«أخاديد الأسوار» بين الرد بالكتابة والتخييل الذاتي

مونى تيموياس

اعترافا منه بأهمية الكتابة النسائية ودورها في التعريف بقضايا المرأة والمواضيع التي تشغلها، ورغبة في التعرف على خصوصية هذه الكتابة على المستوى الموضوعاتي والأسلوبي؛ نظم مختبر السرديات يوم الخميس 15 مماي 2008 برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك الدار البيضاء، جامعة الحسن الثاني المحمدية، ندوة علمية تحت عنوان "فاكهة الكتابة" في لقاء مع الكاتبة المغربية الزهرة رميج باعتبارها واحدة من الكاتبات اللواتي اتخذن من الكتابة وسيلة للتعبير عن الذات الفردية والجماعية، ومتنفسا لمواجهة الصمت. والمتتبع للساحة الأدبية سيلمس التطور الذي عرفته الكتابة النسائية، خاصة في السنوات الأخيرة، حيث برزت إلى الوجود أعمال ناضجة على مستوى الكم والكيف معا، وهذا دليل على إصرار المرأة على إثبات الذات ورغبتها في التمتع بكامل هويتها. وبالعودة إلى الزهرة رميج نجدها قد أثبتت بالفعل مكانتها وقدراتها الأدبية، وذلك من خلال سلسلة الأعمال الإبداعية التي أنتجتها خاصة في السنوات الأخيرة. وهي أعمال لم تبق مقيدة داخل جنس أدبي واحد بل وجدناها تنفتح على القصة القصيرة والرواية والترجمة. وهذ مايكسب عنوان هذا اللقاء "فاكهة الكتابة" أهميته من حيث دلالته على خاصية التنويع والغنى التي تميز كتابة رميج، غنى يمكن لمسه أيضا داخل نصوصها على مستوى الأسلوب.

هكذا إذن تم افتتاح اللقاء بكلمة رئيس الجلسة بو شعيب الساوري الذي أعرب عن سرور مختبر السرديات باستضافة هذه الكاتبة للمرة الثانية، مشيرا إلى أن الكتابة عندها ليست ترفا فنيا بقدر ماهي مسؤولية وموقف من العالم،يقاوم الغربة والنبذ والإقصاء مدافعا عن القيم الإنسانية النبيلة يبعثها ضوءا ينير به ظلام العالم. ثم قدم الساوري بعد ذلك، نظرة موجزة تبرز خصوصيات الكتابة في أعمالها الإبداعية:

في مجموعة أنين الماء هناك تصريف لكثير من المواقف في قالب حكائي تتلخص في الانتصار للجوهر الإنساني من خلال الاحتجاج على المظاهر السالبة لحرية الإنسان وكرامته.

في مجموعة نجمة الصباح يتحقق الإنصات اليومي ومفارقاته بوعي متمسك بالقيم النبيلة المفتقدة، راصدا لتحولات المجتمع السلبية بوعي ينشد الكونية والإنسانية، مع التركيز على شخصيات مثيرة، تعيش صراعا بين قيم الخبر والشر، في قالب يعانق العجائبي.

أما رواية أخاديد الأسوار فإنها تنفتح على ما هو حميمي وما ترتبط به من أحاسيس وعواطف خاصة بالفقد، من خلال التجربة السجنية للأقارب مع حضور قوي للجسد المعذب الحزين المشتاق، بلغة سردية مونولوجية تتلون بالبوح والمكاشفة والهمس، رواية تمتزج بالتخييل الذاتي مع استطرادات كثيرة يفرضها وضع الساردة المأزوم.

أسلوبية التخييل الذاتي
الورقة النقدية الأولى بعنوان "أخاديد الأسوار أو انبعاث الفينق: الأسئلة الانطولوجية والاجناسية والأسلوبية" ساهم بها الناقد والباحث عثماني الميلود استهلها بالإشارة إلى أهمية ودلالة هذا الانتشار الواسع للكتابة عن الذات، في الأدب المغربي المعاصر، مبرزا أن ذلك نابع من الحاجة الماسة لدى كتَّابِ هذا الصنف من الكتابة، في تقديم صورة عن الذاكرة والحاضر والهوية وفق رؤية منبثقة من التصورات الذاتية والأحاسيس والمواقف الخاصة.

