يبدأ الباحث دراسته بسيرورة مفهوم «الجمال» في الفلسفة الغربية، فيتناول المقاربات الجمالية في الفلسفة اليونانية، ثم في الفلسفة الأوروبية الحديثة، كما تتبدى لدى كانط وهيغل وماركس، فالفلسفة الغربية المعاصرة لدى جون ديوي. ثم يكرس بحثه للرؤية الإسلاميه للفن والجمال وتجلياته عند القدماء والمحدثين.

الفن والجمال بين الفلسفة الغربية والفكر الإسلامي

مقدمه في فلسفه الجمال

صبري محمد خليل

الفن والجمال في الفلسفة الغربية
أولاً، في الفلسفة اليونانية

ذاتية الجمال عند السفسطائية:من أوائل المدارس الفلسفية اليونانية التي حاولت تفسير مفهوم الجمال المدرسة السفسطائية.

ذاتية ونسبية الجمال: وقد استندت في ذلك على نظرية معرفة حسية تجعل الحواس وسيلة المعرفة التي يمكن معرفة الوجود من خلالها، غير أن المعرفة التي تمدنا بها الحواس لا بد أن تكون ذاتية (والذاتي هو ما يوجد داخل عقل الإنسان من أفكار وانفعالات وبالتالي ما يتغير بتغير عقول الأفراد) ونسبية (والنسبي ما لا يفهم إلا منسوبا إلى زمان معين ومكان معين وبالتالي يخضع للتغير والتطور بتغير المكان والزمان). وبنوا على هذا أن الجمال ذاتي (يتغير بتغير الأفراد) نسبي (يخضع للتغير في المكان والتطور خلال الزمان).

الفن ظاهره إنسانية: كما رتبوا على القول بأن الفن ظاهرة إنسانية أي من إبداع الإنسان، وان مرجع القيم الجمالية اتفاق الناس في زمان ومكان معينين، وهذا ما يتضح في مقولة بروتاجوراس (الإنسان معيار كل شيء). ونفوا أي مصدر الهي أو مقدس للفن كما هو معتقد الشعوب الشرقية واليونانية القديمة القاتلة بوجود اله للجمال يلهم الفانين.

الفن مهارة مكتسبة: فالفن عند السفسطائية ليس موهبة إلهية بل هو مهارة مكتسبة بالخبرة والتعلم.

رواد النزعة الإنسانية: بهذا كان السفسطائيين رواد للنزعة الإنسانية في الفلسفة الغربية ومضمونها انه في نطاق التأثير المتبادل بين العوامل المادية والروحية المتعددة فان الإنسان هو العامل الحاسم في التطور الاجتماعي.

استبعاد الموضوعية: ولكنهم قرنوا بين النزعة الإنسانية واستبعاد الموضوعية (بشكلها المطلق أي الإقرار بوجود اله والمحدود أي الإقرار بالوجود المستقل للعالم) لتسقط النزعة الإنسانية لديهم في هوة الذاتية المطلق.

إلغاء دور الموهبة: كما أنها هبطت بالفن إلى مستوى الصنعة، وقللت من دور الموهبة في الإبداع الجمالي.

موضوعيه الجمال عند سقراط:
الجمال عقلي لا حسي: أما سقراط فقد ذهب إلى أن المعايير الجمالية موضوعية (أي لا تتغير بتغير الأفراد)، ومصدر هذه الموضوعية أن العقل واحد عند كل الناس. وهو هنا يرفض الموقف السفسطائي القائم على أن هذه المعايير ذاتية (تتغير بتغير عقول الأفراد)، ومصدر الذاتية عندهم أن الحواس تتغير بتغير الأفراد.

الجمال الباطني: كما رأى ان قول السفسطائيين بأن الحواس، واللذة هي مصدر المعايير الجمالية يؤدي إلى التدهور الفني ولا يصلح لإيجاد فن أصيل، كما اعتبر أن الجمال الحقيقي هو الجمال الباطني (جمال النفس) لا الجمال الظاهري (جمال الجسم والشكل).

الفن وسيلة لغاية أخلاقية لا غاية في ذاته: كما اعتبر ان الفن وسيلة لغاية أخلاقية أي أن وظيفة الفن خدمة الأخلاق وليس غاية في ذاته وهو هنا يرفض مذهب الفن للفن الذي يفصل الجمال عن الأخلاق.

تأكيد موضوعية الجمال: حاول سقراط أن يعيد الموضوعية فى المعايير الجمالية على أساس العقل والتي ألغاها السفسطائيين على أساس الحواس.

الخلط بين الجمال والخير: كما حاول أن يؤكد الارتباط بين الق يم الجمالية والأخلاقية بعد ان فصل السفسطائيين بينهما لكنه تطرق في هذا التأكيد (كرد فعل من الموقف السفسطائي لينتهي إلى الخلط بين القيمتين بدلاً من القول بان الحل الجدلي للعلاقة بين القيم الأخلاقية والجمالية هي علاقة وحدة (لا خلط) وتميز (لا فصل).

الجمال بين المفارقة والكمون:(أفلاطون والأفلاطونية الجديدة وأرسطو)
أفلاطون
:
نظرية المثل والجدل الصاعد: تناول أفلاطون مفاهيم الجمال والفن من خلال نظريته في الوجود (نظرية المثل) والمعرفة (الجل الصاعد) ومضمون الأولي انه ليس للعالم المادي المحسوس أي وجود حقيقي بل هو مجرد ظلال لعالم المثل ومضمون الثانية أن المعرفة تتدرج من الإحساس (الوهم مثل إدراكي لظل شجرة) فالظن (الإحساس مثل إدراكي لشجرة محسوسة) فالاستدلال (التعقل أو الإدراك العقلي المجرد مثل إدراكي لفكرة شجرة) فالتعقل (الحدس مثل إدراك مثال الشجرة بالذات المفارق للعالم المحسوس أي الموجود في عالم المثل.

درجات الجمال: وبناء على هذا فان أفلاطون يضع درجات للجمال هي من الأدنى إلى الأعلى:

1- الجمال المحسوس: وهو جمال الأجسام وهو ادني درجات الجمال.

2- الجمال المعقول: وهو جمال النفوس وتعبر عنه الآداب والفنون.

3- الجمال المفارق: وهو جمال مثال الشئ بالذات والموجود في عالم مفارق للعالم المحسوس هو عالم المثل.

شكلي الفن: وللفن عند أفلاطون شكلان أحداهما مرفوض والأخر مقبول.

الشكل المرفوض وهو الفن الذي هو محاكاة (تقليد) للطبيعة ولما كانت طبيعة المادية هي محاكاة للمثل فان هذا الفن هو محاكاة للمحاكاة ولذا أشار في كتاب الجمهورية إلى وجوب طرف الفنانين من المدينة الفاضلة ويعني بهم الفنانين الذين يمثلون الشكل المرفوض من الفن.

الشكل المقبول: وهو الفن القائم على المشاركة في المثل أي الفن الذي يتجاوز الجمال المحسوس والمعقول إلى الجمال المفارق عن طريق انكشاف عالم المثل للفنان.

الأفلاطونية الجديدة: هي مدرسة فلسفية في مرحلة متأخرة من تاريخ الفلسفة اليونانية وتقوم على إعادة إحياء الفلسفة الأفلاطونية استنادا إلى بعض الديانات الشرقية القديمة.

نظرية الفيض: ولهذا المدرسة نظرية في الوجود قائمة على مفهوم الفيض مضمونها أن هناك عالمين: عالم أول هو العالم المادي ووجوده غير حقيقي ومصدر اعتقادنا بأنه حقيقي خداع الحواس. وعالم ثاني هو العالم الروحي وهو ذو وجود حقيقي وله ثلاث درجات هي الواحد فالعقل الكلي فالنفس الكلية.

درجات الجمال: وطبقاً لنظرية الفيض فان الجمال درجات تتفاوت في الكمال واعلي هذه الدرجات هي الجمال الواحد وأدناها هي الجمال المحسوس لأنه ظلال للجمال الروحي وعلى الفنان أن يصعد من جمال العالم المحسوس (الوهمي) ووسيلة معرفته الحواس إلى جمال الواحد ووسيلة معرفته الروح مار بدرجات العالم الروحي الثلاث (العقل الكلي فالنفس الكلية فالواحد).

تقويم: حاول أفلاطون وتابعته الأفلاطونية الجديدة ان يسير على طريق سقراط في القول بموضوعية (ثبات) المعايير الجمالية ولكنه لم يؤسس هذه الموضوعية على العقل كما فعل سقراط بل أسسها على القول بوجود عالم مفارق للعالم المادي هو عالم المثل، أو العالم الروحي عند الأفلاطونية الجديدة. ولكن ترتيب على موافقة إلغاء البعد الذاتي للجمال ودور الإنسان فى التذوق الجمالي والإبداع الجمال وإهمال دور المادة (شكل) في العمل الفني.

