يسخر القاص المغربي في سرد يتخذ من السخرية نبرة من بعض ظواهر تضخيم الذات لدى البشر وهم يتوهمون الموهبة والعظمة في عالم تحول إلى قرية بفضل التكنلوجيا، منتحلا الضمير الثالث "السارد العليم" في ترتيب بنية النص.

امرؤ الـFACE

عـماد شـوقي

 

دعني بداية أيها القارئ – كريما كنت أو لئيما– أعلن لك أني أنا السارد العليم الذي من المفترض أن يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون، وقفت عاجزا حائرا كيف سأسرد هذا النص؟ أين سأبدأ وأين سأنتهي؟ ولولا علاقة شخصية تربطني بالكاتب لرفضت العمل معه في هذه القصة، وأجدني بعد شهر من التعاقد معه لا أملك ما يشفي غليلك... فنحن لا نملك في الحقيقة أي معطيات عن طفولة البطل ولا ندري شيئا عن تكوينه العلمي ولا متى شعر أنه شاعر..وسنكتفي ببعض الشذرات المبثوثة في ثنايا حسابه الفيسبوكي، والباقي سنملؤه بالافتراضات ولا ضير في ذلك، فصاحبنا أولا وأخيرا يعرف نفسه بكونه شاعرا افتراضيا... يستيقظ شاعرنا كل يوم على الساعة الحادية عشرة، وهو ما استطعنا استنتاجه بعد أيام من المتابعة، و لا نخفيك سرا إذا قلنا أننا افترضنا ذلك فقط لأنه التوقيت الذي يعلن فيه عن بداية يومه بعبارة صارت مع الأيام لازمة صباحية: «صباحكم سكر» وحين طلبت متابعة شابة توضيحا بخصوص حركة الكاف، هل هي مفتوحة مشددة أم فوقها سكون بطعم النبيذ، اكتفى بتعليق غامض ضمنه ما تعارف الفسابكة على اعتباره ضحكا ( ها..ها..ها) ، ونحن نظن دون إثم أنه لم يفرط في عدد الهاءات، التي كتبها كي لا يفهم متابعوه أنه خرج عن الوقار الذي تفرضه صورة بروفايله، التي يطغى فيها على وجهه شارب كث، وبعيدا عن الظن فإنه في مساء ذلك اليوم تحديدا نشر على جدار متابعته الشابة: «هل ننام إذ نصحو أم أن الصحو نوم في صباحات النبيذ...» هل كانت نقاط الحذف في نهاية المقطع خطأ في الرقن أم بياضا على قارئ القصيدة ملؤه..لا أحد يدري؟. ودفعا لأي سخرية قد تحاك في صدور ذوي النوايا السيئة، نقول إن شاعرنا ظاهرة أدبية وشعرية فريدة، وكي لا يكون كلامنا عائما سنقدم نموذجا من أكثر قصائده إثارة للجدل كما يصفها بنفسه كلما أعاد نشرها مستشهدا بعدد التعليقات التي سجلتها وهي قرابة التسعين إضافة إلى ما يجاوز الثلاثمائة إعجاب..ومع أن أغلبها عبارات إطرائية عامة «جميل/ بهي/مودتي لشاعريتك الفياضة..» ، ومع أنه حذف التعليقات الهازئة ، ومع أنه كان متأسفا جدا من أنها لا تلامس عمق النص كما أسر لنفسه (وهو ما علمناه من تصريحه لإحدى أجمل متابعاته عبر الخاص)... مع كل هذا تظل في نظره أكثرها جدلا وهي القصيدة التي يقول فيها : «رحل الليل فلا ترحلي رحل الليل..» قد يقول بعض ذوي النوايا النقدية السيئة، أن هذه القصيدة إغارة على قصيدة السياب «رحل النهار» مشيرين إلى سطو الشاعر على ثلثي شعر نزار ونصف شعر المتنبي...