يعود الشاعر المغربي الى التقاط تلك اللحظة الشعرية المليئة بتكثيف مجازي، خصوصا عندما تتحول الى لحظة بصرية بامتياز، حيث يخيط ويشكل وينسج في نفس الآن وعبر توصيف دلالي لافت لحيظات مرت للمنسي ولوجع لا يترك أثرا إلا في الدواخل، ولم تستطع اللغة إلا اقتناص استعارتها في اللحظة، هنا الآن.

لوْ

فتح الله بوعزة

لوْ

لمْ يكنْ هذا الطينُ لزِجاً، وكثيفاً

لو لم يكنْ ممزوجاً بالمراثي

وأدْخنةِ الأزْمانِ القديمةِ

لنجوْنا ـ جميعاً ـ من الموتِ

تحت أحذيةِ المشاةِ

أنا، وأنتِ، وحفارُ القبورِ

وحارسُها الوحيدُ

 

لو

لم يكنْ حضنُكِ

أضيقَ من جمْجمةِ يائسٍ

وأعلى قليلاً

من فاصلٍ موسيقي

في لهاثِ الغرباء

لعَلوْتُ رؤوسَ الأشجارِ

بضفائركِ المغموسةِ

في بخارِ النهرِ

حتى إذا هبتْ ريحُ المساءِ

تمايلَ المنسيونَ

من فرط السّكْرِ

ودَلّوا العطّارينَ على مخابِئنا

 

لو

لم تكنْ يدايَ سائلتينِ

والجدرانُ عاليةً

لأضأتُ للعميانِ مدارجَهمْ

بين الشّعابِ البعيدةِ

ومنحتُ الغائبينَ

فرصةً أخرى

للعناقِ

 

لوْ

لمْ يكنْ هذا كلّهُ

لشطرتُ الكونَ

نصفينِ متساويينِ:

حديقة لكِ

وحديقة أخرى لكِ

وأنا بينهما

ـ على كرسي أثريّ ـ

أرعى عصافيرَكِ الزّرقاءَ

وضفائرَك المصفوفةَ

بين أحراش العنبِ البعيدةِ!