يقرأ المفكر السوداني المرموق، صاحب الكتاب العلامة (نبوة محمد: التاريخ والصناعة)، في هذا المقال المهم دلالات فعل شجاع لشاب سوداني، ترك بصمة لا تنمحي في سجل الكفاح من أجل حرية التعبير، وأصبح بفعله الجسور ذاك عَلَما فارقا، ووجها ناصعا لغد ناصع محرّر من كل أشكال القهر.

مادة الرِّدَّة في السودان وجسارة المواجهة

الدسوقي: الوجه الناصع لغد ناصع

محـمد محمـود

جاء في صحيفة التغيير الإلكترونية بتاريخ 9 مايو 2017 أن محمد صالح الدسوقي البالغ من العمر ثلاثة وعشرين عاما تقدّم بعريضة لمحكمة أم درمان جنوب طالبا تغيير صفة ديانته في بطاقته الشخصية من مسلم إلى لاديني. وأوردت صحيفة حريات الإلكترونية بتاريخ 10 مايو أن الأجهزة الأمنية اعتقلته وقيّدت ضده بلاغ رِدّة تحت المادة 126 من القانون الجنائي.

خبر صحيفة التغيير قصير ومقتضب ويقع في سطور قليلة إلا أنه يمثّل في تقديرنا أكبر تحدٍ للنظام الإسلامي في السودان منذ انقلابه صبيحة الجمعة 30 يونيو 1998، بل وأكبر تحدٍ للحركة الإسلامية وللإسلام نفسه داخل السودان وخارجه. هذا الشاب الذي وُلد في ظل نظام الإسلاميين وترعرع في ظلّ منهجهم المدرسي والتربوي التلقيني وطغيان إعلامهم وهو يعمل على غسل الأدمغة وإعادة صياغة الوعي والسلوك، استطاع أن يهزم كل هذه العوائق الجبال ليعيد النظر في نظامه الاعتقادي كمسلم ويتحرّر منه وينعتق ويقرّر الخروج من الإسلام. وما فعله الدسوقي على هذا المستوى، مستوى تحرير وعيه واكتسابه لاستقلاله الفكري، ليس بالطبع بأمر فريد لا سابقة له --- فالسودانيون يوجد بينهم عدد من اللادينيين من كل الأجيال، بما في ذلك جيل الدسوقي، وهو عدد لا نعرفه بالضبط في الوقت الحالي وليس من الضروري في تقديري أن نعرفه لأن القضية الأساسية في نهاية الأمر هي إقرار مبدأ حرية الفكر والتعبير وتوطينه في القوانين وبذا نساوي بين كل المواطنين سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين. إلا أن الدسوقي فعل أمرا فريدا لم يُسبق إليه حسب علمنا وهو أنه ذهب لمحكمة ليعلن أنه لاديني وليطالب المحكمة بالاعتراف بهذه الوضعية الجديدة. وربما يقفز لبالنا حدث آخر شبيه وقع في الخمسينيات وهو إعلان الراحل مصطفي حامد الأمين خروجه من الإسلام واعتناقه للبوذية. إلا أن ثمة فرق حاسم بين ما فعله مصطفي حامد الأمين وما فعله الدسوقي، إذ أن الأول خرج من دين ليدخل دينا آخر (وإن كان علماء الأديان يختلفون حول طبيعة البوذية، إذ يعتبرها البعض فلسفة وليست دينا منظّما)، بينما أن موقف الدسوقي أكثر جذرية لأنه خرج من النظام الديني برمته وأصبح لادينيا.