وقد ركز الباحث، في عرضه، على ثلاثة جوانب أساسية ذات طبيعة تصنيفية ووجودية وأسلوبية (الانتماء الأجناسي لـ "أخاديد الأسوار"، والمحتوى الوجودي، وعينة من الخصائص الأسلوبية). وأكد أن "أخاديد الأسوار" للزهرة رميج، تندرج ضمن خانة "التخييل الذاتي" لتغليب البرنامج التخييلي على البرنامج الأوطوبيوغرافي، وذلك من خلال تعميق الهوة بين مضمون الذكريات وشكل الكتابة.وعليه، فإن "الأخاديد" هي تخييل ذاتي يعاد من خلاله بناء الهوية الذاتية، عبر الإجابة عن سؤال: من أكون؟ وبناء الصور الغيرية: والإجابة عن سؤال: من كان؟ مع التأشير إلى نهاية التاريخ وصبغه برؤية طللية تراجيدية. وقد توقف المتدخل، أيضا، عند مجموعة خصائص أسلوبية وجمالية، تميز "أخاديد الأسوار" وهي التفصيل والتفاصل، والتقصيص والتقاصص، وتعدد الخطابات المتخللة، والنزعة المنولوجية، ليختتم مداخلته بالإشارة إلى أن "أخاديد الأسوار" للزهرة رميج، هو نص ينضاف إلى رأسمال التخييل الذاتي المغربي، مسهماً بذلك في تمتيع التعبير الأدبي الذاتي بأقصى درجات التجنس واتساع المعنى.

الكتابة والمقاومة
الورقة النقدية الثانية تدخل بها الباحث والناقد إدريس الخضراوي مؤكدا فيها أنه مهما يكن الاجتهاد الفكري الذي تقدمه الزهرة رميج في هذه الرواية الاستعادية، فإن أخاديد الأسوار هي إضافة حقيقية للمنجز الروائي المغربي المعاصر، خاصة ذلك المتن الخاص منه، والذي اضطلع بتعرية الأوهام، وإضاءة القسوة التي تجرعها جيل بأكمله في سبيل الإيمان بالتغيير. لذلك فالظروف الصعبة التي كابدها هؤلاء المناضلون، ومنهم زوج البطلة الساردة في هذه الرواية، هي التي أملت على الكاتبة تمثيلها بهذه اللغة الشاعرية المتدفقة التي ترحل بها إلى مهاد بعيدة تلامس فيها التجربة في صفائها وقوتها. وأعتقد أن هذه الإضاءة التي تنجزها الرواية تمثل ملمحا من ملامح الكتابة الاستعادية، حيث صورة ما هو غائب مختلطة مع أشياء وأحداث راهنة، تمثل مصدرا أساسيا للفهم، والبئر التي ننهل منها ماء الحياة نفسها.

وقبل اختتام هذا اللقاء تدخل عدد من المتاقشين من بينهم:

شعيب حليفي الذي أبدى بعض الملاحظات حول الرواية حيث أدخلها ضمن التخييل الذاتي الجمعي، مقترحا مصطلح الثأر بالكتابة بدل الرد بالكتابة، وأكدا في الأخير على مغربية الرواية لأنها حافظت على الهوية المغربية على مستوى الصزت والموضوع.

وفي إطار مسألة التجنيس تدخل كل من سالم الفائدة وإبراهيم أزوغ، وتساءل الأول عن الحدود الفاصلة بين الرواية والتخييل الذاتي ودور هذا الأخير في الدفع بعجلة الكتابة المغربية نحو الأمام، في حين دعا الثاني إلى ضرورة تحديد نسق مفاهيمي يمكننا من التمييز بين النوعين.

ثم تدخلت سلمى براهمة مستفسرة عن مدى وعي الكاتبة زهرة رميج بالشكل الأدبي الذي تكتب ضمنه،وهل يفترض في الكاتب أن يكون واعيا بذلك؟. ثم تطرقت لخاصية التفصيل والتفاصل التي اعتبرها الناقد عثماني سمة مميزة للتخييل الذاتي واعتبرت أنها ليست كذلك لأننا نلمسها في أجناس أخرى.كما تدخل الطاهر محفوظي طارحا سؤال: لمن نكتب؟ متحدثا عن تجربته في روايته "أفول الليل".

