع من التوجس من كلينا، تلك الجرأة اختفت ودهشته الطفولية احتلمت، أصبحت لقاءاتنا عملية، متركزة على دروس في الرسم وحديث في الألوان، إلى أن طلب مني عدم القدوم،قالها  بلون أزرق بحري، ورمى بموجته الوحيدة على شاطئي ـ لأني أحبكِ ـ لم أسمع إلا دقات قلبه، بعد أن لذت بصدره باكية وهمست بالكلمة السحرية التي فتحت عالم الروايات لي،ولرجل من لحم ودم.

ـ إني أحبكَ.

عصرني كما اللون فتمددت على مساحات اللمس،مغمضة عيني متذوقة الواقع،شفتاه كما المحيط يحد القارب المتمايل على نبض قلبه، أحاطتْ شفتي المسترخيتين كما المرساة في عمق القبلة، التصقتُ به كطابع بريد، كان الرسالة المبعوثة إلى جسدي الأكاديمي، فقطرة المطر أكثر من هدروجين وماء، نهداي اللذان أنهكا فر شاته سقطا ساجدين لجيش نمل الأصابع أمام كومتين من القمح الطري، اجتاحني شعور الزاوية التي أريد أن أحشر فيه، لم يعد حساب مثلثي الصغير يساوي مئة وثمانين ولربما يمكن تقديره مرتبطا بمجموع شهقاتي، زائد الضغط الدموي في الشرايين

في النهاية اعتذر كما هو متوقع مع عينين دامعتين، همست بأذنه: قليل من الحرام يفيد.       

***

أرسم بكثرة وكأني أعوّض ما فاتني، أرسمه هو لا أحد غيره، محاولة إخراج رجل من العتمة، شعوري أنه دائم الهرب مني دفعني لألون مصائدي في كل الطرقات المتوقعة التي سوف يسلكها، لم يهتم بي حتى ولو بشكل غير مباشر ولكني في استرجاعي المشهدي للقاء، كانت تتكاثر الطيور خلفه وكأنه يلقي فتات الخبز خلفه: أيها الرجل الأحمق توقف، هناك أنثى تبحث عنك، أحيانا يخيّل لي، أنه ليس أكثر من شخص قصة  منداحة في هدوئي في تلك المكتبة الآمنة. 

علمتُ مسبقا بقدومه، فأعددتُ العشاء وساندتني أخته بتواطؤ الإناث،

لم يأكل كثيرا، رغم انهماكي بإغرائه بتعدد أصناف الطعام،و سخرتُ من نفسي فيما بعد، فقد قلنا لي:طريق المرأة إلى الرجل معدته، أخافني تركه للطعام مبكرا، شعرتُ وقتها أن الوصفات القديمة لجداتي تنجح مع الرجل الذي يضاجع بعد أن يملأ معدته، شعور المرأة الرخيصة الذي رافقني تبدد عندما دلف إلى غرفة الرسم المفتوحة الباب قصدا بعد أن استأذن وبقي هناك إلى أن أنهينا طعامنا، كنتُ قد أخفيتُ رسم وجهه المباشر وتركت غيرها من اللوحات،لحقنا به ولكنه لم يمهل أحدا ليسأله عن رأيه، بل بادر هو: أنت ترسمين لعمر مضى في أكثر لوحاتك وكأنك مراهقة تحب للمرة

الأولى ومن خلف الشباك- صمت للحظة لم تسمح لأحد أن يتدخل-اضربي موعدا وتلمسي اللون بأصابعك.

***

بقيت كلمات الحب كالقطط المتشردة بيننا. الرجل العجوز الذي كان صامتا كما بدا لي بدأ يجيد الكلام، الكلام في كل شيء، لذلك كنا نمارس الجنس

متسرعين وكثيرا ما كان يكتفي بإعطائي جرعتي منه بفمه بعد أن يخلع منه فكه، ثم نثرثر عن الله والسياسة والموت والبوظة وأشياء.

 قال لي: يجب أن تكوني عجوزا؟!.

 رددت عليه: لمَ لا تكون أنت شاب؟!.

أجاب:على أحد أن يكون قريبا من الموت هكذا يرى الأمور بطريقة

 أوضح.

 كم أنت وحيد أيها الموت !لا تدوم صداقاتك أكثر من عدة شهقات متتالية!

***

لو ينسى القدر بعض التفاصيل لو يتأخر ولكنه اعتاد الكمال وإن حدث  ما فرضته لعاد وأكمل  مهمته بتمام أكبر من السابق.

  منذ سنة وقف رجل بباب البيت وسأل عن أمي .......؟!

 للحظات لم أفهم لمَ تلك المعانقة التي أخرجتْ أمي من تحفظها؟.

إنه شخص من الذكريات القديمة المتمسكة بالحياة وليس مجرد صورة بالأبيض والأسود للذكرى.

الحقيقة هذا الشخص قد حملني طوال فترة دفن والدي وأخوي.

  إلى الآن مازلت أؤمن أن الوطن من قتلهم، إذ فجر اغتيالُ والدي الغضب العارم على كل الاختلافات السياسية التي قادتْ إلى مؤتمر حوار وطني أعادوا توزيع الثروات فيما بينهم إلى أجل مسمى.

التضحية لازمة وتصبح ذات جدوى ونفعية أكثر عندما يكون المضحي في معزل عن أية تكلفة!!.

أبي وهذا الصديق رفيقا نضال وهذا يكفي؟!. هذا ما قاله الضيف ليغلق وراءه كل هذا الماضي.

أمي المدرّسة اكتفت بالتدريس ولم تفعل كبعض النساء اللواتي انخرطْن في العمل السياسي إثر انخراط أزواجهن به بل دوما كانت تراه عملا قذرا مهما كانت نظافة ثياب من يمارسوه لربما تكوّن لديها هذا الموقف جراء اغتيال أبي.

لأني لا أملك ذاكرة من ذلك الزمن ولكن اكتشفتُ فيما بعد من حوارات ومتابعات والدي السياسية، أنها كانت من النساء الناشطات في الحركة النسائية وقتهاوبقصد أبعدتني عن تلك الأجواء وعملت جاهدة على تقديم حياة جيدة إذ عملت كمدرّسة خصوصية في البيت وهذا ما أمّن مدخولا جيدا وسمح لي بكثير من الحرية بعيدا عن عينيها وأنا أطالع كتب أبي وكانت سعيدة جدا وهي ترى موهبة الرسم تتوضح من خطوطي.

لم أكن صديقة جيدة لأمي ولم تكن هي أيضا؟!ّ، كنا أما وابنتها،الآن أتمنى لو كان بيننا حديث الأم وابنتها عن تلك الأشياء النسائية الصغيرة وهنا لابد من الاعتراف أن مكتبة أبي الأم الفكرية لي.

كم كنت أشعر بالقدسية وأنا أعيد ترتيبها من جديد،  أمسح الغبار وبعناية كبيرة أعدت ترتيبها بالشكل ذاته الذي كانت عليه ودوما أفتح الصفحة الأولى لبعض الكتب واستذكر التواريخ التي أعدت فيها قراءتها إذ كنت أدّون تاريخ كل قراءة جديدة للكتاب.

توفيت أمي بعد طلاقي بسنة، رجعتُ إلى البيت لأجدها متوسدة المكتب في غرفة المكتبة،غرفة أبي وفنجان قهوتها لم تكمله وسيجارتها مازال رمادها متماسكا في المنفضة و تحت وجهها تموضع دفتر لأبي كتب عليه بعض رؤاه السياسية.

عرفت الموت كثيرا في الروايات التي قرأت، والموت في الروايات لا يفاجئك بل يترك لك وقتا لتتأمل تفاصيل الحزن، بل وتستمع ولربما تذرف بعض الدموع هنا حيث يقف الموت أمامك كحيوان يدافع عن فريسته تنتظر أن تتم أعراف الوجبة، لتتلمظ فيما بعد حزنا يختصره الأسود، مددت يدي (وصوتي يصيح) عليها جسست نبضها لم يكن هناك.

(نم  يا ولدي لم أكن أما) ولكن عندما وجدت أمي غافية فوق ذراع أبي تعلمتُ أن أفهم حنية الموت عندما يأتي كطفلة ترفل بثوبها الجديد الذي ابتاعه أبوها البارحة لتضمها أمها وهي تسقيها دمعا حلوا جدا كأحلام الأطفال.

***

مدرسي العجوز يترك الباب مفتوحا لأدخل عليه كشخص من البيت فبعد أن كبر الأولاد لم يدخل أحد بيته بدون أن يقرع. هنا حيث القبلة الأولى حيث اختار أن يكون المرسم ليكون مركز كونه وجدته مجعدا على الأرض والريشة لم يجف لونها بعد، بكيته بحرقة الزوجة ولبست الأسود عليه حتى الأربعين ولم أمارس عادتي السرية حتى طهرت أربع مرات من العادة الشهرية.

أربعة ميتات كانت أمي الخامسة لا بد أني سأكون وحيدة عند موتي، قلت له: تركتني وحيدة تماما كما كنت في مكتبة أبي ولكن دون كتبه أأنت الكتاب الأخير. أسألكم: هل ستخرجون من ماضيّ لتعدوا الأنفاس الأخيرة لي بابتساماتكم المتوقدة بالبخور؟

***

أبي كان آخر رجال العائلة  فنحن عائلة صلاتها رحمية،جدي الوحيد الذي جاء على تسع بنات، ثلاث سلمت حياتهن وتزوجن وأنجبن وتباعدت مساكنهنّ، بقي جدي في دار أبيه وتزوج ثلاث مرات ولم ينجب غير أبي من زوجته الأولى، جدتي التي توفيت أثناء ولادته وتركته لترعاه الزوجة الثانية وبعد فترة وجيزة من وفاتها وقبل أن تتم الأربعين حيث كان صراخ الولد التغطية المناسبة ليدفع أبو جدي ولده لزواج مبكر بهذا الشكل ولكن الزوجة الثانية كانت عاقرا لربما ورثتُ ذلك عنها وبقيتْ في بيت جدي حتى عندما تزوج الثالثة التي لم ترض أن تكون عاقرا إذ طلقها جدي بعد ثلاث سنوات من زواجهما لتتزوج رجلا لديه أولاد توفيت زوجته وتنجب منه صبيانا وبنات وقتها عرف جدي أن العطل منه ولكن كيف وقد أنجب أبي أحيانا في شك بوليسي أتمنى أن أحصل على شيء من رفات جدي ولكن كما قال عندما قرأ في عين زوجته الثانية شكا  في لحظة انتقام على زواجه الثالث وبعد طلاق زوجته الثالثة: يرزق من يشاء وصمت

هذا الشك مات في وقته وأبي كان بارا بأبيه وراعيا لزوجته الثانية كأمه ولكنه خرج عن تقاليد العائلة كاملة حتى في زواجه فقد تزوج مسيحية  تعرف عليها في الجامعة ولكن بعد أن أنجبت أخوي عادت الأمور لمجاريها وكان جدي قد سمى أخوي باسم أبيه وجده أما اسمي فكان لأمي  التي سمّتني على اسم أخت لها متوفاة.

ماتت أمي بعد طلاقي من قريب لنا من جهة الأخت الأكبر من جدي والتي بقيت الصلات بيننا معقولة وخاصة بعد فعلة أبي التي أبعدت عنه القرابات الرحمية.

 لأكُنْ صريحة لم يكن حبا بالمعنى الدقيق للحب كان لونا أحمر، أربع سنوات مرّت ولم أنجب وثبت طبيا عقمي وهربا من ضغط أهله والزوجة الثانية التي رشحتها له أمه كان الطلاق الذي أعادني إلى بيت أمي الذي كان الضربة القاضية بفقدانها الأمل، لربما يعيش الأهل بعيون أولادهم، أنها المواجهة الأخيرة مع سر الموت بالهرب منه عبر التقمص بالأبناء.

***

لم يكن أحد في وزارة التربية يمانع انتقالا إلي المنطقة  وخاصة أنه وجدت فتاة ترغب بالانتقال إلى العاصمة وهكذا بعتُ كل شيء حتى المكتبة ولم استعمل من الماضي إلا رقم هاتف صديق أبي الذي أمن لي بيتا صغيرا فوق بيته في تلك المدينة الصغيرة مع إطلالة بحرية على شاطئ وكورنيش يتبعه أزرق استوطن لوحاتي.

***

                    

2 ـ الفصل اللاحق

الريشة

أبٌ على وشك التقاعد وأم شغلها الوحيد في هذه الحياة حياكة وتطريز، ذكران وبنتان،والصغار الذين يتدفقون كالماء في أيام العطل،حياتهم كانت توحي لي بالأمان والراحة.

أصبحتُ البنت التي أتت على كبر فهم يدللونني ويحبونني بطريقة جعلتني أعيدُ حياة الأسرة لحياتي.

جزء كبير من حياة أبي كان يختبئ في صدر هذا الرجل، سرده لي على وقع المطر الشتوي في الخارج وصخب الموج الذي يحتج على تهييج ذكرى الموتى ولكن أعتبر استكمال تلك الحياة التي طوتها أمي بعيدا عني ولم تنفع مكتبة أبي إلا بإعطائي صورة تكاد تكون فكرية عن فيلسوف أو ماشابه، كان بالنسبة لي طريقة في معرفة أبوة جديدة أكثر قربا وحميمية بحيث لم تعد تلك الغصة المرة التي ترافق جوابي ولو لذاتي عن حياة أبي مرّة كالحنظل بل لها مرورة القهوة.

***

كثيرا ما جنحتْ أفكارنا بعيدا عن الشرفة التي كانت تجمعنا هو وأنا  عن أخيه وأخته وزوجة أخيه، بحيث عندما كنت أستأذن للصعود لبيتي كنت أجر قدمي من التعب لشدة مامشينا.

(أشعر أن لي القدرة على الطواف حول الكرة الأرضية مئات المرات. إنه الحل الوحيد لأهدم هذه الزنزانة اللعينة ولكنّي لم أفعل فالزوجة والأولاد رسمتهم بقلم الرصاص على جدرانها وعندما أخرجوني بحكم أشد قسوة من الأول طلقتها لتتزوج النزيل الثاني ليعتني بالأولاد. خرج بعدي بستة أشهر وعندما سألته عنهم قال لي: لقد طلوا الزنازين بطلاء جديد فهناك بعثة خارجية سوف تتأكد من حسن التعامل الإنساني وقتها ضحكت من كل قلبي لأنهم دخلوا في البياض وحزنت لبقائي في الألوان).

