رحيل مالك الحزين عن بحيرة الحياة

الروائي المصري إبراهيم أصلان

رولا حسن

ابراهيم أصلان واحد من أبرز كتاب الستينيات في مصر بدأ مشواره الأدبي بكتابة القصة القصيرة وكانت أولى مجموعاته «بحيرة المساء» كما عمل الكاتب لفترة طويلة موظفاً في البريد إلا أن الكاتب الكبير نجيب محفوظ والناقدة لطيفة الزيات عملا على نقله من عمله للتفرغ للإنتاج الثقافي, وعمل أصلان منذ التسعينيات رئيساً للقسم الثقافي في جريدة الحياة اللندنية وحتى رحيله.

وقد لاقت أولى رواياته «مالك الحزين» اهتماماً واسعاً في الأوساط الأدبية واختيرت كأهم رواية من بين مئة رواية عربية ومن هذه الرواية استوحى المخرج المصري داوود السيد فيلمه المهم الكيت كات.

مادة خصبة

حوّل إبراهيم أصلان تفاصيل حياته اليومية إلى مادة خصبة بكتابة كان يخاف منها على حد تعبيره وقد بنى أصلان حضوره الفني على تأملاته في عالم طفولته بإحدى قرى محافظة الغربية (غرب الدلتا) وفي عالم المهمشين في أحياء القاهرة الكبرى وبالذات منطقة (الكيت الكات) في إمبابة والتي ستشكل فضاء جغرافياً وشعورياً لأعماله وهكذا يعتبر أصلان كاتب مكان بامتياز بدءاً من روايته الرائعة «مالك الحزين» إلى روايتيه التاليتين «حكايات فضل الله عثمان» و«عصافير الليل» وصولاً إلى مجموعتيه القصصيتين «يوسف والرداء» و«بحيرة المساء».

وكان مأزق إبراهيم أصلان أنه كان يدرك صعوبة مهمته ككاتب لذلك كان يستنجد بكل حواس القراء السمعية والبصرية وحتى حاسة الشم كما صرح في مقابلة له مع مجلة «دوتشيه فيله» حتى يوصل «الصورة إلى القارئ بأقرب شكل ممكن لما يدور في خيال الكاتب.

الجيل الغاضب

ينتمي إبراهيم أصلان إلى ما يسمى الجيل الغاضب وهو جيل من الكتاب الذي برز في أعقاب هزيمة 1967م وأنشؤوا مجلة طليعية هي «غاليري 68» لم تتمكن من الاستمرار طويلاً، وكان يوحد بين هؤلاء الشبان اتجاه البحث وتعرية مظاهر الاغتراب ورفض كثير من المواقف التقليدية رفضاً حاداً، فقد رفضوا النتاج السابق لهم كما رفضوا التتلمذ على يد الغرب والكتاب الروس على حد سواء.. ورفضوا المفهوم الشائع للواقعية والالتزام وعبروا عن ازدرائهم للنزعة العلمية والتماس والتسلية في القصة أو الرواية وما يرتبط بالتسلية من تشويق وعقدة وقطعوا الخيط الزمني الذي ينتظم الأحداث فتخلوا إلى حد بعيد عن السرد، فهم لا يرون أن الواقع يتحرك بموجب تسلسل زمني خيطي بل يمكن أن تكون هناك حادثة تفجر مجموعة من الخطوط تتقاطع وتتداخل أو تتوالى مع الواقع وكان افتراض التسلسل الخيطي للأحداث تبسيطاً يفضي إلى الاصطناع والقسر, كما حاولوا إبراز القشرة الاجتماعية (العائلية والقانونية والمدنية والاقتصادية) في علاقتها الجدلية مع الخلفية الأسطورية والبيولوجية للإنسان, إنهم وبحسب الناقدة د.خالدة سعيد «يسلطون الضوء على خطوط الواقع المتداخلة من أجل تعرية تناقضاته وتشخيص الاغتراب الإنساني إنهم يقشرون سطحه المتكلس الذي يخنق الحياة الحارة في الداخل وتبدو هذه الحياة الحارة من طبيعة أسطورية – بيولوجية علاقتها بالواقع الرسمي الظاهر علاقة صراع ويمكن القول إن هذه الحياة الحارة الحرة هي اللاوعي الجماعي لذا كان إطلاق اسم «الواقعية التحليلية» هو الأنسب لهذه الجماعة والكلام يعود للدكتورة سعيد، والذي كان من روادها إضافة إلى إبراهيم أصلان ..جمال الغيطاني, ويحيى الطاهر عبد الله وصنع الله إبراهيم وعبد الحكيم قاسم و..آخرون.

خلوة الغلبان

والحقيقة أن هذا النوع من الأدب هو رد فعل لتراجيديا سياسية وإنسانية عرف في أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية وسمي الأدب الغاضب الذي أنتج مدارس جديدة في الكتابة المسرحية والروائية وأخرج جيلاً عرف باسم الغاضبين أمثال جون أوزبون وصموئيل بيكت وهارولد بنتر وآخرون، وقد تميزت كتاباتهم بالإحباط وفقدان الثقة بمؤسسات المجتمع السياسية والدينية والأخلاقية.

وضمن هذا السياق قدم إبراهيم أصلان تناولاً جديداً للواقع الاجتماعي وشخصياته وبقي مخلصاً للرؤية التقليدية للعالم الروائي الذي يتمسك بعناصر التشويق والمتعة ويقول أصلان توضيحاً لذلك: «إذا اخترعت شخصية واخترعت لها سيكولوجية واخترعت لها مصيراً فقد اخترعت لها جثة» وفي هذا السياق يختلف أصلان عن كثير من الروائيين المجددين الذين يرون أن التخييل هو من أهم عناصر الإبداع وتزخر رواياتهم بالمصائر الخلبية والمسارات الغرائبية. ‏

تفرغ إبراهيم أصلان في سنواته الأخيرة لكتابة مقالات نثرية كشف فيها عن سخرية سوداء ذات حضور ذكي لا تخلو من إدراك التناقضات الاجتماعية وانحياز واضح المعالم لجهة الفقراء والمستضعفين في المجتمع المصري ..كتابات مناهضة للاستبداد السياسي والديني كان قد جمعها في آخر كتاب صدر له بعنوان «خلوة الغلبان».

وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن أصلان حصد الكثير من الجوائز كان آخرها جائزة سايروس في الرواية عن روايته «حكايات فضل الله عثمان» وجائزة طه حسين من جامعة المنيا عن رائعته «مالك الحزين».