يتلمس الكاتب والشاعر الفلسطيني بعضا من وجع الذاكرة، في ظل ما تعيشه الذات من وجع الاغتراب والمنفى، حيث يصبح بصيص الأمل ضئيلا ولا تبقى للأشياء معنى وهي ترقب إطلالة الغد، في قصيدتين مشبعتين بألم وانجراحات تفصح بجلاء عن لحظة التيه القاسية.

نافذة لقطاف اليقظة

أقطف سكون اليقظة

1
في وتر أصابعي
أقطف سكون اليقظة
وأبحث عن صراخي
بخمسة أقواس
قبل أن ينزلق الغياب
إلى عمق الدروب

2
تقضم الرمال وجه الماء
وتتعثر الأشرعة
يشتد مخاض البحر
والزورق يفقد رشده
لكن وجوه العابرين
تغفو في عمق السكون

3
جوعى بلا خيل ولا طوفان
مثل اليتامى يستديم تعبهم
وخلفهم تقشر المرايا السوداء
قلب البلاد
وتنثر ملامح الضوء
على الطائرات الورقية

 

4
أمسكوا بالحجارة
ورجموها
ألقوا عليها صدأ الحكاية
وغواية الخوف
تواتر الناس والضرب
يتكور الجسد النحيل
يستلقي على الدماء
وجه قصيدة

5
منذ أن اشتدت
أشرعة النار
وسار موكب الحبق
صوب أقراط السواد
صرت أخشى المطر
والصبح أن يبصر
قلت أريد أن أنتظر
أن يغسل الليل صراخي
قالوا هذا ليس وجه القمر
إذا سألوك عن بحر سليمان
قل لا ماء فيه
وقل لم يمسه بشر
فإن نجا الفجر
واختزل الموسم مسافة العتمة
قل ما زال في ليلي سفر

6
يا مولاي
على ضفاف الوقت
تتلو الأغصان الثكلى
تراتيل الكتاب
يقيم الدراويش الطقوس الخضراء
وبقيتنا تطوف
حول سهم الريح المنكسر
قد كان للأحمر جبل
بسبعة بحور
لكن حين يمد النهر ظله
تقضم الغيمة رأسه
لا تبك يا مولاي
مازالت الشمس تستلقي
على البساتين
وجه رحيل
ومازالت السماء
في كل هبوط
تقفل أبوابها وتنام

 

وجهي نافذة هرمة

ونحن صغار

كنت أصنع مصائد للضوء

أنصب المرايا الضريرة

وأستدرج الشمس للسور الكحلي

أمزّق من صلب السواد ورقة ورقة

كي يتبعني رأس النور

يستنهض قلبي ألوان الضياء

فتتراقص العتمة دون زهر يذكر

حين يمتد من الكوة الضيقة

صوت الجناح وعداً

وتسقط قامة الضوء في الشرك

أُغلق العصافير على قلبي

أعصر ضحكتي فوق ظلّي

وأترك يدي فوق ريش التعب

كي ينضج وجهي في قوارير الوقت

الساعة تمام العتمة من كل ليلة

أتسلل خلف السور

وأوقد مزاجي الحنطي

أُحرر الضوء وأُطلق وجهي من سباته

في الصباح أعود لأنصب الشراك

وأتحايل من جديد على الضوء

أصطاده مرة أخرى

وبنزق الصبيان أرفع مصيدتي

كي يهرب الضوء ويتلاشى

مثل كسرة ضحك ابتلعها الحزن

كنّا أطفالاً نتقاسم الطرائد وبستان التين

نُفرط في نصب المرايا

نتشارك القبور ويوحّدنا البكاء

كل شيء يعود لأصله

قادتني فطرتي إلى صفصاف القرية

لم يعد البستان كما كان

بلا حول تقبع المرايا الصدئة

في بيتي مرآة عمياء كبيرة

كثيراً كبيرة

بحجم السور الكحلي للمقبرة

لكن قلبي الآن أكثر رشداً

من الماء الخشن

كلما فتحت عليه مطري

على حين غيمة

وأمسى وجهي نافذة هرمة الدرب

يبتكر للغياب خيلاً

لتدوسني حوافر الراحلين

يا الله كم يحب المسافرين هذه القبور

مثل حَمَل صغير استيقظ متأخراً

في المرج الشرقي

دون أمه

أكبو مرتبكاً أستجدي وجهي

ينفطر صدري زهرة وعصفوراً

ولا يفلح الضوء في الانبلاج