يقدم الباحث السوداني هنا دراسة في التناظر بين بنيتي روايتي الطيب صالح ومارسيل بروست مبرزا تشابهات واختلافات استراتيجياتهما النصية في محاولة لإضاءة جوانب جديدة في الرواية السودانية.

الزمان والمكان: دراسة في التناظر

بين روايتي (موسم الهجرة إلى الشمال) و(البحث عن الزمن المفقود)

أمير حمد

بمناسبة ترجمة رواية (موسم الهجرة الي الشمال) الي اللغة الالمانية اخيرا، نقدم هذه الدراسة، التي تمثل جزءاً من دراسة مستفيضة حول أعمال الكاتب السوداني. وجدير بالذكر أن دراساتنا هذه تلامس جوانب عده من أعمال الكاتب، إلا أنها مرتكزة على التداخل والمقارنة النصية، لتيمة الزمان والمكان بين رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح، ودراسة لأندريه موروا حول رواية "البحث عن الزمن المفقود" لمارسيل بروست. يقول الناقد الالماني اندرياس انسشمت عن رواية موسم الهجرة الي الشمال عندما قدمها الي الجمهور الالماني بمناسبة صدورها باللغة الالمانية مترجمة بقلم رجينا القرشلي زوجة الشاعر السوري عادل القرشلي «هذه رواية منظومة بلغة كرستالية وساحرة تعرض الغرب والشرق في صراعيهما المستديم» ويقول الناقد الالماني المعروف هارمت فندريش «رواية لم تزل بعد معاصرة وقد انصرم نصف قرن علي صدورها.. رواية تسحر القارئ بطبقيتها وتنوع اساليب الخطاب الروائي وموضوعاتها المتعددة المهمة والمعاصرة. رواية متشابكة الأحداث ومتماسكة حول عقدة وبيئة روائية، رسمتا بفنية بالغه». لقد اكدت هذه الرواية استمراريتها واسترعت انتباه القارئ الالماني لتطرقها الي موضوعات عصرية، كعكسها لصراع الفرد مع ذاته المتصدعة والهوة السحيقة بين الشرق والغرب وما نتج عن ذالك من ردود فعل فردية، كعقدة نظرية التامر، أو أخرى جماعية كالارهاب، بسبب استعمار واستغلال الغرب المتواصل للشرق.  

مقدمة:
"عدت إلى أهلي يا سادتي بعد غيبة طويلة، سبعة أعوام على وجه التحديد، كنت خلالها أتعلم في أوربا. عدت وبي شوق عظيم إلى أهلي في تلك القرية الصغيرة عند منحنى النيل ولم يمض وقت طويل حتى أحسست كأن ثلجاً يذوب في داخلي، فكأنني مقرور طلعت عليه الشمس، ذاك دفء الحياة في العشيرة، فقدته زمانا في بلاد تموت من البرد حيتانها واستيقظت في ثاني يوم وصولي في فراشي الذي أعرفه وأرخيت أذني للريح، ذاك لعمرى صوت أعرفه ونظرت من خلال النافذة إلى النخلة القائمة في فناء دارنا، فعلمت أن الحياة لا تزال بخير أحس أنني لست ريشة في مهب الريح، ولكنني مثل تلك النخلة مخلوق له أصل، له جذور، له هدف ".

بهذا المقطع السحري بالنوستالجيا، وبمقارنة ببيئتين/ حضارتين، وبعلاقة الإنسان بالمكان، والزمان بلحظاته الخالدة، افتتح الطيب صالح روايته موسم الهجرة إلى الشمال، وهو مفتتح له مدلولاته الحسية والمعنوية عبر رحلة البحث عن الذات والزمن المفقود، وصراع الحضارات، وتيمات عدة لا تقل أهمية عن سابقاتها في متون هذه الرواية الخالدة.

قد يتساءل القارئ عن جدوى البحث من جديد في هذه الرواية التي انصرم على إصدارها أكثر من ربع قرن، وكتب عنها من البحوث والدراسات المطولة، والمقالات، بل والأطروحات الجامعية، ما لم تحظ به رواية عربية أخرى. إن الإجابة على هذا السؤال تكمن في تميز هذه الرواية بخاصية المرونة والقابلية لعكس الأزمات الحضارية المعاصرة، من خلال بنيتها الطبقية ذات التيمات المتعددة والمترابطة حول محك واحد. حين صدرت موسم الهجرة إلى الشمال بالألمانية، كانت ألمانيا/ أوربا ـ ولم تزل ـ تعيد وتكتشف من جديد طبيعة العلاقة بين الحضارة الغربية والشرق فيما يخص (التحدي، والمجابهة، ومفاهيم طارئة كالإرهاب والانسجام والتذويب) هذا إلى جانب هجرة الأجانب التي تصدرها غلاف الرواية كعنوان Zeit der Nordwanderung. 

«موسم الهجرة إلى الشمال»
في قرية نائية على ذراع النيل تدور أحداث هذه الرواية. قرية تمتد كمسرح وقائع عدة عبر روايات وقصص الكاتب، اسمها قرية "ود حامد" تيمناً باسم أحد الأولياء. عاد الراوي من دراسته الجامعية بأوربا/ إنجلترا، بعد أن قضى سبعة أعوام كمغترب، ينازعه الحنين إلى قريته الصغيرة، وأناسها الطيبين وإلى بيئتها الحالمة بأشجار النخيل، والنيل الممتد بينها كثعبان، وقبة السماء الخالصة الزرقة. حين عودته تيسرت له فرصة التعرف على مصطفى سعيد "بطل الرواية" وهو رجل "غريب" في قرية ود حامد، تزوج بفتاة منها وحظي بطفلين. في جلسة "شرب" أخذ مصطفى سعيد يتلو ـ وهو مخمور ـ شعراً بالإنجليزية، فانتبه الراوي إليه، وأيقن بأنه يضمر سرا ما، وأنه غير الرجل الذي وصفه أهل القرية. اثر أن شك الراوي في البطل، واجهه بأن يميط اللثام عن وجهه، فاضطر أن يفضي إليه بسره، كي لا ينسج أهل القرية حوله أوهاماً ما، لا سيما وأنه يحبهم، ونشط بينهم كعضو فعال.

قص بطل الرواية "مصطفى سعيد" قصة حياته للراوي، منذ أن كان طفلا يتيما، فقد والده فربته أمه. كان مصطفى سعيد بارد الإحساس وغير مكترث، لا يحس بمسؤولية تجاه أي شخص، ولا تطوقه رقابة ما بسرعة تخطى فصول الدراسة الأولية بالسودان، في فترة الاستعمار الإنجليزي، وبعث لحدة ذكائه، إلى القاهرة، ومن ثم إلى لندن لإكمال دراسته. في القاهرة تعرف على مسز روبنسون وزوجها، وبلندن كان زير نساء، محاطا بالفتيات. رغم تمتعه بمكانة مرموقة في وسط المثقفين وإنهائه للدراسة بسرعة بالغة، وحصوله على درجة الدكتوراه، وتعيينه في الجامعة كأستاذ للاقتصاد "المبني على الحب والإنسانية" إلا أنه كان يعيش حياة سرية مكتنفة بالجنس والمغامرات والعبث. كانت استراتيجيته في إغراء النساء، متحوصلة حول خياله الفياض بالقصص الكاذبة، التي تبدو كالأساطير، وخلق جو سحري في شقته: البخور والصندل والأجواء الاستوائية والشرقية المنسجمتان في تناغم غريب، إلا أن نهاية هذه المغامرات "الجنسية" كانت تسفر دوما عن تراجيديا الأحداث وانتحار الفتيات اللائي سقطن في فخه "لاكتشافهن أكذوبة الحياة". وفي الختام يقتل مصطفى سعيد جين مورس ـ زوجته لخيانتها له ولرغبتها في الموت "ما الذي يمنعك من قتلي ـ هيا! أنا مستعدة"، فيحاكم بالسجن. بعد إطلاق سراحه ظل يهوم في أصقاع العالم إلى أن حل بقرية ود حامد وتزوج منها. في إحد فيضانات النيل اختفى البطل/ مصطفى سعيد، بعد أن قص سيرة حياته للراوي وأوصاه بزوجته وطفليه. في ختام الرواية تقتل أرملة البطل "ود الريس" العجوز الذي أراد التزوج بها رغم رفضها، ومن ثم تنتحر.