عندما تم إمساكه وهو يوزع المناشير لم يكن ذلك بسبب منه فقد تم خداعهم من قبل أحد في التنظيم وقتها دفع بنفسه أمامهم وسمح لزميله بالهرب، الذي استطاع بعد عشرين سنة أن يكون وزير داخلية وفق التحاصصات التي بشكل أو آخر دفع أبي بعضا من ثمنها بموته. تذكرّه بعد كل تلك المدة إذ أنه ومع تغير أهواء الحكومات المتعاقبة بطريقة تدعو للغرابة لم يكن يتم إخراج المعتقلين السياسيين وكأنه نوع من الفطنة التي تصيب من يجلس هناك في قمة الجبل من يعارض سوف يظل يعارض.

وهكذا أصبح البيان رقم واحد شيئا طبيعيا يمر لوقته وينتهي حتى أن الموظفين الصغار لم يعد يعنيهم من يرأسهم فالقصة قصة تاريخ يجب أن يصفّي نفسه من أحقاده.

خرج من السجن وعاد إلى الضيعة. البيت كان مغلقا. أمه وأبوه ماتا وهو في السجن.

 بعد أسبوعين من قدومه وقفتْ أمام البيت سيارة سوداء تلمع تحت شمس الصيف ترجّل منها رجل لوحده وطرق عليه الباب وغارا في الظلمة لساعة مضتْ لم يعرف أحد من سكان الضيعة ما حدث، فهم لم يتعودوا هكذا نوع من السيارات تمر بطرقات الضيعة.

حارس للغابة التي تتسلق الجبل الذي يعلو الضيعة؟

***

كنت قد دخلت الثلاثين أقضي وقتي ما بين المدرسة التي أدرّس بها ومرسمي والشاطئ الذي بدأتُ أعرفه حجرا حجرا، مبتعدة عن ساعات الرجال، محتفظة بزمني لنفسي،اقضي مع العائلة الجديدة مقدمة السهرة ثم أنطوي لمرسمي لم أهتم بتطوير صداقات، كنت مهتمة بالرسم لا غير.

عدت للعاصمة بعد غياب سنتين لأشارك بمعرض مشترك مع مجموعة من الفنانين الذين عرفتهم سابقا، لم أستحمل تواجدي لأكثر من يومين عدت بعدها بعد أن ائتمنت صديقة لي على اللوحات وفي حال تم شراء إحداهن سمحتُ لها بالتصرف بالسعر أعادتهم جميعا لم تبع ولا واحدة

***

الشعور الذي راودني تجاهه يشبه رائحة مكتبة أبي عندما أدخلها وفي نيتي كتاب جديد بعد أن أكون انتهيتُ من آخر. متعة جميلة ولكن هنا كان لدي شك وخوف أن سريّ سوف يفتضح. أما هو لم يغير من مواعيد قدومه من الضيعة كل ثلاثة أسابيع يأتي قبيل العصر ويغادر في الفجر.

أصبحت أستيقظ وأعد فنجان القهوة مترقبة مغادرته أضع فنجان القهوة على حرف شباك غرفة  النوم في حين هو يهبط الدرج يتوقف قليلا قبل الانعطافة التي ستخفيه، أظنه سينظر للخلف وفوق يدلف في المنحنى ويختفي.

عندما علّق، أني أرسم لوقت مضى،كان قد مضى على معرفتي به أحد عشر شهرا.

مواعيد قدومه تكاثرت كفتات خبزي نقضي جلّ الوقت في المرسم نستمع للموسيقى ونتكلم عن كتب تشاركنا في زمنين مختلفين بمطالعتها ونتكلم عن انطباعات مرّت في الذاكرة، تمنيته أن يكون أحد مؤلفي هذه الكتب لأخون الآخرين معه قال لي فيما بعد:كنت جبانا كم تمنيت أن أقبلك وقتها وأهمس فأنا لم أهمس منذ زمن ولكن السجن يجعلكَ تعتقد أن الصمت أفضل وسيلة للتعبير ولا تنتبه للوقت فيه.عشرون مضت أشعرها كحياة أخرى لم أنظر لساعتي فيها.

حاولت مقاربة السياسة بأحاديث عابرة ولكنّه دوما كان يقاطعني( السياسة ليست وسيلة ناجحة للقيام بشيء إنها فقط للتغيير وهذا التغيير كقفزة في المجهول لا تعرفي أين ستسقط قدماكِ أرجوكِ لا تعيدي فتح هذا الموضوع)

 ويشرع بالتكلم عن حال الغابة المتدهورة فوق القرية فأردّ: ولكنها السياسة من جديد؟

 يهمهم:مازلنا نتكلم عن الخطيئة الأولى وكأنها حدثت البارحة ماالذي ينفع في ذلك لاشيء ! الخطيئة سبب وجود ولكن الذي يهمني الآن كيف أعيش هذا الوجود بعيدا عن ظلالها إنها كالسلاسل الحديدية تمنع السجين من الهرب أنا نقعت قدمي بالماء طويلا حتى أكل سلاسلها الصدأ ولن أفعل شيئا ليجلوها،أنا هارب لحياتي ألا يكفي هذا لأغلق هذا الماضي.

 الذنب الوحيد الذي أشعر أني اقترفته هو تجاه الطبيعة إنها مسالمة لدرجة تدعو للشفقة والحزن وأن  تنذر الحياة لأجلها  سأعمل لوحدي هناك على سفح الجبل سأعيد للغابة عمقها وأسرارها وسحرها لعله في يوم ما يخرج بشري أكثر إنسانية بدون خطيئة تتبعه كظله فالغابة يكفيها أن أمشي في طرقاتها كحيوان يحترم كقوانين الفصول وهي سوف تعطيني مستقبلا أخضر وأنا أنتهي بموتها ونحن وحيدان،وحيدان؟!

أمّا أنا علّقت ممتعضة كأنّ أنبوبة للون فاجأني انتهاؤها

***

لربما أصبح تعلقنا واضحا للجميع،ما عداي وعداه كنا نرى الأمر أنه نوع من الإجبار لم يعد يلائم حياة الحرية التي نعيشها.

فاتحني بموضوع الانتقال للسكن عنده دون زواج لأنّ الزواج يراد منه  مستقبلا أمّا أنا أريدك للحاضر لا أريد أوراقا من صناعة مدنية الإنسان تجمعنا وهذا فيما يتعلق بي، أمّا إن كنت تحتاجين لضمانة مالية سأكتب لك الأرض الشيء الوحيد الذي أملكه، ليس ما يجمعني معكِ هو الحب إنما الألفة اختبرت الحب قبل السجن واكتشفت أنه يمت للسياسة بصلة بل إنها مثله عمياء.

أقنعني كلامه فمتى كانت الدساتير تحمى الشعوب التي تتبناها فدوما كانت الدساتير مطية للسلطة التنفيذية.

وقتها الكلمة الوحيدة التي قلتها ولكن........... !؟.

قال لي بعدها دون أن يمهلني لأتم جملتي: أمام الناس لكِ أن تكذبي كما تشائين  فهم دوما سيسألون ثم يعتادون فالسؤال سهل لكن البحث عن الإجابة يحتاج مجهودا وزمنا وهم نادرا ما يشغلهم ذلك مادام لا يمسهم مباشرة.

 اعترفت له أنّ سبب انتقالي لعنده لم يكن بطريقة عقلية انتقلت لأن الحب يبرر.

 حينها عرض علي!ّ أن نسجل زواجنا  ضحكتُ من قلبي وقبّلته كما لم أقبّل من قبل متذكرة كل قُبل الهواء.

في اليوم الثالث لقدومي للسكن عنده ذهبنا للغابة تسلّقنا الهضبة المنحدرة إلى أن وصلنا أمام كهف ذي مدخل صغير، دلف قبْلي وتبعته بخوف التفتَ وبابتسامة شدّ على يدي قليلا، بعدها انفرج الضيق الذي دخلناه عن قاعة من الحجر المكتسي بالصواعد والنوازل مع فتحة سماوية تضيء المكان وبحرة صغيرة في مواجهة المدخل لم أتمالك نفسي من الروعة وقلت إنه بيتنا فضحك وضمني.

إنها مياه صالحة للشرب أخذت بعضا منها لمديرية الماء وكانت النتيجة إيجابية. ليومين بعد قدومي كنا نكتفي بالنوم قرب بعض قالها: أحتاج لبعض الوقت فالمرأة الوحيدة التي عرفتها كانت زوجتي في السجن امرأة من رسم.

ضممته وقلت له عندما يحين موعد قلم الرصاص فمبراتي جاهزة.

أتسبحين؟

خلع ثيابه بسرعة ودخل الماء، ظهره كلوح مسماري نتيجة التعذيب في السجن لم ينظر إليّ بل حدق للفوهة التي تطل منها السماء والتي تُرى منها الشمس لمدة ساعة تقريبا من الواحدة والربع إلى الثانية أما في الشتاء فلا تلحظ أبدا. تبعته،غمرته بيدي،أطلق نفسا يعود لعشرين عاما مضوا.

 همست له،أريد أن أتقن اللغة المسمارية وبدأت أقطّب حروف تلك اللغة عن ظهره، أبلّها بريقي ثم ألثمها ويدي تعبث بشعيرات صدره الشائبة وتلمس بخفة حلمة منتصبة من البرودة، لربما لشدة الإثارة التي لم أتيقنها إلا عندما أدار وجهه وغط على شفتي كالطيور المهاجرة.

وتد ينغرز في مثلثي لينصب خيمته، أشعلت النار،طحنت البن،وضعته على نار هادئة كبدوية تضع الكحل.

تساقط جميع الأبطال الذين عرفتهم وكتّابهم ما عدا مدرسي القديم الذي ابتسم وأعاد تزرير قميصي توقفت النافورة عن قذف الماء

سحبني على ذراعه نحو حافة البحرة وضع بطانية تحت ظهري واستلقينا تحت الشمس حتى غادرت الفتحة صامتين كصواعدها ونوازلها،

تحرك من قربي أخذ القهوة من الترمس وصب فنجانين أشعل لي سيجارة وله همس لكي لا يسمعنا الرب: لن يطردنا أحد من جنتنا؟!

***

9\6\2007

المسافر

في مكاني....

منتظرا امتلاء الباص، أفرغتُ أياما قديمة على الرصيف  المقابل، تجلسُ إلى جانبي أنثى تفسرً رائحة الدراق التي نضجتْ  في صيفها.

استدارة للخلف  وتقول: أغادر لأني فعل مغادرة؟.

وبإحساس دائري بعيدا عما تعطيك الزوايا من تحديد  للشعور ترتد نحو المركز لتصبح ذاتك  المحصور بين قوسين لتنال منك الاستدارات.

 بدءا برحم، قصيرة إقامتك فيه وثدي تبدله بإصبع تُضرب لأجله بعض الكفوف،مرورا بسيجارة تشربها خفية؛ لكي تبقى صغيرا في حضرة أبيك، وكرة تركض خلفها وتجري معها لتدوسكَ بعدها.

مؤخرتها التي رسمتُ عليها القارات  ثم لملمتها بشفتي قيصر توِجَ للتو سيدا للعالم، لفه للأمام، للخلف،لليمين،لليسار، سر، قف، راوح في مكانك، كم تملك الأنثى حرية في تقديم الاستدارات؟  بطن، ظهر،  في حين أنت تعطي استدارة واحدة نافخا بطنها فقط وهي تنفخ فيكَ رأسكَ، قلبكَ،عضوكَ.

اهتز الباص، استدرتُ نحوها مسحتها من فوق إلى أسفل، رجعتُ لمَ أنا عليه!،وما أنا  عليه؟، الكرسي، قدمي، السرير، جسدها، ما لم يخطر على بالي يوما أن تكون فوقي،هل سهوتُ عن ذلك أو سهونا؟، لربما تقصدنا ذلك تاركين بعض ما رفضناه في متحف لا شعورنا، لو ناقشنا ذلك قليلا لاكتشفنا أنه لم نتقدم  حقيقة فيما نظرنا فيه على طاولات المقاهي، متقابلين فيها وجها لوجه، جنبا لجنب، مفوضين يدينا بكل الصلاحيات، لاختصار هذا الجسد المتهالك، ليتعرى في غرفة،عملتُ جاهدا على تدبيرها.

اعترفتُ لها بحبي في اللقاء الثاني لكنّها تأخرتْ كثيرا لتلفظ تلك الكلمة مع أني أشكُ في قولها لها مع أنها قبلت جسدي فوقها مبكرا، همست لي يوما: تستطيع تنظيف هذا الجسد ولكن نادرا ما تستطيع التخلص من كلمة تفوهت بها.

لم ترض لجملها إلا التوازي ولنقم ما شئنا من الجسور والتقاطعات، ألوانها حقيقة وليست انكسارا للضوء، فأحمر عذريتها نبيذي وبياضها لا يتضمن غير السواد،

تغلق سماعة الهاتف أمامي معللة ذلك بكرهها لصوت التون المتقطع، لو كان قلبي يدقُ دقه مستمرة ولا يسقط عضوي باهتزازات متتالية لمَ انهارت قبلي وتركت أنفاسي تلفح وجهها،  ألهذا غادرتْ؟ أم أن الكلام يبقى كلاما.

 لو أنّ الحياة جملة واحدة وكفى....

 ناظرا إليها،والشاي فاض من كأسي.

***

صدر يعلو، يهبط والباص يعلو، يهبط وأنا أرتقي ذكريات وأنحدر مع اهتزازة دائمة قادت نعاسا  يهمس بصوت قديم...

لا تستطيع المقارنة بين طاولة وغرفة.

عارضتني كثيرا لمَ أبدلتُ الغرفة بأخرى،نسختُ أثاث الغرفة السابقة هنا، كما كانت هناك إلا الشباك الذي تمنع واتجه نحو الشمال، فعلقتْ على الحائط الجنوبي لوحة لنورس اجتاح الأفق، لم أفهم تماما ارتباطها بغرفة لقائنا الأولى وهي لم تعطِ تفسيرا أو سمحت لي أن أحل هذا الارتباط إلى خيطه الأخير مع معرفتي أنها كانت تعاقبني بصمتها.

 إلى أي درجة تتمسك المرأة بالمكان؟، أدركتُ ذلك لما رقصتْ عارية في وسط الغرفة وكأنها تعمدها.

 باحتْ بالقبول وأنا أدخن السيجارة الثالثة بعد أن ذبل عضوي، انتزعتْ سيجارة وخرجتْ،أنها لآخر الليل عندما تفرغ مثانتها كما اعتادت أن تفرغ العالم من معالمه وتشكله كجديلة لفتاة لم تأتِها دورتها، صرختْ يوما في وجهي: إن هذه الدماء صوت الجرح الدائم لهذا الخلق المنكوس دوما نحو السماء.