أرسطو:
الجمال كامن في العقل لا مفارق للعالم: حالف أرسطو أفلاطون في القول بان الجمال ليس نموذج ذو وجود مستقل عن عقل الإنسان ومفارق للعالم المادي وموجود فى عالم المثل بل هو نموذج كامن في العقل الإنساني بناءا على نظريته فى الوجود (والقائمة على نفي وجود عالم مفارق لهذا العالم المادي) والمعرفة (والقائمة على القول المنفعل (الإنساني) والفعال (العقل الكلي) المفارق لعقل الإنسان بمعني مغاير ومختلف في الطبيعة عنه لا بمعنى وجود خارج العالم.

المحاكاة مقصورة على الفنون الجميلة: وفي حين جعل أفلاطون المحاكاة صفة كل الفنون (الخاصة) بالشكل الأول للفن) قصر أرسطو المحاكاة على الفنون الجميلة حيث اسمها بفنون المحاكاة تمييزا لها عن باقي الفنون.

الفن إخراج الطبيعة عن طبيعتها: كما يقرر أرسطو بان الفن لا يقف عند حد محاكاة الطبيعة بل انه يكمل هذه الطبيعة بما يبدعه من موضوعات جديدة فميزة الفن إخراج الطبيعة عن طبيعتها عن طريق تغييرها للاسوء أو للأحسن.

وظيفة الفن تصفية الانفعالات الضارة: كما لم يختلف أرسطو مع سقراط وأفلاطون في رب الجمال والفن بالأخلاق ولكنه اختلف عنهم فى جعل طبيعة هذه العلاقة قائمة على ان وظيفة الفن تصفية النفس من الانفعالات الضارة.

تحرير الفن من المحاكاة: وهكذا فان أرسطو استطاع أن يحرر الفن من جعله مجرد محاكاة للطبيعة كما عند أفلاطون.

الغاء البعد الموضوعي للجمال: لكن أرسطو لم يستطيع أن يتحرر من النظرة الذاتية للجمال ما دامت ماهيته كامنة في عقل الإنسان(1).

ثانياً، في الفلسفة الأوربية الحديثة
الجمال تنظيم العقل للصور (كانط)
الفلسفة النقدية:
تناول كانط مفهوم الجمال استنادا إلى الفلسفة نقدية تدور حول ثلاثة مجالات رئيسية:

1- مجال المعرفة الذي يعتمد على ملكة الذهن وهو ما أسماه (نقد العقل الخالص).

2- مجال الأخلاق الذي يعتمد العقل وهو ما أسماه (نقد العقل العملي).

3- مجال الشعور باللذة الذي يعتمد على مله الحكم وهو ما أسماه (نقد الحكم).

المعـرفة: أما في مجال المعرفة فيرى كانط أن المعرفة تتم أولاً من خلال تنظيم الأحاسيس في صور مدرك حسية بواسطة الزمان والمكان اللذات هما عنده ليس لهما وجود موضوعي خارج عقل الإنسان بل هما إطارين داخل ذهن الإنسان يتم من خلالهما تنظيم هذه الصور على التتابع (الزمان) أو التوالي (المكان). وثانياً من خلال تنظيم هذه الصور بواسطة مقولات الذهن الأربعة:

1- الكم (كل جزء).

2- الكيف (موجب، سالب).

3- الجهة (ممكن، ضروري).

4- العلاقة (الجوهر، العرض).

الأخلاق: أما الأخلاق فان قانونها هو الإرادة الخيرة القائمة على مبدأ الحرية كما أن قوانين العالم الطبيعي قائمة على مبدأ السببية.

الحكم: أما الحكم فيستند إلى مبدأ الغائبة عند كانط تعني قدرة العقل على التنظيم أو التنسيق، وهو ما يؤدي إلى الشعور باللذة. وينقسم إلى قسمين:

1- الحكم الجمالي: هو قدرة العقل على تنظيم قوى النفس أي تنظيم قوى النفس أي تنظيم الصور (لذا فان الحكم الجمالي ذاتي) وما يصاحب ذلك من شعور باللذة.

2- الحكم الغائي: هو قدرة العقل على تنظيم عناصر علم الطبيعة أي تنظيم التصورات (لذا فان الحكم الغائي موضوعي) وما يصاحب ذلك من شعور باللذة، ويقصد بالحكم الغائي ما يتعلق بالجلال لا الجمال.

لحظات الحكم الجمالي: وقد حدد كانط من مقولات الذهن الأربعة (الكم والكيف والجهه والعلاقة) لحظات الحكم الجمالي الأربعة:

اللحظة الأولى (من حيث الكم) أن للحكم الجمالي طابعا كليا. (كلي)

اللحظة الثانية (من حيث الكيف) أن الحكم الجمالي مجرد من المنفعة (موجب) و ليس وسيلة إليها (سالب)

اللحظة الثالثة: (من حيث الجهة) أن الحكم الجمالي ضرورة أي أن هناك علاقة ضرورة بين الجمال والشعور باللذة. (ضروري).

اللحظة الرابعة (من حيث العلاقة) أن الحكم الجمالي غائي بدون التعلق بغاية معينة.(جوهري)

تقـــــــــويم: استطاع كانط أن يحرر الجمال من المنفعة كما عند السفسطائيين لكنه اتفق معهم في أن فلسفته تؤسس لمذهب الفن للفن الذي يفصل الفن عن الواقع وآية ذلك أن الجمال عنده شعور خالص لا غاية ورائه.

الجمال تجلي الفكر عبر وسائط حسية (هيجل)
الفلسفة المثالية الموضوعية: تناول هيجل مفهوم الجمال من خلال فلسفة مثالية موضوعية والمثالية كفلسفة لا تعني الالتزام بالمثل العليا (كما يوحي اسمها بل هي مشتقه من المثال عند أفلاطون وهو الفكرة، وهي تعني أولوية الفكر على المادة والمقصود بالأولوية هنا أن للفكر وحدة الوجود الحقيقي أما المادة فمجرد تجلي أو انعكاس للفكر ليس له أي وجود حقيقي (ومثالها الجسم وصورته في المرآة) غير أن المثالية انقسمت إلي مثالية ذاتية تقصد بالفكر الفكر الإنساني ومثالية موضوعية تقصد به الفكر المطلق (الفكر الكلي أو ما يقابل الإله في الدين).

المنهج المثالي الجدلي: كما تناول الجمال من خلال منهج مثالي جدلي أي منهج قائم على ان الفكر المطلق يتطور من خلال الجدل والجدل يعني أن التطور يتم من خلال صراع المتناقضات عبر ثلاثة لحظات (الدعوى ونقيض الدعوى وجامع الدعوى ونقيضها).فهذا الفكر المطلق يتطور عبر ثلاث مراحل هي المرحلة الذاتية وتتضمن اللذة والعاطفة والفضيلة وهي تقابل لحظة الدعوى) (والمرحلة الموضوعية وتتضمن الأخلاق والعرف والقانون وهي تقابل لحظة نقيض الدعوى) والمرحلة الجامعة للذات والموضوعية أو المرحلة المطلقة تتضمن الفن والدين والفلسفة وتقابل لحظة جامع الدعوى ونقيضها).

تعريف الفن: وبناءا على هذا يرى هيجل أن الفن يمثل لحظة الدعوى في المرحلة المطلقة من مراحل تطور الفكر المطلق ويعتبر آخر مظهر من مظاهر تجلي الفكر المطلق يتجلى فيها عبر وسائط حسية ويترتب على هذا أن الفن ليس تقليد للطبيعة وفق القول المنسوب لأفلاطون بل هو كشف أو تعبير عن الفكر المطلق في صورة حسية كاللوحات أو التماثيل(2).

تاريخ الفن (التقسيم الثلاثي للفن): وتطبيقها للمنهج المثالي الجدلي على تاريخ الفن يخلص هيجل إلى تقسيم ثلاثي للفن:
1- الفن الرمزي: ويمثله فن السيارة في الفن الشرقي
فالفكر هنا يحاول أن يعبر عن ذاته بطريقة غير مباشرة أي عن طريق الرمز (مثلا الأهرامات كرمز للخلود).

2- الفن الكلاسيكي: ويمثله فن النحت الإغريقي وفيه تقترب الصورة (الشكل) من الفكرة المضمون) غير أن الشكل هنا (المادة المستخدمة فى النحت أو الحجر) يعجز عن إعدادنا بالصورة الحقيقية للفكر.