إنطلاقاً من أن كل عمل أدبي، مؤثر، ومتأثر، بعمل أدبي آخر، أو متناص معه، عبر توالد الخواطر، أو التكريس لتيمة واحده، ستُجري الدراسة التاليه بين الروايتين المعنيتين أعلاه. 

1. يكتب أندريه موروا معلقاً على رواية «البحث عن الزمن المفقود» بأن بروست "كان معنياً بدراسة ميكروسكوبيه للعواطف الدقيقه الخالده". إلا أن تيمة العواطف لم تكرس في هذه الرواية لوصف وشائج إجتماعية معينه، بقدر ما انصبت على تيمة الماضي والإنفتاح، عبر النوستالجيا، والتذكر على علاقة الإنسان بالمكان، والزمان المؤثر فيه بثبوت الإنفعالات، واللحظات الخالده.

بتتبع مسيرة الراوي في موسم الهجرة إلى الشمال، وعلاقته الروحية المتشبثة ببيئة قريته، وطعنه في تذكرها في غربته، وحين تواجده بها، على النقيض من البطل مصطفى سعيد، تتكشف لنا دقائق، وبانوراما الزمان الخالد بخلود الإنفعالات، والعاطفة المكونه تجاهه في لحظة ما، والمكان الذي يطل كمنتصر أبداً، في رحلة إكتشاف الإنسان لذاته، وللحياة، بحثاً عن الخلود.

ـ يصف الطيب الصالح، في تصريحاته الصحفية بأن دور الكاتب شبيه بدور المؤرخ، هذا إلى جانب استشهاده دائماً بأقوال المتصوفه في فلسفة "المعرفه". كالإنسان يحمل في داخله معلميه. ولا يختلف هذا المنظور عن تصريح "بروست" في إحدى رسائله بأن دوره شبيه بفضائل العالم ـ دقة الملاحظه، والأمانة في تناول الحقائق، والإصرار على إكتشاف بعض القوانين العامه، وبأنه كان وصفياً، برغم كل صوفيته. 

2. لقد سعى كل من الكاتبين لتحقيق ذاته في أعماله الأدبيه، فعكس حياة وزمناً مفقوداً أمكن صياغته، كرديف للواقع، فتحقق به الكشف عن الذات وتم تحقيقها، عبر المتخيل الروائي، كامتداداً للواقع المعاش.

يرى بروست بأنه من بين الأشخاص الذين ساهموا في تكوين ذاته الفرديه، الشخص الذي تمسك أكثر بالحياة، فيلسوف لا يستشعر السعادة قط إلا إذا إكتشف الصفات المشتركه التي تضم عملين معاً، وإحساسين معاً، ومخلوقين معاً. هنا يلتقي الكاتبان، من جديد، في العمل الروائي.... فالطيب صالح جعل من الراوي نقيضاً لمصطفي سعيد.. رجلاً متمسكاً بالحياة، عنيداً لا يساوم بها، وإن لاحق طيف مصطفى سعيد إلى قرابة الغرق. هذا كما أن الرواية تقوم أصلاً على مخلوقين (الراوي) ومصطفي سعيد، متباينين تماماً لإظهار الإحساس والبرود، والنهج المغاير لكل منهما للتعرف على الحياة.

بهذا الإختلاف النوعي، أمكننا إدراك الإيحاء إلى صفات مشتركه يمكن توفرها في النفس الإنسانية المتنازعه، لتحقق سعادتها والتعرف على منظومة الحياة: بهذا المفهوم... بتوفر شخصيتين رئيسيين، بمنظورين متفاوتين للحياة، استطاعت موسم الهجرة إلى الشمال، أن تضم عملين معاً لإكتشاف بعد ثالث، غير متطرف كمصطفى سعيد، أو مثقف مهادن يحاول رغم عدم إقتناعه من صميم دواخله التوفيق بين واقع مجتمعه، وبينه كمثقف ناقد ومتشكك عاد من أوروبا.

تقوم فكرة/ فلسفة بروست، في رواية (البحث عن الزمن المفقود) على التغلب على مسيرة الزمان قدماً، وذلك بإيقاف عجلته بالتذكر، فكانت "كعكة المادلين" التي أهدتها له عمته، بؤرة الرحلة إلى الماضي، فكلما تمثلت في مخيلته سوى أن تذكرها، أو داهمته في اللاوعي، إنتشى وإتلق حاضره. في هذه اللحظة تنتصر الذاكره/ الماضي على مسيرة الزمن الهدام، ويتحقق مفهوم الخلود، كوقوف ضد تيار الزمن، نحو الأمام. أما الراوي في (موسم الهجرة إلى الشمال) فلم تكن تعاوده لحظات الماضي/ النوستالجيا كثيراً، لأنه إستطاع أن يطور علاقته بالماضي كإمتداد للحاضر، أي أنه لم يفتقد الماضي فتنقطع صلته به، ولم يجعل حضوره كزمن آخر، وإنما كرديف للحاضر، فلم يتألم لفقدانه لكونه إمتداداً لحاضره فحقق عبر الإتزان سعادته في قريته «ود حامد».

حينما أظهرالكاتب بطل الروايه مصطفي سعيد، على مسرح الأحداث كانت تطل من ورائه كنقيض للراوي فلسفة/ فكرة الروايه، في تيمة الزمان، والمكان، مثلاً، فالبطل نشأ في بيئة بلقع ولم ينشأ علاقة مع فرد، ومجتمع ما، ولم يشده حنين إلى مكان معين أو يستحضره زمن مفقود يتشبث بأناسه، وبأواصرهم. لا شيئ، لاشيئ البته سوى مواصلة الرحله قدماً فربما زمن/ مجتمع أو مكان/ وطن، يطرأ في حياته فتستقر دواخله الشاغره، ويتبين له هدفاً في الحياة. إن الروايتين مسكونتان بهاجس الزمن، وسيكولوجيته، والتغيرات التي يحدثها. فحياتنا معركة مع الزمن في هذه المعادلة الصعبه، بين التشبث بالحياة، التي أسس لها «الزمن المفقود» جمالاً وطمعاً في الخلود وبين النسيان، أو لغز الموت يطلب كل من كاتبي الروايتين ـ عبر تحقيقهما لذاتيهما في الكتابة الإبداعيه ـ الخلاص في الحب، والصداقه كما صرح بذلك بروست في روايته هذه، والطيب صالح في (بندر شاه): "الإنسان يامحيمد، الحياة يامحميد، ما فيها غير حاجتين "الصداقة والمحبه". بالتدقيق في تحقيق الكاتب لذاته، نجد أن الطيب صالح عالج بالرمز، والإيحاء في شتى أعماله الأدبيه، علاقة الإنسان بالمكان والزمان، لأنه كما صرح في لقاءاته الصحفيه، وفي ما تعكسه أعماله، ظل مشدوداً إلى موطنه في إغترابه، وحركت النوستالجيا كل طاقاته الإبداعيه، يقول الطيب صالح ربما لو لم أغترب، لما كتبت. وفي حديث آخر يقول "العنصر الطاغي على كتاباتي هو الحنين إلى عالم أحس بأنه ينقرض، رغم أنني أسعى إلى الإنجراف مع هذا التيار، حتى لا يتحول ما أكتب إلى وقوف على الأطلال". 