***

الاهتزاز المتواتر المقطوع بعدد من المطبات والحفر، ضربات الفرام،

 آه أي سرير كنا ركبناه؟ لو كان هكذا! وهي تستقبلني بأرقام ميلادها الأربعة،

تسلل النوم إليها، أرختْ رأسها ولو قليلا على كتفي.

أتشمم  رائحة الدراق، نفسُ إيقاع الأنفاس وهي نائمة على صدري، يرتج الباص نتيجة دخوله بحفرة، تعدل وضعها، تشكل صمتها من جديد، لابد أن تكون أجالت نظرها عليَ من زاوية عينيها،  تحركتُ قليلا لعب الهواء بستارة عينيها، رياح،من أين؟ من ناحيتها حاملة شعرها لاسعا وجهي، أغلقت النافذة الشمالية وفتحت الجنوبية، هدأ شعرها.

أنا من قطعتُ التذاكر، راقبتني من  بعيد. لم يكن لها ظل ولربما خفيف لكثرة الإضاءة الليلية، نائمة على كتفي ككتاب يضطجع على صدر صاحبه بعد أن غلبه النعاس.

أطوقها بيدي، تتجه نحوي بوضعية جنينية، تهمس بأذني، أتشهى السمك، أنا حامل من ذكر السمكة الحمراء في الحوض الدائري في غرفتكَ الجديدة، سأنجب حور ية ولن تبيع صوتها بقدمين.

ـ  سأبيع كل شيء من أجل ذيل سمكة.

ـ سأصطادكَ من عيون البحارة سأرمي شباكي في تفاصيل الأزرق وسأضعك في الحوض الدائري في غرفتنا.

ـ سأتزوجكِ على جرف شط عال ونقفز إلى البحر.

أزيحُ ستارة وجهها، أصمتُ شفتيها، أقيسُ مسافة عنقها واستدارة نهديها، فيتضخمان كبالوني عيد ميلادها  ويرتفعان في فراغ الباص، تعلوهما صدارتها، أتسلق، أجلس على قمة حلمة نهدها الأيمن وأرقب العالم من فوق، يمتد سهل بطنها نحو الأسفل أتدحرج كقلم حمرتها من حقيبتها راسما خطا أحمرا على طول المنحدر،أعود صغيرا، طفلا في الرابعة لربما أصغر، لم يعد لي زمن لا جسد ولكن لي كل المفروض لأتوغل قدما، بين الحين والحين أنظر إلى الأعلى لأرى عينيها تبرقان بحنان وصمت يهمس امضِ.

***

سائل أحمر  خضَب يديَ، فضضتُ عذريتها بجسدي كاملا، إنه ولوج كامل،

ينوس الضوء من خلفي لتضمني عتمة دافئة أتلمس الدرب عبر دقات قلبها المتسارعة ليسود  بعدها صمت طويل.

الريح باردة، وصوت سيارة إسعاف يرسم شفاه الصمت، مازالت بقربي نائمة، مازلت في داخلها غافيا،أقف قريبا من قبرها، تهتز أنصال العشب الصغير بتواتر.

 إنه اهتزاز باص بضوء أزرق داخلي.

التذاكر تلعب بهما الريح،تفلت أحدهما تطير لا أحرك ساكنا أتابع عمال الشحن وهم يرحلون حمولتي عن الرصيف المقابل.

 التفت إلى فتاة الدراق بجانبي، الثلج ينهمر خارجا، امسح الزجاج و..............

***

فيروز (أنا عندي حنين ما بعرف لمين)

لمَ تلك المواربة؟ لكل ٍ منّا حنينه ويعرف لمن؟، هذا الحنين الذي يركض خلفكَ، أمامكَ، ويتلطى بين قدميكَ ككلب وفيّ.

مرارا هربتُ، تكرارا أسلمتُ نفسي لسجاني وكل يوم مشمس أجمع غسيله النظيف جدا وأغسله بالملح المجفف وعلى ضوء الشباك وفيروز(  يوميي بيخطفني من بين السهرانين) أتلمس آثارها، بصمة إبهامها الأيسر لقلبي ورسم كفيها على ظهري لضمة طالت كنهر وسبابتها تقاطع شفتي للصمت في حضرة الحب وقبضة كاملة انتزعت عضوي ووضعته في مزهرية مع وردة وحيدة يابسة في ضوء الشباك.

***

رائحة الدراق تفوح كرائحة الكحول في المشفى

***

الشريط الأحمر لهديتي، المعقود كأذني أرنب يعلو ويهبط  مع صفارة متقطعة لشرطي السير، فكته كجديلتها لتلقيها في مساحة أنبوبة الإنعاش.

على السطح المقابل امرأة منشورة على حبل وهي انسحبتْ من الرؤيا كما اعتادت أن أنزع صدارتها فتخرج منها كأسوارة من ساعد.

 تحتاج الذكريات لدفتر ينبض جلده بالمفارق، وطاولات المقاهي، الانتظارات، القبلات اللاهثة لراكضي المسافات الطويلة.

صفارة الشرطي تأخذ منحى مستمرا كما الطريق إلى غرفتي آخر الزقاق.

فتاة الدراق بقربي، تضع سماعة الوكمان على أذنيها وكأني بفيروز(بصير يوديني لبعيد يوديني وما بعرف لمين وما بعرف لمين)

الممرضة تضع السماعة على صدرها تستمع لنبض عميق....

تقرع لمرة واحدة بعد أن تكون اجتازت شارعا ماطرا،لتمضيّ إليّ.

دائرة الماء تتسع حول قدميها كهالة القديسين!

-كم أحبكِ مبّللة !!

الممرضة تطلب مني الخروج، يختفي انعكاسي من زجاج الباص، صوت فيروز يغدو بعيدا يخرج معها من الباب الموارب بعد أن تلصق قبلة على جبيني وتكتب عنوانا آخر. 

***

لم أكن قرب أحد إلا أمي !. وأمي تقول:  عندما ينضج الدراق تمتلئ السماء بالبثور وتكحل بدلا من  عينيها شاربي وتتمتم الكحل خير من العمى.

العمى هو  ظهور معالم الرجولة وامتلاك حق البعاد، أما جدتي فتقول: الشب بلا سيكارة متل البنت بلا إ سواره.

ابتعدتُ وحلقتُ شواربي ودخنتُ كثيرا وبدلا من الإسواره أهديتها خلخالا استرخى كالظهيرة فوق كاحلها الأيمن.

وضعتُ الوردة اليابسة بقرب قبرها على ضوء السماء.

 لم أحْلق بعدها، كل صباح تعنّ آلة الحلاقة  لتترك شاربي وذقني على سوية واحدة وكأني أختار خطوة للأمام وخطوة للخلف.

ـ أحبك َ أن تنتظرني، هكذا اشعر بالأمان !

***

رغم أن دفتر الذكريات كانت  تكتبه في الغرفة، تكتب عندما أغرق في النوم لم أطلع عليه حتى في غيابها وكأني أريد أن أترك عذرية ما، لم أفضها.

تكتب بقلم الرصاص ذي الممحاة الحمراء في رأسه.

الأقلام تكتب بأقدامها؟!

تبري قلمها بمبراة قلم الكحلة وتجمع البقية في حوض زجاج، امتلأ ربعه بعد أن أنهت الدزينة الثانية التي أهديتها إياها

***

أمسح لهاث حرارتي عن الزجاج

***

قلم الرصاص، قلم يغفِر، قلم بريء، قلم للطفولة لتتعلم ارتكاب الأخطاء بدون حساب، ممحاته الحمراء حلمة الطمأنينة، الحلوى التي كنتُ آكلها خفيةً عن أمي لذلك أحذر العودة لطفولتي عندما ُتلقمي نهدكِ لفمي.

باسم الكحل، وثبات خطي، تحولت للقلم الأزرق، وداعا لطفولة أمارسها في حصة الرسم وعلى مسوداتي ولكن نهايتها سلة المهملات

ـ هل كان دفتر ذكرياتكِ مسوده؟.

قلم الرصاص، قلمٌ يملكُ غفرانَه بممحاته.

قلم الحبر يحتاج إلى كفارة تدور بين الشطب واستخدام الماحي الأبيض وتمزيق الصفحة وجعلكتها ورميها بسلة المهملات.

القلم الأزرق يؤثر في المكان، قلم ينتمي للبحر والسماء.

 إنه قلم الرشد حيث يبدأ ميزانك بالعمل وكفتاه بالغمز.

 قلم الرصاص قلم ينتمي للرمل.

لو تُكتب حياتي بقلم الرصاص، أمحو ما أشاء أعيد الكتابة فوقه. قلم الرصاص آلة للزمن للعودة للماضي لأمحو يوم ألصقتِ طابعا على جبيني وأرسلتني لعنوان آخر

***

ـ الحاضر ظلال ذكريات.

وفي محاولة لإيجاد نوع من العلاقة الودية بيني وبين القلم الأزرق بدأت أشْكله في جيب القميص وكونه قلما سكينا كنت أستحضر الضمادات، الماسح الأبيض،لأخيط جروحه ولكنها كندب الجروح تختفي من وجهكَ عندما يعتادها الآخرون.

ـ لمَ لمْ أحبكِ في زمن قلم الرصاص؟

الورقة البيضاء لحظة في زمان المكان كقطرة مطر تشظت على يد تدْعي

أمّا جسدكِ المنداح في الأبعاد هو الورقة الدائمة وكون قلم الرصاص لطفولة لم التق ِبك بها فلم يخطْ على جسدك، كان لزاما عليّ أن أكتب كما في حياتي بالقلم الأزرق،هو الورقة الدائمة.

على بطنكِ خططتها ـ أحبك ـ  بعد أن زرعتُ شجرة نخيل في سرتك.

أرتجل الشعر؟ وأخطه على صدركِ،  بطنك،فخذيك،ساقيك،أصابعك، حلمة نهديكِ مستعجلا أكتب،أتكلم بصوت عال فيما أنت تقهقهين ضاحكة.

-أنا المنبر الوحيد الذي تلقي عنه أشعاركَ.

وتمتصين صوتي بقبلة تجعل خطي يعلو ويهبط.

جسدك لا يحتاج للماسح الأبيض ليتخلص من جنابة قلمي الأزرق.

***

أوشكتُ على الوصول، أخرجتُ دفتر مذكراتكِ من حقيبتي، تأملته وشظايا حوض الزجاج المنكسر وبقية أقلام الرصاص متناثرة كالياسمين في الزقاق المؤدي للغرفة.

ـ إنه لكِ كاملا

استدرتُ إلى فتاة الدراق وبعينين مقنعتين كالموت، هذا لكِ

أنزل من الباص وصوت فيروز( ما بعرف لمين ما بعرف لمين )

***

طفلنا الذي أنجبناه بغفلة من رحمِكِ

 لمَ لم تنازعيني على مستقبله أم اكتفيت بالماضي منه، تنجزي حاضر الهروب غاسلة جسدكِ بالصمت وروحكِ ببرزخ الشعر؟.

 هل خفتِ على جسدكِ الممشوق كحورة أن يصبح كدالية تخاف إثم عنبها؟،  وبطنكِ أن يمتلئ بالوقت ووحام الدقائق وشهوة لعقرب الثواني أن يلدغ خطواتكِ المنسابة كشعرك الذي انتهيتِ من تسريحه، فيثبته بيده فلا تلعب به ريح الرحيل؟و ثدييك أن ينتفخا باللقاء فلا تناسبهما بلوزتك الضيقة كبسفور الانتظار بين قارتين؟!.

 رغم كل الأسئلة التي من المفترض أن تُحمىَ من أجوبة، لن تسألي أسئلتَها،ومع طمأنينة الشمع المشتعل بعيدا عن تيار الهواء أطفأت الغرفة وراءك و أغلقت الباب طويلا،مختصرة المكان لخط يمتد للأمام،لأقاطعه بأربع طقات للقفل وأسحب المفتاح للمرة الأخيرة وأنتِ الآن  لستِ سمائي فأستظل بأرضي!.

***

لعلمك ِطفل فأر، يعترف أن الحياة فتات، لا ترين من حضوره، إلا ذيل طائرة الورق بعد أن انقطع خيطها في غابة الغيم،حيث تسكن بياض الثلج وألوانها السبعة،لص يشبه الموعد المزعوم، كثيرا ما يسرق انتباهي وهو يتعمق على الحائط ليحكي ورقة أسقطها في سلة المهملات.

***

لم اسمّه!. فأنتِ لن تندهي عليه ومَنْ غير الأم جدير بأن ينده عليه ولكن قليلا ما تلفظ الأم اسم ابنها فهي بذلك تجعل له قرينة من الجان تحميه من كيد النساء.

 والآن طفلنا لن تكون له قرينة ولا ثدي أنثى سيقبله ويُسمع نهدٌ نسبَه، مادام نهدك قد أنكره وتركه نهبا للنساء

 عندما عدتُ إلى البيت طلبت من أمي أن  تناديني باسمي وبشكل دائم، ابتسمتْ أمي. الولد يحتاج لعروس؟! أمي تعدّ لي زوادة كاملة للحياة.

***

هل تقبل أن تنزل على ضرة؟.

أترضعه؟ وتغير له حفاضه وتصحو عليه ليلا، لربما..............؟!

 لن تعدل بينه وبين ابننا وسيصدمها رجل يتأبط طفلا يناديه:ماما؟.

كنتُ  واثقا من موافقتكِ - تريدين هروبا كاملا-  لتكن أخرى، ورأيتِ ذلك حسنا ومن وقتها صارت قرابيني بلا أسماء.

 منذ سلّمتُ العجوز قاطع التذاكر مفتاح الغرفة (حيث نتهالك من يلفظ أنفاسه أولا) قال:للمحطات أخطاؤها،وودّعته.

رفضتُ شراء تذاكر السفر،  أسافر بمصادفة التقاء الأماكن، كنت خائفا من الحقائب الجديدة.

إنه يكبر ويرسم خطوطا كثيرة على جدران غرفتي، استيقظ في الصباح لأجد شاربي نما، فهو يحب تزيينه بالكحل - ماما تضع الكحل- نلعب لعبة الغميضة، أخسر بشكل مريع فهو يعرف غرفتي ويناديها، فتجيبه زوايا جديدة للاختباء.

سأل مراتٍ عديدة عليّ في غيابكِ.

 أمكَ تأتي مع المطر ومن وقتها بقي مبتلا.

 كنت أشعر به عندما يتكاثف الضباب من حولي فأستدير نحوه وأحضنه فأعبّ من دخان سيجارتنا الأخيرة بعد أن تلصقي فمي بفمك وتزفري نفسا طويل

***

نزعتُ الأرقام من حياتي، يومان ما أعيش الأول هو البارحة حيث غادرت،الآخر اليوم الذي سوف يمتد.