وفي الأخير تدخل أنيس الرافعي الذي عبر عن اندهاشه من النزعة الشيزوفرينية للكاتبة وقدرتها على الكتابة في مجال القصة والرواية معا، ودعا إلى تغيير مصطلح "الثأر بالكتابة" لأنه يغفل الجانب الجمالي في النص.

وفي الختام أعطيت الكلمة للكاتبة الزهرة رميج التي مهدت لشهادتها ببعض الإجابات مؤكدة على البعد الإنساني لكتابتها، وعن عدم فرضها لقوالب جاهزة. 

شهادة الزهرة رميج: لا أفكر في الكتابة قبل الكتابة
غالبا ما تطرح علي أسئلة مثل:

ـ لماذا التنوع في الكتابة؟
ـ لماذا هذا التشتت الذي لا يسمح بخلق التراكم في جنس واحد ولا يساعد على تثبيت الأقدام فيه؟
ـ هل الكتابة القصصية مجرد قنطرة للعبور إلى الرواية؟

أسئلة أستغربها أحيانا، لكوني لا أزال في بداية طريق الكتابة، ولكنها تجعلني أتأملها بعمق لمشروعيتها، خاصة وأنا أدرك أن الكتابة ليست عندي بنفس تراتبية النشر كما يبدو للمتتبع. فقد كتبت القصة والقصة القصيرة جدا والرواية في وقت متزامن، قبل نشر أول عمل لي. ذلك أني لا أفكر في الكتابة قبل الكتابة. لا أفكر فيها بشكل واع ومعقلن يدفعني إلى وضع قوالب معينة يتعين علي ملؤها والالتزام بحدودها التزاما صارما. لا أتحكم في الكتابة بقدر ما تتحكم في. فهي من تفرض نفسها وأشكالها حسب المواضيع والحالات النفسية والظروف المحيطة. لا أسعى عادة، إلى النص ولا أجلس إلى طاولة الكتابة بنية مبيتة للكتابة أو للتمرين عليها يوميا، لضمان استمراريتها. ذلك أن الكتابة قد تتمنع علي لفترة طويلة، ولكنها عندما تعود تنهمر انهمار الغيث. ولهذا غالبا ما تكون ولادتي الإبداعية غير عسيرة، ولا قيصرية. فأنا لا أفرض نفسي عليها وإنما أستجيب لندائها فحسب. آنذاك، تخرج الكتابة في قالب قصة قصيرة أو قصيرة جدا أو رواية. ولا أسعى أبدا، إلى قمع الشكل الذي تفرض به الفكرة نفسها. بل إن الأشكال تتمرد أحيانا،على إرادتي وتخرج بالطريقة التي تريدها هي لا أنا. وهذا ما حدث فعلا، مع كتابتي لرواية أخاديد الأسوار التي انطلقت في شكل قصة قصيرة في البداية، فإذا بها تنحرف في اتجاه الرواية. أسعد بالمولود كيفما كان، شرط أن يكون جميلا ولا يحمل إعاقات بارزة على الأقل.

فالإبداع بالنسبة لي بستان رائع تتجاور فيه الورود والأزهار بكل أشكالها وألوانها. والمبدع هو النحلة التي لا تحرم نفسها من رحيق الأزهار التي تغريها وتناديها لكي تظل سجينة نوع واحد منها فقط. وما يجعلني لا أفكر كثيرا، في ضرورة الاقتصار على جنس إبداعي واحد هو اعتقادي بوجود ما يوحد فعل الكتابة رغم تنوعها. ذلك أن هناك منظومة فكرية واحدة تنتظم داخلها. فكيفما كانت طبيعة العمل الإبداعي، فإنه ينطلق دائما، من مفهوم محدد للكتابة ألا وهو الانحياز لجوهر الإنسان وللفضح والتعرية والإدانة. فأنا من الذين يؤمنون بتأثير الكلمة مهما كان ضئيلا، وبدور المبدع في الارتقاء بالإنسان ومسؤوليته باعتباره يتميز بالوعي ومجبولا على الحرية والسعي نحو الجمال والكمال. لذلك، أعتقد أن العمل الإبداعي لا بد أن يحقق للقارئ إلى جانب المتعة الفنية ـ التي لا حديث عن الإبداع بدونها ـ حدا أدنى من المعنى.