3. يكتب موروا عن بروست قائلاً "بأنه كوّن وطناً بفعل العواطف، وإستشهد على ذلك بالتاريخ الفرنسي السياسي وثوراته، حيث يظل بفعل الإنفعالات، والعواطف، كقيم ثابته". على صعيد آخر حينما أُدينَ مصطفى سعيد، في محكمة جنائيه بلندن، تحركت في داخله الذاكرة الجماعية، فأحس بأنه يُدان كمستعمر من قبل مستعمرين، وليس كجاني في قضية فرديه. إنني أسمع في هذه المحكمة صليل سيوف الرومان في قرطاجه وقرقعة سنابك خيل اللنبي وهي تطأ أرض القدس. إن هذه النقطه لها أبعادها النفسية العميقه، حيث ينبسط المكان ليشمل الوطن وينقلب الزمن ليرتد إلى الماضي كتراكم لصفات الفرد. أي بأننا لا يمكن أن نضع حداً لتداخل الماضي مع الحاضر، ولا يمكن أن نبُتّ في مصير الفرد، دونما الإلمام بدوافعه الخفيه، التي تقبع تماماً، خلف ما يتبدى لنا. هنا تتذكر صورة الأسود في ذهنية الرجل الأبيض كعلاقة لا تقوم على العقلانيه، والإنطلاق من معضلة معينه، لأن عقدة الإحساس بالتفوق، وشعور الآخر بالتحدي، تطوقان العلاقة بطقس مضبب". في علاقة الإنسان بالمكان، والزمان، ندرك في كل من الروايتين أن المكان ظل ثابتاً على نحو ما في وجه تقلبات العواطف التي كُونت تجاهه في لحظة محدده. أي أن المكان ثابت ومنتصر أبداً، على ذواتنا المتغيرة. سدى، إذاً، البحث عن مكان معين نحن إليه، في تلاقيف الماضي، وذلك ليس لإختفائه كموقع محسوس، وإنما للتغير الذي إعترى عواطفنا/ اللحظات الخالدة تجاهه.

فالتغير الزمني الذي طرأ على "ودحامد" لا سيما في "بندرشاه" ومريود هو عكس لقضايا معاصره كالسلطه، والمدينه، على أرض القرية التي تحاول الثبات في وجه التغيرات. أما التغير الزمني في موسم الهجره إلى الشمال، فهو تغير دلف من الخارج في طيف مصطفى سعيد، وهو تغير تراجيدي، أسفر كذلك عن وأد الأعراف العقيمه ونهضة المرأة، وأزمة المثقف، العائد من أوروبا ونهج تعامله مع بيئته، كرافض لها أو منطلقاً من الواقع كما في شخص الراوي "وختام رواية قنديل أم هاشم" ليحيى حقي. 

4. يكتب موروا في تحليله لعلاقة الإنسان بالزمن، "بأن الذوات الإنسانية لا تعدو عن كونها منسلخة، وثابته. فالأولى تدرك بأن الفرد متجدد في علاقته مع الزمن، لا شيئ يشي بالثبوت، على النقيض من الذات الإنسانية الثابته، التي تؤمن بلا تجدد شخصية الإنسان وثبوتها في وجه التغيرات التي يحدثها الزمن. رغم تشبث بروست "بالذات الثابته" وإيهامه لنفسه بها، كي يحافظ على علاقته محاولة بالزمن المفقود إلا أنه كان يدرك تماماً بأنه ما من شيئ "ثابت" أو خالد. إن تردده في هذه العلاقة المزدوجه كان قابعاً في تثبيت تيار الزمن بإستعادة الزمن المفقود/ الماضي، في الذاكرة، أي أنه ثمة ذات ثابته، وليست منسلخة تماماً، وإلا لما تواصل الماضي مع الحاضر، "من هنا نشأت الفكرة المركزية في الكشف عن الزمن، في دواخلنا، وليس في الأماكن التي كنا نرتادها." لأن المحك هو الإنفعالات والشعور الذي نعتمرها في دواخلنا تجاهها.

إن رحلة البحث عن الذات، تتمثل لنا في موسم الهجرة إلى الشمال في شخص مصطفي سعيد، الذي لم يكن يملك أي شيئ من مقومات الحياة الإجتماعيه أو المقدرات المحسوسه سوى ذكائه. لقد كانت رحلته أشبه بأسطورة إغريقية، أو صورة "لفلسفة الجنس" للورنس، كثورة على المجتمع الحديث/ الحضاره من أجل الإنتصار للبدائيه بتحرير الجسد من الكبت وبلوغ مرحلة الأتراكسيا/ "التوازن" بالإعتراف بمتطلباته وتحقيقها. أما الراوي، فرحلته هادئة في البحث عن الذات، إلا أنه أدرك في نهاية المطاف بأن المنتصر الأوحد هو المكان "وأنه ليس هناك فشل أو نجاح نهائي، وأن الحياة كالنهر حقيقتها الوحيدة في عدم إنقطاعها عن الإستمراريه".

إن السفر في هذه الرواية ليس صوراً حسيه للعالم، وإنما مفتاح للكشف عن الذات الإنسانية من خلال نوستالجيا الراوي لقريته، وتساوي الأمكنة والأزمنة قاطبه في منظور البطل، أما السفر عند الكاتب/ الطيب صالح، فقد حرر طاقاته الإبداعية فأنشأ زمناً، وبيئة/ مكاناً مرادفاً، كإمتداد متخيلِ لبيئته الأثيرة التي خاف أن تتلاشى على مرأى من بصره فخلدها في أعماله. بهذا المفهوم انتصر الكاتب على الزمن الهدام، وحقق خلوداً بالفن. إن موتيف التذكر، والعلاقة بين "الزمن الهدام والذاكرة الحافظه"، يتمركز في رواية (البحث عن الزمن المفقود)، و (موسم الهجرة إلى الشمال) بإستعادة البطل لذكرياته بالقرية وبمصطفي سعيد، الذي أصبح إمتداداً له وقدراً ملازماً، لاسيما وأنه قد جعله وصياً على زوجته وأطفاله. يؤكد الكاتب لنا أهمية علاقة الإنسان بالمكان والزمان في أقصى معانيها عبر التذكر حينما شارف الراوي الغرق وهو يتابع طيف البطل. في تلك اللحظة تذكر، نعم تذكر وأعاد علاقته بالشخوص الذين أحبهم وبالمكان، فإمتدت إليه تلك الصور كيد للنجاة من الغرق "كنت أحس بقوى النهر الهدامة تشدني إلى أسفل. كان ذهني قد صفا حينئذ، وتحددت علاقتي بالنهر. إنني طاف فوق الماء ولست جزءاً منه. إنني أقرر الآن أن أختار الحياة. لأن ثمة إناس قليلين أحب أن أبقى معهم أطول وقت. صرخت "النجده".