 كنت أعمر منك بسنوات ولكن سوف أغادر بعدكِ بيوم واحد.

أمي تقول:إني ممسوس،رغم شهادتها، بأني أعقل وأهدأ الرجال في عائلتها!.

 لم أمسس الحجابات التي علقتْ بقمصاني الداخلية ولم أعترض على التبخيرات التي تدور حول رأسي كل صباح مع أدعية حفظتها،عدا عن ذلك فرائحة البخور كحضور تأملك في حوض الزجاج بعد أن تضعي نثرة من علكة البخور على مقدمة السيجارة وتشعليها،

يجب أن نشعل البخور لروح جميع الاستعادات. في آخر الليل أنظف مقبرة الدخان في سلة الزبالة بعد أن تكوني غادرتِ ورميتِ وراءكِ وردة ذابلة في الصباح أغلق الباب، ألتقط الوردة وأهديها لسياج قطفتُ لكِ الورد منه مرارا.

طفلنا يسأل عن معنى كلمة ليل، إنه يريد أجوبة كثيرة وأنا لا أملك ردا إلا أنك رحلت

***

في سطر ما،قرأتُ أنه يلزم لتحضير روح شخص، أن تجيد رسمه كان السطر قد توسط صفحة خالية إلا منه. لو يكون الرسم بالعين لكان أفضل فيدي كما اعتادت لا تجيد غير الامتداد إليك.

لم أستخدم نظري إلا للتحديق بعدما تخللت صورتك الأشياء.

 خطوطي ضعيفة تقول من تعلمني الرسم: ولكن لديك لونا أكثر من كل من عرفتهم. ماذا تفيد هذه المفاضلة وأنا أخفق بتزجيج حاجبك الأيمن ويصر ابننا أن ارسم  رمشك فهو يريد أن يضع الكحل عليه.

 أخيرا توقف عن السؤال عن الليل فهو موجود على رموشك كما الأفق موجود على الجبال شرقا وغربا يغمره البحر حتى سرته التي قُطع حبلها عندما أغلقتِ الباب أدرتِ المفتاح أربع دورات ولففتِ سرته بالشال الذي أدفأ رأسي في مشي آخر الليل، خفتِ عليّ من البرد فحوطت رقبتكِ بالشال.

 قبعة الصوف تغمر رأسه تماما؛  هكذا لن تبرد وشالكِ ستلعب به الريح وأنا أخطو خارج الزقاق المؤدي لغرف......................؟!

ما زال وجهكِ عصيا على الرسم، مدرسة الرسم يبدو أنها لا تعارض وجودي وتلصصي على رجلها النافر من اللوحة وهي تحلق له ذقنه فيما تبلل الفرشاة بالماء يترك بعضا من رياله على حلمتها تبعده فيمتد خيط من الريق كجسر ما بين شفته ونهدها.

 أسنانه بدأت بالظهور فيرطب وجهي بريقه إذ يمسحه بكلمة بابا.

إني لا أجيد الرسم ولا رغبة لي بزقاق آخر ولكن حصلت على صداقة مدرسة الرسم.

مع اللون بقيتُ التلميذ ومع الامتداد كنتِ الأستاذ، معكِ كانت الكلمة طاولتنا نحتسي قهوتنا ونكتب في مساحات البياض في الفنجان ولكن اللون يستر في حين الكلمة كدانتيلا تشي دوما بغريزة أساسية للاقتحام لربما يصح القلم للولوج والريشة للعادة السرية لذلك ظلت العلاقة مع مدرسة الرسم تنوس بين اللون الأزرق وعمقه والرجل المُلقف ثدييها في اللوحة رغم تواطؤ لا نعترف به أنا والمدرسة نرقص رقصة الثور ومصارعه.

***

لا فائدة من الرسم لاستحضار من هو موجود وعادة ترسم الصور للموتى ليلحدوا مرتين،الثانية بإيقاف ساعة في لحظة كبسة زر الكاميرا عندما يومض الفلاش. ستمطر صاح ابننا: ماما قادمة، امتلأت سلة المهملات بالورق.؟

أعود لأجده ملطخا بالرسم وظله قد تخللته فجوات نور كظل عريشة، أظنه تعلق بمدرسة الرسم فقد تكاثرت لوحاتها.

إنه يعرف الألوان ويردّد اسم مدرسة الرسم ولكنه يسميني "ميمتي" وبكى في المرة الأولى التي سمع أمي تنده عليّ باسمي بعد طلبي منها ذلك،لم أفهمّ،ولكن كنت أرى بعينيه زقاقا آخر.

بعيدا عن المرسم على طاولة كانت مدرسة الرسم تسرد اللون الأزرق وبدأ الرمل يتسرب من عيني اليسرى إلى عيني اليمنى. تقدم نحوي وبيده زورق من الورق الذي رميته في سلة المهملات أشار إلي حوض السمك حيث عينها قد عتقتْ عيني بلون يشبه طحلبا بحريا،ملأت يديها به وأخذت ترسم دوائر خمسا حول سرتها، مصتْ إبهامي، كما يفعل بإبهامه!، ثم رسمت قطرا يصل بين الدوائر الخمس وانسحبت من حلقة الرقص.

كنت أعتقد أن التساوي بعدد أحرف الأسماء لا بدّ أن يؤكّد قدرا ما وهذا ما فعلناه،وجها لوجه ليطلق كل منا كلمته الحاسمة قلتها لكِ مسميا مشاعري مرديا قلبكِ الذي تسرب منه الضغط فبدأ يخفق كالستارة بوجه النافذة المفتوحة.

الرياح المتقلبة لا تخدم ربان السفينة. لتبق ستارتكِ هادئة هذا ما قلته لمدرّسة الرسم.

رجعتُ، تعلق برقبتي:"ميمتي"، وأشار لورقة على الطاولة، وهمس، هذا اسمي من ثلاث أحرف.

من ناداك؟

اللون!

***

يمص سبابته عوضا عن إبهامه تلك السبابة التي مسحتْ الكلام عن شفتيكِ لقبلة نظيفة وتأكدتْ من انتفاخ حلمتك بزهرة الثلج في استراحة الشتاء عندما الشمس تميل كراقصة أخذها إيقاع جنوبي.

ينام فاردا جسده وتبدو يده كغليون بحار يتعاطى رياح الملح في قهوته  مراقبا نورسا كرقاص ساعة، في حين أنام بوضع جنيني على طاولتي أمص قلم الحبر الناشف وكثيرا ما أكسر عقبه وأترك البقية كقطعة تبغ سوداء لا ألبث أن أبصقها في سلة المهملات.

يسألني عمّ أكتب عندما يستيقظ ليشرب أو ليبول؟ أجيب وأنا خجلٌ من الصفحة البيضاء: أكتب قصة؟.

 فيرد بفتور: كالقصص التي تحكينها لي قبل النوم

ـ لا إنها قصص للكبار

ـ متى يقرؤونها؟..... هل تكتب قصصا لأمي أيضا؟

.....................

أحمله إلى السرير وأشعل سيجارة أفتح النافذة قليلا، مطر في الخارج يسقط بهدوء كنتِ تحبين هذا المطر.

إنه كاللص لا تشعر به إلا وقد وصل إلى جيب السترة الداخلي ولكنكِ لا تحتاطين بمظلة أمان منه، تحبين التناسب بين ما مشيناه تحت أنامله ومقدار البلل الذي أكسبكِ إياه، هكذا كنت تحددين عدد كؤوس النبيذ وكيف ستلوذين بصدري باحثة عن دفء. أصبحتُ أفتقده،  إذ لولا طريقته الربيعية في القفز في برك الماء التي تصادفنا عبر الطريق الذي يزنر القرية شرقا لكان الدم في عروقي تجمد كقرون الجليد التي كانت تتدلى من شباك الغرفة. الآن أفهم هذا العجوز: دع العصافير تشرب، معلقا على كلامي:إن الخزان يسرّب الماء

تعدّين القهوة وتنتظرين شمسا؛ ليبدأ عداد الماء بالتساقط، من أين لك هذا الجَلد؟ لتستيقظي مبكرا في حين كنت أستعير مطرح نومك على الجانب الأيمن للسرير وأغطّ طويلا بعدكِ في النوم لاستيقظ على همسك: ذاهبة.

مرةً وبعد أن أيقظني سعالك همستِ: المسافرون يستيقظون مبكرا هذا ما خُيّل لي أني سمعته:لأن فيروز كانت تتصل بجدتها كحلون

يقفز سعيدا بانتشار قطرات الماء.

ـ بابا هل رأيت قوس قزح؟

...................

يملك قوس قزح قدرة على تحقيق الأمنيات لمن يعبر تحته، ابتسمتِ: سأثبتْ هنا،اجرِ وعندما تمر، سأصرخ لكَ؛ ولكن ضجيج المدينة كان يضيع صوتكِ فأعود خائبا.

في قريتي سوف ينجح الأمر ولكني هنا الآن!! وأتذكر بديهيتك التي نقضت الفرض مادامت الأمنية متعلقة بنا يلزم مرورنا سوية ولكن من سوف ينده علينا أنظر إليه وقد سبقني بمقدار ظلي إنه هنا الآن، ولكن أين أنتِ؟

***

ـ كيف يموت الإنسان؟

رجفتُ كباص لم تنفعه مكابحه، ارتميت على الكرسي،لماذا لم انتبه لهذا السؤال الذي يختبئ بعينيه؟

جرحتُ وجهي بشفرة الحلاقة، سال الدم ورديا، كانت عيناك متسعتين وصامتتين وترمقينني كتمثال المرأة التي تحمل خابية الماء وتمضي في الصخر.

ـ إنها تشتهيكَ 

لمْ تكن ترمِي الورود عندما تذبل، تحملها .... وهناك حيث اعتادكِ السياج،تضعينها بخفة بعد أن تتأكدي من أن صاحب الدار لن ينتبه.

ـ إنها تنمو بطريقة عشوائية لا أحد يهتم بها، المرأة العجوز تسكن وحدها دعكِ من هذا؟!

ـ من قال لكَ ذلك، هكذا نَشعر  أن المرأة العجوز مازالت قادرة على التلصص نعطيها حياة إلى أن يأتي يوم نحمل هذا الورد إلى قبرها.

عيناه معلقة بي كشص صنارة اصطادت سمكة حمراء، أنظر إلى حوض السمك الفارغ أتمتم كيف يموت الإنسان؟ كما تغلق كتابا!

ـ تعال .....

ـ أمد يدي إلى حرف الشباك أتناول أصيصا و....: أحفرْ قليلا هنا

أخرج من الغرفة أسأل أمي عن بعض حبات الحنطة إنْ كانت تملك؟،تتحول أمي إلى عصفور وتخفق عاليا.

الموت يعني بيتا وحيدا ويدا افتقدت لمستها وصدى لا يجيب غير صوتكَ. عدتُ إلى الغرفة كان الثلم الذي حفره بيديه جميلا كشفتيكِ: خذْ ضع قليلا من الحب هنا.

وضع أربع حبات ومسك التراب بسبابته وإبهامه كمن يمسك قلما وأهاله بهدوء المطر الذي تحبينه ثم مسّده بباطن كفه.

 يدكِ تنداح- كتمويجات بحيرة اُسقِط فيها حجر -على ظهري وأنا أصغي لدقات قلبكِ التي تتلاشى كنورس يجتاح الأفق.

ـ ضع قليلا من الماء  

***

السياج يخضر ولن تمتد يدكِ لقطف زهرة الياسمين

فيروز تنده يا طير.... عيناه متسعتان......... لون أخضر  يتوسط الأصيص

-         ماما هناك على التلة.......

جلسنا سوية على صخرة يمتد أمامها بساط أخضر كسماء مملوءة بالنجوم وقوس قزح يمر من فوقنا همس بأذني: ماما تستيقظ

نظرتُ إلى الشرق كانت الشمس تنهض عن التلال، أصبحتُ استيقظ مبكرا.

همستُ له: وأمي أيضا

10\6\2007

***

الأمير

في البدء كانتْ قامتها،ومن ثم...

هي من عبرتْ البهو، تتقافز من عين إلى بصر. وكوني من مرتزقة حروب العشق انفجر لغم بصيرتي بين يدي وأطاح بقلبي الذي راح ينط وراءها كضفدع محكوم بالأمل أن تقبله من فمه.

12/3/2006

***

               

الهبوط

قبالتي تقضم تفاحتها وتتضاحك مع صديقتها.أقنص شفتيها بقبلة على الطاير.

تشهق بشدة، يصفر وجهها، تسعل، تكح، تسقط أرضا والزبد يحوط فمها،

أهرع إليها، أجذبها لفوق أحوط بيدي بطنها وارفعها عدة مرات،تبصق قطعة التفاح أسحبها نحو المقعد بينما صديقتها تجلب الماء.

يد تمسكني من الخلف ولكمة قاسية تهبطني أرضا، قطعة التفاح أمامي أتلمس تفاحة رقبتي.

13/3/2006

***

                        

مثل

قد أفهمكِ..عندما أنتهي من حبكِ.

فبطيختا العقل والقلب لا تحملان بيد واحدة.

           13\3\2006

***

الخندق

تطوقني بيديها وساقيها  عندما نمارس الحب  وفي الصباح أجدها تطوقني من ظهري بيديها وساقيها  كجندي يحمل رفيق سلاحه المصاب.

   14\3\2006

***

ورأى الله أن الحب جميل

حدث أني احتلمتُ، ودُفع لي قلبي، فاتجرت بالعشق، ورحت أصيح على قلبي( طازجا وكبيرا يا قلب طازجا وكبيرا يا قلب) فتتجمهر قربي النساء  يغدقن عليّ بتزاحمهن  فتلكزني تلك بنهدها وأخرى بجنبها وهذه تلذ حتى تكاد توقعني أرضا يتساءلن كم السعر؟ إنه مرتفع قليلا.وأرد لكن نبضه فيه. تأخذه واحدة وتقول: إنه ينفع كقرط وأخرى كليفة لفرك الجسم في الحمام ثم يبتعدن ويهززن أردافهن  ساخرات من شاربي المخطوط بالشحوار.

15\3\2006  

***

قصص متكررة

1 ـ نهيق الذاكرة

ظلّ يتذكر حافر الحمار الذي هرس له قدمه وهو صغير؛ إلى أن اشترى له أبوه صندلا من الغوما  بعد بيع موسم الدخان وقد نسي ذلك الحافر تماما!!! وهو يدهس ببوطه ذي النعل المضفر والقصبة الطويلة وبذات القدم وجه هذا الشيء الذي تذكر في لحظة صفاء - بعد أن دخل في غيبوبة أنقذته لوهلة من الرفس- ذلك الحافر؟!.

