الاحتفاء بالإبداع النسائي في ورش القراءة والإبداع بكلية آداب أكادير

الكلمة - المغرب

بديعة الطاهري


1 ــ نظمت ورش القراءة والإبداع بكلية آداب أكادير يوم السبت 15-مارس2002 لقاء للقراءة والإبداع أطره الناقد المغربي حسن المودن والأستاذة الجامعية بديعة الطاهري رئيسة الورش والمشرفة على أشغالها. وتوزع اللقاء إلى ورشتين: ورشة للقراءة في الصباح، وكانت مكرسة لقراءة روايتين نسائيتين: عندما يبكي الرجال لوفاء مليح ولحظات لاغير لفاتحة مرشيد. وورشة للكتابة في المساء، وكانت مكرسة للاشتغال على تقنيات الكتابة القصصية.
افتتح اللقاء، الذي حضره عدد من جامعيي المدينة وكتّابها وطلبة كلياتها، بكلمة السيد منسق مسلك الدراسات العربية الدكتور الناجي بن عمر الذي رحب بضيف الورش الدكتور حسن المودن و بالحضور المؤلف من أساتذة جامعيين وكتّاب وطلبة، وأشار إلى أهمية أوراش القراءة والكتابة في تمهير كفايات الطلبة وقدراتهم على النقد والإبداع، مركزا على الدينامية التي خلقتها الورش التي تشرف عليها الأستاذة بديعة الطاهري، والدور الذي تضطلع به شعبة اللغة العربية بالكلية على مستوى الإشعاع الثقافي والاستعداد اللامشروط من أجل إنجاح كل مشروع يسعى إلى تكوين كتّاب المستقبل ونقّاده.
وتدخلت الأستاذة بديعة الطاهري التي رحبت بضيف الورش د. حسن المودن وعرّفت بإسهاماته النقدية الجادة، ومكانته في الساحة الثقافية الوطنية والعربية. ثم انتقلت إلى التعريف بورش الكلية الذي تشرف عليه، ويضمّ طلبة من كليات الآداب والحقوق والعلوم، كما عرّفت بمجالات اشتغاله التي تتوزع مابين التكوين من أجل تشجيع الطلبة على الكتابة الشعرية والقصصية، والكتابة النقدية الهادفة إلى تقديم النصوص الإبداعية وتقديمها من طرف الطلبة خاصة، وأشارت إلى أنها وضعت النواة الأولى لمكتبة الورش باقتناء مجموعة من الروايات والقصص وضعتها رهن إشارة الطلبة، كما أشارت إلى الأنشطة الأخرى التي تعزز مشاريع الورش وأهدافه كمجلة ملتقى الطالب للإبداع الطلابي التي اقترحتها على جميع طلبة جامعة ابن زهر، باعتبارها فضاء أرحب للطالب حتى يستثمر طاقاته وقدراته ومهاراته في الكتابة والإبداع. وفي نهاية كلمتها شكرت الأستاذة الطاهري كل الجهات التي دعمت أشغال الورش، وعلى رأسها رئاسة الجامعة وعمادة كلية الآداب وشعبة اللغة العربية وجمعية اكودار التي دعمت الورش منذ دوراته الأولى.
وانتهت كلمات الافتتاح بكلمة الطلبة التي ألقتها الطالبة وفاء إسكنان من شعبة اللغة العربية، وركزت فيها على أهمية ورش القراءة والكتابة، وضرورة الانفتاح على كتّاب المغرب ونقاده، موضحة أن الجامعة في إطار التحديات الراهنة لا يتوقف دورها عند حدود تلقين المعرفة بل تجاوزه إلى خلق فضاءات أرحب تمكن الطالب من تفجير طاقاته وتمهير قدراته وصقل مواهبه، والانتقال به من مجرد مستهلك إلى فاعل منخرط في دينامية الفعل والإبداع. وختمت الطالبة كلمتها بدعوة الجميع إلى الانخراط في هذا المشروع ودعمه .

