يكتب الناقد المصري أن الكاتب أن وضع تواريخ كتابة القصص، بعد 2011 وحتى 2016، يحدد لنا مسار الرؤية، التي تنحصر في هموم المرحلة، وأهمها هموم الشباب، بما يحمله من طموح جارف، وبقدر الطموح، تكون صدمة الإخفاق والإحباط، فأظلم المستقبل أمامهم، وانتابتهم موجة (اللا شيء يهم).

ثورة يناير جعلتنا «كلنا عبده العبيط»

شوقي عبدالحميد يحيى

وسط ما يثار حول وجود أزمة في القصة القصيرة، وسط هجمة الرواية وطغيانها، وموجة الاستسهال فيما يسمي بالقصة القصيرة جدا، وما بها من تغييب للقصة، يظهر مجموعة من شباب الكتاب الذين يتسلحون بروح المتعة المنبعثة من رؤى طازجة، ورؤى شابة تعيش هموم الشباب، وهموم المجتمع، نافين عن الشباب تهمة تحمل في طياتها أبعاد أخري، بالتغييب والجري وراء الساذج والسطحي، ينبت من أبناء مصر ما يبشر باستمرار الأمل، وحمل شعلة الأصيل والحديث معا.

وقد تعرفت –مؤخرا –علي مجموعة من شباب القصة القصيرة مثل محمد علام صاحب مجموعة "البنت التي تغتال الحكايات" وأحمد لبيب شمس صاحب مجموعة "لبيب" و محمد صالح البحر صاحب مجموعة "قسوة الآلهة". وها هو محمود فطين يقدم مجموعة "كلنا عبد العبيط"[i] اللافتة، والمبشرة، واضعا بصمته الخاصة، محافظا علي استمرار الأصيل في القصة القصيرة، متسلحا بالجرأة والمغامرة والاقتحام، بلغة ساخرة مبطنة بالحزن الشفيف، كاشفة عن روح جيل بأكمله، مسترجعا روح الراحل الطاغي محمد مستجاب (الأب) في الاقتحام، والإدهاش، بسلاسة، وكأنه يحكي العادي، وكأنه مهرج السيرك الذي يسعي للإضحاك، وقلبه ينز مرارة وألما.

كان محمود فطين موفقا في وضع تواريخ كتابة كل قصة، لنتبين أنها جميعا تقع فيما بعد 2011، وتمتد حتى 2016، ليحدد لنا مسار الرؤية، التي تنحصر في هموم المرحلة، وبالطبع تحتل هموم الشباب، بما يحمله من طموح جارف، وبقدر الطموح، تكون صدمة الإخفاق. حيث يشعر محمود فطين، ومعه جيل من مستقبل مصر المتمثل في شبابها، بالإحباط لدي غدر من غدروا بالثورة، فأظلم المستقبل أمامهم، وانتابتهم موجة (اللا شئ يهم).

فإذا ما بدأنا بآخر قصص المجموعة، حيث سرب محمود فطين خلال قصة "عبده العبيط" المتناهية في البساطة والتلقائية مفتاحان للدخول إليها: {وفي يوم من عام الآمال الكبرى خاض حربه الأولي} و { وكانت الآمال لازالت لم تهبط إلي الحضيض في عام الثورة الأول}، حيث يضعنا بين القمة والقاع، بين (الآمال الكبري) وكأنها القمة، وبين (الحضيض) لتمثل القاع. ولنتعرف مباشرة لماذا اختار عنوان هذه القصة تحديدا، عنوانا للمجموعة المتجانسة، فكان اختياره صادقا في التعبير عن المجموعة كلها، والتي رغم اختلاف المواقف بينها، تظل الروح سارية فيها، لتمنح القارئ في النهاية ذلك الإحساس الكلي الذي يعبر، في أمتع صوره، عن روح الشارع المصري بعد ثورة يناير المغدورة، حيث ساد الإحباط، لما آلت إليه، خاصة لدي مجموعة الشاب، والشباب المثقف خاصة، الذي تصور أنه هو الذي حرك الثورة، وطالت طموحاته السماء. مثلما عبر عنها في قصة "عرض خاص" { والله دا الوضع عندنا، الثورة حدث كبير كل فاهمين إن لنا الدور الأهم فيه، بس مع مرور الوقت لما زهوة الحدث راحت والدنيا هديت وكل حاجة رجعت لطبيعتها لقينا نفسنا قدام قوتنا الحقيقية اللي كنا نسيناها، اللي هي إننا مش بنمثل حدغير نفسنا}. لتأتي قصة "عبده العبيط" وليعطي الكاتب خلاصة التجربة، وكم كان موفقا في وضع هذه القصة (الخلاصة) في النهاية، وكأنه بعد رحلة استعرض فيها تشوهات المجتمع، والتي إن لم تكن قد زادت، فإن شيئا لم تغير – علي الأقل -.