***

2 ـ السيجار

تقفعت يداه، وتخندقت من المسلّة التي يخيط بها أوراق الدخان، ولكنه دوما كان يُفرح نفسه بتلك الورقة التي يحتفظ بها سرا ليلفها كأعظم سيجار يباهي به نفسه بين رفاقه.

سمحَ للشيء أن يسترجعَ أنفاسَه؛ بأن قدم له سيجارة،ما إن أشعلها بشفة مرتجفة حتى أطفئتْ في ظهره. فيما هو ينفس في هواء الغرفة، ذات اللمبة المتدلية، دخان سيجاره الكوبي

***

1 ـ الحزام

نحيفا كفاية ليتهدل سرواله الفضفاض عن خصره. وكم ضحكت الفتيات عليه عندما بان حز إليتيه. في الغرفة  كانت المرأة الثملة من الضرب تمشي بغنج،وقد انسحب بنطالها لمنتصف إليتيها، تذهب، وتعود كاللمبة التي تتمرجح في وسط الغرفة؛

إلى أن أوقفها، وبدأ جلدها بالحزام الذي انتزعه من سرواله بدون أن يتهدل؟!

***

2 ـ الغبار

ركضوا خلف السيارة على الطريق الترابي الذي قسم الضيعة قسمين شرقا وغربا

وكل مرة لم يستطع أحد لمسها، بل كان الغبار قد كساهم كأشباح صغيرة.

الشيء لم يكن يركض؛ بل ربط بحبل إلى السيارة التي كانت تدور في الساحة المعبدة بالإسفلت.

***

3 ـ الولادة

منفرجة الساقين كأنها لتوها قد انتهتْ من الولادة، تحدّق إلى فوق، أعلى من اللمبة المتدلية وأعلى من السقف بل البناء أيضا والسماء ذات النجوم كمآقي الضفادع بل أعلى وأعلى...........

***

4 ـ الفطام

يومان،والبيت مغلق بالشمع الأحمر، لا أحد يعلم لماذا؟ فقط الطفل الذي لم ينتبه له غير والديه،وصمتا خوفا عليه، يمص سبابته بغضب!!!.

29\9\2007

***

موعد

هل ينام القلم؟

ألا تملُّ الورقة البيضاء من إلقام ثدييها لأي أحمق لم يجد مرضعة له في ليله اليتيم؟ ألم تنتهِ نوبة الحراسة؟؟، وتبادل كلمات السر التي تجيز العبور أو ترديك قتيلا بشحطة قلم كشهب ينال من شيطان القلق الذي يتلصّص على طمأنينة نهد يستفيق كياسمين المطر في مقلة الشمعة التي تراقص تيّار الهواء من فرجة الشباك الذي تركته متعمدا لعل رائحتها تتسلل في آخر الليل عندما تبدل نوبة الحراسة وتعود إلى خيمتكَ التي نصبتها بعيدا أو قريبا من موعد الإجازة.

تشعل سيجارتك الأخيرة وتطرح القلم جانبا بعد منازلة شريفة هزمته فيها بالكلمة القاضية  وأنت تنظر كيف ينمو الرماد كبرج فوق الجمرة الملتهبة.

تمج عقب السيجارة كأنك تقبل للمرّة الأولى بهدوء من مارسَ طويلا قبل الهواء لترك انطباعِ الخبير على الشفة الأمية، تطيل مكوث الدخان في رئتيك  ثم تخرجه ببطء وتتلقفه ثانية وتعلم أنك ستمج السيجارة إلى الآخر حتى تلدغك الجمرة في الشفة غير المجربة.

لن ينام القلم؟!وستخسر معه في معاقرة كؤوس السهر وهو ليس بالنديم الجيد الذي يحمي ظهرك في معارك الحانات وأنت تغازل ورقة بالكتابة على ساقيها قليلا من الشعر ولن يرد عنك تلك الصفعة المدوية من بياضها الذي يطلع منه الفجر ولن يسند كتفك وأنت تقنع الطريق ليبحث معكَ عن قدميك اللذين أضعتهما في رقصة الشمعة مع تيار الهواء الذي يقود نعاسا ولم تنتهِ نوبة الحراسة بعد.

أخذكَ النوم  ومرت القصيدة وهي............

***

والورقة البيضاء ألقمت نهديها ليتيم آخر والقلم المشرف على أبواب القوافي نال منكَ وأرسلك للسجن حليق الرأس، تدخل، تتلمس الشعر القصير كرؤوس الإبر،  تبحث عن زاوية، تضطجع منهكا بعد أن تقيأت الحبر الأزرق، ترسل نظرة وداع للطاولة  وفناجين القهوة وعلبة السجائر الفارغة والمنفضة التي حملت منك عشرين توأما وتقول في نفسك كي لا يسمعك القلم وبنفس الوقت تلعن ذلك الشاعر العجوز الذي نصحك وأسرّ لك شروط التحضير لقصيدة( كنتُ أحمقا كفاية لأصدق كلامه)

غدا، أي اليوم، لاحاجة  للقصيدة!  سأقول ما أريد شفاها.

في الظهر على الطاولة بين فناجين القهوة وعلبة السجائر الفارغة والعشرين توأما يمصون أصابعهم وهم نيام، كنت أغط في نومي وفنجان قهوتها ينقص شفة إثر شفة كقمر.

2007

***

                      

خمريات الحرّ

المروحة الصغيرة في الزاوية، لا تكاد تجمع نسيمها لتطفئ شمعة الحر كأنها طفل يحتاج مساعدة أمه لإطفاء شمعته الأولى.

فيما أنا أتابع على شاشة هذا الشيء شيئا ما عن القطب الشمالي، لست أكيدا مما يقوله المعلّق،أمر ما  يخص الذوبان، لربما الذوبان كقطعة سمنة على نار بطنكِ في شتاء أحسبه الآن بعيدا كفاية.

كنا كخادرتين تكركران من الضحك تحت بطانية من جلد النمر.

ـ هل ستذبح لي قطا أم نمرا في ليلة العرس؟

رفعتُ رأسي من تحت البطانية،لم أعد أذكر ما كنتُ أخيط،أ شفتاكِ؟ بقبلة تجملية لا تحتاج للنقاهة بعدها أم ْهذا الثلم الذي خطه عضوي برمل ساقيك معاندا موج العسل المتدفق من محيه.

هل أجبتُ لا اعتقد؟.

كأس الكولا البارد جعلني أتجشأ.

كم كنتِ منتبهة للأتكيت فلم يخرج منكِ رغم ما أعتبره مضاجعة تشبه عاصفة الصحراء أي صوت غير اللهاث لقط مسجون قرب مدفأة في بيت عجوز لا تستحمل ميزانيتها قططا أكثر.

أظنه كان سجين رأي فقد كانت تمنعه من الخروج خوفا عليه من آراء القطط الأخرى فسجناء الرأي لا يمر عليهم الزمن لكن ما إن يخرجوا يشيخوا فجأة!!!!. أتذكرين كيف وجدناه  صامتا قرب الحائط بعد وفاة العجوز؟.

أتكلمُ عن التجشؤ لربطهم المضاجعة بالإشباع هل كنتِ تمارسين الجنس لتعيشي؟! وأنا كنت أعيش لأمارسه؟!! ولكنه يُصاحَب عادة بحالة فيزيولوجية من شدّ ورخي

فعضلات ردفي قد أخذت شكل عضلات عداء مراثون وقبل ذلك لم تكن لمعدتي تلك التقسيمات البديعة، الآن فهمت كنت تمارسينه معي بطريقة اليوغا، كم أنت روحانية؟!!.

اللعنة عليكِ مازلتِ في الواحدة والعشرين وكما خمنته بزيادة سنة أو  بنقصان سنة.

لمَ كل هذه الحكمة في ادخار الجهد؟؟

ابتسمتِ وبسمتكِ لا يعرف لها عمر لذلك كان عمركِ في زمني ابتسامة طويلة كساعدي عندما يزنران خصركِ، مغطيا براحتي نهديك، وتنفر حلمتاك من بين البنصر والخنصر كخاتم شيخ جليل.

أستطيع أن أحصل على براءة اختراع على سوتيانة كهذه.

جلدنا زلق، التعرّق على كامل  مساحة الجسد هذا يفيد في تبريد نار المضاجعة ولو كان غير ذلك لاشتعلنا  ونحن نزيد كركر الصوف عقدا.

 حرارتك + حرارتي أي سبع وثلاثون + سبع وثلاثون يعني أربعا وسبعين إنها درجة الاحتراق،لنقول البطيء ولن أنسى أيام الرشوحات،هذا ما يجعل مضاجعة الإنسان تختلف عن مضاجعة باقي خلق الله،لقد فاتت هذه النظرية داروين وهذا ما يؤكد أن الإنسان كائن ذو نشأه خاصة.

المروحة لا تتعرق ولوكانت من البلاستيك!! والتلفزيون أيضا لا يتعرق رغم ما ينقل من مشاهد ساخنة.

الشريط الأخباري: وفاة خمسة أشخاص بسبب موجة الحر،العراق وفاة......

كان لقاؤنا شتويا وفراقنا صيفيا.

شتاءان وصيف ذهبا قبل أن يدخل الخريف.

ذهبتِ كمن تقول لي: لستُ ورقة لأطفر في الدروب.

لا داع للكذب،أنا من ذهبَ؛ لأني لا أملك غير هذه الغرفة المفروشة بعقد أجار بقي له شهران من هذا الصيف.

لن أجدد الإيجار!؟

كنت أريد أن أصبح كالمغرفة التي صعدت إلى السماء لتصبح مجموعة نجوم بعدما استطاعت تلك الأم أن تجمع الندي لوليدها، لست أكيدا من الأسطورة ولكنك تركتني ألحس كل قطرات العرق المتناثرة على جسدك في ليلة حارة كهذه الليلة.

و في الصباح لم تسمحي لي أن احتفظ بدموعك، أنا من سوف يرحل كورقة تطفر في الدروب تدفعها ريح المروحة في الزاوية.

صمت التلفاز وشفرات المروحة ضعفت كقط العجوز.

 لقد انقطعت الكهرباء.

2007

***

الكبين
لا أعتبره حظا ولكن قدومي المتأخر لكابينة الهاتف الساعة الواحدة ليلا، هو ما يجعلها متوفرة لي بتلك الطريقة المعطاءة.والذي أعتبره حظا هو عدم تواجد عاشق مثلي مغرم بأنثى في البناية ذاتها،ولديه شغف السهر تحت شرفتها كما أفعل أنا وقد كسبت أصدقاء كثرا، أجلب لبعضهم بعض الطعام كالقطط والفئران المتصالحين قربي إكراما للحب.
حتى أن دورية الشرطة، قد تفهمت حالي،عندما قال أحدهم لزميله: اتركه، اسألني أنا، عما يعانيه، فأمّنوا لي الدوريات الأخرى المتغيرة بين فترة وأخرى  وهكذا استتب الأمن لي، لم يعد من شيء، ينال من جمالية السهرة تحت شرفتكِ والهمس لكِ عبر الأسلاك التي أفترض أنها تمتد مباشرة إلى هاتف غرفتكِ ولا تدور مع الشبكة إلى المقاسم ثم توزع صوتي لك عبر علبة التوصيل على الحائط  وكم كنتُ أستلذ بسيجارتي عندما يضخّم دخانها برد الشتاء وأنت تهمسين: لا تكثر منه فالرؤية من فوق تعطي انطباعا بأن الكبين يحترق، فأرد ليس هو بل أنا الذي أتجمر من شوقي لك.
واستمر الحال بأحسن مما يرام  إلى يوم تفاجأت وهم ينزعون الكبين من مكانه  فاقتربت هلعا وبصوت يشبه الصراخ ما أنتم فاعلون؟! فرمقني العاملون وكأنهم يرون مجنونا قد اعترته نوبة جنون، فتنبهتُ لدهشتهم، واقتربت كمن يستجدي حسنة، وأخبرتهم عن أهميتها في هذه المنطقة، وكم توفر علينا من مشقة كونها الأقرب، وفي متناول اليد، وخاصة في الليل، فقال لي أحدهم: إنها لا تعمل!!. ولكن البارحة تكلمت بها وكل يوم أفعل ذلك !!، فلم يهتموا لكلامي وتابعوا عملهم، فتدخلت مانعا إياهم مما يفعلون فنهرني أحدهم: أأنت مجنون؟.

 ولكن هل تريدون أن أجرب لكم: إنها تعمل أمام أعينكم، فضحكوا من جديتي وأنا أتمتم ولكن ولكن...
فاقترب أحدهم بعد أن هاله منظري: هذه الكبينة معطلة منذ شهور والشركة المشغّلة انسحبت من عقدها مع جهة الاتصالات لعدم جدواها فماذا تقول أنت؟! وأردف بكلمات ولكن ولكن....
2007

***

أبو عبدو

على الرغم من أن اسم ابنه عبد الرحمن ولا مرة ناداه واحد من رفاق العمر بالاسم الكامل لابنه، مع أنه في نفس الزمن كان الإقطاعي (أبو عبد الرحمن) يناديه كل فلاحي المنطقة: البيك (أبو عبد الرحمن). إذ كان هذا تبركا باسم عبد الرحمن ولكي لا ينسى الإقطاعي أن هناك ربا أخر للبرايا أقوى وأعظم منه ولا مكان للقياس هنا كما يقولون:( ما عاز الله أن يشبهه شيء )

ولكن( أبو عبدو) أياما كثيرة أنجد رفاق العمر من الفلاحين وأعارهم ثورا أو محراثا حتى أنه كان يفلح عنهم بعض أراضي البيك.

لكنه ظلّ بنظر رفاق الفلاحة ( أبو عبدو) مع أنه كان يسرّ لخديجة زوجته برغبته بمناداته باسم ابنه كاملا ففي ذلك ذكر لله، فترد عليه خديجة:( أترك هاد الجنون والله مايسمعك البيك ليجعلك تنسى اسمك والحليب اللي رضعتو بركي اعتبرو هاد تطاول على أسمو) فيرد:( لكن يامرا....) فتهمهم ( نام نام)

***

كان (أبو عبدو) لا يشاهد غير التلفزيون الوطني ومن أيام الراديو الترانزستور الذي لم يفارقه وهو يفلح أرضه التي أخذها على عين (أبو عبد الرحمن) أيام الثورة وصارت له ولورثته من بعده حتى أنه كان يقول لخديجة:( فلاحة أرض الواحد غير غير !!!).

كان يسمع الإذاعة الوطنية ويهمهم:( من غيرن بفيق معنا عا الصبح ببرنامج عن الفلاحين مع كلمة والله بكسر الهاء بترد الروح ببردات الصبح "أخي الفلاح") ويحلف ويعظم الأيمان أن باقي الإذاعات كلها استعمارية.