لكن الأمر ليس – والعهدة على مناصريه ومناصراته خاصة ذوات الحواجب المزجوجة والأرداف السمينة والبروفايلات الإيروسية- إلا نظرة تقليدية من الخصوم وأن السرقة مفهوم متجاوز، بل إن الأمر دليل على عظمة لا تجارى وعلى اتساع مقروء شاعرنا (و مسروقه يضيف الخصوم بإصرار)، بل وينبهون الباحثين الشباب على ضرورة دراسة تناصّاته...ويضيف الخصوم هازئين كالعادة : و تماصّاته و تلاصّاته (من الامتصاص واللصوصية يقولون ممعنين في التوضيح) وخصومه مغرضون بُلداء ومعاركهم معه كما يقول شخصية بل سياسية أحيانا –أي والله سياسية- وما انتقاداتهم إلا معارك جانبية واهنة، وإلا كيف نفسر معركة «البلكون» كما يسميها فقد كانت القصيدة سياسية والنهد رمزا لميزانية الدولة ( يقول لإحدى متابعاته الشقراوات عبر الخاص) : « نهدك عار بالبَلْكُونْ .. تمتصه الريح..» وقد احتج أحد الخصوم واستفسر عن سبب عدم استعمال شرفة بدل بلكون لعدم فصاحتها خاصة أن القصيدة غير موزونة ؟ فثار وفار وحذف التعليق وعلق التواصل مع الخصم..وكتب بيتا قال عنه أنه وليد اللحظة: لم لا أقول الشعر كيف أريد *** وأنا بنيران الشعور وقود فنبهه خصم كامن أن البيت للمختار السوسي، فأجابه أن الأمر سقوط حافر على حافر وأنه أكبر من المختار ومن الخليل وعروضه..وحذفه أيضا...وعاد يقول اللعنة على السياسة المختبئة في جبَّة النقد..فالشعر دفق من المعنى ...والفرق شاسع بين البلكون والشرفة...لأن الأولى توحي بالكونية.. وقد نال على ذلك إعجابات كثيرة.. أما أهم حدث في مسيرته الأدبية فهو اكتشافه «للهايكو»، فقد نشر تدوينة جاء فيها: « سأقدم للعالم العربي اليابان الأخرى ليس الصناعية ولا العلمية ولا المنظمة بل الأدبية وسأثبت أن عيونه الضيقة ترى العالم بشكل أوسع» وصار كل يوم ينشر مقطعا مرفقا بصورة معبرة: «هايكو الحلزون الذهبي: كالتواءات النهار مرصعا بالبنفسج انطوى حلزون حزين» وأسس لذلك منتديات ومجموعات بفروع شتى: كتابة الهايكو / نقد الهايكو/ تعليم الهايكو.... وقد نشر ناقد كبير يدعى الدكتور أمجد أسعد الحلواني أستاذ أدب الاستشراق بجامعة فيلاديلفيا على صفحة شاعرنا عبارة اعتبرها –أي الشاعر- بتواضع غير معهود وساما، وهو ما وشى بقيمة الناقد وقد جاء في نصها: «إنك بحق شاعر عظيم، فإذا كان المهلهل أول من هلهل الشعر، وامرؤ القيس أول من قصد القصيد فإنك أول من هَيْكَكَ الهايكو في أدبنا العربي الافتراضي..لذلك سأسميك «امرؤ الFACE »..فأنت شاعره المبَرَّز الأبرز..» وقد اكتشفنا ونحن نكتب هذه القصة أن الدكتور أمجد شخص لا وجود له، بل إن الشاعر نفسه هو من أنشأ هذا الحساب بغرض مدح نفسه، وقد تواصلنا معه لنطلب تفسيرا..لكنه سبنا بكلام لا يمكن نشره، وحذفنا من لائحة متابعيه لذلك أجدني أنا السارد مضطرا لإلغاء تعاقدي مع الكاتب، والتخلي عن سرد هذه القصة حتى لو كلفني ذلك دفع قيمة الشرط الجزائي..