تقدم لنا قصة "عبده العبيط" طفلين مختلفين عن باقي الأطفال، فبدا شاذين وسط الجميع، الأول، وهو السارد، لم يكن يهتم بما يهتم به الأولاد، فانشغل عنهم بالتفكير، ثم راح يتثقف، أو يتثاقف- علي حد تعبير القصة- وهو ما جعله ينظر للأرض –كناية عن النظر في الكتب – بينما انشغل الآخر "عبده العبيط" والذي لم يكن عبيطا بالفعل { وأنظر له برضا يفهم منه عبده أني أدرك أنه ليس عبيطاعلي الإطلاق، وأن كل ما في الأمر أنه يريد أن يصل إلي السماء}. وفي مرحلة تالية حاول اللإتحاق بكلية الطيران، وصده – بالطبع – كشف الهيئة، فحاول في الطيران المدني، ولم يكن حظه فيه بأحسن من سابقها، لينتهي به الأمر في النهاية بالعمل علي توك توك ، كتب عليه{بحروف بيضاء كبيرة، وخط واضح، واثق: "عبده الطيار"}. ليترجم الحلم الذي كان وكيف صار. بينما استمر الآخر –السارد- في سيره في سلك التعليم حتي يتخرج من الجامعة، وفي جملة يترجم الخلاصة، خلاصة تضع المفارقة بين السماء (عبد العبيط) والأرض (السارد)، بين العلم واللاعلم، بين الحلم والواقع. باختيار معبر عن – ليس حال السارد فقط، وإنما حال كل شباب مصر بعد الثورة في {فور انتهاء دراستي الجامعية تركت المنطقة والبلد وهربت وكان هذا نجاحي الوحيد}. ويوم يصبح الهروب هو قمة النجاح، أو النجاح الوحيد، فهو يعني قمة الإحباط. ولتتحدد النهاية لهما، واللذين يصبحان شخصا واحدا هو السارد في لعبة إبداعية محبوكة، تؤكد أن وراءها مبدع حقيقي حيث نقرأ في بداية القصة ){ورغم أننا مختلفين، كنت أنا أداري اختلافي بينما كان حلمه يطفح عليه ويفضحه}. ثم يحاول أن يقنعنا طوال القصة أنهما اثنين، بينما في النهاية، نكتشف توحدهما، ليقول لنا السارد عن نفسه، ويقول كل الشباب الحالم بالتغيير، "كلنا عبده العبيط". وكأنه يقول .. كنا كذلك عندما حلمنا الطيران للسماء، وأرجلنا مكبلة علي الأرض.

