تشير الناقدة إلى أن المؤلف المسرحي هو عصب العملية المسرحية، ومؤخرا حجبت جائزة الدولة التشجيعية في التأليف المسرحي في مصر، كما حجبت جائزة التأليف في دورتين سابقتين للمهرجان القومي للمسرح، وهو ما آثار التساؤل: هل نعيش أزمة نصوص مسرحية بالفعل؟

هل التأليف المسرحي في أزمة؟

رنـا رأفـت

 

المؤلف المسرحي هو عصب العملية المسرحية، وهو الركيزة الأساسية في بناء العرض المسرحي، وكل ما دون ذلك من إخراج وتمثيل وديكورات وملابس وإضاءة، هو أولى المفردات التي ينطلق منها العمل المسرحي، فإذا فقدنا النص فقدنا العملية المسرحية. ومؤخرا حجبت جائزة الدولة التشجيعية في التأليف المسرحي، لأنه لم يتقدم أحد للمسابقة، كما حجبت جائزة التأليف في دورتين سابقتين للمهرجان القومي للمسرح، وهو ما آثار تساؤلات مهمة، وكان علينا أن نطرحها: هل نعيش أزمة نصوص مسرحية بالفعل؟ أين المؤلف المصري؟ وكيف نستكشف مؤلفين جددا موهوبين؟

قال السيناريست كرم النجار عضو لجنة المسرح وأحد أعضاء اللجنة المختصة بجوائز الدولة: لا توجد أزمة في التأليف المسرحي، فلدينا أعداد كبيرة من المؤلفين الشباب، وهناك مؤلفون لا نعلم عنهم شيئا، ومن حين لآخر يتحدث معي مؤلفون شباب جدد طالبين التوجيه، ولكن النقطة المهمة في الأمر أن هناك حالة تغيب كاملة بالنسبة للتأليف من جانب الجهات الإعلامية والإنتاجية التي لا تهتم بالترويج للمؤلفين.

وتابع: من واقع تجربتي هذا العام، وقد كنت أحد أعضاء اللجنة المختصة بجوائز الدولة، فلم يتقدم أحدا للجائزة، وذلك لسببين الأول: لأن الجوائز لم تعد تحظى بمصداقية كبيرة لدى الشباب. والثاني أن الإعلان عن الجوائز يتم بشكل سري، وهذا يعد تقصيرا كبيرا، فهناك كم كبير من المؤلفين لا يعلمون عن هذه الجوائز شيئا.

مسابقات محلية
واستنكر المؤلف د. سيد فهيم الحديث عن وجود أزمة في التأليف المسرحي، موضحا أن هناك طفرة كبيرة في التأليف منبعها الرئيسي الفرق الحرة التي ظهر من خلالها الكثير والكثير من المؤلفين.

وأضاف: مصر تزخر بالكثير من المبدعين وللمؤلف المصري دور كبير ومهم، ولكن هناك بعض الأزمات في إدارة بعض الجوائز، خاصة التأليف، تقف حائلا أمام الأقلام الجديدة، فعلى سبيل المثال جائزة الدولة التشجيعية، يجب أن يكون لها فلسفة، لماذا تمنح ولمن ومتى تحجب، فهناك مؤلفون مهتمون بالقضايا المعاصرة.

واستطرد: أحد محفزات مسابقة توفيق الحكيم للتأليف هو ترشيح النصوص الفائزة لتقديمها على خشبة المسرح.

وعن كيفية ضخ مواهب جديدة في التأليف، أوضح فهيم: لا بد من إقامة مسابقات محلية على أن تصعد النصوص الفائزة وتقدم على خشبات المسارح في الجهات الإنتاجية المختلفة.

وتساءل المؤلف محمود جمال الحديني: هل نعيش أزمة في المسرح؟ وأجاب: بالطبع لا، فهناك ما لا يقل عن 4 آلاف عرض مسرحي يقدم من جميع الجهات الإنتاجية، مسرح الجامعات ونوادي المسرح والفرق الحرة ومسرح الدولة والقطاع الخاص، ومن المؤكد أن هذا الزخم يفرز مؤلفين مسرحيين وكتابا، ولكن الإشكالية تتلخص في أنه لا يتم مساعدة المؤلفين وصقل مواهبهم، فعلى سبيل المثال لا توجد أقسام في المعهد العالي للفنون المسرحية تقوم بتخريج مؤلفين، فقسم الدراما والنقد يقوم بتخريج نقاد، بالإضافة إلى قلة عدد الورش التي تؤهل المؤلفين الجدد.