كما أومن أن الكاتب هو نتاج عصره وظروفه وعليه أن يكون شاهدا على هذا العصر وأن يتفاعل معه وينشغل بأسئلته الحارقة. لا أثق كثيرا في مقولة: الكاتب الذي يكتب للمستقبل فقط، أي لزمن آخر غير زمانه. فالكاتب الذي يكتب للمستقبل لا بد أن يمر عبر الحاضر، تماما مثلما يمر الكاتب إلى العالمية عن طريق المحلية بالضرورة.

من هذا المنطلق، لا أسجن نفسي في جنس إبداعي واحد وأصد باقي الأجناس إذا ما طرقت بابي في كامل أناقتها ونضجها. بالعكس، أشرع الباب وأستقبلها بحفاوة لأني أعلم أنها نفس الروح التي تتناسخ في صور مختلفة.

هذه تجربتي الخاصة في الكتابة. لكن الكتابة في نهاية المطاف، تظل بحرا لا حدود له، يتسع لكل التجارب وكل الرؤى وكل المتناقضات. وهذا سر جاذبيتها وسحرها.

سيرة الكتابة والكاتبة
الشواهد المحصل عليها:
ـ الإجازة في الأدب العربي بكلية الآداب، جامعة محمد بن عبد الله/ فاس سنة 1973
ـ شهادة الكفاءة التربوية بالمدرسة العليا للأساتذة سنة 1973  

الإصدارات:
1ـ كلنا من أجلك يا فلسطين
(شعر من إبداع التلاميذ) في إطار "نادي نازك الملائكة للكتابة" بثانوية الخنساء، شركة monalisa.com/ الدار البيضاء.(إعداد وإشراف)، 2002
2ـ أنين الماء (مجموعة قصصية) منشورات مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب، دار القرويين/ الدار البيضاء، 2003
3ـ تمارين في التسامح: (ترجمة) مسرحية لعبد اللطيف اللعبي، منشورات المركز الثقافي العربي الدار البيضاء/ بيروت، 2005
4ـ قاضي الظل: (ترجمة) مسرحية لعبد اللطيف اللعبي منشورات المركز الثقافي العربي الدار البيضاء/ بيروت، 2005
5ـ امرأة ليس إلا... !: (ترجمة) رواية لباهية طرابلسي منشورات المركز الثقافي العربي الدار البيضاء/ بيروت، 2005
6ـ نجمة الصباح: (مجموعة قصصية) منشورات المركز الثقافي العربي الدار البيضاء/ بيروت، 2006
7ـ الكتابة النسائية التخييل والتلقي: مشورات اتحاد كتاب المغرب، يوليوز 2006( جماعي)
8ـ نساء في الصمت: (ترجمة) رواية لنفيسة السباعي، منشورات المركز الثقافي العربي الدار البيضاء/ بيروت، 2006
9ـ أخاديد الأسوار: (رواية) منشورات المركز الثقافي العربي/ الدار العربية للعلوم، بيروت، 2007
10ـ عندما يومض البرق: (قصص قصيرة جدا) مطبعة النجاح الجديدة، 2008
11ـ عقدة دي، (ترجمة) رواية للكاتب الصيني داي سيجي، المركز الثقافي العربي، 2008
12ـ نهر سيشوان، قصص من الصين، لكاتبات صينيات، منشورات ديدالوس، تونس، 2008

*الجوائز:
* جائزة الترجمة عن مسرحية " تمارين في التسامح" لعبد اللطيف اللعبي في إطار المسرح المدرسي لسنة 1998.
* الجائزة الأولى لمجلة "ثقافة بلا حدود" بسوريا، في مجال القصة القصيرة جدا، 2007
*العضويات في جمعيات أخرى: ـ عضو فريق تأليف الكتب المدرسية (مكتبة المدارس).