وحتى يقنعنا –الكاتب – بأن شيئا لم يتغير، كان عليه أن يقدم الوضع قبل يناير 2011، وكأنه يقول لماذا قمنا بالثورة، ولماذا كان قيامها حتميا، يقدم لنا قصة "مصر القديمة" والتي أراد لها أن تكون "مصر الجديدة" حيث يبدأ بداية خادعة، يوحي للقارئ بقصة حب، أو تجربة نسائية، ثم أخذ يهوم طويلا، حتي إكتشف –القارئ- في النهاية أنها الفطرة، التي لم يذكرها مطلقا- مثلما لم يذكر ثورة يناير مطلقا طوال المجموعة، وإنما يوحي بكل ما يريد- وإنما عبر عنها بصيغة جديدة (نفس السبب الذي يجعله يحب أباه وأمه وإن لم يكن فيهما شيئا غريبا عن باقي البشر}. وفي تهويمه يمر علي الأماكن التي إعتاد أن يمر عليها، أحبها، رغم أنه ليس فيها فرادة ما تجعله يحبها، إلي أن يصل في النهاية إلي تلك اللحظة، وذلك الطفل{ طفل عادي من عمال السوق أسمر اللون قد جلس علي أكوام القش والتبن في سلام مع المعيز التي ترعي فيه وبعض الحلاليف ، ولما أطال النظر وجده قد أتي بحبل قصير وربطه فيه بالأسفل فردة كاوتش مهترئة وأخذ يتأرجح بسعادة غريبة عنهما، سعادة الطفل. في تلك اللحظة العادية المقدسة، أدرك ألا مفر وأنه سيظل يعشقها بلا تفكير في انفرادها عن غيرها من عدمه}. تلك الفطرة التي جبلنا عليها، والتي بها نشعر بالانتماء، ومنه الانتماء للوطن، الذي أحبط أحلامنا، وجهل الهروب منه قمة النجاح.

وعلي الرغم من أن القصة بنهايتها، توحي بأن رؤيتها الأساسية تنصب علي الإحساس الفردي، إلا انها – أيضا – إحساس خادع يبطن ما هو جمعي، فكما لو أنه يتناول مآسي الطبقات المهمشة فيما قبل 25 يناير 2011. بوصفه تلك المناطق وعشوائيتها وأحلامها الضعيفة، والبسيطة، ونظرة تلك الطبقات إلي قسم البوليس- والذي كان أحد أهم أسباب قيام الثورة،- وفرحتها بمن يستطيع الوقوف أمام بطش ذلك القسم {قسم مصر القديمة، قلعة الرعب التي كانت منذ الطفولة معقلا لمخاوفبلا ملامح، الرهبة دائما والاحترام أحيانا قليلة والفخر بالصلة بأحد ذو علاقة بالسلم الوظيفي فيها إن وجد والإعجاب المضمر بمن تحداها من أشقيا الدنيا} . ثم تأتي الإشارة إلي ثورة يناير، وكأنها الثورة التي أرادت تحطيم ذلك الرمز، رمز الرعب والتجبر { القلعة التي جاء ت عليها لحظة انفلت فيها السخط من مخبأه العميق فأحرقها كغيرها في ليلة مشهودة، ولكنها ليست كغيرها}. فضلا عن التعبير الإبداعي للرغبة في المتعة، أو السعادة البسيطة جدا، التي يتمناها ابن تلك المنطقة – العشوائية - أن يضحك من قلبه بسعادة، حتي لو كانت هذه الضحكة تخفي خلفها ذلك السواد في الأعماق، والذي يعبر عنه ذلك الطفل الأسمر وهو { يضحك في أرجوحته وقد تباعد ركنا شقيه حتي وصلا إلي وجنتيه البارزتين كمسمارين صدئين، ضحكة واسعة متباعدة الأطراف سوداء الخلفية، مثل جرح انفتق}.

يضاف إلي ذلك عنوان القصة، والذي هو العتبة الأولي " مصر القديمة" وما يجعل منها مسرحا للعرض، حيث يصف بالسخرية والمرارة مستوي التعليم فيها، وما يعكس المستوي الاجتماعي {المعهد الذي أكرموه فوصفوه بالمتوسط}.

وعندما أراد التعبير عن بؤس الطفولة، لم يلجأ إلي الندب والعويل، وإنما بروح السخرية- أيضا - وكأنه يقول (شر البلية ما يضحك):

{ عندما خرج ورفاقه من العشش وقصر الشمع والخارطة والشيخ مبارك إلي مرحلة أخري من الحياة تتجاوز اللعب في التراب والطين في الأزقة القديمة، في تلك الأيام اكتشفوا المنيل التي كانت واحة النعم عند المقارتة}.

وتمتد (القصة القصيرة) لتستكمل الصورة، صورة ما كان – والتي لم تختلف كثيرا فيما بعد عما كان فيما قبل – لتصف لنا واحدة من صور الفساد، في واحدة من المؤسسات الأساسية في الدولة، مجلس الشعب { بضع عائلات قدمت من الجنوب مطرزة سيالات جلابيبها علي قروش معدودة منذ عقود معدودة، فتاجروا وتاجروا وصاروا عزوة، وخرج منهم كل نواب المنطقة في مجلس الشعب، ولما جاءت ليلة انهيار السلطة، صاروا هم السلطة}.

