بوجع مسكون بكينونة الأرض، وبفجائعية ما يحدث بفلسطين. ينصت الشاعر البحريني المرموق هنا لنبض الحجر وصوت السماء.. كي يعيد عبر بنية ثرية متراكبة لقصيدة الغضب صوتها الجماعي وألقها الأدبي والفني.

غضب الحجر غضب السماء

علي الشرقاوي

المشهد الأول
كفٌ تحمل الأحجار من رمزٍ إلى حيٍ نهاريٍ ومن حيٍ صباحيٍ
إلى لغةٍ لها شكل التوغّل في سراديبٍ ومن لغةٍ إلى المسكوت عنه
في مزاريب الهواء ولجة المعنى وتطلقها كبرق الحلم في وجه
الرصاص وفي خراتيت الشوارع في دخان القول في الكرسي
في أيقونة الماموث في الاسم المريض وقهقهات الزور:

يا الآتين من شفق الجديد
ومن صهيل الروح في جغرافيا الدنيا
قفوا كالغيمة العذراء تكشط قحطنا المزروع
منذ طوائف الليل الذي في شمعدان القلب
منذ رواسب الطعنة
حجارتكم
تجمّع في شرايين الشوارع
والجوامع والمزارع ما يفرّقنا
حجارتكم
كلام الضوء في فتوى مرايانا

حجر الميزان
اخرج من برج يقينك يا الواقف كالنقرس في ميناء المفصل
اخرج يا وجع التيه الصحراوي النازف مثل قناديل الموتى
بين عواصم من كانوا عاصفة لبريق الصوت ورابع طين الفصحى
اخرج يا السحت القاروني من الأزرق
من قلق الهجرة
من زفرة قديسٍ عاشر لحن الماء
ضلوع الطفل على آهات الوالد
قلب الأم الخارج كاللوتس عن قفص العين
تلاميذ الحلم الممتدين كمشكاة الوعد الساطع
موج ربيع الشارع
أوراق الريح المنفلتات كأسنان السجّيل
مزاريب عيون رضيعٍ ما عرف الحلمة
لا يحتاجون إليك.

المشهد الثاني
طفلٌ راكضٌ يطوي على طول الصدى سلوى طفولته
يحاول أن يبارك شقشقات الصبح في جسد الحجارة أو يشارك
في إضاءة غمغمات النور:
فوق سحابةٍ خضراء فرّعها الندى وكواكب القتلى
قفوا نصغي إلى زيتونة الفصحى
تشكّل بالصدى حجر السماء وبرتقال الوعد
في ماءٍ كأن اللون يركض في يد الأنغام
في لون كأن الجمر يغزل دمنة الأحلام
في حجرٍ كأن يدين شاهقتين تنتشران في الأعلى
قفوا كالريح تشطر حلمها بالرعد

حجر المرأة
أقول لكم
بنات دمي المراق
على صخورٍ جوفنا تذهب
إذا كنا بلا غضبٍ
نرافق ذبحنا اليومي
من سقط الكلام
إلى
دم القتلى
متى نغضب؟

المشهد الثالث
عين أبٍ يضمّ صغيره المفتوح مثل الماء ضم الماء
ينظر للسماء وللطريق وللخلاص وللكلام وفي تعب
الطريدة من أيادي القنص يشتم غفوة التاريخ:
قفوا نصغي إلى صفصافة الشهداء
تفتح صدرها كسواعد الميناء للجرحى
حجارتها
تدوّخ من يمصّ الدم من عشب الطريق
ومن يريق بريق عاصفة اليدين ألان
يا انتم
قفوا كشراعنا المغزول من عرقٍ
يشع ويجمع الشطآن

حجر الشمس
من حي الشوق الطازج كالأحمر في جسد الأفق
إلي النازف بالمستقبل في حي الماء
تناقل بين شرار الصدر
جميلا كالعيد ينط من الشرفات
قويا كصراخ آلاتي من بذر الظلمات
قيل هو النيزك
قيل هو الوردة في وقت الفعل الواسع
قيل هو السجيل القادم من فجر الأنهار
هو الحجر المائي
على كفيّ نما كحصاد الزيتون

