نفتتح في الكلمة باب شعر، بديوان شعر من سوريا، لتجربة شعرية جديدة اختارت هذه المرة أن تستجيب فقط لصوتها الداخلي، وتقتنص نصوصا شفافة بحثا عن ملاذ آمن لهذه الروح اليقظى، نصوص تقتنص وجع الحياة ورغبة جامحة في التحلل والخلاص، وكما تنجلي هي بين ثنايا الكلمات والدلالات، تبدأ القصيدة كي تنتهي عند شاطئ امرأة، أقرب الى وطن مفتوح وسكن داخلي، تفتح نوافذها لشاعر اختار أن تبدأ سيرته الجديدة على عتباتها.

ديوان قصير

بحثاً عن شاطئٍ ما

مجد عربش

 

هذهِ القصائد مهداة إلى روز مزهر

 

كوخ

إنَّ نهدَكِ كوخٌ على ضفَّةِ النهْرِ

لا مدنٌ حولَهُ تتلاشى

ولا يتعالى صياحُ جنودْ

عندما تبلُجُ الشمسُ يصحو

ورائحةُ الطَّلِّ ساجيةٌ حولَهُ

حينَ بالقشِّ توقظُ نارُ الصَّباحاتِ

في الليلِ يغفو

ويكفيهِ ضوءُ الشُّموعِ الصغيرةِ

حتّى يضيءَ الورودْ

وعلى هدأةِ النَّهرِ ظَبيٌ على مهَلٍ يرِدُ الماءَ

حرّاً بدونِ وَجَلْ

أنتِ أنثايَ..

أنتِ الحنونةُ كالأمِّ

أنتِ البسيطةُ كالشِّعْرِ والسِّلْمِ

أنتِ الملاذُ الأخيرُ لحلْمِ الخلودْ

فافتحي بابَ كوخكِ

إنّي شريداً أتيتُ كطفلٍ

لعلِّي أدفِّئُ وجهي على كتفيكِ..

لعلِّي أخبِّئُ حُلْميْ على راحتيكِ...

شتائي كدربي طويلٌ

كصمتي ثقيلْ....

 

نسمةْ

عبَرتْ نسْمةٌ من نوافذِ غرفتِها

راقصتْ شَعْرَها الكَسْتنائيَّ

أجَّجَتِ النّارَ في ثلجِ عزلتِها

ومضتْ مثلَ لمحِ الفرحْ

رفعتْ رأسها والحنينُ يُغطِّي الوجودَ:

لمَ الدَّمعُ والحشْرجاتُ؟

لمَ الشَّكُّ والخوفُ؟

إنِّي طريقي إلى وطني وفضائي

انا مُهْرتي وأنا فرسي,

وأنا ضوءُ هذا الغسقْ

خَلَعتْ كلَّ صمتٍ على جسْمِها

أخرجتْ نهدَها البضَّ

تفرُكُهُ برَذاذِ التَّخيُّلِ

تُغرِقُ حلمتَهُ بغيومِ الشَّبقْ

وهْيَ تُزْجيْ أصابعَها نسمةً نسمةً

فوقَ جوريِّها المطمئنِّ

فتتركُ بعضَ المطرْ

ها هيَ الآنَ في غابةِ الآهِ تلمسُ حرِّيَّةَ الضّوءِ

والشِّعْرُ في نومِ سرَّتِها منتَشٍ بزهورِ النَّدمْ

 

عصافيرٌ عمياءْ

لا أعرفُ ما يحدو بعصافيرِ الصّبحِ إلى الأعلى

حينَ كلمسةِ أمٍّ للطِّفلِ على الدّربِ تمرِّينْ

هل تخشى من عطرِكِ حينَ يهبُّ كسربِ غزالاتٍ قدَّامَكِ؟!

أم تحسَبُ أنَّكِ صيَّادٌ

رغمَ فراشاتِ الدّنيا في كفَّيكِ تُقيمْ؟!!

حينَ على العشبِ جلسنا

وتأمَّلتُ عيونَكِ مثلَ يتيمْ

يتأمَّلُ أمّاً تحضنُ طفلتَها بهدوءِ النّسمةْ

وبدتْ شرفةُ نهديكِ منَ الجيبِ

عليها أنقى ثلجٍ من أطهرِ غيمْ

خافَ العصفورُ وطارَ إلى الشَّجرِ العالي

فتَلَفَّتِّ إليهِ لِتَرَيْ من أينَ يُسقسِقُ

او أينَ يهيمْ

عُنقُكِ أبيضَ من ريشِ حمامٍ كانَ

وطوقُكِ فيهِ يمورُ سعيدْ

تلكَ عصافيرٌ عمياءٌ

لو أني أهديتُ لها عينيَّ

لكانتْ وجدتْ فيكِ غصونَ أمانْ

ورأتْ فيكِ المأوى

وغفَتْ بسلاااام

 

خبْز وليل وورد

عندما تَبْسِمِينَ سأفتحُ شبَّاكَ روحي

لما سوفَ ينسابُ من مطرٍ وهدايا

عندما يرقصُ البُنُّ في شامةٍ فوقَ كتْفِكِ

سوفَ أذوبُ..