لقد أظهر الكاتب البطل على مسرح الأحداث بشكل عابر، وطوره في الزمن المستعاد على مدى متون الروايه، كما في رواية (البحث عن الزمن المفقود). فمصطفى سعيد يظهر كغريب بين المحبين من أهل القريه، ويتعملق في حياة الراوي بما رواه له عن حياته، وبما أحدثته زوجته من تغير بالقريه. إن إستعادة طيف البطل، من قبل الراوي، لم تكن توضح دائماً ماضي البطل، وإنما كانت كأداة للكشف عن مجتمع قرية ود حامد وللمكان من منظور الراوي كنقيض للبطل، فتجلت لنا معالم الحياة، وكيفية التعامل معها من منظورين متباينين تماماً. في المقابل نقرأ موروا معلقاً على روايته الزمن المفقود: "إن الشخصية التي تظهر على المسرح بشكل مؤقت تغدو فيما بعد أحد أبطال العمل، شأنها في ذلك شأن تيمة موسيقيه تتطور بعد ذلك تدريجياً حتى تصير مركز السيمفونيه". 

5. إن البنية الفنية لـ (موسم الهجرة إلى الشمال)، إعتمدت على إنسيابية الأسلوب، والتسلسل الموضوعي، حتى أنه يمكن للقارئ المتمعن أن يضع للرواية عناويناَ جانبيه وينطبق ذلك أيضاً على (البحث عن الزمن المفقود). وذلك لأنهما تجاوزتا المفهوم التقليدي، للزمان، والمكان في فن الروايه، فقد تجاوزتهما الروايتان بالإنتقال إلى عالم الذاكره، والسحر"الأسطوره"، والروح، هذا كما أن الطيب صالح أظهر بوضوح تداخل الأزمنة بالقطع، والتغير الفجائي، وبالأصوات القادمة من بعيد وباللوامع في أعماله اللآحقه"بندرشاه ومريود". فلا يكتفي الكاتب بأن تتمحور تيمة المكان، والزمان الأحداث بالرويه، بل يجعلها موضوعةً ملموسة، لها صراعها وتدخلها الملحوظ في أقدار الفرد كتعلق الراوي بالحياة، لتعلقه ببيئة "ود حامد". يرتد بنا الكاتب إلى ظاهرة التناسخ، وتقمص المكان للذوات الإنسانيه، فينادي المكان بصوت مسموع، أو يشير سراً بأن يتوقف عنده، كما في بندرشاه إذ تلوح الرؤى والكشوف الخارجة عن الزمان فيراها كل من محميد، وسعيد، والطريفي ود بكري وتقودهم إليها هواتف ونداءات غيبيه خارقه. إستجاب محميد لهاتف يقول له "محميد تعال" ليتبع الصوت في جوف الظلام إلى أن يصل قلعة ذات قباب عالية يتوهج الضوء من نوافذها كجزيرة سابحه في لجة.

حول هذا المضمون كتب بروست: أعتقد أن هناك الكثير مما يقال بشأن الإعتقاد السلبي بأن أرواح أولئك الذين فقدناهم، يتم سجنها في أي كائن أو في حيوان، تظل هذه الأرواح مفقودة بالنسبة لنا، حتى يأتي اليوم (الذي لا يأتي مطلقاً بالنسبة للكثيرين)، الذي يتفق أن نمر فيه بالشجره، أو نستحوذ فيه على الشيئ الذي يسجنها. حينئذ، تظهر، وتهتز وتدعونا بأسمائنا، وما أن نتعرف على صوتها، حتى يبطل عمل السحر. لقد حررناها. لقد قهرت الموت، وعادت تشاركنا الحياة. 

6. افتتح الطيب صالح روايته بمقارنة الراوي العائد من أوروبا للبيئة الأوروبية، وبيئة ودحامد، وهي مقارنة تتمحور في اللاوعي، والذاكرة، فبدت ملامح الطبيعة، والشخوص محاطة بهالة "سحرية"، لأن الراوي كان يراها عبر دثار النوستالجيا، ولحظات ذكرى خالده، مازالت أحاسيسه متقدة تجاهها أنها مقارنة أقرب إلى دمج تيمتي النوم واليقظه. يكتب موروا عن رواية (البحث عن الزمن المفقود) قائلاً "إن الكتاب يبدأ بإفتتاحية تدور حول موضوعي النوم واليقظه، وهي اللحظات التي يمكن أن نرى فيها بوضوح تام انقلاب الزمن وتفكك الذات ودوامها السري. إن الأشياء، ومشاهد الريف، والسنوات العابرة تداعب الراوي. إننا نتهيأ الآن للتجول بين ذكرياته". وهو عينه مانقرؤه في (موسم الهجرة إلى الشمال)، إثر لقاء الراوي بأهله، هيأنا الراوي للتجول بين ذكرياته على ساعد النيل، ومع جده. ويمثل إفتتاح كل من الروايتين بالزمن، والمكان في اليقظة أو الصحو، جلاء الذاكرة اللاإرادية، وإستعادة الزمن في أطيب أوقاته، في النقاط التاليه من رواية البحث عن الزمن المفقود نلتمس التقارب أكثر برواية موسم الهجرة إلى الشمال، لاسيما وأن علاقة الزمن بالمكان، كفكرة أساسية فيهما، استقطبت سلسلة الأحداث في عقدة مركزية واحدة. بالرواية أرواح حيه وقويه تقوم بحراسة الراوي معنوياً. في المقابل نجد الجد مثلاً، مثلها بموسم الهجرة إلى الشمال. يبدو أن كل شيئ منتمي إلى هذا العالم في حالة من السحر الجميل: الشجر، التجوال، كل الأشياء تشاركه هذا السحر الغارق. وهو ما نلمسه كذلك ببيئة الراوي بـ "ود حامد" وإحساسه بالسعادة في تجواله بين طرقاتها وأشجار النخل. 

7. الأسرار التي تحيط بالراوي تشبه الأساطير، كسرّ مصطفي سعيد، الكامن في غرفةِ مبهمةٍ "إفتح يا سمسم"، وذكر عائلة جرمانت الأرستقراطيه التي لم تكن تتزوج من الطبقة الوسطى أو الدنيا. في المقابل نجد رفض العائلة الإنجليزية لصداقة مصطفى سعيد بإبنتهم، ورفض أهل ود حامد لتزويجه منهم لكونه "غريب" فارتبط بحسنه، لكون أهلها غير مكترثين، كما يرى ذلك أهل ود حامد.