وتابع: زخرت فترة الستينات بعدد كبير من الكتاب والمؤلفين ثم في الثمانيات والتسعينات لم تنتج هذه الفترة مؤلفي مسرح لهم أثر بالغ سوى عدد قليل، ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر المؤلف الكبير لينين الرملي والكاتب وليد يوسف.

تابع: هناك الكثير من المؤلفين المهمين الذين لم يحصلوا على التقدير اللائق ولم يقدم مسرح الدولة أعمالهم سوى بعد سنوات طويلة وهو شيء مؤسف.

فيما قال الكاتب عبد الفتاح البلتاجي: لا توجد أزمة نصوص والمؤلف المصري بخير، وهناك مبدعون في كل المحافظات، وهذه مقولة تترد للتغطية على فشل خطير، فهناك ما يعرف باللجان في كل مسرح بخلاف لجنة البيت الفني، هناك لجان تتعامل مع النصوص المقدمة بشكل انطباعي بعيدا عن فهم الدراما والحياد أيضا.

عشوائية
ومن وجهة نظر مختلفة أشار الكاتب محمد أبو العلا السلاموني إلى أن هناك عشوائية في التأليف المسرحي، مؤكدا على وجود استراتيجية أو وعي بقضية النص المسرحي، مؤكدا أنه لا بد من إدراك أن النص المسرحي هو أصل العملية المسرحية.

وأضاف: إذا بحثنا في مسارح العالم سنجد أن النص المسرحي هو أول المفردات التي يجب أن نبحث عنها، فإذا بحثنا في المسرح الإغريقي سنبحث عن النص، وكذلك في مسرح شكسبير سنبحث أيضا عن النص، فإذا فقدنا النص المسرحي فقدنا العملية المسرحية.

وعن وجود المؤلف المصري قال السلاموني: النصوص موجودة وهناك تراث مسرحي كبير، وإذا افترضنا وجود أزمة، فلماذا لا تقدم نصوص توفيق الحكيم ونعمان عاشور وعبد الرحمن الشرقاوي وميخائيل رومان وغيرهم من كتاب فترة الستينات، هناك أيضا كتاب معاصرون، ولكن يتم تجاهل نصوصهم، وقد كان لي عدة تجارب مريرة مع مديري المسارح.

وعن فكرة اكتشاف موهوبين في التأليف قال السلاموني: هناك عدة مسابقات، فأنا أقوم بالتحكيم منذ خمس سنوات في مسابقة إبداع، وهناك كم كبير من المؤلفين، بالإضافة إلى مسابقة توفيق الحكيم للتأليف في المركز القومي، وسلسلة نصوص مسرحية التي يتولى رئاستها د. محمود نسيم، وسلسلة نصوص مسرحية التي تقدمها هيئة قصور الثقافة ويتولى رئاستها الناقد خالد رسلان.

لماذا لا يتم تقديم تلك النصوص؟

واختتم السلاموني حديثه بالإشارة إلى ظاهرة «المخرج المؤلف» الذي يقع اختياره على النص بما يتناسب وتقنيات المسرح وإمكانياته، وهي ظاهرة منتشرة منذ سنوات، وتسبب إحباطا كبيرا للمؤلفين من وجهة نظره.

المتميزون قلائل
فيما أشار المخرج عصام السيد إلى أن الأزمة الحقيقية تكمن في الجودة، وأن المتميزين في التأليف قلائل. أضاف: كثيرون يكتبون نصوصا. أضاف: المؤلفون أيضا لا يثقون في الجوائز الخاصة بالتأليف والمسابقات التي تختص بالتأليف، وهو ما يجعلهم يتقاعسون عن المشاركة، على سبيل المثال جائزة الدولة التشجيعية التي لم يهتم بها أحد منهم.

