قد لا تبدو الطفولة بشكلها المعتاد، خصوصا حين تخطها الشاعرة المصرية، وهي تعتمد على مفارقة المشهد ككل، لا المكان ولا المرآة قادرة على صياغة صدى وجودنا الفعلي، لذلك تنتهي الشاعرة الى تشكيل ما يسترجع بعضا من كينونتنا وهي تتشظى دوما، كلما اقتربت من تلمس بعض تفاصيلها وحقيقتها إلا وانمحت تدريجيا، حتى أمسى الحائط عاليا.

حائط صدٍّ

ديمة محمود

 

الصبيّ الذي ربط التاريخ من ذيله وراح يجره كعربةٍ زائدةٍ عن الحاجة

أو يكوّره ليصبح كرة شرَاب يلهو بها مع رفاقه

تصّاعد من رأسه الأحلام بهيئة طائراتٍ ورقيّة وحيتان زرق

وتنفتح رأسه نافورةً من الأمنيات وكؤوساً للمونديال.

*

البنايات الضخمة وسط المدينة

تعرف أنه لن يعيش طويلاً كلُّ سربٍ خرج عن الطوق

والأجنحة المشروخة لا تصمد في مواجهة الريح

يهوي الوهن منكباً على أسطورةٍ قديمةٍ

كانت تتّكىء عليه.

*

في المرآة فقط تتعرّى الوحدة وتخلع عزلتها فتبدو كأرملةٍ قديمة

ضخمةً جداً ورخوةً جداً وواحدةً جداً

المرآة كمخبءٍ سريٍّ للنازحين من الهزائم

فخٌّ شائكٌ للواقعين في الحب

لدرجة أنهم يكلمون أزواجهم الميتين -والله- بمجرد الاستيقاظ

بينما يلتقط الأخيرون "السلفي" مع قرنائهم في القبور.

*

الولد الذي انغرست صورته على الحائط شاهراً مسدسه

ليخرج الصهاينة من فلسطين كما لقنته أمه والأناشيد القومية

كبر ليلاحق الضوء الأخضر

مثلَ فلاحٍ فصيح يكنس قلبه قبل أن ينام

ليضّجع على جنبه الأيسر

ثم يرتّلَ ما عاش من عاش لنفسه

يغمض عينيه ويدعو للصّباح ألا يأتي على المؤتمرين بليل.

*

الصبيّة التي انكفأت على دروسها قبل الأوان

نسيت ذيل حصانٍ قصير في حقيبتها المدرسيّة

المخلب الذي سقط من ذئبٍ على الحائط أضحيةٌ

والإطار حائط صدٍّ وهميّ لترميم ضفيرتها الطّويلة!

 

شاعرة من مصر