قدر لحياة الراوي في (البحث عن الزمن المفقود) أن تظل في مطاردة طويلة لكل ما يختفي خلف إسم جرمانت، كما هو الحال عند الراوي في (موسم الهجرة)، إذ أصبح يتعقب أثر البطل إلى أن شارف الغرق. وهناك "موضوعة" إضافية بالرواية، تعد في حد ذاتها قصة قصيره. وهو الحال في (موسم الهجره) باعتبارها رواية قصصية من قصتين أساسيتين وأحداث وشخصيات مسانده. وكل أنواع التجارب العاطفيه التي خاضها الراوي في (البحث عن الزمن المفقود) كانت علاقات مشوهه تقود من الفتنه إلى المعاناة، ومن ثم إلى النسيان... كما كانت تجارب مصطفي سعيد العاطفيه مع الفتيات الإنجليزيات. في الحب اكتشف الراوي الأنانيه وتفاهة العالم وفشله. وإن قيمة العالم تكمن في الرغبة والذكرى. اتصف مصطفى سعيد كذلك بهذه الصفات من خلال إقامته لعلاقات مختله مع النساء الإنجليزيات، وكان دافعه الأقوى هو الرغبه في الحصول على النساء ونسيانهن، من ثم ما إن وقعن في شركه، أما ذكرى "جين مورس" التي إغتالها فظلت تتابعه وتتجسد هلوسة في منامه، إلى أن قرر الإستجابة لها فانتحر.

إن سوان، وجانت جرمان يتوحدان في شخص الآنسه سانت لو. وأخيراً يدرك الراوي رسالته الأبديه التي حملتها له الأشجار. أما في (موسم الهجره)، فقد توحد شخص الراوي بمصطفى سعيد، إلى أن أدرك رسالته في الحياة في نهاية المطاف، وهو يشارف الغرق، فكانت منقذا له، وفارق نوعي بينه، وبين البطل. حيث ينتهي العمل في اللحظة التي يقرر الراوي فيها البدء في الكتابه، وهكذا يلوب الثعبان على نفسه، بعد وصف لدائرته الضخمه. أما بـ(موسم الهجرة إلى الشمال) فينتهي العمل من حيث بدأ الراوي بتعلقه بأهل قريته والمكان اللذين أحبهما أيما حب. "سأحيا لأن ثمة إناس قليلين أحب أن أبقى معهم أطول وقت". لقد قرر بروست منذ أن شرع في كتابة الصفحة الأولى. أن تنتهي الفقره الأخيره من الرواية بكلمة الزمن، الذي يلمس في وقت واحد السنوات المتباعدة والفترات القصيره التي تتدرج بينهما أيام لا تحصى. وحينما نسمع كلمة الزمن في ختام الروايه يذكرنا ذلك ببتهوفن وهو يكرر النغمة النهائيه كلون من التوكيد والإنعتاق.

بموسم الهجرة إلى الشمال إفتتح الكاتب روايته بالزمن كذلك "عدت ياساداتي بعد غيبة طويله، سبعة أعوام على وجه التحديد". وفي ختامها يغدو الزمن/ الحياة كأسمى ما يسعى إليه الفرد، وقد شارف الغرق ما من شيئ سوى الإنعتاق من ربقة الموج وصرخة مؤكدة كما فعل الراوي، النجده! النجدهَ!. في تحقيق الكاتب الطيب صالح لذاته عبرالكتابه تمركزت قريته في اللاوعي، فكان عكسه للعالم المتخيل تراكماً لصور الماضي، الذي بدوره تجلى كإمتداد بديهي للحاضر. فالعالم الذي صاغه ليس مجرداً، فهو مأخوذ به، مشدود إليه. أما نحن قرّاءه فيبدو لنا واقع حياتنا المرير كحيز مرنٍ يمكن صياغته على نحو أفضل وذلك لأن مقدرة الكاتب تجاوزت بنا لذة القراءة إلى تحرير طاقتنا، والقدرة المباغتة على التحول فيبدو الكاتب من وراء عمله كمهندس معماري، يصوغ لنا من نفس الحجر، والأرض التي إختراناها وطناً آخر، ظللنا ننشده، هنا تتأكد رسالة الفن في ذروته حينما يصبح الواقع قابلاً لصياغة أخرى، وفقاً للتيمة الفنية والأدبية التي نختارها، من بين متون ما نقرأ أو نشاهد أو نستمع.

هذا الإتجاه جمع بينه وبين حسن فتحي المعماري المصري الذي بنى قرية مصرية عام 1945، والتي يقول عنها ـ الطيب صالح ـ قرية تنبض جدارنها بالألفة والجوار. لم أجد من يستعين بمثل هذه الفكره. نحن نبني بيوتاً من الأسمنت والطوب، ولكن حسن فتحي أراد أن يجر الناس إلى أنفسهم من باب المعمار، والمعمار جزء مكمل للأدب والفن. 

8. بناءاً على أندريه موروا، إعتمد بروست في رواية البحث عن الزمن المفقود على تيميتين منفصلتين، وربط بينهما بعلاقة الإستعارة أو السببية، هنا نلتقي من جديد بنقاط التماس بين الروايتين، فموسم الهجرة إلى الشمال تقوم أصلاً في بنيتها الفنيه، على تيمتي الراوي، والبطل/ مصطفى سعيد. بالرغم من تصنيف موسم الهجرة إلى الشمال ضمن روايات الشخوص والقصص، إلا أنها متداخلة مع روايات الأفكار، لأن البطل كان يمثل أفكار فلسفيه كالوجوديه بحريته المفرطه/ اللاكتراث، وتحمل مسئوليته تجاه الوهم، الذي صاغ به حياته، فقرر الإنتحار أو الإختفاء من مسرح القريه. أما الراوي فتيمته تتمثل في بحثه الخفي عن علاقة الإنسان بالمكان والزمن. أما علاقة السببية بينهما فتكمن في البحث عن الدوافع وماهيتها لخلق وتطور هذين الشخصين كنموذج لمجتمعين: آمن، ومتصدع.

لا يختلف الكاتب كذلك، في أسلوبه، وماهية الكشف عن كنة الأشياء، والذات الإنسانية، عن بروست فجعل القارئ يتهيأ أسراراً ما تكمن وراء الشخوص والطبيعة، لا نستطيع الكشف عنها إلا بشحذ خيالنا، وحواسنا، فود حامد تبدو كأي قرية صغيرة بشمال السودان إلا أن منظور الراوي لها كعالم مثالي، وأسطوري تارة أخرى كما في (عرس الزين)، جعلنا نلاحق عالماً آخر يقبع خلف هذه البيئة المحسوسه، التي قد تتفق كل الأعين في وصفها، وتختلف لا محال الذوات الإنسانية في إنطباعاتها نحوها، هنا يكمن الإبداع أو الإستحالة بإضفاء الأسطورية على مكان، وبيئة نعهدها، فنواجه أنفسنا بالسؤال: كيف إستطاع الكاتب أن يكشف لنا عن أسرار، وجمال هذه القرية مثلاً، ونحن مثله أبناءها، تأبى علينا هذا السر؟ هنا نبدء في رحلة الكشف عن الذات، لأن تقييمنا للعالم الخارجي نابع من ذواتنا، فالمكان الذي يتراءي لنا، أو نعيش فيه لا يمنح كل منا إحساساً متشابهاً تجاهه! عمد الطيب صالح كبروست إلى الإحتياط من المواضيع المبتذلة، فتناول في مجتمع القرية علاقة الإنسان بالمكان، والزمان وأثرهما في نهج حياته، وخارج حدود الوطن كما في شخص البطل بإقحامه في قضايا معاصره كصراع الحضارات وغيرها. فبتمعن رواية (موسم الهجرة إلى الشمال)، نلاحظ طبقيتها في تناول مواضيع عده حتى أن البيئة/ الطبيعة، تبدو ككون مركب بهيج.