3- الفن الرومانتيكي: ويمثله الفن الحديث وهو وأرقى تجلي للفكر المطلق في لحظة الفن وله إشكال عديدة.

أ- الموسيقى: وهي تعبر عن الانفعالات الذاتية باستخدام الصوت غير أنها قاصرة

لأنها تعبر عن انفعالات لأفكار و لأنها تحتمل تأويلات عديدة.

ب- الشعر وهو الفن الذي يبلغ مرتبة الكمال لأنه تعبير بالقول المعقول وهو نوعان:

1- غنائي وهو الذي يعبر عن الذات (العواطف والأفكار الذاتية) لذا فهو ناقص.

2- دراسي: وهو الذي يعبر عن الذات والموضوع (الذات والتاريخ والطبيعة) لذا فهو كامل.

الشكل والمضمون: وباستخدام هيجل لمنهجية في شكله العلاقة بين الشكل (المادة المستخدمة في العمل الفني كالحجر في النحت أو الصوت في الغناء أو الألوان في الرسم) والمضمون في الفن الرمزي فهو يمثل لحظة الدعوي بينما يغلب الشكل على المضمون فى الفن الكلاسيكي فهو يمثل لحظة النقيض بينما يتميز الفن الرومانتيكي بتوازن الشكل والمضمون فهو يمثل لحظة جامع الدعوي ونقيضها.

مرحلية الفن: رغم أن الفن له هذه المكانة السامية في فلسفة هيجل إلا انه مجرد لحظة من لحظات الفكر المطلق في مرحلته المطلقة يجب أن يتجاوزها إلى لحظة تالية هي الدين والسبب في ذاته أن الفن عنده عاجز عن التعبير عن الفكر المطلق بصورة كاملة بسبب صورته (إلى الوسائط الحسية المستخدمة في الفن وهي المادة).

إلغاء الجمال الطبيعي: كما نلاحظ أن الجمال عنده مقصور على الفن ويتجاهل الجمال الطبيعي لان الفن نتاج الوعي فهو أرقى من الطبيعة.

الغاء دور الانسان (الفنان): كما أن فلسفة هيجل ألغت دور الإنسان الفنان في الإبداع الفني لان الفن عنده تجلى الفكر المطلق الذي هو غير فكر الإنسان.

الــــفن عكس الوعي للواقع المادي (كارل ماركس)
تناول ماركس مفاهيم الجمال والفن استنادا الأسس فلسفية نقيضه للأسس الفلسفية التي استند إليها هيجل (أستاذ ماركس) فقد أنكر ماركس وجود الفكر المطلق ولكنه اخذ من هيجل الجدل. ليسنده للمادة.

المادية الجدلية: فالمادية الجدلية تقوم على ان المادة وحدها الوجود الحقيقي اما الفكر فمجرد انعكاس لحركة المادة ليس له أي وجود حقيقي. وان حركة المادة جدلية أي عبارة عن تطور من خلال صراع المتناقضات.

المادية التاريخية: والمادية التاريخية هي محطة تطبيق المادية الجدلية على التاريخ ومضمونها أن البنية الفوقية (الفن والفلسفة والأخلاق والنظم السياسية) مجرد عاكس للتطور الجدلي الحادث في البنية التحتية (أسلوب الإنتاج الذي يضم النقيضين أدوات الإنتاج وعلاقات الإنتاج). وهو ما يعبر عن نفسه في صورة صراع طبقي بين الطبقة التي تمثل أدوات الإنتاج والتي تمثل علاقات الإنتاج وهذا التطور يتم عبر أطوار هي الشيوعية البدائية فالعبودية فالإقطاع فالراسماليه فالشيوعية العلمية وأولى مراحلها الاشتراكية.

تعريف الفن: فالفن بناءا على ذلك هو شكل من إشكال عكس الوعي للواقع المادي. إذ الجمال والفن ما هما إلا جزء من البنية الفوقية التي هي مجرد انعكاس للبنية التحتية.

تاريخية وطبقية القيم الجمالية: كما انه لا توجد قيم جمالية مطلقة إذ هي قائمة على أساس تاريخي (فكل طور من أطوار التطور التاريخي قيمة الجمالية) فكل طبقة قيمتها الجمالية باستثناء الطور الشيوعي الذي ستتلاشى فيه الطبقات. وعندما لاحظ ماركس أن القيم الجمالية الإغريقية لا تزال تستأثر شعوب أوربا علله بقوله أن في تلك الروائع الفنية اليونانية مسحة من البراءة فهي تعبر عن عالم بشرى تغلب عليه سذاجة الطفولة ونحن نجد في أنفسنا حنيناً بالغا إلى هذه الطفولة البشرية حتى نتحرر من أعباء حياتنا الراشدة الحافلة بضروب الصراع.

الواقعية الاشتراكية: كما يترتب على الفلسفة الماركسية أن الفنان مجرد عاكس للطبيعة المادية وهو ما أدى إلى ظهور المدرسة الواقعية الاشتراكية في مرحلة تالية على ماركس وتقوم على إلزام الفنان بالتعبير عن الواقع الاجتماعي.

الخلط بين الشكل والمضمون: نلاحظ أن الماركسية تخلط بين الأفكار التي يريد الفنان أن يثيرها بالعمل الفني (المضمون) وهي أفكار واقعية اجتماعية دائماً والأفكار التي يريد الفنان أن يثيرها بالعمل الفني (المضمون) وهي أفكار واقعية اجتماعية دائماً والأفكار التي يصوغها الفنان في العمل الفني كمعادل للأفكار الأولي (الشكل) والتي لا يشترط فيها أن تكون واقعية بل هي تشكيلاً غير قابل أصلا فلا يجوز أن نلزم الفنان أن تكون أدوات تعبيره مستمده من الواقع أو مطابقة له.

التصنيف الاجتماعي لا الفني: كما أنها تصنف الفنانين على أساس عقلاني ذو مضمون اجتماعي وليس على أساس فني.

الموهبة غير مشروطة بطبقة أو طور معين: كما أن النظام الاشتراكي وغير الاشتراكي لا يستطيع أن يوجد الموهبة الفنية وفي كل العصور منذ المشاعية البدائية إلى العبودية إلى الإقطاعية إلى الرأسمالية إلى الاشتراكية وجدت الموهبة الفنية(3).

ثالثا، في الفلسفة الغربية المعاصرة
الفن خبرة (البرجماتية عند جون ديوي)
نظرية المعرفة البراجماتية
: تناول ديوي مفهوم الجمال من خلال نظرية معرفة ذات أساس براجماتي ترفض الفصل بين الذات (المعرف) عن الموضوع (المعروف) استناداً إلى تعريف الخبرة بأنها. "تفاعل حيوي بين الإنسان وبيئته " هذا التفاعل يتم خلال الانتقال من الصراع بين الإنسان وبيئته (الحاجة) إلي التوازن بينهما (الإشباع) وهكذا.

تعريف الجمال: والشكل الأولي للخبرة الجمالية نجده في الإيقاع الناشئ عن الانتقال من حالة الصراع مع البيئة (الحاجة) إلى حالة التوازن بين الإنسان وبيئته (الإشباع) فالإحساس الجمالي إنما هو في طبيعته كاى تلذذ أخر نتذوق بقضاء أي موضوع عادي من موضوعات الحياة الاستهلاكية لأنه ثمرة لضرب من المهرة أو لذكاه في طريقة تعاملنا مع الأشياء الطبيعية بحيث نتمكن من زيادة ألوان الإشباع التي تحققها لنا تلك الأشياء فنجعلها اشد وأنقى وأطول".

الخبرة العادية والخبرة الفنية: والفرق بين الخبرة العادية والخبرة الفنية ان الخبرة العادية عندما تصبح من درجة اعلي تصبح خبرة فنية فالفنان يمتاز عن غيره من الناس بالمهارة والحساسية.

الفن والمنفعة: كما يربط جون ديوي بين الفن والمنفعة لذا يرفض الفصل بين الفنون الجميلة والفنون التطبيقية (النافعة).

الجذور التاريخية بين الفنون الجميلة والتطبيقية: يرى أن التفرقة بين الفنون الجميلة والتطبيقية نشأت عن ظروف في المجتمعات الغربية الحديثة أدت إلى ظهور فكرة المتحف باعتباره مكان الأعمال الفنية وبالتالي فان الأعمال الفنية ليست قائمة بذاتها ومستقلة عن الحياة اليومية ويرى الفنون الجميلة لها قيمة تربوية تتمثل في أثرها التربوي على النفس كما أن الفنون التطبيقية تنطوي على قيمة جمالية حين تجئ إشكالها متلائمة مع استعمالها.