المشهد الرابع
قتيلٌ كالنجوم يطلّ من أرضٍ
تشمّسها أماني القدس:
في ولع البحار
لخلق عاصفة الصغار
قفوا

حجر جالا
جالا البيت
جالا القلب
جالا الروح
لا نومٌ يوسّد مقلة الوهج الرهيف على ضفاف المهد
أو نجمٌ يضيء سخام غرفتنا
جالا الأرض
جالا العين
جالا الريح
إلى أي الجحيم سيركض الأطفال
والنيران قبل تنفّس العينين
قبل الماء في الشفتين
تتبعنا؟

المشهد الخامس
جريحٌ يسحب التاريخ من أذنيه مثل الوقت يسحب
من ضفاف يديه جذر الوقت يسحبه ويسحبه ويسحبه
ويلقيه أمام الخطوة الخضراء في ساحات رام الله:
يا أهلي
قفوا كالنار تغسلنا من الزمن القبيح
ومن جراح الضرب فوق الرأس
قفوا كالجوع يجري في خلايا الشمس
قفوا كالسورة الأولى
تصدّع من يحاول أن يزيح الريح
عن لغة الحياة وقبة الأقصى

حجر القطبي
لي فيه بريدٌ
يرسل الومضات للطلاب
يمنحهم هدايا البرتقال
وشهقة الموال في حيفا
ويمنحني يدٌ أخرى
لها فعل السحابة في تجوّلها
لها روح البذار وكبرياء سواعد الضفة
لها وعد العواصف في دم العفة
لها لغة الكواكب
تفتح البركان

المشهد السادس
أم طفلةٌ كالنهر تمشي في ضفاف الحلم تنتظر المسافر في الصباح
يعود قبل الظهر يقفز كالهواء على الهواء وحشرجات الطين
مكتشفا بداوة دفتر الألوان:
قفوا يا صبح أحلامي
كجذع الشمس
يبتكر الوسائل اجل خلق الماء
في قحط العواصم
أو....
قفوا كمنارةٍ قامت
على صوتٍ
يعيد صياغة الصحراء

حجر ساحور
لماذا كلما قمنا إلى حجرٍ
تنط ثعالب الدنيا
تقود ذائبها
نحو المدائن في مقدّسنا؟
لماذا كلما همنا بصيدٍ
قام أكبرنا
يفرّغ صحوة الأحجار من زيتونها العربي؟

المشهد السابع
سجينٌ يجدل الأحلام في ليلٍ
ويفتلها إذا رقد الصباح إلى الظهيرة
ناسيا جذر البراءة في كهوف الطين:
يا فصحى حناجرنا
حجارتكم تعيد النبض
في أقصى خلايانا
حجارتكم
هي اللغة الجديدة
في خرائطنا

حجر الطفل
أقول لكم
إذا كنا بلا غضبٍ
نرى الأطفال مذبوحين في غزه
وفي ارض الخليل
وفي الجليل وفي حلم رام الله
متى نغضب؟

المشهد الثامن
مدراس قبضةٍ خرجت عن الدرس القديم
وذاكرة الهزيمة والنضال على المقاهي
والجلوس على كراسي القحط:
حجارتكم
ضمير الماء تحت حدائق البركان
يفلق ميّت المجرى
ويرفض غفوة الضفة
حجارتكم
هي القطبي عانق خطوة الميزان

حجر المساء
أقول لكم
إذا موت الطفولة لا يجمّعنا على وعدٍ
يعمّق جذرنا
وهوائنا
وطريقنا في خطوة المجهول
قولوا لي
أي الموت يقدر أن يجمّعنا
على وعدٍ كأن البحر
يصهل في يد الأطفال

المشهد التاسع
شوارع كالسؤال تجمّع الأنهار
في حجرٍ كأن الكون قبل الكون
تبتكر الطريق إلى الطريقة
والكلام إلى دخول الفعل:
حجارتكم 
           قميص الحب
يجمع خطوة بشراسة القدمين

حجر الكهل
أقول لكم
إذا كنا بلا غضبٍ
نصادق من يعادينا
وننسى جذرنا في كهرمان القدس
ننسى موتنا اليومي بين جنائز الأنقاض
ننسى حلمنا الطفلي بالألعاب
ننسى المسجد الأقصى
متى نغضب؟