يرى بروست في الإنطباعية وسيلة أخرى لفنية الروايه، إذ تظهر المشاهد منمقة بسحر الفن، وعصى فهمها سهل الإحساس بها. أي أن العمل الأدبي يقدم في لحظته الأولى، فيخلق نوعاً من الغموض، نتمتع بملاحقة كنهه قبل أن تفككه مدركاتنا الحسية. وتمتد علاقة الراوي بالمكان، كإمتداد طبيعي لذاته، فتجدنا لا نفاجئ بوصفه للأشياء والشخوص بعناصر البيئة نفسها، فشبه الراوي جده، مثلاً بشجرة السيال، ينشأ علاقته مع الحياه، تماماً كتجاوب أشجارالسيال معها فهي تقهر الموت لأنها لا تسرف في الحياة. أو حينما إغتالت أرملة البطل ود الريس وانتحرت من ثم لإغصابها على تزوجه، بدت الطبيعة بود حامد حزينة، كأنها تشارك أهل القرية ألمهم "الحقول نيران ودخان. ذكريات الموسم الذي إنتهى. الأرض سوداء تستعد للحدث القادم. ولكن الدنيا قد تغيرت".

يلتفت الراوي إلى كثير من الأمكنة، إذ تثير في دخيلته لغز تعاملها مع الحياة، فينتبه إلى ذاته ويرجع بمقارنته، وملاحظته إلى الطبيعة الأم، فثمة سر هناك لا يدركه إلا الكائن الشفاف، الذي لا يفتأ يأصل جذوره بالأرض، كما تنهض الأشجار من ا لقاع، هذه الدار الكبيرة ليست من الحجر ولا الطوب الأحمر، ولكنها من الطين نفسه الذي يزرع منه القمح، قائمة على أطراف الحقل تكون إمتداداً له.

في إنشاء الكاتب لمثل هذه العلاقات المحسوسه بين الإنسان والمكان، يشير إليها كعلاقة أزليه غامضه، تؤطر حياتنا قاطبة، إلا أننا لا نلتفت إليها إلا حينما تتجسد أمامنا. فالراوي كما يبدو، شخص ذي نظر ثاقب، وإحساس مرهف، لا يبصر الأشياء/ الطبيعة، ككون مجرد منفصل، لا يُلج إليه إلا حينما تدعو الضروره، وإنما ككائن مشارك لنا في الحياة، يتبلور دوره ليكون مرشداً لنا في مأزق صراع الإنسان مع الزمن/ الحياة. الغموض الذي أحسه الراوي تجاه الطبيعة في حياته، فكان يحسها تنطق وتتحرك، ويبصر طيها نهر جوفي. وأن وظيفة الإستعاره هي منح القوة للروح، وتجديد إتصالها بأمها الأرض. هذا هو بروست في محك علاقته مع الطبيعة/ المكان فالفرد في منظوره يمثل دراما كائن مرهف يبحث منذ الطفولة عن المطلق، ويحاول الحصول على السعاده في شتى صورها. والصوفيه والفن هما وحدهما الوسيله التي ينقل بها للوعي الإنساني الحقائق التي لا يتوصل إليها الذكاء. أما الراوي بـ(موسم الهجرة إلى الشمال) فكان يبحث كذلك عن المطلق، في خضم تجربته الروحيه مع الزمن، والمكان(بود حامد). سأحيا لأن ثمة إناس قليلين أحب أن أبقى معهم أطول وقت ممكن. سأحيا بالقوة والمكر.

لا يخفى على قارئ الطيب صالح الأثر الصوفي المتجسد في أعماله: الحنين بـ (بعرس الزين)، وقباب ود حامد، والجد بـ(موسم الهجرة إلى الشمال)، واللوامع، واللازمان، بمعناه الصوفي في (بندر شاه) و(مريود) وغير ذلك من قيم الصوفيه. هذا كما أن الكاتب نشأ في بيئة صوفيه، فنبعت أعماله من تجربة روحية استطاع عبر فنية الرواية (الإيحاء والأسطوره) أن يرتقي بها من الواقعية التسجيلية إلى رويات الأفكار والنقد الإجتماعي، والأسطوره. لم تزل رواية (موسم الهجرة إلى الشمال)، رواية معاصرة، بتيماتها المتعددة: صراع الإنسان مع الزمن، وعلاقته بالمكان، والبحث الدائم في الذات الإنسانية، لاسيما حينما يهزها صراع من الخارج/ صراع الحضارات، كما حدث للبطل مصطفي سعيد. إننا لم نزل نقرأ هذه الرواية من وجهات نظر عده، لأن الكاتب ترك لنا خيارات متعدده، لتناول تيماتها هي معادلة الذاكرة والمكان والزمن في أدب الطيب صالح، محور خفي تتمركز عنده الإحداث، وتتصارع فيه الشخوص على مدى تجدد الزمن وثبات المكان "قرية ود حامد"، حتى يتبدد الزمن الواقعي مفسحاً المجال لصنوه الأسطوري. إن الطيب صالح جزءاً من شريحة واسعه من أبناء شمال السودان رسخت بمخيلتها ملامح البيئة تلك: أهرامات النوبه، النخيل، النيل، والسماء الخالصة الزرقه، والقرى المتناثرة حوله كشقوق بكف خشن. شريحة لم تزل تنتصر للذاكره، وتبحث في دوار الزمن عن لحظة ثابتة من نثار الماضي والحاضر، لتؤكد بها تواصلها كزمن أبدي يؤالف بين الماضي والحاضر. إن أعمال الكاتب تخلص في كثير من الأحيان إلى فلسفة (الموت)، كنتيجة طبيعية لصراع الإنسان مع الزمن، وكشفه لذاته. فالموت في منظور الكاتب/ الراوي إمتداد طبيعي للحياة، فما من ثمة ألم لفراق، أو لبتر وشائج الحياه "وذهب من حيث أتى من الماء إلى الماء"، ودفناها عند المغيب كأننا نغرس نخله، وفي ليلة كهذه، يبدو الموت وجهاً للحياة. لم يمت الزمن كلية لدى الراوي/ الكاتب كما يبدو وإنما توقف، ليعاد، وينشأ خلوده في الفن/ الروايه. 

9. على النقيض من بروست الذي كان يحن إلى زمن كفردوس مفقود، نجد أن الطيب صالح قد أنشأ في كتاباته العالم الذي ينشده، وتم تثبيته، فكلما أردنا إستحضاره، تصفحنا متون الكتاب، يقول الطيب صالح "أعتقد أن الشخص الذي يطلق عليه لفظ كاتب أو مبدع يوجد طفل قابع في إعماقه، والإبداع نفسه ربما فيه البحث عن هذه الطفوله الضائعة". كما تولد لدي إحساس بمسألة أخرى، فقد ظل يراودني شعور بأنني تنكرت لعالم أحبه كثيراُ، خاصةً أنني كنت ملتحماً بالبيئة إلتحاماً تاماً. وأعتقد أن المحرك الأساسي لما أكتب هو خروجي من السودان وبالتالي من منطقتي وصورتها التي تركتها عليها في الخمسينات. الصورة التي وصفتها في (عرس الزين)، وما زلت أحلم بها. ويؤرقني بإستمرار أنني لست موجوداً هناك.