الربط بين الفن والحياة: وهكذا فان جون ديوي قد نجح في تأييد الارتباط بين الفن والحياة.

احالة الفن الى مجرد نشاط اداتى: الا انه تطرق في هذا التأكيد إلى درجة أحالة الفن إلى مجرد نشاط أداتي لخدمة غايات أخرى حيوية أو اجتماعية فتحول عنده إلى مجرد إدراك حسي نافع.

الفن تعبيره عن حدس (الهيجلية الجديدة عند كروتشه).
فلسفة الروح
: تناول كروتشه مفهوم الجمال من خلال فلسفة روحية يمكن اعتبارها تجديدا للفلسفة الهيجلية هذه الفلسفة تنسب للروح نوعين من النشاط:

1- نشاط نظري يظهر في المعرفة المنطقية وأداتها العقل وغايته الحق.

2- نشاط عملي وله مظهران:

أ/ الاقتصاد ويستند الى الرغبة وغايته المنفعة.

ب/ الأخلاق وتستند الى الإرادة وغايته الخير.

علاقة الجمال بالقيم الأخرى: والفن هو القاعدة التي يستند إليها هذا الهرم لأنه أولى درجات التعبير عن نشاط الروح وبالتالي فان باقي الدرجات (العلم والاقتصاد والأخلاق) تستند إليه وفي ذاته الوقت لا يستند هو إليها. وبالتالي يتمتع باستقلال حقيقي عنها.

الحدس أداة الفن: والجمال عند كروتشه يقوم على الحدس الذي يعرفه بأنه فاعلية في عقل الإنسان منتجه للصور الخيالية التي تتحول إلى تعبير كثمرة للانفعالات.

فالحدس أحد مظهري النشاط النظري للروح المعرفة الحدسية المستندة الى الخيال والمنتجة للصور الخيالية وتتعلق بالفردي. والمعرفة المنطقية المستندة على العقل ومنتجه للتصورات الذهنية وتتعلق بالكلي والعلاقات القائمة بين الأشياء.

التوحيد بين الحدس والتعبير: ثم يوحد كروتشه بين الحدس والتعبير لان أهم خصائص الروح إمكانية تحققه في التعبير أما ما لا يمكن أن يتحقق في موضوع خارجي فهو إحساس.

المادة أداة توصيل: أما الواسطة فهي أداة توصيل من هنا لا يجوز الخلط بين العمل الفني وواسطته المادية التي هي أداة توصيل بين الفنان والجمهور. يترتب على هذا ضرورة التمييز بين الفن والصنعة فالفن حدس أولا ومادة ثانيا أما الصنعة فهي مادة أساسا.

تعريف الفن: ويعرف بأنه حدس يقدم الفنان من خلاله صور خيالية والمتذوق يقوم بإعادة تكوين هذه الصور في وعيه. كما يعرف الجمال بأنه التعبير الموفق والقبح بأنه التعبير المخفق.

تميز الفن عن المنفعة واللذة: نجح كروتشه في التميز بين الفن والواقعة المادية والمنفعة العلمية واللذة والفعل والسلوك.

استبعاد الجانب المادي: لكنه ركز على الجانب الفكري في العمل الفني (تحت تأثير فلسفته المثالية) واستبعد الجانب الفيزيائي المادي.

التوحيد بين الفن والتعبير: كما انه انتهي إلي الخلط بين الفن والتعبير.

الفن وعي خيالي الوجودية عند سارتر:
الوجودية هي فلسفة تذهب إلى أن ما يميز الإنسان عن باقي الكائنات الأخيرة تسبق ماهيتها (صفاتها) وجودها، فالنجار يكون في ذهنه فكرة عن صفا المنضدة أولا ثم يوحدها ثانيا أما الإنسان فهو الكائن الوحيد الذي يسبق وجوده ماهيته، أي يوجد أولا ثم يختار صفاته بان يكون طيبا أو شريرا عني أو فقير.. لذا فهو الوحيد الحر لأنه يختار صفاته بينما كل الكائنات الأخرى يتم تحديد صفاتها قبل أن توجد.

تحليل سارتر للوجود: وإسنادا إلى الفلسفة الوجودية قام سارتر (في المرحلة الأولى من مراحل تطوره الفكري) بتحليل الوجود (الإنساني) حيث يذهب إلى أن هناك نوعين من أنواع الوجود:

1- الوجود لذاته: وهو الوعي ويتصف بالتغير المستمر خلال التحرر من الماضي والنزوع إلى المستقبل.

2- الوجود في ذاته: وهو موضوع الوعي ويتصف بالثبات.

والعلاقة بينهما علاقة انفصال واتصال فهي انفصال الوعي متمايز عن موضوع إدراكه. كما أنها علاقة اتصال اذ موضوع الوعي ليس منفصلاً تماما إذ هو يقع في مجال الوعي.

موضوع الادراك الحسي وموضوع الخيال: ويرى ساتر أن هناك تعارض بين موضوع الإدراك الحسي حيث هو موضع موجود قبلا يلتقي به الوعي، وموضوع التخيل وهو موضوع يوجده الوعي. فالتخيل هو سلب للإدراك الحسي وفي ذاته الوقت فان الادرا ك الحسي هو الأداء لقيام الخيال بدوره ويضرب سارتر مثالا بلوحة مكتب عليها اسم شخص فالوعي حين يقصد هذا الاسم يصبح هذا الموضع متخيل أما الخطوط شئ مادي فليس لها أهمية بالنسبة لي.

الوعي الخيالي: فالوعي الخيالي الذي هو ا ساس الفن عند سارتر يتميز بان موضوعه لا واقعي وغائب ولكنه ذي ذات الوقت يستعين بموضوع مادي واقعي، ففي لوحة شارل لكي يظهر شارل فان نسيج اللوحة الواقعي يجب أن يختفي

تعريف الفن: وبناء على ما سبق فان سارتر يعرف الفن بأنه خلق وسيط مادي (وجود في ذاته) يعمل كمعادل لموضوع جمالي متخيل لا واقعي.

والتذوق الفني هو تأمل لهذا الموضع المتخيل من خلال هذا الوسيط(4).

إبراز دور الخيال: نجح سارتر في إبراز دور الخيال في الفن والتذوق الفني والجمالي

الفن للفن: إلا انه لم يخرج عن إطار مذهب الفن للفن الذي يفصل القيمة الجمالية عن القيم الأخرى (الأخلاقية والدينية) وعن الواقع المادي والاجتماعي اذ الأفكار التي يثيرها الفنان بالعمل الفني عنده مصدرها الذات العارفة وليس الواقع الموضوعي. وقد حاول سارتر في مرحلة تالية أن يصحح هذا المذهب بالدعوة إلى الالتزام في الفن.

الفن والجمال في الفكر الاسلامي:
الجمال كمال واعتدال: محي الدين بن عربي (التصوف الفلسفي)
نظرية الكشف
: تناول بن عربي مفهوم الجمال من خلال نظرية معرفة تقوم على أنه بالرياضة الروحية والبدنية يرق الحجاب بين الإنسان وخالقه حتى يزول فيتلقى المعرفة تلقيا مباشرا من الله (تعالى) بدون واسطة من الحواس أو العقل.

ولهذه المعرفة الحدسية ثلاث مراحل:

1- المكاشفة: وهي رفع الحجاب بين الإنسان وخالقه هذا الحجاب يتمثل في المخلوقات ورفعة يتم بالتخلي عن المخلوقات وذلك بالرياضة الروحية والبدنية.

2- التجلي: وهي تلقي هذه المعرفة الإلهية ولهذا التلقي طريقين:

أ/ عن طريق الروح الإنساني. ولما كان الروح مخلوقاته لا يصمد فيصيبه الوجد.

ب/ ومن الله تعالى مباشرة وبصحبه طمأنينة روحية. ولهذا التجلي عدد درجات:

- تجلي المعرفة التي تحل المشاكل الطبيعية (المعدنية والنباتية والحيوانية)

- تجلي المعرفة التي تحل المشاكل الفلسفية (العلم النظري: المنطق والخطابة والجمال)

- تجلي في الحياة الاخره.

- وأخيرا يؤدي هذا التجلي إلى رفع الحجاب عن التجربة الصوفية في الوجد.

كما يرى أن هناك ثلاثة وسائل لتلقي هذه المعرفة: الحواس والعقل والوجدان والأولوية للأخيرة

3- المشاهدة: وهي اثر تلقي هذه المعرفة الإلهية على النفس، ولها شكلين:

أ/ مشاهده مشرقه: وموضوعها هو صفات الجمال الإلهي.