المشهد العاشر
مساجد في سماء الروح
ترفع برقها المغزول نحو الغيم
ترجم بالإضاءة قامة ألد يجور:
يا فرح الجنين إلى الولادة
يا الأمومة في نقاوتها
حجارتكم
صباح العيد
يهطل من هلال الشوق
دون الحفر لا تتكلم الآبار
دون الرمي لا يتوهّج الأضحى

حجر الصباح
أقول لكم
إذا صوت البراءة في المذابح لا يوحّدنا
فأي الصوت فوق عواصم الدنيا يوحدّنا؟

المشهد الحادي عشر
نواقيس الكنائس تفتح الأبواب
تصرخ في المجرة أو شظاياها:
حجارتكم
نجومٌ في خلايا الكون
تنزل في الشوارع مثل عاصفتين
تفترقان في سربٍ
وتلتقيان في بحرٍ من السجيل
يا شهب السماء ويا نيازكها
حجارتكم أيادينا

حجر الجليل
من بيتٍ
له لون الحنين إلى مشاوير السماء
له بدايات الحديقة في تحولها
إلى عطرٍ خرافيٍ
يطل كإصبع في ثلجة الدنيا
هوالجغرافيا في حالة الإعصار
من بيتٍ
كأن الأرض تدخلها الولادة
قم نواصل رقصة العنقاء
نقرا موجة في النار

المشهد الثاني عشر
دمٌ كالنهر يهتف في مسام الأرض
يروي المسجد الأقصى:
حجارتكم
يدٌ كالغيم في تجواله في تجواله السرّي
عينٌ في ندى عشبٍ
نما في زعفران الدم
والأخرى
كأن الشهد فوق المهد
يمسح حرقة الضفة
حجارتكم
صلاة البحر بين الريح

حجر الظهيرة
أقول لكم
إذا عصف المجازر
لا يحرّك رعدة قمحية فينا
فأي الذبح
فوق عواصم الدنيا
إلى برقٍ حضاريٍ
كأن الشرق
يقدر أن يحرّكنا

المشهد الثالث عشر
خطوة صرخة الغضب الجميل الطفل
تمتحن الطريق
وكالصديق مع الصديق ترافق المجهول:
كأس الخلد لا يأتي
بدون يدين خارجتين
عن رعب الشوارع
أو
صراخ الخوف

حجر الدرة
محمد ابن جمال الدرة
وجه الريح الأخرى
وخليل الموج الأحمر
محمد ابن جمال الدرة
في الصدر له بيتٌ
يشبه عطر النجمة قبل تشكلها
فوق سماء الزعتر
محمد ابن جمال الدرة
في القلب له بيتٌ
من تاريخ اللغة المسكوت عليها
وله لعب الريح المغزولة من ورد الحلم
له قام الأزرق من قامته
وتفجّر شوق الأرض إلى خلق شجيرات المعنى
محمد ابن جمال الدرة
ذاكرة القدس
وخاصرة الرمز المفتوح على المطلق

المشهد الرابع عشر
شهيدٌ يمنح الأحلام صدر خريطةٍ لم يختبرها البحر
يرفع روحه في الراحتين ويجر موج الجوع
مثل النار نحو الكواكب الدري:
لي ولكم أقول
شرارةٌ من زعفران الفعل
تقدر أن تهندس موجة الآتين من تفاحة المعنى
قفوا كالأفق ينهض من سواعد وردة الإصرار
يا اصل المعاني في عوالمنا
حجارتكم
نهارٌ في امتداد الليل

حجر طولكرم
لنا دمٌ كدم الريح
ترجم في الفضاء فصاحة الأنهار في تجوالها الوحشي
بين محطةٍ من لحمها شربت صباح وليدها ومحطةٍ
أخرى لها شغف القرى بقراءة الصفصاف
لنا وهجٌ
سماويٌ إذا نزع الصغير عن المعاصم رنة الأعراف
يحرّك في العواصم هامشا فينا
ويبعدنا عن اللغة المدانة
عن تيبّسنا
وراء خرائب الأحلاف