وتبدو الشخوص في أعمال الكاتب، في تناغم تام مع بيئة ود حامد، التي طرأ عليها التغير فيما بعد "بندرشاه ومريود"، أما مصطفى سعيد، فرغم أناطة الكاتب له بدور نقيض للراوي المتعلق بالحياة وبصلته بالمكان/ المجتمع، والزمان إلا أنه كان يصبو إلى تكوين وطن لخواء روحه، وبيئته البلقع. تلك الغرفة التي أسسها مصطفى سعيد في لندن «عمق الغرب» وحشد فيها كل مرموزيات الشرق الساحر. بإعتبارها سكيناً أسطورياً تسكن قلب الغرب العقلاني الديكارتي وقتها وبالمقابل... بني غرفة محدودبة السطح "كظهر الثور" مثل بيوت الريف الإنجليزي. بني هذه الغرفة في قرية شرقية بسيطه تقع عند منحنى النيل. وحشد فيها الكتب والصور وكل مرموزيات الغرب العقلاني. إنها غرفة كقلب الإنسان. ففي قلب الغرب يوجد شرق. وفي قلب الشرق يوجد غرب.

إن البيئة في أعمال الطيب صالح، لا تمثل كياناً جامداً، غير متفاعل مع الأحداث أو "مشهد طبيعي" نلج إليه عبر الوصف، فبيئة ود حامد الطبيعية بدأت بالنيل كرمز لإمتداد الحياة (وبالدومة) التي تجلى فيها مفهوم المكان الحسي والصراع حوله" الأرض تتسع للجميع والزمن الأسطورة في "عرس الزين"، أما روايتي " بندرشاه ومريود " فأظهر الكاتب التغير الزمني يزحف بالمفاهيم الجديدة كالسلطه والمدينه في قرية ود حامد. بالعودة إلى موسم الهجرة إلى الشمال ومقارنة التغيرات التي حدثت في بيئتها، ببيئة (زقاق المدق) لنجيب محفوظ، نجد أن التغير الذي أحدثه مصطفى سعيد كدخيل على القريه، انتحاره، وقتل أرملته "لود الريس" وانتحارها من ثم، شبيه بمقتل عباس الحلو، والتغيرات التي حدثت فيما بعد في بندر شاه كتأثر ود حامد بالمدينة. أي يمكننا أن نقابل الإستعمار الإنجليزي في (زقاق المدق) بأثر المدينة على القرية في بندر شاه وبشخصية مصطفى سعيد التراجيدية وإنسحاب أثره على أرملته التي مثلت جريمتها في قرية ود حامد، شرارة للتغير التدريجي، كمقتل عباس الحلو في (زقاق المدق). أما ( عرس الزين )، فهي الزمن/ الأسطوره، حيث يبدو كل شيئ مثالي: الشخوص، تتعارك وتنصالح من جديد، كأطياف بالمنام، أو كحكماء أدركوا قصر الحياة، فما من ثمة برهة واحدة جديرة ببذلها في تعكير صفاء الوشائج الإنسانيه.

إنتهج مصطفى سعيد (الجنس) نمطاً لحياته، ليس من منطلق (بهيمي) صرف، وإنما بإعتبارها الخلاص الوحيد من التراكمات الحضاريه والكشف عن الحياة ولإيمانه بأن الغزو الحضاري بملاحقته لطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، هو الذي وصفها بالبهيميه رغم ذكاءه الحاد، إلا أنه قد فشل في التعامل مع الحياة في أبسط صورها فأبحر في رحلة تراجيدية كوسيلة للتواصل مع الحياة وككشف عنها متطرف لها. إن إختيار الكاتب له كشخصية فاشلة في علاقاتها مع الأوروبيات، هو عكس لفشل تلاقح البيئات المتباينة. فالتصدع لا يكمن فقط في شخصه، أو فيهن وإنما في إختلاف البيئتين، وتأثيرهما عليهم. هذا هو الدافع، الذي جعل شكسبير يختار (عطيل) المغربي وليس الرجل الأوروبي لعكس العلاقات الإجتماعية لأفراد من بيئات مختلفة لإظهار فشلها. إن مصطفى سعيد بين النقاط المذكورة أعلاه، كان يبحث عن المرأة كبديل لعلاقته المبتورة بالمكان والزمان اللذين تجسدا له، في البدائية/ أو الحضارة البكر، وفي علاقته مع المرأة. لقد ظل إثر الإفراج عنه من السجن، يتنقل في أصقاع القارات، وذلك لخوفه من الإستقرار، الذي لا يعني سوى الجمود أو الموت. فقد فَقَد وطنه البديل/ المرأة لأنه لم يستطع أن يقيم معها علاقة متزنة، فتجلى لنا في هذه العلاقة الجشع، وحب الإمتلاك، والخيانه. كرموز إلى علاقة المستعمر بالمستعمر.

إن منظوره للإنسان المنتصر هو ذاك الفرد المتخلص من الغزو الحضاري بتحرره من سلطة الجسد. لقد تمكن الكاتب أن يعكس لنا علاقة الإنسان بالبيئة وأثرها الإيجابي والتراجيدي بدسّها بين الأحداث كمحرك خفي، وصفات مكتسبه، تتدخل في مصير الفرد كقدر محتوم. على صعيد آخر، نجد أن نوستالجيا الراوي إلى بيئة وشخوص ود حامد، لم تشكل خوفا من المستقبل، وإنكفاءاً على الماضي، وإنما حالة إتزان تفصح عن فهم الفرد لتجدد وإنقضاء الزمن/ الحياة. ويبدو أن الطيب صالح قد كتب كل أعماله كأطروحات. ولم يخضع لها كموضوعة تقريريه أو عمل أدبي يعاند كثيراً لإظهار الفكرة على حساب فنية الرواية والشخوص كما في رواية (الحي اللاتيني). إن هجرة الكاتب إلى أوروبا أتاحت له أن ينظر إلى وطنه والحضارة الشرقية من منظور مقارن/ صراع الحضارات، وجعلها كشف عن الذات الإنسانية في صراعها مع المكان، والزمن بلحظاته الخالده، والموت كما في قصة موعد في الصحراء، وغيرها. إن خلق الطيب صالح، لعالم له طقوسه ونمطه الخاص، جعل إستكناه الأفكار، والأحاسيس الغامضه التي تعترينا ممكناً. لا غرابة في ذلك فالكاتب كما ذكر لا يؤمن بالمسلّمات، والثوابت، مما جعله ينتهج (العمل الأدبي النقدي)، كأداة للكشف الجرئ عن الذات الإنسانية والمجتمع. رغم خوض الكاتب في موضوعات شتى تقتضي التجربة الذهنيه، والتقريرية إلا أنه كان يكتب بتجربة روحيه، وصدق فني، أقرب مايكون إلى السهل الممتنع. وبالرغم من إغترابه، وأسفاره العديدة، وإقامته المديدة بلندن، إلا أنه ظل يؤمن بأن العربي يجب ألا يعيش إلا في وطن عربي، والمسلم إلا في وطن مسلم، بهذا عني الكاتب التمزق الروحي للمغترب، والطمأنينة التي لا يمكن تحقيقها إلا داخل الموطن، بعيداً عن الغربة الروحيه، والمتناقضات، التي كثيراً ما تعصف بالمغترب في مهب الأزمات.