ب/ مشاهدة محرقة: وموضوعها هو صفات الجلال الإلهي.

الكمال والجلال والجمال: ثم تناول بن عربي الجمال وعلاقته بكل من الجلال والكمال حيث يرى أنها كلها صفات لله (تعالى)، غير انه يجب التمييز بين كمال الله تعالى الذي لا يقبل الزيادة، وكمال الإنسان الذي يقبل الزيادة. كما انه يرى أن الإلهية هي اثر مشاهدة جلال. الله تعالى على النفس، كما أن الأنس اثر مشاهدة الجمال الإلهي على النفس، ويري أن الكمال هو شرط للجمال بالإضافة للاعتدال الذي عرفه بأنه " المرتبة الوسطي المحمود بين النقيضين المذمومين.

اعتبر بن عربي الإلوهية مصدر الجمال لكنه اتساقا مع مذهبه في وحدة الوجود (أن للخالق وجود حقيقي أما المخلوقات فوجودها وهمي مصدره خداع الحواس) يخلط بين مستويات المتعدد للجمال أن يبقى المستوى المطلق للجمال (والذي ينفرد به الله تعالى) ليلغى المستوى (النسبي) للجمال والذي تصف به المخلوقات) كآية دالة على المستوى الأول له. كما أن تصوره يقوم على إمكانية ظهور المستوي المطلق للجمال (الذي ينفرد له الله تعالى) في الحياة الدنيا لا في الحياة الآخرة ظهورا ذاتيا لا صفاتيا، وهو ما يناقض التصور القرآني (التنزيهي) والقائم على أن الحياة الدنيا قائمة على ظهور صفات الله تعالى، والحياة الاخره قائمة على ظهور ذات الله تعالى، والفرق بين الذات والصفات أن الذات هي عين الوجود المطلق الذي ينفرد به لله تعالى، أما الصفات فهي ما دل على هذا الوجود.

الجمال حصول الشئ على كماله الأخير لدى الفارابي (الفلسفة الإسلامية)
محاوله أسلمه نظرية الفيض
: تناول الفارابي مفهوم الجمال من خلال محاولته لتناول نظرية الفيض (ذات الأصول الأفلاطونية المحدثة) تأويلا يجعلها لا تتناقض مع الإسلام.

ومضمون نظرية الفيض (حسب تأويل الفارابي) في مجال الوجود أن كل المجهودات توجد بفعل الفيض. ويتم الفيض بأن الفيض من الأول العقل الأول ومن العقل يفيض كوكب وعق ثاني، وهكذا إلى العقل المباشر (العقل الفعال) الذي تفيض منه نفس الإنسان عند حدوث الجسد، أما الموجودات المادية فنشأت من مادة مشتركة وترقت من الأدنى إلى الأعلى (العناصر الأربعة (الماء، النار، التراب، الهواء)، فالجماد، فالنبات، فالحيوان، فالإنسان. هذه المادة المشتركة نشأت نتيجة لاختلاف حجم وحركة الكواكب وترقت نتيجة لأشعة نتجت عن هذا الاختلاف.

أما مضمون نظرية الفيض في مجال المعرفة أن المعرفة تبدأ بالترقي من الاستعداد المعرفي الفطري (العقل بالقوة) إلى الإدراك الحسي (العقل بالملكة) إلى الإدراك المجرد (العقل بالفعل) إلى تكوين خبرة معرفية متراكمة (العقل المستفاد) إلى الاتحاد مع العقل الفعال (العقل الكلي) وان الاتصال بالعقل الفعال يتم بطريقتين:

1- طريقة العقل السابق ذكره.

2- المتخيلة (الوحي) لدي الأنبياء (ع).

مفهوم الكمال: يقرر الفارابي أن الكمال هو أصل الجلال والجمال فكمال الشئ هو الذي يجعله جليلاً أو جميلاً وافتقاده يجعله قبيحاً.

والكمال مرتبط بالفيض فهو يتدرج من الكمال الإلهي إلى الإنساني ومن الكمال الروحي إلى المادي.

الكمال في الشعر: وتناول الكمال في الشعر فذهب إلى أن ثمة درجتين من الكمال الشعري.

الكمال الفني: ويرتبط بالمحاكاة والتخيل والمحاكاة عنده لا تعني المطابقة التشبيه والتمثيل كما أن المحاكاة والتخيل لا يرتبطان عنده بالأشياء المادية بل الأشياء الروحية.

الكمال من ناحية التأثير الجمالي: ويرتبط بعلاقة الشعر بالموسيقى، فالشعر لا يصل كماله إلا بالموسيقى، والغناء هو الكمال النهائي للموسيقى، والشعر للموسيقى كمال لان الأول داخلي يرتبط باجتماع الآلات الطبيعة والثاني خارجي يرتبط بعلاقة الموسيقى بالشعر، ويصنف الإلحان الطبيعية بثلاثة أنواع: الملذة والانفعالية والمخيلة.

أما الجلال فيرتبط عند الفارابي بالذات والصفات والأفعال الإلهية.

الجمال: أما الجمال عند الفارابي فهو مفهوم أكثر اتساعا من مفهوم الجلال، حيث يضم كافة الموجودات باختلاف درجات وجود، فالجمال هو السمة المشتركة بين كافة الموجودات.

وكما أن الكمال في الجلال أيضا، هناك الكمال في الجمال، حيث يعرف الجمال في الموجود المعين أن يحصل له كماله الأخير.

وهكذا فان الفارابي اتساقا مع التصور الاسلامي جعل الألوهية مصدر الجمال، كما ربط بين الأخلاق والجلال والكمال. كما استطاع أن يحرر الفن من نظرية المحاكاة اليونانية التي تحيله إلى مجرد شكل من أشكال التطابق مع الواقع. لكنه باستعارته للتصور الإغريقي للوجود والمعرفة (نظرية الفيض والعقول المفارقة) رغم محاولته تأويله بما لا يناقض الإسلام انتهي إلى التأكيد على ما هو روحي ليلغى ما هو مادي. كما انه لم يهتم بتفسير القبح مع ما له من أهمية كبيرة في تفسير الجمال إلا عرضاً، ومرجع ذلك أن نظرية الفيض التي استند إليها تقوم على شكل من أشكال وحده الوجود (ان لله تعالى وجده الوجود الحقيقي أما المخلوقات المادية فوجودها وهمي).

رؤية إسلاميه معاصره للفن والجمال
سنحاول هنا تقديم رؤية اسلاميه معاصره للفن والجمال تستند الى المفاهيم القرانيه الكلية:التوحيد والتسخيروالاستخلاف.

التوحيد: تنطلق الرؤية الإسلامية للجمال ابتداءا من اعتبار أن الجمال صفه الوهية: قال (ص) "إن الله جميل يحب الجمال" (صحيح مسلم من رواية عبدا لله بن مسعود ج1، ص93. كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه باب 39. ومسنداً احمد عن أبي ريحان، ج4، ص133-134). وورد في كتاب التوحيد لابن عبد الوهاب (من صفات الذاتية لله الجلال والجمال)(5).

وبالتالي فان أولى نتائج تطبيق مفهوم التوحيد (توحيد الألوهية تحديداً) هو إفراد الجمال المطلق لله تعالى، أي أن الرؤية الإسلامية للقيمة الجمالية قائمة ابتداء على التمييز بين المستوى المطلق للقيمة الجمالية الذي ينفرد به الله تعالى، والمستوى المحدود لها الذي يختص به الإنسان.

وللجمال المطلق الذي ينفرد به الله تعالى شكلين من أشكال الظهور: ذاتي في الحياة الآخرة، وصفاتي في الحياة الدنيا، يقول ابن القيم (ومن أسمائه الحسنى الجميل وفي الصحيح عنه "ان الله جميل يحب الجمال، وأتمهم معرفه من عرفه بكماله وجلاله وجماله سبحانه ليس كمثله شيء في سائر صفاته، ولو فرضت الخلق كلها على أجمل صورة وكلهم على تلك الصورة ونسبت جمالهم الظاهر والباطن إلى جمال الرب سبحانه لكان اقل من نسبة سراج ضعيف إلى قرص الشمس ويكفي في جماله انه لو كشف الحجاب لأحرقت سبحاته ما انتهي إليه بصره من خلقه"(6).

كما أن للأخير شكلين:
شكل تكويني: يتمثل في الكون والفطرة كمصدر للمستوى المحدود للقيمة الجمالية والدال على المستوى المطلق لها: "والسماء الدنيا زيناها بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين".

"أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزينها ومالها من فروج"(ق:6) "والخيل والبغال لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون"(النحل).