المشهد الخامس عشر
حناجر كالربيع الطفل تنطلقان من ساقين حافيتين
تحترفان عزف الرفض
حناجر كالزلازل تدخل المجهول
حناجر كالرعود تقود برق اليأس
حناجر كالأيائل تسحب الملكوت
حناجر كالولادة في بداوتها
حناجر كالانين يواعد الجلاد بالنوم الطويل
على صدى التابوت

حجر قلقيليه
قلقيليا
يا امرأة من زبد الريح المزحومة كالكوثر في موهبة الحجر الطفل
ورائحة الأخضر في عرق الزيتون وجغرافيات صلاة المعنى
قلقيليا
يا لون الغربة في سنوات الجمر
ونكهة لحن البرق النازل من تاريخ
الأرض إلى ثبج الهامة
قلقيليا
إن هندس داخلنا قصف الجوع
إن دمّر لحن طفولتنا برد الصمت
إلى صوتك نمشي
كالماء نشكّل وعد التربة بالأسرار. 

المشهد السادس عشر
دباباتٍ لا وجه لها
تدخل بين صباح الدمعة والجفن
وتربض كالغيلم في صدر جنين
دباباتٍ مثل شراهة بركانٍ
يصفع قرية ( كلا )
دباباتٍ خطوتها جثث الآمال
تشير إلى صوت المسجد في الليل
وتمشي في الصبح على صمت القتلى
دباباتٍ كالنقرس تحتل صلاة العيد

حجر البيرة
لأننا
عناصر النهار
في شوارع الجليل
لأننا
أواصر البحار
في مستقبل الخليل
لأننا نخاصر الحوار
في منائر النخيل
نظل في بلادنا مليون مستحيل

المشهد السابع عشر
جنودٌ يقصفون الصوت
ينهمر ون في شيخٍ
ويقتلعون بحته
جنودٌ يصعدون على اقتحام الجوع
يرتشفون رائحة البراءة من جنينٍ
في قماط الحلم والبسمة
جنودّ
يكشطون العظم من جلد الشوارع
يسرقون الكحل من عينين باكيتين
كالأحلام في آه الكنيسة
يمطرون ترابنا بخرائط الشهداء

حجر بيت لحم
بيتٌ يمتد كعاطفة الألوان
من الغيم الساكن خاصرة الأرض
إلى ما بعد تخوم الميزان
بيتٌ يشبه قامة مريم في صرختها
بيتٌ يحمل لحن جنينٍ
سحب الشهب السيّارة من عروتها
وسقاها كلمته الأولى
بيتٌ
كضمير التربة
لا يتوقّف عن قول الأزهار

المشهد الثامن عشر
الدبابة في تجعيدة وجه المسجد ترفع شهوة قامتها
وتحتل ضلوع الواقف عند عروق الباب
الدبابة مثل قميص التنين
تمد لسان شجيرات البطش
من الخط الكوفي المائل في أقصى عاصمة الروح
إلى زهرة آهة طفلٍ رصصه الوقت
ألقاه كالبيدر بين عيون السرداب
الدبابة
موتٌ يمشي
في قلب الأرض على قدمين
تحاور بالنار بنات الحلم
وتحذف في خطوتها زيتون الشهداء
مطر الأحجار
أقول لكم
إذا ما كان حلم القدس
أولى القبلتين وثالث الحرمين
من أقصى جهات الأرض يدعونا إلى
عرس الأراضي والسماء بخيمة الوحدة
فأي الدين يدعونا إلى بذر الهواء بنجمة الوحدة؟

حجر الأحجار
قد يغتالنا الماموث في غرف الإعاشة أو ثياب النوم
قد يغتال طفلتنا الرضيعة قبل الرضعة الأولى
على صدرٍ تهاوى في تراب الجوع
قد يغتالنا في جلسة المقهى البعيد عن العيون
وعن رصاص القنص قد يغتالنا في الصبح
قبل خروجنا عن زفرة العتبات
لكنا
بذارٌ نحن جوف الأرض
داخلنا يشكلنا
وداخلنا يحوّلنا
وداخلنا يفرّعنا
إذا قطع الخريف شروق فرحتنا
وإن منع الهواء الطفل عن ميناء خطوتنا
وان زاد الشتاء بعاصفات الثلج
مثل بذارنا الأولى
سنخرج في ربيع الكون.


شاعر بحريني