كبر العمرب(أبو عبدو) ودخل الألفية الثالثة وبعده _ مع التجاوز _ شيخ الشباب لكن لا أرض ليفلحها ولا غير شيء يعمله فالأولاد ما شاء الله يقومون بالواجب، أما عندما تشتهي قدماه الحافيتان ملمس التراب ينفخ دخان سيجارته: ( الجسم ماعاد يحمل)

ركبّ عبدو على سطح البيت دش وكرّت الأقنية وكثيرا ما سمع (أبو عبدو) عن هذه المدعوة الجزيرة وغيرها وتعودت يده على الضغط على جهاز  التحكم وكانت تستقر دوما على الجزيرة، نسي التلفزيون الوطني ويستغرب قائلا( العمى يصيبن منين بيجيبو هيك أخبار؟!!) فترد أم عبدو( تركا شوي عالمسنسل!)..( اسكتي يا مرا خلينا نعرف شوصاير بالعالم)

كثيرا ما دارت بينه وبين رفاق العمر في الفلاحة أحاديث السياسة رغم أنهم لم ينتموا فعليا ولا نظريا لأي حزب توفر ضمن زمنهم وكان البيت يعج بهم وبصراخهم وخاصة فيما يتعلق بالشأن العراقي واللبناني كون القضية الفلسطينية أصبحت قديمة وكل جديد وله بهجته.

دب الخلاف فيما بينهم أصبحوا يتسابقون في سماع التحليلات لتدعيم وجهة نظر كل منهم ما حمل بعضهم على مغادرة الجلسة سابا شاتما رفاق العمر في الفلاحة متهمهم بأنهم رجعيون أميركيون أو شيوعيون كفرة.

مضت الأيام ورفاق ( أبو عبدو) أصبحوا يقلوا فلم يبقَ لديه إلا أبو أحمد ذو السمع الثقيل جدا.

إلى أن جاء يوم وقف ثلاثة رجال في الباب وكان ذلك بعد وفاة أم عبدو وصاحوا إلى الداخل:( هون بيت أبو عبد الرحمن).

لم يكن يصدق ( أبو عبدو) ما سمعت أذناه: أبو عبد الرحمن ( الله ما أجمل هالأسم وينك يا أم عبدو تجي وتسمعي أخيرا منّ الله عليّ بناس يفهمو وينادوني أبو عبد الرحمن يالله يالله)

ولفرحته تعثر شيخ الشباب وسقط

بعدها بقليل كان عبدو مع الرجال الثلاثة في سيارة تغادر الضيعة على عجل، في حين كان أبو محمود يراقب السيارة بعينين حاقدتين ويتمتم( أمريكي عميل أمريكي............................................)

28\3\2006

***

أحلام الساعاتي

ثانية

مضى الوقت، كشحاذ يتلفت للخلف إلى بابيَ المقفل بوجه طرقات ثوانيه، يستجدي لحظة يقيم بها صُلب يومه أو لخزنة للتذكر سادنها الماضي  الذي رميتُ بوجهه كل صلوات الماضي وحطمت مجامر صيام المستقبل.

صارخا كممسوس بجحفل من شياطين التشرد والقلق والآنية: فلتذهب السكينة إلى الجحيم لن أقيم بعد اليوم في مقابر الماضي ولا في احتمالية أتدري نفس بأي أرض تموت؟!.

أنا الذي لا ذاكرة له.

أنا أبدي في اللحظة.

أنا الحي الميت في لحظته والمبعوث من رماده في اللحظة الثانية لا أملك أفعالا ماضية ولا سينات المستقبل، لي ياء الحاضر وأفعالي وردود فعلي.

وقتها للملم السادن شظايا غضبي ووضعها على مذبح الزمن ونظر إليّ وقال: مغفور لك مستقبلك وتابع صلاته على سجادة تحل وتحاك في اليوم الثاني

***

دقيقة

على يمين المذبح جوقة من الساعات تنشد تمام السابعة، أمد يدي إلى ألسنتها، أنزعها،أرمي بها إلى كلاب اللحظة، فتنازعها فيما بينها وتسيل الدماء من أجساد الكلاب المتعاركة حتى تتكوم فوق الألسنة ألسنة أخرى.

أطبق فمي على لساني أتحسسه مازال موجودا

***

ساعة

ينتهي السادن من صلاته، يمشي باتجاهي، يمد يده صوبي، فأمد يدي، يرمي بها ثلاثة عقارب متفاوتة الظلال ويغادر من نظرة باتجاه يدي اليسرى ويقول:هذه الساعة معطلة بشكل كامل لن تعمل بعد اليوم تحتاج إلى ساعة أخرى

20\3\2007

***

ثياب

بلغتُ منذ فترة.

وهذا الذي اعتبره بلوغ؟ لا حظه أبي في تفاصيل ظلي الذي بدأ ينمو بشكل يدل على تسارع حركة الشمس بالسماء ومن بعدها همهمات رفاقي في محاولتهم لمجاراة ظلي !.

 لم نكن عائلة فقيرة،ولكن الأصغر يلبس الثياب التي ينمو عنها جسم الأكبر وأنا الأكبر بين أخوتي فلم يكن هناك من كبير غير أبي لذلك كانت ثيابه من نصيبي بدءا من حذائه إلى سراويله وقمصانه  وكنت ألبسها كما هي بدون أي محاولة لتقيسها عليّ، فيبتسم أبي وبفم ملأن يقول: رجال !!!.

أما رفاقي فكان يقولون: أني أشبه بالمهرج الذي يطلع بالتلفزيون!!.

 أما أمي فكانت خياطة ماهرة؟

15\4\2007

***

الشاعرة

صرختُ: إنها هي؟!! وضممتُ الكتاب إلى صدري!.

إنها من أهدتني أول شفرة حلاقة؟ ومن سرّبتْ يديها بشعر صدري في أوائل الربيع كخادرة تتفتح مثلها زهرة النرجس. كم هي شاعرة رائعة؟.

إنها تعرف جداولها كالضفاف وتستر قلبها بعري النهار، وترتدي في الليل الظلال.

 عرفتها من كتابها الأول الذي وقع بيدي صدفة أما البقية فحصلت عليها من معرض للكتاب الذي يعود تاريخ إصدارهم إلى ثلاث سنوات مضت، كطبعة أولى، استنفذت وأعيد طباعتها. لا أعرف ما كان يعترني عندما أراقب كتبها في صدر المكتبة التي من أجلها اشتريتها؟.

أهو الحب؟!.

سنة مضت، وبقيتْ هي في لون الحرف،بعيدة عن الأضواء، إلى أن قرأت بالجريدة عن خبر توقيعها كتابها السادس.

مضى الوقت كالسلحفاة وأنا أتنطط حولها كأرنب يمارس هزيمته بإصرار.

دخلتُ.................

كان هناك جمع غفير، تبينت طاولتها من الدائرة البشرية حولها، اشتريت كتاب وتقدمت نحوها لكي أوقعه من يدها التي حلمتُ بها تخط إهداءها لي، لي فقط؟!

***

ضئيلة كانت خلف الطاولة واليد زنرتها خواتم السنين وشعر أبيض لا حبر له.

بوجه فارغ من الزمن سألتها أأنتِ أنتِ؟؟!.

وقبل أن تجيب كنتُ غادرت المكان !.

جلستُ قبالة المكتبة، تناولت كتابها الأول، وبدأت بالقراءة.

16\4\2007

***

رمادي

أبيض، أسود، خراف، ذئاب، والموج الأزلي يطوّق جزيرة الخلق بعقد من الياسمين:يغني الخراف ترعى والذئاب تفترس.

الحزن كبير بين الخراف والفرح كبير بين الذئاب؟

عشب، ماء، حزن والخراف تتضرع إلى خالقها أن يزيل عنها هذا العذاب.؟

لحم، عظام،عواء والذئاب تشكر خالقها أن يزيد هذا النعيم؟.

*** 

وحدث أن استجاب الخالق لتضرع الخراف لأنها صلت من قلبها بكل خشوع وأمل ليس إلا اليقين أن الخالق مستجيب لدعائها.

وكان أن ولد خروف قرناه حجريان وثغاؤه صوت الرعد وعيناه لمح البرق وقاد حملة كبيرة صبغت العشب الأخضر بالأحمر من دماء الذئاب والخراف. لكن المشيئة سوف تتم وتنتصر الخراف.

وتبدأ حملة تطهير للذئاب، من لم يمت بقرون الخراف، دفع إلى البحر، وهكذا لم يبق ذئب واحد.

***

شكرت الخراف الخالق شكرا ممزوجا بالفرح، الدمع، العشب الأخضر الذي نما بكثرة على جثث الذئاب ودمائها.

رعت الخراف، رعت شبعت وتوالدت بكثرة أخذت ترعى وتتوالد وعمت السعادة.

بدأ اللون الأبيض يفترس اللون الأخضر أكلت الخراف ما فوق الأرض من العشب أكلت ما تحت الأرض من جذور حتى لم يبق عشب إلا في مخيلة الخراف

تضرعت كثيرا ولكن الجوع أخذ يفتك بها

تضرعت ولكن لا من مجيب ماتت جميع الخراف ماتت جميعها.

***

وغنى الموج الأزلي الذي يطوق جزيرة الخلق كعقد الياسمين: الحمير ترعى والضباع تقتات.

1/4/2007

 ***

      

الذبابة

يُدعى مرضي التوّحد، هذا ما فهمته؟!

صعوبة في التواصل مع الآخرين.  لكنّي إلى الآن وقد أصبح عمري عشر سنوات لم أجد حاجة لأزيد تواصلي مع الآخرين_ ضمنا أسرتي_ فأنا أضم أمي وأبتسم لها عندما تُقبل ألا يكفي هذا!! كذلك أبي وأخي الصغير رغم أنه زائد التواصل فهو لا يكف عن التكلم،وتقليد الأصوات، والأسئلة، والطلبات، ومشاكستي.

لماذا لا يفهموا أني أقدَر على الصمت من الكلام؟.  بالتأكيد. أني لم أشرح لهم ذلك، وحتى الطبيبة المعالجة لم تفهم صمتي على أنه تواصل من نوع آخر، مع أني بين رفاقي عندما أذهب إلى الجمعية المختصة بشؤون أمثالي لا نجد أنا و رفاقي ما يستغرب في حالتنا.

 أقضي معظم وقتي في غرفتي، أحب الرسم، الألوان تشبهني، فهي لا تريد أن تكون أكثر مما هي. وأنا أرسم أشياء جميلة كما تقول لي أمي فهي مدرّسة رسم وربما ورثت هذه الموهبة منها؛ ولكن ما يُدعى مرض التوحد، أنا الأول في العائلة ولم يسبقني أحد عليه وقد يحدث أن أورّث هذه الهبة في زمن التكلم الذي لا ينتهي!! إلى أحد أولادي وقد يكون لأحفادي.

تضع أمي سندويشة العصرونية على الطاولة، وتنبهني ألا أتأخر عليها كي لا تبرد، وعادة أتلقفها وأتابع الرسم وهذه المرة لست أدري لماذا تأخرت قليلا عليها؟! فوجدت ذبابة قد غطت على الورقة التي تلف بها السندويشة، كششتها وبدأتُ بالأكل وأنا أراقب الذبابة تطير في فضاء الغرفة، فتغافلني وتحاول أن تقترب من السندويشة فأكشها من جديد وهكذا.

 ولئنْ بدأت تزعجني،قررت أن أقتلها، تركتُ نثرة من السندويشة على الطاولة،انتظرت أن تغط وما إن غطت حتى صفعتها بيدي فابتعدت بسرعة كبيرة من تحت يدي وهي تهوي على الطاولة فسُمع لها صوت يشبه الصفقة التي يجبروننا أن نفعلها عندما تبدأ الأغنية التي لا أحبها في الجمعية التي تخص أمثالي.

كررت الذبابة محاولتها وأنا كررت محاولاتي، لا هي نجحت بأن تنال غذاءها ولا أنا ظفرت بها  وأعجبتي مهارتها في الهرب بسرعة.

وهكذا فكرتُ: لربما لو  توقفتُ عن ضربها تعلمني طريقتها في الهرب فهي متوحدة مثلي ولا يوجد غيرها من الذباب في الغرفة وهكذا أستطيع الهرب منهم إلى وحدتي التي ما برحوا يحاولون إبعادي عنها. مددتُ يدي التي عليها بعض الطعام وانتظرت ولم تمضِ فترة طويلة حتى غطتْ على إصبعي وبدأت تتناول طعامها إلى أن شبعت وغطتْ على النافذة وفكرت أنه ليس  بسندويشة واحدة تستطيع أن تكسب ثقة ذبابة فتكررت السندوتشات حتى بدأت تسمح لي بأن ألمسها وتطور ذلك حتى بدأت أمسد لها جوانحها، وتتركني أراقبها بالعدسة المكبرة، حتى أنه بدأت تأتي ما إن أمد يدي بدون أن يكون هناك من طعام.واكتشفت أن لا شيء لديها لتقوله مثلي! فتخليت عن سؤالها واكتفيت بصداقة صمتها وهكذا إلى أن وجدتني أمي ذات يوم وهي على إصبعي تأكل بعض الطعام ممسدا لها ظهرها، فغضبت أمي وحاولت أن تقتلها ولكنها خبيرة بالهرب من تلك الصفعات وطارت وحطت أعلى النافذة أخذتني أمي إلى المغسلة وغسلت يدي بالماء والصابون وأعطتني محاضرة مملوءة بالحب والحنان عن وساخة الذبابة وما تحمله من أمراض،فاكتفيت بصمتي؟!

وأعادتني أمي إلى الغرفة وذهبت لتشتري مبيدا حشريا، خفتُ على الذبابة وكان عليّ أن أخبرها لتهرب فالمبيد الحشري ليس كالصفعة فهو ذو رائحة سيئة وينتشر بالهواء فيصيبها بالدوار وتسقط على الأرض وتموت. زنت الذبابة قرب أذني وطارت باتجاه المدخل نحو المغسلة وغطت أسفل فوهة الحنفية وغطست بقطرة الماء المتجمعة فسقطت القطرة إلى فوهة المغسلة واختفت الذبابة.

عندما عادت أمي وقفت لأخبرها أنه ليس من حاجة للمبيد الحشري فقد ماتت الذبابة. أسرعت أمي نحوي وهي تبكي تحمد الله وتشكره على شفائي أما أنا فنزلت دموعي لسبب آخر؟!.

           

2005

***

المطهر

أخذَ خطوة لليمين ثم استراح، ليستقر قربه المتدحرج من فوق إلى مكبّ الزبالة.