ويقول ابن القيم (ويكفي في جماله تعالى أن كل جمال ظاهر وباطن في الدنيا والاخره فمن أثار صنعته)(7).

شكل تكليفي: يتمثل في الوحي كدال على المستوى المطلق للقيمة الجمالية.

التسخير: ومضمونه أن سائر الأشياء والظواهر التي لها درجة التسخير تظهر صفات الله تعالى (ومنها الجمال كصفة الإلوهية) على وجه الإجبار، فهي بتضمنها للمستوى المحدود للقيمة الجمالية دائماً آيات داله على المستوى المطلق للقيمة الجمالية.

يقول سيد قطب (إن عنصر الجمال يبدو مقصوداً قصداً في تصميم هذا الكون وتنسيقه ومن كمال هذا الجمال ان وظائف الأشياء تؤدي عن طريق جمالها)(8).

هذا المستوى المحدود للقيمة الجمالية قائم على أن أي ظاهرة في الكون عبارة عن مجموعة من العلاقات التي تربط مفرداتها خلال تتابعها خلال الزمان، فالظاهرة الجمالية هي نسق (مجموعة من العلاقات التي تربط مفرداتها سواء كانت ظاهرة جماليه كونية أو ظاهرة جمالية إنسانية الفن)، وهذا التعريف السابق يمكن ان نستخلصه من لفظ نسق في اللغة العربية (النسق من كل شئ ما كان على طريقه نظام واحد عام في الأشياء يقال نسق الدر ونسق كتبه ونسق الكلام عطفه على بعضه ويقال جاء القوم نسقا وزرعت الأشجار نسقا)(9) وهو ما عبر عنه القرآن بمصلحات عدة كالوزن والتسوية والتقدير: (والأرض مددناها والقينا فيها رواسي وانبتنا فيها من كل شئ موزون) (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك) (الانفطار 6-7)(إنا كل شئ خلقناه بقدر)(القمر 49).

الاستخلاف: ومضمونه إظهار الإنسان لربوبيه الله تعالى وألوهيته في الأرض على وجه الاختيار، بالعبادة والعبودية، وهو ما يكون على المستوى الصفاتى باظهارصفات الله تعالى (ومنها الجمال كصفة الإلوهية)، أي ان مضمونه هنا إظهار الإنسان للمستوى المطلق للقيمة الجمالية في واقعة المحدود بالزمان والمكان على وجه الاختيار.

وهو ما يتحقق منهجيا عندما يتخذ الانسان الجمال كصفه الوهيه قيمه مطلقه يسعى الإنسان لتحقيقها في الأرض دون توافر له إمكانية التحقيق النهائي لها يقول الإمام الغزالي (فان كمال العبد وسعادته في التخلق بأخلاق الله تعالى، والتحلي بمعانية وصفاته وأسمائه بقدر ما يتصور في حقه.. لان استعظام الصفة واستشرافها يتبعه الشوق إلى تلك الصفة، وعشق لذلك الجلال والجمال، وحرض على التخلي بذلك الوصف إذا كان ذلك ممكنا... وبذلك يصير العبد ربانيا أي قريبا من الرب تعالى)(10).

وللاستخلاف طبقا لهذا المستوى المنهجي وجهان:
وجه سلبي: يتمثل في تحرير الإنسان من إسناد المستوى المطلق للقيمة الجمالية لسوي الله تعالى، إذ ان ذلك قد يمد الفرد والمجتمع بإمكانيات محدودة للترقي الجمالي، إلا انه لا بد أن يأتي وقت يستنفذ فيه هذه الإمكانيات ويصبح بعدها معوقا لهذا الترقي وعقبه في سبيله.

حول تحريم بعض الأعمال الفنية: وعلى هذا الوجه يمكن ان نفسر جملة الأحاديث التي فهم البعض منها تحريم بعض الفنون كالتصوير منها قوله (ص) "أن اشد الناس عذابا يوم القيمة المصورون"، فالمقصود بالصور في هذه الأحاديث ليس عمل فني مجرد (تماثيل)، بل عمل فني مقدس (أصنام)، أي المقصود ليس تحريم المستوى المحدود للقيمة الجمالية كدال على المستوى المطلق لها، بل تحريم إسناد المستوى المطلق للقيمة الجمالية لسوي الله تعالى بدليل ما رواه الازد في كتاب (أخبار مكة) أن النبي (ص) لما دخل الكعبة بعد فتح مكة قال لشبية بن عثمان (يا شبيه امح كل صورة فيه إلا ما تحت يدي قال فرفع يده عن عيسى ابن مريم وأمه)(11).

فالتصوير محرم هنا لأنه فن يسند المستوى المطلق للقيمة الجمالية لسوي الله تعالى (الأصنام كرموز لآلهة).

وبناء على هذا نرى خطأ الذين رأوا أن علة تحريم التصوير (إن التحريم ورد في أوائل الدعوة وحكمته ما تقضي بها ضرورة الحيطة في هذه المرحلة خشية النكسة إلى ما سلفها)(12). لأن هذا يعني مرحلية حكم التحريم، والصواب أنه مع تقديرنا لانتقاء الشرك الإعتقادي عن الجماعة المسلمة لقوله (ص) "لا تجتمع أمتي على ضلالة" فإنه لا يزال موجودا في جماعات أخرى كما في عباده بوذا وكونفوشيوس في البوذية والكنفوشوسيه، ومن أشكاله ما عبر عنه الفكر السياسي الحديث (بعباده الفرد)، والذي يتجلى في مجال الفن في صنع صور أو تماثيل للزعماء السياسيين تكون محل تقديس الجماعة المعنية.

غير أنه لا يترتب على ما سبق تحريم فن النحت أو التصوير، بل إباحة هذا الفن ما دام لا يسند المستوى الطلق للقيمة الجمالية لسوي الله تعالى، وتحريمه في حالة إسناده المستوى المطلق لها لسوي الله تعالى، أي الاباحه المقيدة، بدليل قوله تعالى (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجراب وقدور راسيات اعملوا آل داؤد شكرا وقليل من عبادي شكور) وكذلك ورد الحديث عن دمى عائشة (رض).

الوجه الايجابي: يتمثل في أن إفراد المستوى المطلق للقيمة الجمالية لله تعالى ويمد الفرد والمجتمع بإمكانيات غير محدودة للتطور الجمالي لأنه لا تتوافر لهما إمكانية التحقيق النهائي له فضلا عن تجاوزه.

الاباحه المقيدة للتصور الجمالي: لذا وردت جملة نصوص تفيد الاباحه المقيدة للتصور الجمالي إبداعا وتذوقا:

أ/ التذوق الجمالي: فعن التذوق الجمالي وردت جملة نصوص تدل على الاباحه المقيدة: قال تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين، قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة).

وقال تعالى (وهو الذي سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها).

وقال (ص) في حديث الاستسقاء "الهم انزل علينا في أرضنا زينتها " (رواه البخاري وابو داؤود والنسائي وابن ماجه والدرامي واحمد).

وقال (ص) عن الخيل "ستر وجمال للرجل يتخذها تكريما وتجميلا" (من حديث أبو هريرة رواه احمد ومسلم.).

وقال مالك بن مرارة للرسول (ص) "يا رسول الله قد قسم لي من الجمال ما ترى فما أحب احد من الناس فضلني بشركين فما فوقهما فليس هو ذلك الغي فقال (ص) لا ليس ذلك بالبغي ولكن البغي من بطر الحق وغمط الناس"(رواه أبو داؤود واحمد).

ب/ الإبداع الجمالي: وعن الإبداع الجمالي وردت جمله نصوص تفيد الاباحه المقيده، ففي مجال الشعر ورد أن الرسول (ص) "كان يضع لحسان منبرا في المسجد يقوم عليه قائماً يفاخر عن رسول الله (أخرجه البخاري تعليقا وأبو داؤود والترمذي والحاكم متصلاً من حديث عائشة).

وفي الغناء قالت عائشة (رض) "دخل رسول (ص) وعندي جاريتان تغنيان بغناء فأضجع على الفراش وحول وجهه فدخل ابوبكر فانتهرني وقال مزامير الشيطان عند رسول الله فاقبل عليه رسول (ص) وقال دعمها فان اليوم عيد قال فغمزتهما فخرجتا"(الصحيحتين).

وما هو معلوم من إنشاد النساء عند قدوم رسول الله (ص) المدينة "طلع البدر علينا من ثنيات الوداع" (أخرجه البهيقي في دلائل النبوة من حديث عائشة متصلا). وفي النحت ورد قوله " يعلمونه له ما يشاء من محاريب وتماثيل.. واعلموا ال داؤود شكرا فجعل عمل المحاريب والتماثيل نعمة من الله على سليمان وموجب للشكر.