لا شكّ أن خروج مصطفي حامد الأمين من الإسلام كان صادما بشكل خاص لأسرته ذات المكانة الدينية، إلا أنه لم يتعدّ في سودان الخمسينيات تلك الحدود ولم يهزّ المؤسسة الدينية أو يشكِّل تحديا للقوانين السائدة. بيد أن الوضع يختلف اختلافا كليا في سودان اليوم، إذ أن سودان اليوم يعيش أسير نظام يجمع أسوأ استبدادين: الاستبداد العسكري واستبداد الدولة الدينية. ولأن انقلاب يونيو 1989 هو انقلاب الحركة الإسلامية المنوط به تحقيق برنامجها وإعادة صياغة المجتمع وفق "مشروعها الحضاري" و"منهجها الربّاني" فإن ما يميزه عن الانقلابين اللذين سبقاه هو وجه الاستبداد الديني. والسودانيون قد قاوموا انقلاب الإسلاميين منذ يومه الأول وما زالوا يقاومونه: قاوموه بكل مظاهر الاحتجاج السلمي وقاومه بعضهم بحمل السلاح في مواجهة عنفه ودمويته. إلا أن الملاحظ أن هذه المقاومة ظلت ذات طابع سياسي بالدرجة الأولى. صحيح أن الكثيرين رأوا بأم أعينهم خواء الحلّ الإسلامي وبؤسه وفقد الكثيرون إيمانهم بالإسلام إلا أن وعيهم هذا لم ينشىء خطابا جديدا مستقلا ونشطا في مواجهة الإسلام في المجال العام واكتفت حركة المعارضة بالتعبير عن نفسها بلغة الخطاب التقليدي للمعارضة السياسية. وهذا الخطاب التقليدي للمعارضة تجنّب بشكل عام التصدي للوجه الديني للنظام كما تتمثّل في المادة 126 (مادة الرّدّة) وعقوبات الشريعة (وإن كنا نستثني في حالة الدسوقي التصريح الشجاع لحزب المؤتمر السوداني الذي تضامن معه في الحال ودعا لإلغاء مادة الرِّدّة ونتمنى أن يتبع ذلك مواقف شبيهة من باقي القوى السياسية المعارضة، كما نستثني مقاومة الناشطات النسويات المستمرة في مبادرة مقاومة العنف ضد المرأة، ونشيد بشكل خاص بموقف التحدّي المتميّز للبنى حسين الذي أجبر النظام على التراجع). ومن الطبيعي أن تتجنّب أكبر قوة حزبية مؤثّرة في المعارضة السياسية وهي حزب الأمة الدخول في تحدٍ مع البرنامج الديني للنظام لأن حزب الأمة حزب طائفي منحاز للشريعة. وما نلاحظه أنه ورغم أن الحزب الشيوعي (القوة الأساسية في اليسار) غير منحاز للشريعة إلا أنه دفع ثمن هامش الحرية المسموح له بالتحرّك فيه وقرّر مهادنتها، علاوة على تراجعه على مستوى الخطاب باستبعاد تعبير "علمانية" واستبداله استبدالا غير علمي بتعبير "مدنية". وفي هذا الجو المهادن تعزّزت نزعة ضارة ومنافقة فكريا بذر بذرتها عبد الخالق محجوب بكتابه أفكار حول فلسفة الإخوان المسلمين (وهو كتاب لا يشبه باقي كتاباته التي تتميّز بمحاولاتها الجادة لتحليل الواقع السوداني وتوطين أفكار الاشتراكية فيه) ودخل البعض حلبة المزايدة الفكرية بطرح قراءات "إصلاحية" للإسلام تدّعي نزع "تشويه" الإسلاميين عنه.

وهكذا وبينما فشل النظام في قهر المعارضة السياسية إلا أنه نجح في مجال القهر الديني واستطاع أن يفرض خطابه وعلاماته الإسلامية على كل مناحي الحياة (وأبرز هذه العلامات فرض الحجاب على النساء، وحتى على نسبة كبيرة من السودانيات اللائي يعشن خارج السودان، علاوة على الفصل الاجتماعي للجنسين الذي أصبح سمة من سمات مجتمعات السودانيين في الداخل والخارج). وكانت البطاقة الشخصية باشتمالها على دين حاملها من العلامات البارزة التي أُقْحِمت عن قصد لفرض حضور الهُوية الإسلامية في كل المعاملات الرسمية.(*)