ضربَ ببنوده جنبيه  مزيلا الغبار العالق به من جراء الدحرجة قال في سندامه: لا بد أنه كابوس ألمَّ بي ! كم أنا قريب من سيدي!!.

يقال إنّ القدمين مرآة الجسم والفكر لا بد أنّ هذا الكابوس هو انعكاس لألم سيدي فيّ؟!. فمن غيري يشعر بالتعب الهائل للجسم الممتد فوقي، فتنتقل مشاعر الغضب إليّ عبر خطوات ثقيلة وقدمين تكادان تمزقاني، كانت ليلة عاصفة، من دبرها له؟،من استطاع أن يحفر أعمق منه؟،دخل البيت صرخ وعرّ وقاتل الجميع وضرب الخادمة بي عندما أفقدها جنونه رشدها فتأخرت لتلطقتني من أمامه، سمعتُ الكلام:  أنت لم تعد محل ثقة. لم يملك إجابة إلا بكلمة ولكن!!

ولكن هذا حقيقة؟!.

لا بد أنه يوم القيامة،رائحة الموت وحدها هنا؛ تنفذ إلى أعماق الجلد المدبوغ، الشمس كجمرة في العين وأشباح سوداء تحوم في المكان ودخان ينبعث من احتراق بطيء.

إنها أبدية العذاب صاح المتدحرج من فوق: يا ويلي ماذا فعلت حتى أجني لنفسي هذا الدرك؟!!. ضرب ببنوده على صدغيه وذهب في نوبة تذكر كأنه في مرافعة أمام عدالة عمياء: كنت لطيفا على قدميه وكأنهما في غيمة ندية لم أسبب له رائحة كريهة وجرابه كأنّه للتو خرج من الخزانة لم تتعرق قدماه ولم يحس بالحرارة ولا البرودة أنا من كنت أتلقاهما عنه استقبل بصدري الأرض الجافة والمبلولة وسواد الإسفلت لم يعرف المسامير اللحمية من وقت ما ابتاعني. مطيع كجارية استجيبُ لحركته، كعبد أتمسك بالأرض كمخلب سبع. ماذا فعلت لتتنكر لي ياسيدي؟ أي ذنب اقترفت؟؟.

هون عليك تكلم من أخذ خطوة لليمين!!. اتسعت فوهة ولوج القدم في الحذاء وكأنّ قدم فيل حشرت فيها لهول ما رأى. هيكل جلدي متقلص على نفسه كالخوف متآكل الرأس والصدر تسربت منه الكلمات كالدهن الذي يُصبغ به عندما تكثر منه الخادمة. لا...!! ليستْ نفسي التي سوف تشهد عليّ؟. عاد من أخذ خطوة لليمين يقول: هون عليك وهو يراقب طيرا يعلو وينخفض وأشباح تعبث في فوضى المكان.

ـ لا لستُ ما تظن؟! ولا اليوم يوم النشور ولكن أنه زمن التأمل والتفكر قبل أن يصل هذا الاحتراق البطيء. مازلت جديدا، وهناك حياة أخرى تنتظرك. لربما معرفة جديدة لتكفر عن ما ارتكبه صاحبك القديم لونك كنت قاسيا على قدميه بمسمار واحد فقط لربما تذكر الأقدام العارية لو لم تتشبث بالأرض؟ لتزحلق وسقط ونزل من عليائه وأحس بمن ذابت أقدمهم وأحذيتهم لكثرة ما مشوا وركضوا في زواريب الحياة. أتذكر تماما اليوم الذي اشتراني به صاحبي عندما هرم صاحبٌ لي وتمزق صدره إثر ذبحة قلبية لكثرة الإجهاد. لم يتركه وحيدا في محل الأحذية وإكراما له لبسه للمرة الأخيرة إلى البيت وخفف له من حمله فتحول لشحاطة في البيت عشنا أيام سعيدة حتى لفظ أنفاسه فحمله وكلمات صاحبنا تردد أنه كان جيدا أما أنا فقد خدمت لديه كحمار صبور وعاملني جيدا في آخرتي ولم يبخل عليّ بالدهون وأخذي إلى الحذّاء.كانت أياما جميلة فقد رقص بي بنجاح ولده وكذلك بزواج ابنته. وحميته كثيرا من السقوط وعندما كانت تخونني قدرتي ويتزحلق كان يتأكد من سلامتي كان شرطيا جيدا لم يتأخر عن إطلاق صفارته ويندر أن حدث ارتباك مروري على مفرقه أو حتى حادث ولم يدهس شخص وحتى أنهم تأخروا بوضع الإشارة الحمراء لجدارته بالعمل.

نعم أستطيع أن أقول: إني مشيتُ أياما جيدة.

صمتَ من أخذ لليمين خطوة إذ عندها كانت رائحة الاشتعال البطيء قد بدأت تلامسه مازال المتدحرج من فوق فاغر الفم متوسع العين لم يحرك خطوة باتجاه من صمت منذ قليل الأشباح التي كانت بعيدة اقتربت ظلّله ظلٌ. امتدت يد قاسية قذرة التقطته قلبته ثم أحس برائحة نتنة وقدم لزجة تدخل جوفه مع ابتسامة عريضة توسطت وجه الشبح ثم خطوة للتأكد وتتابعت الخطوات.

20\6\2007

***

ولكن ... كعب البغل

صرخ أبي: أنت بغل من يوم ما تكونت ببطن أمك!!، أنهكتها من كثرة الرفس وازرقّ بطنها؟.

للحقيقة في بطن أمي لا أتذكر؟!،ولكن في الحمام كنت أبلعط  كفرخ سمك،أرفس بقدمي طشت الماء فتلسعني بيديها – اهدأ- ليزرقّ بعدها جلدي.

قيل عن حالتي الكثير،المشايخ وجدوا في كتب حكمتهم كل شيء حتى القمل والبراغيث،البرغش،نقيق الضفادع  ولم يجدوا لطبعي المتبغل دواء وحاروا؟! فلم تنفع جميع الخطوط والأحرف،الآيات،ذكر عفاريت الجان،كبار الملائكة، فكنت ألبس الحجابات كالنياشين تحت قمصاني و فوق ثيابي وكان لدي مجموعة من الحجابات تحت المخدة وفي أماكن إنْ بحثتُ فيها وجدتها وكثيرا ما كان طعم طعامي وشرابي تتخلله طعمة الحبر والورق المحروق  وهذا ما أورثني في زمني هذا عادة لحس الورق المحروق وخاصة عندما تصل حالة الرفس لدي إلى درجة لا تطيقها قدماي، فأشعل ورقة،أرمدها وأبدأ ذلك عندما أكون متأكدا أن قواي قد خارت ولن ينفع معي حتى الضرب بالعصا!! كما كان يفعل أبي مع البغل! عندما ينوء تحت حمله.

أما الأطباء الذين تخرجوا من جامعات الدولة، فقد تكلموا عن عزيز نيسين وقتها عرف أبي أنه دواء تركي وقد خرّب موسم فلاحة وهو يوصي المسافرين والمهربين في المدينة ولكن القشة ليست في كومة القش.

في المدرسة رفست رفاقي عراكا و في لعبة كرة القدم تشابهت أقدامهم مع الكرة ولكنهم كانوا يتجاذبوني لفريق كل منهم فلدي شوطة كانت تخترق الشبكة الوهمية وراء الحارس وإن تشجع وأمسكها بيديه،  فاتركها له وقد سُلخ جلدها واحمرتْ.

 لكني نادرا ما كنت أجيد التصويب وقد حاول مدرب لفريق من الدرجة الثالثة أن يحّسن من قدرتي على التصويب فانتهى ذلك برفسة على قفاه بعد أن أثقل في كلامه لي ورفست له عائلته حتى الجد السابع بكلام من طبيعة بغلية وهكذا اقتنعت أنا بعدم جدوايّ في هذا المضمار رغم  ما كنت أراه في أعين البعض الذين لا يعرفوني عندما يغضب الله على حجر ويضعه في طريقي.

 ولم ينجح بيت الشعر بأن أقوم للمعلم تبجيلا ولا المثل أن أصبح له عبدا فرفستهم ورفسوني حتى هون الله عليّ وعليهم بأن أنهيت المرحة الإعدادية فأخرجني أبي وقال كلمته الشهيرة التي ذهبت مثلا: بغل مثلك ما بأدبه غير الصمد.

جاء موسم الفلاحة وساقني أبي مع البغل إلى الحقول فكما كان يلهب ظهر البغل بعصا الرمان التي لها ليونة السوط كذلك ألهب ظهري مرات عديدة فاستحمل ذلك. أصبحت رجلا، فلقد احتلمت منذ فترة ونصبت خيمة بين جنبيّ عندما أتذكر تلك البنت التي سميتها فيما بعد حبيبتي ونقشت اسمها على زندي وقلت ياولد أحيانا أخطئ وأقول يا بغل: لقد كبرتَ؟!، اركزْ؟!!، حتى البغل له من طبع الحصان.

وثاقب موسم الفلاحة مع تهيج مشاعري ومواعيد رؤيتها مع ساعات الفلاحة وهي عائدة من المدرسة لتقطع النهر بعد أن تبل قدميها بالماء وتطرطش قليلا وهي جالسه تتأمل انعكاسها في صفحة الماء المتموجة.

وهنا تضاربت بغلنتي مع الفلاحة مع حبها فاخترت حبها وركبت رأسي وأنا أسمع صوت أبي ورائي ينكش جذور العائلة من الأرض إلى السماء.

لم تعد القصة بيني وبينها فقد فاحت كرائحة التيس وسمع أخوتها وأبوها وأعمامها وأخوالها فقدموا إلى أبي ولكنه تبرأ مني كما بُرئ الذئب من دم يوسف وجاءني رسل سلام  ولم ينفع ذلك  فالحب أقوى من كل الشدائد هكذا تقول الأغنية التي يبثها الراديو الذي اشتريته من المال الذي أعطاني إياه أبي بعدما خدع نفسه وقد قال: إن الولد قد اصطلح.

 وأكلتْ حبيبتي علقة من كعب الدست وتورمت وازرقت هكذا قالت لي رفيقتها وهي ترتجف من شخير تنفسي.

 فحملت على بيتها أريد خطفها لنتزوج بعيدا من هنا فتكاثر علي أخوتها وأخوالها وعمومتها وبقي أبوها يتفرج عليّ بعد أن سحبها من الداخل ممسكا بشعرها لترى كيف يروضون البغل! وهم ينهالون عليّ  ضربا ولكما بكل ماتوفر ورغم كثرتهم كسرت يد أخيها ورفست ابن خالتها رفسة بين ساقيه طيرت عينيه من وجهه لا أعرف لمَ سمعتْ كلمة كوووول!! من فمه.

لكن لكل حصان كبوة فانطبق المثل على البغل وسقطت مضرجا بدمائي وجاءت الشرطة ولكن بدلا من السجن أخذوني للمشفى ولم تمض أيام حتى قفزت من الشباك في الدور الثاني وذهبت إلى لبنان ولم أعد رغم الصلحة التي دخل فيها كبار القرية والمشايخ  من الضيعة المجاورة وسقوط الحق العام وتزويجها من ابن خالتها الذي لم تنجب منه.

 مضت سنة ونصف وقد حننت إلى أبي وكلمة البغل وحنان أمي رغم بغلنتي فقد كانت تراني حصانا وعلى الحدود قبضتْ عليّ الشرطة وساقوني موجودا إلى قطعتي العسكرية.

هنا دخلت حرب طروادة أيامها  فكنت أرفس وأدخل السجن حتى مضت ستة أشهر فرفستُ الضابط المسؤول عن قطعتي رفسة أطارت ضوء عيونه وحكم عليّ بعشرين سنة سجن مع الأشغال.

 سقط أخيل من كعبه وابتلعته مياه هيدز

 رفست فيها قضبان السجن وحيطانه وجلاديه والمساجين حتى جاء يوم تخدرت فيه قدماي وقد مضى عليّ خمسة أعوام بعدها هدأت رفساتي ومرت الأيام حتى انقضت عشر سنوات وأخرجت في الثالثة عشر لحسن سلوكي والتزامي بأعمال السجن وما يترتب علي  تعلّمه.

عدت إلى الضيعة كحصان  فاستقبلتني أمي بالزغاريد  أما أبي أقسم: لن تدخل عتبة هذا البيت يا بغل فتمرغت أمام قدميه وأثرت غبارا وقبلا ودموعا على يديه فرق قلبه ودارت الأيام وحبيبتي طلقها ابن خالتها لكثرة ما عيرته بعدم فحولته وأنه لا ينفع معه إلا للبول فرجعتْ لبيت أهلها تخدم زوجات أخوتها وتلعن ساعة البغلنة إلى أن وقفتُ في بابي بيتهم مع جمع غفير من وجهاء الضيعة ومشايخ الضيعة  المجاورة فقد عاد الولد الضال وما الخطأ في أن نذبح له العجل المسمن؟.

***

لا تضربيه إنه يشبهني!!

فينقلب البكاء إلى ضحك في حين كور النار تتوقد فيه جمرات الفحم ويحمر قضيب الحديد وأنا أصنع حدوة لبغل عمي، أبي زوجتي؟

11\6\2007

***

رجل منتصف العمر

اتصلتُ برفاق، أبعدتنا الأمكنة والأزمنة عن بعضنا، موسعا دائرة البحث؛ حتى أن بعضهم استهجن الأمر.

ـ أين نجد لك ما تسأل عنه؟ أ لهذا تتصل؟!.

البعض لم يوفر جهدا، حصلت على بعضها منهم. أمّا على صعيد العائلة،فأقمت عملية تنقيب قادت إلى بعض النتائج المرتجاة.

لا أعتبره كاملا ـ أي ألبوم الصور ـ ولكنّه جيد  مع بعض المجهود أستطيع أن أعيد تركيب الماضي لذاكرة أفضل.

أجلس في خلوتي،أمارس طقس  التذكر. هنا صورة لي،وأنا في رحلة لتدمر، وأخرى لرفاق لي في التعليم الثانوي وهذه أول( حلقة صفر) لرأسي عندما خدمتُ عسكريتي أما صوري التي كنت صغيرا فيها جدا والتي ذاكرتي فيها مرمّزة  بحنان وشوق غامضين،لكن ليس لها أفكار لأعيد صياغتها  وخاصة عندما كنت في طور الرضاعة:( آه يا أمي لو أنك بعدك حيّة لكنت أسعفتني بما أريد...)

أبي يقول: (ما بك مجنون؟) وهل تركت لنا الحياة الكثير لنتذكره؟ أما البقية فقد اعتبروا أن هناك مشروعا أعمل عليه.

ماذا أقول، لم يبقَ لدي شيء آخر غير التذكر والباقي كله متشابه بطريقة تدعو للدوران و فقدان الوعي.