وعن الدمى "أن النبي (ص) قال لعائشة يوما ما هذا قالت بناتي فقال فما هذا الذي وسطهن قالت فرس قال ما هذا عليه قالت جناحان قال فرس له جناحان قالت أما سمعت انه كان لسليمان بن داؤود عليه السلام خيل لها أجنحة قالت فضحك رسول الله (ص) حتى بدت نواجذه (رواه ابو داؤد بإسناد صحيح).

وفي الرقص الشعبي بلغة العصر في حديث ابي ظاهر وهب عن عائشة قالت:والله لقد رأيت رسول الله (ص) يقوم على باب حجرتي والحبشة للعيون بحرابهم في مسجد رسول الله (ص) وهو يسترني بثوبه لكي انظر الى لعبهم ثم يقوم من اجلي حتى أكون أنا الذي انصرف "(رواه مسلم).

تحديد لا إلغاء التصور الجمالي: ولا يترتب على الاستخلاف على الوجه السابق بيانه إلغاء تصور الإنسان للقيمة الجمالية، بل تحديده وذلك باتخاذ مقتضى صفة الجمال ضوابط موضوعيه مطلقة لتصوره القيمة الجمالية.

وعلى هذا الوجه نفسر جملة الأحاديث التي فهم منها أنصار تحريم الفن أن الرؤية الإسلامية قائمة على الغاء الفن من حيث هو إبداع جمالي أي أنها قائمة على التحريم.

قال الرسول (ص) أن الله تعالى حرم القينه وبيعها وتعليمها (أخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد ضعيف) والقينه الجارية التي تغني للرجال في مجلس الشرب (اى أن التحريم هنا متعلق بتحريم الغناء في مجلس الشرب).

وقال (ص) ما رفع احد صوته إلا بعث الله له شيطانين على منكبيه يضربان باعقابهما على صدره حتى يمسك " قال الغزالي (هو منزل على بعض أنواع الغناء الذي يحرك من القلب ما مراد الشيطان من الشهوة).

قال تعالى (فمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وانتم سامدون) قال ابن عباس السمر هو الغناء بلغة حمير قال الغزالي (مخصوص بأشعار وغناء الكفار في معرض الاستهزاء بالمسلمين لأنه لو حرم الغناء لكان ينبغي أن يحرم الضحك أيضا باشتمال الآية عليه).

وقال (ص) "ليكونن في امتى أقوام يستحلون الخرز والحرير والمعازف (صورته عند البخاري صورة التعليق ولذا ضعفه ابن حزم ووصلة ابو داؤود). قال الغزالي (الملاهي والأوتار والمزامير التي ورد الشرع بالمنع فيها لا بذاتها ولكن حرمت الخمر واقتضت ضراوة الناس بها المبالغة في الفطام فحرم منها وما هو شعار أهل الشرب وهي الأوتار والمزامير بدليل نهي الرسول (ص) "نهي عن الانتباذ في المزفت والحنتم والنقير" (متفق عليه من حديث ابن عباس) وهي الأواني التي كانت مخصوصة بالشرب)(13).

وقال تعالى (الشعراء يتبعهم الغاوون) روى ابو الحسن مولى تميم الرازي ان حسان بن ثابت وعبدا لله بن رواحه وكعب بن مالك جاءوا الى رسول الله وهم يبكون فقال: قد علم الله حين انزل هذه الآية اننا شعراء قتل الرسول (ص) "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات "(14).

وطبقا للموجهات الفلسفية والمنهجية للرؤية الاسلاميه يمكن تحديد خصائص القيمة الجمالية بشكليها الذوقي والإبداعي

التذوق الجمالي: ففيما يتعلق بالتذوق الجمالي فنلاحظ أن له بعدان موضوعي وذاتي وموقف يجمع بينهما.

أ/ البعد الموضوعي: أما عن البعد الموضوعي فيتضمن الاتساق، أي أن ظاهرة جمالية هي نسق أي مجموع من العلاقات التي تربط مفرداتها سواء كانت ظاهرة كونية أو إنسانية (فنية)، يقول الإمام الغزالي (ونعني بالجمال ارتفاع القامة وتناسب الأعضاء وتناسق خلقة الوجه بحيث لا تنبوا الطباع عن النظر إليها) ويقول (وربما يظن انه لا معنى للحسن والجمال إلا تناسب الحلقة والشكل وحسن اللون)(15).

وفى الفن نجد أن اللوحة عبارة عن مجموعة من العلاقات بين مفرداتها هذه المفردات هي الألوان والأشكال، والعلاقات هي توزيع ودمج الألوان والاشكال على نحو معين. والموسيقى هي عبارة عن مجموعة من العلاقات (تركيب وترتيب معين) بين مفرداتها (درجات السلم الموسيقي).

هذا الاتساق مصدره في الرؤية الإسلامية الظهور التكويني للمستوى المطلق للقيمة الجمالية أي للجمال كصفه ألوهية.

كما يتضمن هذا البعد المعايير التي تحدد للإنسان ما ينبغي أن يكون عليه الشيء أو الظاهرة أو العمل الفني لنطلق عليه صفه جميل، واستنادا إلى تمييز الرؤية الإسلامية بين المستوى المطلق للقيمة الجمالية والمستوى المحدود لها يجب التمييز بين نوعيين من المعايير الجمالية:

معايير مطلقة لا تخضع للتطور خلال الزمان أو التغير في المكان، مصدرها مقتضى الجمال كصفة ألوهية كضوابط موضوعية مطلقة لتصور الإنسان المثل العليا "القيم" الجمالية.

ومعايير محدودة بالزمان والمكان وبالتالي تخضع للتطور والتغير مصدرها المجتمع.

ب/ البعد الذاتي: أما البعد الذاتي للتذوق الجمالي فيتضمن التصور الذاتي للمثل الأعلى الجمالي. أي يتمثل في كون هذا النسق الموضوعي يجسد للإنسان المثل الأعلى الذي يتصوره الإنسان في الظاهرة الجمالية، فالتصور ما هو إلا إعادة تشكيل ذات عناصر الواقع كما يدركه الإنسان في صورة جديدة. وقد أشار الغزالي إلى هذا البعد الذاتي بقوله "الكمال اللائق بالشيء"(كل شيء جماله في أن يحضر كماله اللائق به والممكن له... فالفرس الحسن هو الذي جمع كل ما يليق بفرس من هيئة وشكل ولون وحسن وعدو والحظ الحسن كل ما يليق بالحظ من تناسب الحروف وتوازيها واستقامة ترتيبها)(16).

مع ملاحظه أن الواقع يتميز بالتنوع وبالتالي فان جمال كل نوع يكون على نسق معين يجسد المثل الأعلى الذي يتصوره الإنسان في النوع المعين يقول الغزالي "ولكل شيء كمال يليق به فحسن كل شيء في كماله الذي يليق به فلا يحسن الإنسان بما يحسن به الفرس ولا حسن بالحظ به الصوت"(17).

ج/ الموقف الجامع: والموقف الجمالي يتمثل فى كون هذا النسق الموضوعي (الظاهرة الجمالية) يجسد المثل الأعلى المتصور للإنسان مما يؤدى إلى إثارة نوع من الانفعال (تغيير نفسي عضوي)، يؤدى إلى اتخاذ موقف تجاه النسق أو الظاهرة هو الاستحسان. وإذا كانت الظاهرة مناقضة للمثل الأعلى الجمالي تؤدى إلى إثارة نوع معين من الانفعال يؤدى اتخاذ موقف تجاهها هو الاستقباح، ويعبر الإمام الغزالي عن ذلك الموقف بقوله (اعلم أن السمع هو أول الأمر ويثمر حالة في القلب تسمى الوجد ويثمر الوجد تحريك الأطراف إما بحركة غير موزونة فتسمى الاضطراب وأما موزونة فتسمى التصفيق والرقص)(18).

الإبداع الجمالي: أما فيما يتعلق بالإبداع الجمالي فان تفسيره قائم على ذات الموجهات العقائدية والمنهجية للرؤية الإسلامية.

فغاية الإبداع الجمالي في الرؤية الإسلامية هي إظهار الجمال كصفه ألوهية (أي المستوى المطلق للقيمة الجمالية) في الأرض (أي فى الواقع المحدود في الزمان والمكان) على وجه الاختيار، باتخاذه الجمال كصفه ألوهية كقيمه مطلقه تحد الإبداع الجمالي –بما هو تصور للقيم الجماليه المحدودة بالزمان والمكان– ولا يلغيه، وذلك بان يتخذ الإبداع الجمالي مقتضى الجمال كصفه ألوهية التكويني والتكليفي ضوابط موضوعية مطلقة له.

