لقاء ب (تسونامي) الكاتب مصطفى لغتيري

عبد الرحمان مولي

بإعدادية عبد الله كنون بسلا الجديدة، وبتنسيق مع إدارة وجمعية آباء وأولياء التلاميذ للمؤسسة، نظم، مؤخرا، نادي القصة القصيرة بالمغرب لقاء أدبيا احتفاء بالمجموعة القصصية (تسونامي) للأديب المبدع مصطفى لغتيري، ترأس اللقاء الأديب المتألق هشام حراك الذي قدم المشاركين، فأعطى الكلمة أولا للناقد والمبدع محمد آيت حنا، الذي كانت ورقته النقدية مقاربة قيمة لمجموعة تسونامي التي تحتفي بالرقم ثلاثة، لتخرق بذلك الثنائية التي دأب المبدعون على بناء نصوصهم اعتمادا عليها، فالرقم ثلاثة حسب هذا الناقد، يفرض وجوده في النص على عدة مستويات: إذ أن كل نص في مجموعة تسونامي يتضمن رؤيتين أساسيتين، عادة ما تنبنيان في أفق تقابلي، وفي ختام النص تتدخل رؤية ثالثة لتقلب وجهته. وهي رؤية تكون عموما ناقدة كما هو الشأن في القصة (العرافة) أو رؤية عالمة كما هو الشأن في قصة (مراهنة). فإذا كان العمل الإبداعي يفترض وجود طرفين متصارعين فإن الأديب مصطفى لغتيري يصر في كل قصة على إقحام طرف ثالث، يؤول إليه الفضل في فصل النزاع، وهذه الشخصية الثالثة إما أن تنبثق من إحدى الشخصيات ذاتها مثلما في قصة(عقم) أو تكون خارج الشخصية لكن من داخل النص، وإما أن تكون من خارج النص ككل ،مثلما هو الأمر في قصة (مراهنة). وإن وجود الرؤية الثالثة يقتضي بالضرورة وقوع حدث ثالث يعمل على استراتيجيتين متضادتين وإن كانتا تؤمان نفس الحدث الثالث ليجمع بين الحدثين السابقتين ويعمل على جعلهما يتحققان في وحدة واحدة. وأحيانا يكون الهدف منه خرق الحدثين وإقصاؤهما معا. وختم الأديب والناقد محمد آيت حنا ورقته التي عنوانها (العين الثالثةـ قراءة في مجموعة تسونامي) بالتأكيد على أن هذه المجموعة يمكن إعتبارها من قبيل النصوص التي تندرج في إطار ما يعرف بالكتابة الثالثة أي تلك لا تكتفي بنقل الفكرة إلى درجة ثانية (من الذهن إلى النص) وإنما تسعى إلى تغليف المكتوب نفسه بطبقة تستدعي الفهم ،وهذا ما لا يمكن بلوغه إلا بإنتهاج سبيل التأويل.
بعد ذلك كانت الكلمة للأستاذ الناقد عبد الرحمان مولي الذي قدم ورقة نقدية تحت عنوان (المفارقة والسخرية في مجموعة تسونامي) مركزا على شخوص الكاتب والمفارقات الساخرة في المجموعة، مع أمثلة من القصص القصيرة جدا مثل (تافوكت) و(المطهر) و(الموت) و (عدالة)، وطبق تلك المفرقات على ما نعيشه في واقعنا اليومي، ثم تعرض إلى أبعاد هذه السخرية التي تكون صادمة أحيانا وقليلا ما تدعو إلى الضحك، وإن أضحكت فهو ضحك مرير موجع كالبكاء. لأنها تنقل لحظة من حياتنا تنطوي على التناقض الذي يستعمله الكاتب مطية لبلوغ هدف إنساني نبيل مما يدعو المتلقي إلى الإستغراق في التأمل الطويل العميق، ولذلك فالقصة هنا ربما تأخذ منا أكثر مما تعطينا، بقدحها لزناد الفكر وتحفيزها لمخيالنا، وذلك لتقنيتها المعتمدة على الإيجاز والتكثيف الشديدين.
أما ورقة الأستاذ الناقد والكاتب المبدع إسماعيل البويحياوي فكانت تحت عنوان: (حقائق التخييل: قراءة في تسونامي لمصطفى لغتيري). وهي مناقشة نظرية وعملية عميقة لمستوى اللغة في المجموعة: تناولت الغلاف والعنوان وتناولت البعد التاريخي السياسي الإيديولوجي من نقد الظلم والاستعمار واحتقار الآخر كما مارسه الغرب الإستعماري على المغرب وإفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، وكل ذلك إنطلاقا من القصة القصيرة جدا (تسونامي)، كما تناول الناقد البعد الإجتماعي انطلاقا من قصة (عدالة) و (انفلوانزا) و (تافوكت) - والبعد النفسي كما ورد في القصص القصيرة جدا: (فرح) و (شهد الملكة) و (مراهنة) وغيرها... ثم البعد الوجودي كما في (إكتئاب) أو (خداع) أو (عقم).
كما عرض الناقد إلى الآليات وتقنيات الكتابة عند القاص مصطفى لغتيري ليخلص ختاما إلى أن هذه المجموعة منخرطة بعمق في الراهن الإنساني الأدبي، تدين القيم الدنيئة وتحتفي بقيم النبل ،وتحفر في آليات كتابة هي في لحظة انفتاح ومد مشرئب للمستقبل.
بعد هذه الورقة القيمة تقدم الأستاذ الناقد حسن الغافل بورقة نقدية متميزة باللغة الفرنسية حول (فضاءات تسونامي) تناول فيها كل الفضاءات المؤثتة للنص بدءا من العنوان والشخوص وانتهاء بأن هذا المتن هو تماما سفينة نوح التي تضم بشرا، وحيوانا وخلاصا من قذارات هذه الزمن المقيت!. انتهى اللقاء بتدخلات الحاضرين ومناقشاتهم وبتوقيع المجموعة.