وفي وجه هذا القهر الديني الشامل بكل صلفه واستعداد المادة 126 المعلن لقطع الرقاب تقدّم الدسوقي شامخ الرأس لمحكمة أم درمان جنوب ليعلن لها خروجه من الإسلام ويطالبها بإثبات هويته الجديدة كلاديني في بطاقته الشخصية. وَضَعَ الدسوقي المحكمة ونظامها أمام مطلب حرية فكرية ملحّة وضاغطة تريد أن تتجسّد فعلا حرّا يتحرّك في واقع الناس، وهو مطلب ظلّ الإسلام يرفضه ويواجهه بالعنف عبر كل تاريخه الذي تلا لحظة تأسيس محمد لدولته وإعلانه للجهاد. ولقد ظلّ الكابوس الذي يلاحق الدولة الإسلامية طيلة تاريخها ويهدد بكشف خوائها هو تلك اللحظة التي يواجهها فيه فرد مواجهة علنية بخروجه من الإسلام. ولقد اعتمدت الدولة الإسلامية ومنذ فترة محمد على تواطؤ بينها وبين غير المؤمنين وهو ألا تمسهم بأذاها طالما ارتضوا أن يكونوا منافقين يتظاهرون بالإسلام ويستبطنون لاإيمانهم --- وهكذا كان النفاق وظلّ وضعا متلاءما مع مصالح الدولة الإسلامية إذ ساهم في حفظ تماسكها واستمرارها. ولا نشكّ أن سدنة المشروع الإسلامي في السودان ومنذ لحظة انقلابهم ظلوا يرتجفون هلعا من كابوس احتمال تلك اللحظة التي ينقلب فيها مواطن سوداني على التواطؤ النفاقي ويكسر حاجز الصمت والخوف من الإسلام فيتكشّف بؤس المشروع وتتكشّف هشاشته الفكرية.

إن اللحظة التي قدّم فيها هذا الشاب المغمور رسالته القصيرة التي تقع في سبعة عشر سطرا وتتألف من أربع وثمانين كلمة والمكتوبة بخطّ اليد استغرقت في الغالب دقائق، إلا أنها دقائق تمثّل لحظة فارقة تحمل في أحشائها أكبر المعاني للذين يحلمون بحرية الفكر والتعبير في بلادنا، بل وفي كافة أرجاء العالم الإسلامي وخاصة أقطاره التي تحكمها قبضة الشريعة. في تلك الدقائق المثقلة بالمعنى الكبير لتلك الحرية التي تنبع منها باقي الحريات حمل هذا الشاب المغمور على كتفه الهمّ الكبير للوطن وقضيته الكبرى وارتفع لمستوى فِعْل لم يُسْبق إليه: فِعْل الخروج المعلن من الإسلام أمام محكمة تجسّد بطش نظام إسلامي هو من أكثر الأنظمة قهرا وعَسْفا وعُتُوا وانتهاكا للحقوق في عالم اليوم. هذا الفعل المذهل الشجاع هو فعل شخص قرّر أن يثور على واقع النفاق والصمت والخوف من الإسلام وقرّر أن يكسب نفسه حتى لو خسر العالم كله لأن واجبه الأخلاقي يفرض عليه أن يكون صادقا كل الصدق مع نفسه ولأن توقه لحريته يعني ضرورة أن يعيش حياته وهو متّحد الظاهر والباطن.

عندما دخل الدسوقي محكمة أم درمان جنوب كان مغمورا ويقتات تاريخا صنعه الآخرون مثله في ذلك مثل الغالبية الساحقه من المواطنين العاديين. ولكنه وفي تلك اللحظة التي قدّم فيها عريضته خرج من مجال المواطن العادي المنفعل بالتاريخ ليدخل مجال المواطن الذي يريد أن يساهم في صناعة الفعل التاريخي، فعل التغيير من أجل عالم أكثر حرية وأفضل. وبرسالته الخطية القصيرة التي أعلنت أن لحظته كلاديني قد أزِفت وضع الدسوقي بصمة لن تنمحي في سجل كفاحنا من أجل حرية الفكر والتعبير. والدسوقي منذ هذه اللحظة الفارقة التي صنعها بموقفه لم يعد مغمورا وإنما أصبح عَلَما فارقا ووجها ناصعا لغد ناصع يجسّده جيله وهو يحمل آمال الوطن وأشواقه لغد محرّر من كل أشكال القهر.