لشهوةِ لوزكِ سوفَ أغنِّي

لنارِكِ...

دونَ مآسٍ

ودونَ رصاصٍ

ودونَ شظايا

فوقَ رمشيكِ ليلٌ تفوحُ الطّفولةُ منهُ

بكفَّيكِ خُبْزٌ لرؤيايَ

ينضَجُ فيَّ ضُحىً ونعاسَ نسيمْ

على حَلْمَتَيْكِ قليلٌ منَ الوردِ

يُشْعِلُ قنديلَ قلبي العتيقَ

يُضيءُ فوانيسَ هذا المساءِ الرَّميمْ

 

غريبة على الشُّرفة

ما أحلاكِ وأنتِ على الشُّرفةِ تسترقينَ النَّسَماتْ

هل تنتظرينَ حبيباً أقلقَ غفوةَ وقتِكِ؟

أم أنَّكِ للشَّمسِ اشْتقْتِ تُداعبُ رمشيكِ ببسمةِ ضوءْ؟

لو أنّي في هذي اللحظةِ من عدمي الشَّاسِعِ

كنتُ حبيباً تنتظرينَ خطاهُ

لَكُنْتُ صرختُ بملءِ حنيني باسمكِ قُدَّامَ النَّاسِ

لكنْتُ كتبْتُ لعينيكِ قصائدَ زهرٍ

قد مرّ زمانٌ لم أكتبْ فيهِ

وصارَ وجودي هشَّاً

كالفكرةِ دونَ دليلٍ بالشَّكِّ تنوءْ

أو لو أنّي كنتُ شعاعاً

لهَرِعْتُ ألامسُ خدَّيكِ

أبُثُّ بعينيكِ سلاماً وأملْ

لكنِّي في هذي اللحظةِ من حرماني الواسِعِ

لستُ سوى مارٍّ ووَحيدٍ في هذا الشّارعِ

أسترقُ النّظراتِ إلى كلِّ الأشياءِ

إلى كلِّ الشُّرُفاتْ

 

عذراءُ الأمطارْ

إلى هبة الحلبي

ضحكتُكِ الحلوةُ غصنٌ مخْضلٌّ

عندَ وداعِ الشّمسِ معَ النَّسماتِ يمورْ

وترابٌ رُشَّ بماءٍ ظُهْراً

فأفاقتْ رائحةُ رطوبتِهِ

تخطَفُني لحنينٍ ورديٍّ

تمزجني بترابٍ مسرورْ

أو عصفورٌ حطَّ على الشّبّاكِ صباحاً

ينقرُ بلَّورَ النّافذةِ الكسلى

أتأمّلُهُ وأُحسُّ بقيمةِ هذي الدّنيا دونَ شرورْ

بسمتُكِ الغضَّةُ ذكرى مضحكةٌ

مرَّتْ في بالِ الثَّكلى فابتسمتْ

واجتمعتْ في عينيها آلامٌ وفرحْ

قد طالَ مسيري بقفارِ حنيني

امتدَّ وجودي بينَ الصُّبَّارِ وبينَ الكثبانِ

فآويني في غاباتِكِ

بينَ بحيراتٍ وشجرْ

يا عذراءَ الأمطارِ ابتسمي

علَّ هواءً منكِ يبُلُّ كياني بمطرْ

فأغيبُ مع الليلِ الرَّطْبِ

أذوووووبْ

 

ينابيع

إحدى سِماتِكِ أنْ تجيئيْ نفحةً ليليَّةً في الصَّيفِ

تُطفئُ حَرَّ غُلِّيْ

أنا غائصٌ في عزلتي

في الليلِ

أغرقُ بينَ أسئلتي

فأرنو خائفاً كالطِّفلِ

إنِّي لا أريدُ الآنَ إلا بعضَ مائِكِ

أطفئي ما شئتِ من نيرانِ كُلِّيْ

فيكِ ما عطشتْ لهُ فوضايَ:

فيكِ الفجرُ يحضنُ قريةً بسكينةِ النسماتِ

فيكِ هدوءُ ساقيةٍ يُموّجُها هواءُ العَصْرِ

فيكِ أرى عصافيراً بلا قلقٍ تصلِّي

كم تريدُ يداكِ منّي أن أغنِّي؟

كي تمرِّي بالينابيعِ التي تغفو على زَنْدَيكِ

هانئةً

سعيدةْ