غير أنه يجب التمييز هنا بين الأفكار التي يريد أن يثيرها الإبداع الجمالي والتي يقال لها محرك العمل الفني (المضمون)، والأفكار التي يصوغها الإبداع الجمالي في العمل الفني (الشكل).

فالنوع الأول من الأفكار هي غاية الإبداع الجمالي وهي بالتالي التي تخضع للقاعدة السابقة، أي اتخاذ مقتضى صفة الجمال الإلهية التكويني والتكليفى كضوابط موضوعية مطلقة لها.

ففيما يتعلق بمقتضاها التكويني فان هناك سنة إلهية نوعية تضبط حركة الإنسان وهي أن حركته تتم عبر ثلاث خطوات (المشكلة، الحل، العمل)، وبناءا على هذا فان هذا النوع من الأفكار أنما تريد أن تثير فكرة مشكلة، أو فكرة حل، أو فكرة عمل، أو أن تثير فكرة تتصل بالعلاقة بين هذه العناصر أي (فكرة منهج)(19).

أما فيما يتعلق بالمقتضى التكليفي للجمال كصفه ألوهية، فقد قررنا سابقا انه يتمثل فى مجموعة من القواعد التي تحدد للإنسان نوع المشاكل التي يواجهها، وطريقة العلم بها، ونمط الفكر الذي يصوغ هذه الحلول، ونمط العمل اللازم لتنفيذ الحل في الواقع. وبالتالي فان هذا النوع من الأفكار هي غاية الإبداع الجمالي ومضمونه يجب أن يكون محدوده بهذه القواعد.

غير انه يجب تقرير أن كل ما سبق من حديث يقع في إطار الالتزام لا الإلزام، لان اتخاذ الله تعالى غاية مطلقة، واتخاذ صفة الجمال الإلهية، مثل اعلي مطلق يتعلق بالعبادة القائمة على الالتزام الذاتي لا الإلزام الموضوعي.

فخضوع غاية الإبداع الجمالي لمقتضى صفة الجمال الإلهية التكويني والتكليفي يكون بعد الالتزام المبدع بالله تعالى كغاية مطلقة وصفة الجمال الإلهية كمثل اعلي مطلق.

أما النوع الثاني من الأفكار التي هي وسيلة الإبداع الجمالي وشكله، والتي هي معادل موضوعي للأفكار الأولي، فهي تشكيل خيالي غير قابل للوجود أصلا، ولكل مبدع فنه الخاص في كيفية تركيب وترتيب مفردات الموضوع الجمالي.

فالإبداع الجمالي على هذا الوجه لا يمكن ان يتطابق مع المقتضى التكويني لصفة الجمال الإلهية (الواقع والسنن الإلهية التي تضبط حركته) لأننا عندما نلزم المبدع (بان تكون أدوات تعبيره مستمده من الواقع اومطابقة لها لا نفعل أكثر من تحويله إلى رجل شرطة يكتب محاضر دقيقة ووافية بالأحداث المكلف برصدها)(20). وهو الخطأ الذي وقعت فيه الواقعية الاشتراكية.

كما أن الإبداع الجمالي هنا لا يتطابق مع المقتضى ألتكليفي لصفة الجمال الإلهية (الشرع) بمعنى انه ليس طرحاً مباشراً وحرفيا لقواعد الشرع لا بمعنى خروجه عن تلك القواعد لان هذا يدخل في إطار الدعوة الإسلامية أو غيرها، لا الفن الاسلامي أو غيره. وهنا وجه الخطأ الذي وقع فيه دعاة مذهب (الواقعية الإسلامية) في الفن الاسلامي.

فهنا أيضا لا مجال للإلزام في الإبداع الجمالي من ناحية وسيلته وغايته، ولا يعني هذا تحرره المطلق من كل التزام، بل أن هذا الالتزام يتحقق من حيث أن هذا النوع من الأفكار إنما هي معادل موضوعي للنوع الأول من الأفكار التي هي مضمون الإبداع الجمالي وغايته.

الظهور الذاتي للجمال الالهي المطلق في الحياة الاخره:
والوجود في الرؤية الاسلاميه غير مقصور على الوجود الشهادي (الحياة الدنيا)، بل يمتد فيشمل الوجود الغيبي (المتضمن للحياة الأخر)، والحياة الآخرة في الرؤية الإسلامية قائمة على ظهور ذاته تعالى، فهي قائمة على ظهور المستوي المطلق للقيمة الجمالية في درجة وجوده الذاتي، وقد أشار ابن القيم إلى هذه الدرجة فقال (وجماله سبحانه على أربع مراتب، جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال وجمال الأسماء... أما جمال الذات وما هو عليه فأمر لا يدركه سواه ولا يعلمه غيره ونسبته عند المخلوقات منه إلي تعريفات تعرف بها إلى من أكرمه من عباده فان تلك مضمون عن الاغيار محجوب بستر الرداء والإزار كما في قوله "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري"(21) وفي الحياة الأخر يكون جزاء الإنسان على إظهاره أو كتمانه لصفات الله تعالى (ومنها الجمال كصفه الوهية) ويشمل الجزاء بالإضافة إلى النعيم أو العذاب، نصيب الناس من هذا الطهور الذاتي (التجلي) إذ انه ليس شاملاً لجميعهم، فمن اظهر صفات الله تعالى (ومنها صفة الجمال الإلهية) كان له نصيب من هذا الظهور الذاتي، ومن كتم صفات الله تعالى في الدنيا كان محجوبا عنه. والناس يتفاضلون في درجات هذا الظهور أو الاحتجاب الذاتي في الآخرة كما تفاضلون في درجات إظهار أو كتمان صفات الله تعالى في الدنيا.

كما ورد وصف الجنة في القرآن والسنة بما يدل على الجمال المطلق، كما ورد وصف النار بما يدل على القبح المطلق قال تعالى (قل من حرم زينة الله تعالى التي اخرج لعباده والطيبات من رزق، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)(الأعراف: 32) فالآية تشير الى إباحة التمتع بالقيمة الجمالية المحدوده (الزينة بالتعبير القرآني) في الدنيا، وان المؤمنين سيستمتعون بالقيمة الجمالية المطلقة (الزينة الخالصة بالتعبير القرآني) في الآخرة.

وقال (ص) فيما معناه "إني اطلعت على الجنة فلم أرى أجمل منها، واطلعت على النار فلم أرى أقبح منها".

* * *

الهوامش:
(1) د. أميره حلمي مطر، فلسفه الجمال، دار الثقافة، ص57

(2) د. زكريا ابراهيم، هيجل، مكتبه مصر، القاهره، ص95.

(3) د. عصمت سيف الدولة، إعدام السجان، دار المسيرة، ص30.

(4) د. زكريا ابراهيم، فلسفه الفن في الفكر المعاصر، ص232.

(5) محمد بن عبد الوهاب، كتاب التوحيد، ص7.

(6) ابن القيم، بدائع الفوائد، ط 2، 1973، ص181-182.

(7) ابن القيم، المرجع السابق، نفس المكان.

(8) سيد قطب، في ظلال القران، ج 5، ص 943.

(9) صالح الشامي، الظاهرة الجمالية في القران، المكتب الإسلامي، بيروت، ص 130.

(10) الغزالي، المقصد الاسنى، دار الكتب العلمية، ص20-21.

(11) الازد، أخبار مكة، ص66.

(12) العقاد، التفكير فريضة إسلاميه، دار النهضة، القاهرة، ط6، ص7.

(13) الغزالي، إحياء علوم الدين، المجلد الثاني، دار المعرفة، بيروت.

(14) العقاد، التفكير فريضة إسلاميه، ص7.

(15) الغزالي، ميزان العمل، ص30.

(16) الغزالي، الإحياء، ج4، ص298.

(17) الغزالي، الإحياء، ص298.

(18) الغزالي، المرجع السابق، نفس المكان.

(19) د. عصمت سيف الدولة، إعدام السجان، دار المسيرة، بيروت، ص100.

(20) د. عصمت سيف الدولة، مرجع سابق، نفس المكان.

(21) ابن القيم، بدائع الفوائد، ص181-182.

* * *

المراجع

(1) ابن القيم، بدائع الفوائد، القاهرة، ط 2، 1973.

(2) أميره حلمي مطر، فلسفه الجمال، دار الثقافة، القاهره.

(3) الغزالي، إحياء علوم الدين، المجلد الثاني، دار المعرفة، بيروت.

(4) زكريا ابراهيم، هيجل، مكتبه مصر، القاهره.

(5) عصمت سيف الدولة، إعدام السجان، دار المسيره، بيروت.