2 ــ بعد كلمات الافتتاح، أعطيت الكلمة للناقد حسن المودن الذي شكر رئيسة الورش والطلبة ورئاسة الشعبة على الدعوة، منوها بنوعية الطلبة والأساتذة الذين يدعمون المشروع الجادّ والهادف بحضورهم ومشاركتهم. ولأن الطلبة أعدّوا قراءات نقدية حول رواية وفاء مليح ورواية فاتحة مرشيد، فقد اختار الناقد في البداية أن يضع الروايتين في سياقهما التاريخي والأدبي. وهكذا صنّف الباحث الأدب الروائي بالمغرب إلى أربع مراحل: 1) مرحلة التأسيس والنزعة الوطنية، 2) مرحلة الانتشار والنزعة الواقعية، 3) مرحلة الانغلاق والنزعة التجريبية، 4) مرحلة جديدة تتميز بالانفتاح والتوازن، وبالتخفيف من حدّة التجريب وعودة الحكاية، وبظهور كتابات روائية نسائية لافتة للنظر كمّـا ونوعا، والى هذه المرحلة الأخيرة تنتمي روايتا وفاء مليح وفاتحة مرشيد.
في نظر الباحث، عرفت الكتابة الروائية النسائية بالمغرب نقلة نوعية في العقد الأخير من القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة، فبعد أن كنّا لا نعرف إلا كاتبتنا المتميزة خناثة بنونة في العقود السابقة، ظهرت أسماء نسائية جديدة عديدة وواعدة في كتابة الرواية: ليلى أبو زيد، زهور كرام، زهرة المنصوري، زهرة رميج، وفاء مليح، فاتحة مرشيد ... موضحا أن الرواية النسائية الجديدة بالمغرب أعادت الاعتبار للحكاية دون أن تضحي بالقدرة على التجريب، وخاصة على مستوى اللغة السردية التي يتخللها نفس شعري خاص، وعلى مستوى البناء الفني للرواية والوضع الاعتباري للسارد، مشيرا إلى أن الرواية النسائية مغربيا وعربيا وعالميا هي التي تصنع الحدث اليوم، لأنها أكثر جرأة على تناول موضوعات كانت إلى حين تعتبر من المحرمات: الجنس، الجسد، العجز الجنسي، زنا المحارم، الاغتصاب، الخيانة الزوجية، الختان ... وذكّر بالضجة التي أثارتها رواية : بنات الرياض للكاتبة السعودية رجاء الصانغ، والضجة التي أثارتها رواية الكاتبة الفرنسية كاترين مييي Catherine Millet سنة 2001 بروايتها: الحياة الجنسية لكاترين م. La vie sexuelle de Catherine M ومع ذلك، يقول الناقد حسن المودن لا يكفي أن تتناول رواية موضوعات مسكوت عنها لكي تكون عملا روائيا ذا قيمة فنية. والرواية النسائية بالمغرب تتميز بهذا التوازن بين المحتوى والشكل، بين الموضوعة وطريقة معالجتها فنّـيا.
وبعد وضع الروايتين في سياقهما، انتقل الباحث إلى رصد موجز ومكثف لأهم موضوعات الروايتين وخصائصهما الفنية: الحب، الجنس، العجز الجنسي، اللغة الشعرية، وضع السارد الاعتباري ...
وتدخلت الطالبة سميرة ناشير من شعبة اللغة العربية بورقة حول رواية عندما يبكي الرجال للكاتبة وفاء مليح ، فقدمت الكاتبة وأشارت إلى مجالاتها الإبداعية الأخرى كالقصة القصيرة، مركزة على التقاطع الموجود بين نصوصها الروائية والقصصية، وخاصة على مستوى الموضوعات. ووقفت عند الجرأة الإبداعية التي تتميز بها وفاء مليح، إذ استطاعت اقتحام الكثير من الموضوعات المسكوت عنها، كالعادة السرية والدعارة عند المرأة، وكالعجز الجنسي عند الرجل، مع ربطها تلك الموضوعات بالقضايا السياسية والاجتماعية والثقافية، كأن العجز الجنسي في روايتها ليس إلا جسرا استعاريا لمناقشة العجز السياسي والاجتماعي والثقافي.
ثم جاء دور الطالبة فاتحة أموليد من كلية العلوم شعبة الرياضيات لتقدم قراءة في رواية لحظات لاغير للدكتورة فاتحة مورشيد، فركزت على عوالمها الرومانسية وقدرتها على إعطاء تيمة الحب ألقها بعدما طغت المواضيع الاجتماعية والسياسية على النص الروائي المغربي والعربي. ووقفت هي الأخرى عند الجديد الذي يقدمه هذا النص وهو العلاقة الجنسية وجراحات الجسد الذي من خلاله نستكشف واقع المرأة المغربية وعوالمها الداخلية والنفسية. ووضحت أن الحب لم يكن في الرواية لحظة مبتذلة، إنما إشراقة تضيء الواقع وتكشف ما به من تناقضات مثل النظرة الذكورية والخيانة الزوجية والزيف والخداع.