 

(*) ما أوردناه في الفقرة الأولى من المقالة من أن الدسوقي طلب تغيير صفة ديانته في بطاقته الشخصية هو ما ورد في تقرير صحيفة التغيير. إلا أنه اتضح لنا لاحقا أن البطاقة الشخصية لا تذكر الديانة وأن طلبه كان لتغييرها في الأوراق الثبوتية أو السجل المدني أو استمارة البيانات التي تُملأ للحصول على البطاقة والجواز وهذه الاستمارة تحوي خانة الديانة. ولذا فإن نقطتنا عن العلامات الإسلامية التي فرضها النظام صحيحة في حالة الحجاب وعلامات أخرى كثيرة إلا أنها لا تشمل البطاقة الشخصية.

 

رسالة مفتوحة لقادة المعارضة حول المادة 126
السيد محمد عثمان الميرغني، رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي / الأصل

السيد الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة القومي

السيدة جلاء إسماعيل الأزهري، رئيسة الحزب الاتحادي الديمقراطي الموحّد

السيد محمد مختار الخطيب، السكرتير السياسي للحزب الشيوعي السوداني

السيدة أسماء محمود محمد طه، الأمينة العامة للحزب الجمهوري

السيد مالك عقار، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال)

السيد علي محمود حسنين، رئيس الجبهة الوطنية العريضة

السيد عبد الواحد محمد نور، رئيس حركة تحرير السودان

السيد علي الريح السنهوري، أمين سر حزب البعث العربي الاشتراكي / الأصل

السيد مني أركو مناوي، رئيس حركة تحرير السودان

السيد أحمد عباس، رئيس الجبهة السودانية للتغيير

السيد جبريل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة

السيد يحيى محمد الحسين، رئيس حزب البعث السوداني

 

الاثنين 22 مايو 2017

 

عندما أخذ النازيون الشيوعيين

لُذْتُ بالصمت

إذ لم أكن شيوعيا

 

وعندما رموا بالاشتراكيين في المعتقلات

لُذْتُ بالصمت

إذ لم أكن اشتراكيا

 

وعندما أخذوا النقابيين

لم يصدر مني صوت احتجاج

إذ لم أكن نقابيا

 

وعندما أخذوا اليهود

لُذْتُ بالصمت

إذ لم أكن يهوديا

 

وعندما جاءوا وأخذوني

لم يبق ثمة أحد يرفع صوته بالاحتجاج

 

القسّ والشاعر الألماني مارتن نيمولر (Martin Niemöller)

 

السادة والسيدات قادة المعارضة

تحية طيبة

أكتب لكم هذه المذكرة لمناشدتكم للمطالبة بالإلغاء الفوري للمادة 126 (مادة الرِّدَّة في القانون الجنائي لعام 1991) والوقوف مع حقّ المواطن محمد صالح الدسوقي الذي طالب بتسجيل صفته في أوراقه الثبوتية كلاديني.

وكما تعلمون فإن حق حرية الفكر والتعبير حقّ أساسي تكفله مواثيق حقوق الإنسان وأن المادة 126 تشكّل خرقا صريحا لهذ الحقّ.

لقد استطاع السودانيون منذ صبيحة الجمعة 30 يونيو 1989 أن ينتزعوا انتزاعا جزئيا بعض حقوقهم في حرية التعبير بفضل مقاومتهم الدائمة ونضالهم الذي لم يتوقف ولن يتوقف لحظة في وجه أكثر الأنظمة عَسْفا واستبدادا منذ الاستقلال. إلا أن تركيز المعارضة ظلّ إلى حدّ كبير منصبّا على الحقوق السياسية، وهو تركيز مفهوم على ضوء تجارب كفاح السودانيين الماضية في مواجهة الاستبداد العسكري.

إن الكفاح السياسي من أجل استعادة الديمقراطية كفاح أساسي وحيوي إلا أنه لا ينفصل عن الكفاح من أجل إعلاء وتوطين قيمة حرية الفكر والتعبير . وفي واقع الأمر يمكن القول إن حرية الفكر والتعبير هي الأساس الحقيقي والصلب الذي تستند عليه وتنبع منه الحرية السياسية وباقي الحريات وإن حرية الفكر والتعبير حاجة إنسانية أساسية سيظل البشر يتشوفون لها ويكافحون من أجلها باستمرار لتحقيق إنسانيتهم.