الاستسهال
وأثار المخرج المسرح ناصر عبد المنعم عدة نقاط، فقال: إذا رصدنا الكتاب الشباب في المرحلة العمرية من 20 وحتى سن 30، فسنجد أن هناك مؤشرا خطورة على مستقبل المسرح المصري، وعليه يجب إقامة مسابقات للتأليف المسرحي للشباب خصيصا. ثانيا: يجب الربط بين هذه المسابقات وبين الإنتاج المسرحي، عن طريق إقامة بروتوكولات تعاون بين البيت الفني والهيئة العامة لقصور الثقافة.

وتابع: المؤلف المصري في خطر، الساحة لا تطرح أعمالا قوية متماسكة، وأغلب الكتابات تقليدية، وهي مشكلة كبيرة يجب أن نفكر فيها، فهناك ضرورة تحتم إيجاد استراتيجية لخلق وتحفيز الكتاب المسرحيين الشباب.

واستطرد: الشق الآخر من الأمر هو استسهال بعض المخرجين وعدم التنقيب عن المؤلفين الجدد، بالإضافة إلى إعادة تدوير النص وإعادة إنتاجه في أكثر من موقع، لا بد على المخرجين أن يقرأوا بشكل أكبر، كما أن هناك ضرورة أن تقوم الهيئة العامة لقصور الثقافة بتحجيم تقديم النصوص الأجنبية.

وقالت الناقدة أمل ممدوح: ربما نحن بالفعل نعاني نوعا من الضعف في التأليف المسرحي، إلا ما ندر والأمر يكاد يكون حالة عامة في الإبداع أيضا، حيث الكثير يسعون «للعب في المضمون» ويخوضون في مناطق خاضها الغير بتغييرات طفيفة، ويقدمون شكلا وضعه الغير مع تغييرات طفيفة. وكل مستنسخ وإن أجاد فهو ضعيف ولا يضاهي الأصل.

وتابعت: نحن بحاجة للتمسك بالأصالة في الإبداع، بأن يخوض المبدع والمؤلف مناطق مختلفة أبعد أو أكثر عمقا ومن زوايا مختلفة حقيقية لا استعراضية. نابعة عن هم لا مهمومة بمجرد الحضور.

أضافت: الأمر له صلة بالناتج الإنساني مجتمعيا عموما، فالإحباط وعدم التحقق وضعف الخيال وعدم تحرر عقلية المبدع أو الخوف من ذلك وضعف القراءة والاطلاع والوعي بحقيقة العملية الفنية والدراما، كل هذه مشكلات يجب علينا مواجهتها لبناء مبدع حقيقي ومؤلف يسبق المجتمع خطوة.

عناصر العملية الإبداعية
واتفق الناقد طارق مرسي في أن هناك أزمة، ولكنه يرى أنها ليست فقط في عنصر التأليف المسرحي إنما في عناصر العملية المسرحية بأكملها، موضحا أن عنصر التأليف من العناصر الأساسية التي تؤثر على بقية عناصر العملية المسرحية.

وأضاف: المناخ الثقافي أيضا كان له دور في تفاقم تلك الأزمة وهو ما يؤثر على ظهور مبدعين.

وأشار مرسي إلى وجود الكثير من المبدعين في التأليف المسرحي على سبيل المثال المؤلف السكندري سامح عثمان الذي استطاع أن يقدم أشكالا ورؤى مختلفة للنصوص المسرحية وكسر المتعارف عليه في النص المسرحي وطرح أفكاره بشكل مغاير.

وأضاف: هناك جيل من المسرحيين السكندريين المبدعين قاده د. أيمن الخشاب.

وعن فكرة اكتشاف موهوبين استطرد قائلا: الأمر يقع على عاتق المؤسسات الثقافية التي من أهم أدوارها اكتشاف المبدعين ودعمهم كالثقافة الجماهيرية التي تغير دورها فأصبح دورا وظيفيا. تابع: كان للثقافة الجماهيرية دورا مهما وبارز في اكتشاف المبدعين من كتاب ومخرجين منذ جيل الستينات، بداية معظم رواد الثقافة الجماهيرية، على سبيل المثال الكاتب الكبير سعد الدين وهبة والفنان الكبير عبد الغفار عودة وغيرهم من المبدعين.

(عن مسرحنا)