ثم يستمر التعبير عن تلك المرحلة المفصلية في حياة البلاد، فيكشف لنا عن طبيعة أولائك الأعضاء{ واسفروا عن ترسانة من البنادق الآلية منعت من اندفعوا – أو دُفعوا – خارجا من السجون من الاقتراب من المنطقة، وبعد ذلك لما انعدم التغير فيما حولهم انعدم التغير فيهم}. في لفتة بسيطة وموحية تفتح آفاقا وأبعادا تحتمل الكثير، عندما يضع كلمة – أو دُفعوا – لتلقي بالإشارة وبأصابع الاتهام حول قطاع كبير ثارت حوله الشبهات – فيما بعد- ولتفتح أفق القصة لما هو أبعد من حدود القصة القصيرة، دون أن تفقد طبيعتها أو تقع في الحشو والتطويل. وكذلك دون حشو أو تطويل، يرسم صورة تلك الطبقة المتواضعة، في براءة كاشفة، نقرأ في نظرة الولد إلي الوالد، ونظرة الأولاد بينهم، وبتعبي طازج مبدع، حين يعبر الكاتب عن ذنب الأب الذي لم يكن للطفل دخل فيه {فلما رأي فيه شيئا من اللماضة والمناكفة سأله عن مهنة أبيه ففهم الورطة التي أوقع نفسه فيها وأجاب معرفا بخزي الذنب الأقدم من ولادته "موظف}.

ويواصل محمود فطين، الكشف عن سوءات ما بعيشه أبناء المجتمع في قصة "حالة حصر" حيث يقدم صورة كبت متمثلة في الرغبة في التبول، تستدعي النقمة علي المجتمع الاستلاكي، والرغبة في تفجير البنوك والبرصة وإسقاط أنظمة الاستغلال. في الوقت الذي يعمل فيه موزع لجريدة إعلانية(ربما كانت الوسيط) في يوم جمعة، أي أنه مضطر للترويج فيما يريد تدميره. وأيضا في قصة "عرض خاص" التي تعبر عن حالة إنسانية ، اجتماعية، سياسية. تلك كانت التي –كانت -قد بدأت تتسرب للشارع في أعقاب 25 يناير، رغم عدم ذكر ذلك صراحة، إلا أن تارخ الكتابة (أكتوبر – نوفمبر 2011) هو ما يفرض وجود المرحلة. وكعادته في القدرة علي تمرير العام من خلال الخاص. لنصل إلي قصة "مشرع الدقائق الخمس" التي يلعب الكاتب فيها دور (الشقلباظ) ، او دور المهرج في السيرك الذي عليه أن يُضحك الجمهور، وقلبه يبكي ألما ومرارة. ليكشف عن كبت الحريات، مصورا ذلك بكبت الحرية الشخصية التي تتجلي في أبسط معانيها، أن يبكي الإنسان. يحتاج فقط إلي دقائق خمس، يبكي فيها. ورغم بساطة هذا الطلب إلا أن {السلطات تستطيع انتزاع أكثر الحقوق أصالة من أصحابها} ليفتح لنا بهذه الجملة – العابرة- نافذة للنظر إلي هذا الرجل العادي البسيط الاختيارات، والذي لا يمتلك من مساحة في الإختيار إلا إختيار {قمصانه الكاروهات الضيقة وبناطيله الكتان وسجائره المصرية}. ولكي يتحقق هذا المطلب، فإن الأمر يتطلب شروطا ثلاثة:

1 كم ملائم من الوقائع المبكية (متوفر).

2 ذاكرة جيدة لاستدعاء هذه الوقائع (متوفرة).

3 مكان يمكن الانفراد فيه لمدة خمس دقائق (جاري البحث عنه).

وبتأمل هذه الشروط، نعرف كم هي الوقائع المبكية كثيرة و(متوفرة)، وكم هي الأماكن التي يستطيع فيها الرجل أن يجلس مع نفسه (جاري البحث عنها). وما يوحيه كل ذلك من كبت نفسي، وضيق في مساحة الحرية.