إن الرد الكتابي الذي قدمه الطيب صالح قبل أكثر من ربع قرن على كونراد بدفاعه عن الوطن/ المكان المستلب، والزمن البهيج الذي بزمن المصلحة والعنف إستبدله الإستعمار هو رد رائد يمثل مواجهة فكر المستعمر لحيلة المستعمر وصراع المصالح وتعرية القيم المصطنعه. فقد أضفت سنوات الإغتراب الطوال الموشاة بتقلد العديد من المناصب الثقافية على شخص الطيب صالح الوفي لموطنه والمعتز بتراثه، ثقافةً واسعةً ولغةً محدثةً أهلته لريادة الرواية العربية المعاصره، بالرغم من شح إنتاجه الأدبي المتمثل في رواية (موسم الهجرة إلى الشمال) إحدى أهم روايات مجابهة الثقافات و(عرس الزين) و(بندرشاه) و(مريود) وقصصه (دومة ود حامد) التي من خلالها إكتشف شخوصه وبيئة أعماله القادمه.

لقد تمكن الطيب صالح من خلال تكثيف رؤيته وتعددها في آن واحد من إستقطاب "الحقيقه" والواقع والمخيال الشعبي قبل كل شيئ، ولكأنه بذلك قد أشبع رغبته في الكتابة فشغل فكرة التريث في معاودتها من جديد خوف ألا تحيط الكلمة بالحادثه والفنية بالروايه مثلما مهر أعماله السابقه. إن الطيب صالح لا تملي عليه التجربة الذهنية أن يكتب بل أن المعايشة الروحية هي ركيزة أعماله مقترنة بفنية الرواية والخيال مما مهد لتجسيد شمولية تيماته الأساسيه، التي خاطبته كروائي، وأثارت كوامنه كفرد معايش لها أو كمشاهد عن كثب. ان تذكرنا لمصطفى سعيد اللامنتمي، الخارج على القانون بجريمته وعلى القيم بعلاقاته المتطرفه بالنساء والحياة وبتصدع ذاته يعود بنا ليربطه بلا منتمي هيرمان هسه في رواية (ذئب البوادي):

"ولكي يوضح هالر شقاءه، قسم نفسه إلى شخصين، إلى إنسان متحضر وإلى ذئب. فأما الإنسان المتحضر فإنه يحب كل ما يمت بصلة إلى عالم أميل شكلير الأول كالنظام والنظافة والشعر... ولا يسكن إلا في البيوت التي تحتوي على مدافئ أنيقة وأرضيات لماعة نظيفه. أما نصفه الثاني فهو المتوحش الذي يحب العالم الثاني: عالم الظلام. إنه يفضل الإنطلاق والخروج على القانون، فإذا أحب إمرأة فإنه ليشعر بأن الطريقة الوحيدة للحصول عليها هي في قتلها وإغتصابها، وهو يعتبر الحضارة البورجوازية وكل خطئها نكته كبيره." أما مصطفى سعيد فقد استقر في قرية ود حامد البسيطه وما فتئ يتصارع مع أنصافه المتضاده في غرفته تلك ذات المدفئة التي أسسها على نمط أوروبي وسط بيوت القريه الطينيه. إن مصطفي سعيد اللامنتمي، كان يجد في معالجته لفن الرسم، وقرض الشعر ـ كما تبين للراوي حينما ولج غرفته بعد إنتحاره ـ إرضاءاً لحاجته في التخلص من واقعه المرير، ونصفه الشرس بإعتباره ذئب وإنسان متحضر معاً.

قبل أن يقتل مصطفى سعيد جين مورس، صرحت له بأنها تحبه، وأجابها بأنه يحبها كذلك. هنا تتجلى لنا دراما هذه العلاقه، التي لا يسفر الحب عنها إلا في لحظة الموت "وغرست الخنجر في صدرها. وقالت لي أحبك، وقلت لها أحبك وكنت صادقاً". يصف مصطفى سعيد يصنف نقسه بأكذوبة "هذا المصطفى سعيد لا وجود له ولا حقيقه يعتبر الحياة نفسها أكذوبة كبرى... أكذوبة كبرى. وأطلق العنان لوهمه، كطريقة وحيدة، للتعامل مع الحياه. "ورغم إدراكي أنني أكذب فقد كنت أحس أنني بطريقة ما أعني ما أقول وأنها هي أيضاً رغم كذبها فإن ما قالته هو الحقيقه". نعلم الناس... ونطلق طاقاتهم المحبوسه ولكننا لا نستطيع أن نتنبأ بالنتيجه/ الحريه.

إن الكاتب كما صرح في لقاءاته الصحفيه، وكما يتبين لنا في هذه الرواية، معجب بأشعار أبي نواس، والمتنبي والمعرّي. فنجد أثر المتنبي قد إنسل إلى هذه الروايه، بقوة الصورة والإنفعال، والإلتفات البلاغي كجزء من أسلوبه بإنتقاله من المخاطبه إلى السرد العام بضمير الغائب وبالموسيقى الداخلية في النص. هذا كما أن الكاتب أورد إلتقاء البطل بمستر روبسون بالقاهره المعجب بشعر أبي العلاء، والذي لا يراه الكاتب زاهداً أو نقيضاً لأبي الطيب المتنبي، وأبي نواس، يقول الطيب صالح: ألا ترى حنين المعري إلى عالم اللذه والحس، حينما قال:

أين إمرؤ القيس والعذارى إذا مال من تحته الغبيط
له كمتيان ذات كأس تريد والسائح الربيط


فالمعري في نظره، لم يكن زاهداً دفن نفسه في أرض النسيان. لقد مكث يغالب الدنيا وتغالبه. أما المتنبي في منظور الكاتب، لم يكن يمدح كافور حقيقه وإنما كان يسخر منه.. وكان مشغولاً بنفسه. إن رحلة المتنبي في بحثه عن المجد، واستغلاله لكل ما يتاح له لبلوغ مأربه، هي علاقة شبيه بنرجسية بطل (موسم الهجرة إلى الشمال). بالرغم من أنه لم يكن يطلب المجد، كما قال إلا أنه تحوصل، حول ذاته لإشباع رغباته، في عالمه الوهم وإن أدى ذلك إلى حتف الآخرين كما حدث. أظهر الكاتب الإمكانيات الإبداعيه غير المصقوله لمصطفى سعيد، بقرضه الشعر كما في قصيدته "عربدت في الصدر آهات الحزين..."، وجعله يختار أبي نواس من ضمن الشعراء كما كان يستشهد به البطل في الخمر والجنس، أمام الملأ العام بـ (هايد بارك).

المراجع:
ـ البحث عن الزمن المفقود، لأندريه موروا (1 2 3 5 6 9 10 13 15 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 30 38 39)
ـ الطيب صالح الرجل وفكره (5 6 42 46 50)
ـ دوريات عده
ـ كتابات سودانيه
ـ صور المثقف لإدوارد سعيد (47)
ـ مجلة الخرطوم العدد 19 (43)
ـ موسم الهجرة إلى الشمال (8 14 29 31 32 35 36 37 52 53 54 55)
ـ المتنبي، لأحمد الطبال (49)
ـ اللامنتمي، لكولن ولسن (12 48 51)
ـ بندر شاه (4 16 41)
ـ تفاحة آدم، دراسة لـ د. هـ. لورانس (44).

قدم جزء من هذه الدراسة فئ المنتدي السوداني ببرلين بحضور الطيب صالح. وهي مهداة الي روح الراحل المقيم د. امين حمد 

كاتب سوداني مقيم في برلين