بعد القراءتين، تدخلت الدكتورة بديعة الطاهري، مركزة في البداية على تحديد بعض المفاهيم: الأدب النسائي، النقد النسائي. ثم انتقلت إلى الروايتين لافتة النظر إلى التقاطعات الموجودة بينهما، كأن فاتحة مورشيد جاءت لتكتب عن المرأة والرجل بطريقة مغايرة للتي نلاحظها في رواية وفاء مليح: ربطت التقاطع أولا بالحكاية والأحداث حيث في النصين معا يتعلق الأمر بقصة حب هي بين أستاذ جامعي وطالبته في رواية عندما يبكي الرجال ،وبين أستاذ جامعي وطبيبة نفسية في لحظات لاغير. ورأت أن كليهما ركز على حادثة الانتحار فضلا عن أن النصين معا يجعلان القارئ يطلع على عوالم المرأة من منظورها هي خلافا للروايات الرجولية التي لا تجعل المرأة تدخل عالم السرد إلا من باعتبارها موضوعا للجنس. وبينت الاختلاف بين النظرتين. كما قرأت نهاية البطلين باعتبارها تندرج في إطار استرجاع الرواية المغربية للمفهوم الكلاسيكي للرواية خاصة في القرن التاسع عشر بأوروبا بحيث تنتهي معظم الروايات بموت البطل أو جنونه، تعبيرا عن موقف البطل الرافض للعالم وقيمه، باعتبارها قيما مزيفة لا تتوافق مع طموحاته. وهي نهاية في رواية لحظات لاغير تكتسي شرعيتها أيضا من منطق الأحداث وبناء الشخصيات.
وبعد ذلك، بينت الأستاذة الطاهري الاختلاف بين النصين على مستوى الأطروحة التي تتخلل كل نص على حدة، وهي إيمان وفاء مليح بان التحرر من التناقضات يجب أن يبتدئ من جسد الوطن المقيد بالجراح ليصل إلى جسد المفرد سواء كان رجلا أو امرأة. بينما نص لحظات لاغير يرى بأن التحرر والانطلاق يبتدئ من الجسد أولا ليصل إلى الوطن. ومن هنا كان التركيز على تناقضات المجتمع لتفسير انتكاسة الفرد في نص وفاء مليح وعلى التربية والتكوين والأسرة والمحيط كسبب لتدهور الفرد بالنسبة إلى لحظات لاغير .
وتدخل الناقد حسن المودن مبديا ملاحظاته حول القراءتين، وموضحا أهمية القراءة المفتوحة التي تسمح بخلق فضاء حر للحوار بين القارئ/ القارئة والنص، دون أن يعني ذلك عدم الاستعانة بما تمّ انجازه نظريا وتطبيقيا في مجال النقد والسرديات والنظرية الأدبية...وعبّر الناقد عن اندهاشه، فلأول مرة يجد نفسه أمام طالبة من كلية العلوم تتقدم بقراءة في عمل أدبي، موضحا أن الكتابة والقراءة والإبداع ملك للجميع، وأن الفصل بين العلمي والأدبي فصل مدرسي من المفيد جدا أن تتجاوزه الجامعة المغربية، منوها بهذا الانفتاح المتبادل بين طلبة جامعة ابن زهر بمختلف تخصصاتهم.
في نهاية ورش القراءة، تدخل الجامعيون والكتّاب والنقّاد والطلبة، ودار النقاش بهدوء وفعالية حول قضايا هامة من أهمها: موضوعات الكتابة النسائية، ومفهوم النقد الجديد، مفهوم الأدب والنقد النسائيين، والتجريب، وغياب الانفتاح على تجارب الأمم الأخرى في النقد والإبداع، وإشكالية التلقي، ...الخ.

3 ــ وعلى الساعة الرابعة زوالا، انطلقت ورشة الكتابة القصصية بتأطير من الأستاذة بديعة الطاهري والناقد حسن المودن، وتمّ تقسيم الطلبة إلى مجموعتين: مجموعة تتدرب على تقنيات الكتابة القصصية الواقعية، ومجموعة تتدرب على تقنيات الكتابة القصصية الفانطاستيكية. وانتهت ورشة الكتابة بقراءة نصوص الطلبة التي جاءت تترجم قدرات هامة على رصد الواقع المعيش واستثمار الخيال وتوظيف المتخيل الشعبي ... وهي، كما قال الأستاذ حسن المودن في كلمته الختامية، قدرات وطاقات تستحق الرعاية والعناية.
واختتم اللقاء بكلمة الدكتورة بديعة الطاهري التي عبّرت عن شكرها وامتنانها للدكتور حسن المودن، متمنية أن تستمر أواصر التعاون بينهما وأن يستمر الورش بتكوينات وقراءات أخرى تراهن فيها على زيارة النقاد والمبدعين للورش الذي تشرف عليه .