يبحث- الرجل - عن مكان يستطيع فيه الاختلاء بنفسه كي يبكي، بعد أن عجز عنه في البيت، فيمر بأربع تجارب، أو أربع محاولات، تبوء محاولاته الأربع بالفشل، حيث في كل تجربة يتعرض لنمودج من المجتمع، وعلي الرغم من أن هذه النماذج في حد ذاتها تدعو للبكاء، علي حال المجتمع، وما يسوده من سرقة بالإكراه ( في الشارع الخلفي للمنزل)، ومن تخلف في تصور أن كل من نبتت ذقنه يستطيع الفتوي حتي وصلنا لإرضاع الكبير ( في المسجد)، ومن توهان الشعب وانغماس الشباب بمناظرهم الغريبة، واستغراقهم في الكورة ( في المقهي) ومن فساد شامل، وتصور أن كل من اختلي بنفسه فهو لابد يفعل شيئا مخالفا (رجل مراحيض المسجد). إلا أن الدمع يتوقف في المآقي، فيعجز صاحبنا حتي عن البكاء. إلي أن يصل إلي قناعة بأن المشرع بإجماله أصبح عديم الجدوي، وعليه أن يترك البكاء، ويلجأ إلي الصريخ، دون حساب للعواقب. وكأن الكاتب يخشي علي (الرجل) حتي إن صرخ، فإنه سوف لا يسلم { لاتبك، اصرخ، ولا تبالي}. تلك الصرخة التي يتمناها الكاتب لإيقاظ تلك التيارات المنادية بالشعارات، مكتفية بها، فكان مصيرها سحب الأرض من تحت أقدامها، وأصبحت مغلوبة علي أمرها، بلا حول ولا قوة، وما عبر عنها في قصة " السَحب" حيث تعبر عن سحب الأرض من تحت أقدام تلك الأحزاب، أمام زحف المادية المتمثلة في عدم القدرة علي فعل شئ في يناير 2011، وعدم قدرتهم في إقناع صديقهم بالدخول في الحزب تحت التأسيس –بما يعني أنه وجوده ليس فعليا، وإنما نظريا، خاصة أن الصديق قد اقتنع بمبادئهم، إلا أنه رفض الانضمام، الأمر الذي يعني ببريق الشعارات التي يحملها ذلك التيار- الذي يتضح أنه التيار اليساري - وابتعادها عن أرض الواقع. وقد رسمت القصة صورة هؤلاء الداعين للحزب في حالتهم الاجتماعية البسيطة، رغم امتلائهم بالشعارات والخُطب. كما تتحدد نظرتهم للتصرفات الانفتاحية في { جذب هتافه رجل الشاطئ الذي سيصير غالبا رجل أعمال بعد أن يُتم وضع يده علي الشاطئ ويحيطه بالأسور}. ويصل السرد لتصوير الرؤية بانسحاب الأرض من تحت ذلك التيار بشعور أحدهم بالأرض تتزلزل، فيصرخ حتي لتأتي النهاية بالتجسيم الحي والمعبر والشامل ليجمع شتات القصة ويكثفها { فسار ممسكا بالشاب الممتلئ ثورة وهلوسات، وألقاه بحركة واحدة في البحر، انقطع صراخه عندما انغمر رأسه في الماء البارد، وغاص في العمق وفي هذه اللحظة بدأ الإدراك، فانتفضت أطرافه وراح الخدر وقاتل ليتنفس، وما زال يقاتل للبقاء، وما زال يحاول الطفي} في تشخيص لحالة تيار اليسار. وكأني بالكاتب يتمني أن تجيئ لحظة الإدراك، ليس لهذه التيارات الحزبية فقط، وغنما للشعب بأكمله، كي يثور علي تلك السوءات، التي كانت، والتي هي كائنة، ليحص كل علي حريته، ويحصا محمود فطين علي مقعده وسط كتاب القصة القصيرة، في شموخ.

 

[i] - محمد فطين – كلنا عبده العبيط – قصص – دار الثقافة الجديدة – طذ1 2017.