لم أكن أستطيع اعتبار السعي وراء لقمة العيش والسكن وتأسيس أسرة هو حقا ما يملأ الحياة بهجة وانشغالا،نسيانا، حزنا. بحيث يصبح وضع الرأس على المخدة نهاية الأيام. هناك شيء آخر مفقود يربط بين تلك الحالات المبعثرة ويخرجها من العادة القاتلة إلى رغبة في يوم جديد؟.

أعترف أني أصبحتُ كالبقرة التي تعود من المرعى مساءا لتقضي الليل كلّه وهي تجترّ العشب الذي قضمته.

لو أجري  وراء الكرة حتى تتكسر قدماي في تلك الحواري؟! وأعود للبيت متسخا وآكل علقة ساخنة من أمي، الأمهات عندما يضربن! يضربن بعاطفة.

إني أحنّ لبعض هذه الكفوف وصراخها: (ألم أقل لك: لا تلعب بثياب المدرسة؟!!) ولكنّها عندما تدفعني إلى الحمام وتسكب أول طاسة ماء ساخنا تبدأ بالغناء). 

وأنْ أستيقظ صباحا لأجد حبّ الشباب قد نفر بوجهي فأعمل على تنظيفه فأنظر إلى شفرات الحلاقة العائدة لأخي الكبير.

الحلاقة الوسيلة الناجعة للقضاء على حب الشباب، على بعض الفتيات أن يحلقن؟!،

ومن ثم أسرّح شعر رأسي،أسمع أبي يقول( شو هالوسخ اللي تضعه على رأسك )، أهرع،أنتظر قدومها على زاوية الطريق، فقط لتسلم عليّ، ولنتمشى صامتين باتجاه المدرسة، فهكذا أكون قد حضرت ما يلزم لأنام ليلتي وأحلم بغد يفكُ صمْته الكلام.

ماذا حدث لك أيها القلب؟ لم تعد تجيد غير ضخ الدماء. إنك كوظيفتي والطقم الذي ألبسه جامدا كتمثال،لا تقارن بأيام بنطال  الجينز وT شورتات وحذاء الرياضة أيامها كنت تصهل كحصان في داخلي وتدق بحوافرك على قفصي الصدري.

هل أنا عجوز كثيرا؟ وفات الزمن أن يغضّن وجهي ويزيد من اتساع صلعتي وظلّي أن يهتز كظل شجرة تداعبها الريح ! هذا مالا تقوله هويتي فأنا في العقد الرابع يعني: شباب.

إذن لمَ لم يبق لي غير الصمت والتذكر؟ هل أنا غير سوي؟ يخيفني السؤال؟!.

أمضغ كل شيء ببطء سلحفاة، وضعت ملقطي غسيل على وجنتي؛ كيما أحافظ على بعض ابتسامه فلست قادرا على تحمل تلك النظرات المستفسرة ولا أستطيع الشرح،

منذ زمن بهتت ألواني وأقوم بكل أعمالي بشكل نفّر الآخرين مني.

(أربعون حولا لا أبالك يسأم) أضحكتني المقارنة جدا فرحتُ أقح من كثرة القهقهة لتلمع في ذهني فكرة بين شآبيب اللعاب المتطاير؛ هي ما كانت تجعل الحياة أقل رتابة؛ أو لنقل متفجرة كنبع في الربيع؛ إنها الرغبة في الحياة أو بطريقة رومانسية الحب.

أخذت نفسا عميقا وسعّتُ أفق الشباك الذي أطلّ منه على الشارع الفرعي في مكان عملي، أزحت كل تلك البنايات، مددت الأفق وأخرستُ الزحام وأنا أدندن أغنية شبابية،نقّيت الهواء من حولي بياسمينة وشجرة ليمون ومع برودة تنساب من البركة الصغيرة في الدار ابتسمت لزميلتي بدون ملاقط غسيل على الوجنتين: أراكِ غدا!!.

يجب أن أحبّ، أن أعشق، أن أهيم.

من إذن؟ زميلتي في العمل، السكرتيرة، ولكني لست مديرا لتقع في غرامي!. مراهقة( كالوليتا) لنبكوف ومن أين أجد امرأة مطلقة أو أرملة لأتزوجها ومن ثم تغرم بي ابنتها ولكن يجب أن أقتل أمها إلا أن اللعبة قد تنكشف وأخسر كل شيء ولكني لست قاسيا حتى أني أخاف من منظر الدم وهذا ما عطّل على أبي حلمه بأن أصبح طبيبا، ضحكت من كل قلبي على تلك الأفكار حتى من كان معي في الباص قد فكروا بأفكار أقلها أني مجنون.

لم أذهب للبيت مباشرة قصدت تلفونا عاما اتصلت وقلت جملا كثيرة دون أن

أنتظر الإجابة:بعد نصف ساعة هناك، لا تتأخري؟.

ساعتي تنقل عقرب دقائقها بكل تأنٍ وأنا أنظر إلى المينا الذي تآكل لونه ومعدنه عشر سنوات مضت وأنت في يدي كانت ليلة حمراء عندما أهدتني إياها.

مضت خمس دقائق على الوقت المحدد إنه الزحام هذا ما فكرت به سوف تأتي بلا ريب.

جلستْ قبالتي على الطاولة ملهوفة وجهها يحمل استفساراتها

ـ ماذا تشربين؟ وبالأحرى ما ذا سنأكل؟ بوجهٍ يكاد يلتهمني لينطق غاضبا من الهلع الذي سببته لها ولكن قبل...

 نظرتُ إليها بعنين تعودان لعشرين سنة مضت وقلت: أحبك ِ.!!

رن تلفوني.....

ـ  أين أنتم؟. هل من شيء؟؟.

أجيب: لا شيء يا ولدي ولكنّي دعوت أمك للغذاء.

أغلقت الألبوم

18/5/2007

***

   

الرصيف الآخر

القصبة منحنية، كألف كتبها طفل بقلم يهرب من يديه، في حين الفلينة تتأرجح مع الموج الذي له حركة سرير النوم.

أنْ تجلس بهدوء؛ يعني ترك ظلك يرسم حركة الشمس التي بدأت تتسلق درج السماء، وهذا يفضي إلى معرفة كم من الوقت يجب أن تقضيه، ولا بد أنه طويل أكثر من سلك خيط صنارتك.

الضوء والظلال كانا شهيين؛ لأكون رساما، فألتقط سمك اللون في لوحة، هذا ما قلته لصديقي الذي يهوى الرسم الانطباعي  ولا يبارح مرسمه واستتبعت كلامي له عن أي انطباعية تتكلم أظنها تذكارية؟!.

محظوظ،فقد وجد مكانا لكرسيه والحظ أصابني أيضا، فعلى الجانب الأيسر منه، استوت صخرة، أظنها مناسبة ؛لأبدأ يوم الصيد الأول لي.

ألقيت التحية،وجلست، لم يبادرني بشيء بل كانت عيناه معلقة بالفلينة التي غاصت لتوها في الماء وبحركة ارتدادية كالأفعال الانعكاسية استقامة القصبة وبدأت التمرجح يمنة ويسرى وفرخ السمك يرقص في هواء الموت إلى أن استقر في كفن من قصب.

حضّرتُ عجينة الخبز وثبتها وأرسلت قصبتي في الهواء،سقطت الفلينة على وجه الماء

وبدأ الانتظار، ومراقبة الوقت يجري في ساعة اليد، ربع ساعة مرت،فلينتي لا تحركها أنغام العمق، الخدر تسلل إلى ساعدي،حركتهما قليلا، قصبتي كعداد السرعة تهتز، شكلتُ القصبة بين قدمي، مسند إياها لفراغ بين صخرتين، متابعا الصيادين من حولي كلما انتشل أحدهم سمكة،أراقبه ليس حسدا، لربما من أجل تغير مكاني،فالسمك لا يهدأ في مائه وهذا المكان قد أنهاه هذا الصياد الصامت.

تغطس فلينتي، تجذب معها يدي الممسكة بالقصبة برخاوة، أضغط قبضتي بشدة وأرفعها عاليا لأجد الشصّ عاريا إلاّ من حرابه الصغيرة، لقد خدعني السمك، ألصق العجينة من جديد،أقذف بالصنارة إلى الماء، أصبحت سلته كأنها مقبرة جماعية، يمضي الوقت، الساعة العاشرة، منهك،عطش والعرق جعلني أكثر ضجرا، لم أصطد ولا سمكة، أنا من ذهب إلى البحر ورجع عطشان!، ألمم عدتي،أهم بالذهاب، صوت يناديني: هه أنت، خذ، ألتفتُ للصياد الصامت وبيده السلة، أمسح العرق عن وجهي وأقول: أنا، فيجيب:نعم أنت.

***

في اليوم التالي استعجلت القدوم وجدته في مكانه، صبّحت عليه،شكرته علي سلة السمك، رد بابتسامة مقتضبة وتابع هدوءه.

متأملا اليوم أن أصيد ولو سمكة، تابعت رمي صنارتي،لأخرجها بعد هنيهة وسخرية السمك الذي أكل الطعم وهرب، كان صيدي.

مد يده، ناولته القصبة بصمت،وضع العجينة في مكان أعلى بقليل مما كنت أفعل ثم رماها بخفة لتسقط الفلينة بعيدا في الماء وأعادها لي وهمس: القصبة يدك الثالثة فتعلم استخدامها كما يديك الأصليتين أرخ عضلات ساعديك وأنسى تماما وجودها واستشعر كل اهتزازة غريبة وماكرة فالموج له اهتزازات متواترة تتسلل إلى أعصابك دون الإحساس بها لكن ضمنا هناك هزة نشاز على أذن يدك أن تلتقطها في تلك اللحظة أجذب بسرعة للأعلى وفي غمرة إنصاتي له، بحركة فجائية، كما يطبق الشرك على الفريسة،انتصبتْ قصبته كراية مزينة بفرخ سمك يخفق في الريح.

أنطلق نفير الحرب،ارتفعت رايات صيادين آخرين ولم ألحظ أن دوري قد حان حتى صرخ بوجهي: الآن.

كجندي نسي وضع حربته بينما أبواق الحرب تنفخ، شهرت قصبتي كان الفرخ هناك قاب حلم وهروب خفق قليلا مع رايتي ثم قفز إلى الماء فرأيت محكمة الميدان أمام عيني وحكم كاد يصدر عن الصيادين لكن أحدا لم يبالِ، كأن ما حدث لا يعنيهم، نظرتُ  إليه لم يعرني انتباها، سحبت الخيط، وضعت الطعم حيث وضعه ثم قذفت الصنارة إلى الماء.

-إنها الهزة النشاز التي سوف تطربك في المرة القادمة، لا تنظر إلى سلتك الفارغة بل أنظر كم هو البحر كبير وصنارتك صغيرة، هكذا، اتساع،احتمالاته قليلة ؛لكن الانتظار يخفف من عدد الاحتمالات بل يجعلها على عدد أصابعك، النوتة جاهزة ما عليك إلا أن تنقر بإحساس مرهف وستسمع فقط اللحن النشاز وقتها سوف يصبح اللحن الذي تحب وتعتاده لدرجة تصبح حركة الموج هي النشاز فتبحث عنه بكل حب وستجده كلما كنت قادرا على الصمت.

صمت الصياد وأنا كذلك،مر الوقت،ساعة يدي اختفت،بدأت أسمع حركة عقرب الثواني من زعانف السمك الذي يقترب ويبتعد من عقرب الدقائق إلى أن دقت تمام ساعة الشص، فتحت السمكة فاها وانطلق عصفور الساعة يعلن تمام انتصاب القصبة كانت هناك كقلعة رفعت الراية البيضاء، سحبتها بهدوء، قبضت عليها بأصابعي الخمسة تحسست الأوتار رفعت النوتة عن الشص، شممتها كانت كزند صاحبتي لكن رائحتها أحلى، ستجن إن قلت لها: إن رائحة السمكة دوختني أكثر من رائحة عطرها، لأول مرة سلتي حامل بسمكة.

سمكتان حصيلة صيدي اليوم ودعت الصياد الصامت مع أننا تبدلنا معرفة الأسماء لكن هذه أسمه السري في داخلي، سأقول: إن اليوم حظي سيئا ليس كالبارحة وسيصدقون

فسلّة البارحة هي البرهان.

***

أصبح الأمر تحديا، بكرت أكثر، فسلتي يجب أن تملأ بالسمك، مازلت في موقعي ذاته، فالصياد الصامت لو كان يجد في ذلك جدوى لنقل مكانه وهو أكثر الصيادين حظا فسلته دوما عامرة وخبرة بالضرورة.

تقريبا كادت الشمس تنهي سلم الصعود، خمسة محولات فاشلة أرى بها السمكة تقول: ابتسم، سألتقط لك صورة أريها لسكان عالم الماء، وتختفي في الأزرق، تمنيت لو أن السمك يملك علامات فارقة غير قصة النوع  لكي يكون لطريدتي هوية أعرفها بها عندما تقبض عليها أصابعي، فأهمس بأذنها ابتسمي سألتقط لك صورة أريها لسكان عالم البر.

ثلاث سمكات صغيرات أي صيد هذا، قادرا على الصمود بعد، لن أعود بدأ الصيادون ينسحبون عندما تربعت الشمس في كبد السماء، الصياد الصامت مازال هنا رغم إن سلته لم تكن عمرانة هذه المرة ولكن بالنسبة لي أعتبره صيدا وفيرا، بدأ يطوي عدته وعندما انتهى، أشار إلى هناك وقال غدا أتذهب إليه، قلت له أين؟، قال لي الرصيف الأخر يبدو أن السمك هنا قد أخذ حذره كثيرا السمك يتعلم، فكل سمكة قبل أن تخرج من الماء تترك وصية تحذيرية لغيرها: ليس كل طعاما في متناول اليد من الجيد مد اليد له الطعام الآمن من تبذل الجهد للحصول عليه، لحظتها طربت أصابعي للحن المحبب وإذ بسمكتي الرابعة، قلت له أنها سمكة لم تسمع بعد بالوصية، فأجاب بل أنها الوصية لك الآن، غدا أراك وأنا في حيرة من رده، أقترب منه رجلان، انتشلاه كما تنتشل السمكة الكبيرة بالشبكة وأخذاه لسيارة قريبة، كان مشلولا.

واقفا كصنارتي أراقبه، رفع يده من نافذة السيارة: غدا ألقاك هناك.

السيارة تبتعد،.قصبتي تهتز كإبرة مسح الزلازل، تتوقف، بطرف عيني أرى السمكة ترسم خطا منحني في الهواء وتغوص في الأزرق، بعيدا إلى الرصيف الآخر.

2007