ومن بين كل المواد التي تحدّ من حريات السودانيين وتكبّلها فإن المادة 126 هي أخطرها لأنها بمثابة التجسيد الأعلى لاستباحة الحرية الإنسانية وانتهاكها، وهذا ما يوجب على كل القوى السياسية والمدنية المعارِضة وكل السودانيين الحريصين على استعادة الديمقراطية شنّ حملة لا هوادة فيها تطالب بإلغائها الفوري.

وكما تعلمون فإن تاريخ المادة 126 تعود جذوره للهجمة الكبرى الأولى على الحريات في ظل الديمقراطية الثانية عندما قامت الجمعية التأسيسية في نوفمبر 1965 بحلّ الحزب الشيوعي وإخراج نوابه من الجمعية بحجّة أنه حزب إلحادي. وتلت ذلك الهجمة الكبرى الثانية في ظل النظام العسكري الثاني عندما أُعْدِم الأستاذ محمود محمد طه في يناير 1985 بعد إدانته بالرِّدَّة (وهي إدانة تلت وصدّقت على إدانة سابقة لمحكمة شرعية في ظل الديمقراطية الثانية في نوفمبر 1968). كان هذان الانتهاكان الكبيران، كما تعلمون، هما حجرا الزاوية اللذان بنى عليهما النظام الحالي "تطبيعه" لمحتوى المادة 126 كجريمة جنائية عقوبتها الإعدام.

إن البلاد الوحيدة في العالم اليوم التي بعثت "الرِّدَّة" وحكمَ القتل لمن يخرج عن دينها هي بلاد إسلامية. وهي بلاد لا يقتصر انتهاكها لحرية الفكر والتعبير على اللادينيين وإنما يمتدّ للأقليات الدينية من غير المسلمين وللمسلمين المنتمين لتيارات وطوائف لا تقرّها الدولة. هذا وضع غير مقبول قانونيا أو أخلاقيا، لأننا نعيش اليوم في مجتمع عالمي لا تميّز قوانينه وأعرافه وقيمه بين الأديان وأتاح ولأول مرة في تاريخ البشرية حرية كاملة تتساوى فيها كلّ الأديان ويتساوى فيها أصحاب الأديان واللادينيون. إن تحدّي قبول هذه النقلة الكبرى هو التحدّي الكبير الذي يواجه المسلمين في عالم اليوم، ويواجهنا نحن خاصة أهل السودان في ظل المادة 126.

إن اللادينيين يمثلون تيارا فكريا له وجوده المحسوس اليوم في السودان (كما هو الحال في باقي بلاد العالم الإسلامي). والخطوة الجريئة والشجاعة وغير المسبوقة التي قام بها محمد صالح الدسوقي لا تعبّر عن موقفه هو فقط وإنما أيضا عن موقف وأشواق مواطنين سودانيين آخرين يطمحون للعيش في ظلّ مجتمع لا يقهر حريتهم الأساسية.

إنني أخاطبكم كمواطن سوداني يعيش في المنفي بعيدا عن وطن حُرم منه مناشدا إيّاكم أن تساندوا حقّ محمد صالح الدسوقي (وأي مواطن آخر) في تضمين صفته كلاديني في أوراقه الرسمية وأن تطالبوا بالإلغاء الفوري للمادة 126 لأن إلغاء هذه المادة سيكون أسطع برهان على أن مسيرتنا الديمقراطية قد وعت المعنى الكبير للديمقراطية وسيكون بمثابة إعلاننا أن آلامنا وتضحياتنا التي ظللنا وما زلنا نعانيها ونبذلها قد أوصلتنا لأعتاب لحظة النضج التي سنلتزم فيها على اختلاف توجهاتنا السياسية ومنطلقاتنا العقائدية ورؤانا الفكرية بالتمسّك بحرية الفكر والتعبير باعتبارها القيمة الأصل التي سنفقد بدونها كلّ شيء.

 

مع خالص احترامي وتقديري

محمد محمود

أستاذ سابق بكلية الآداب بجامعة الخرطوم> وحاليا مدير مركز الدراسات النقدية للأديان

mohamed.mahmoud@criticalcentre.org