يكتب الشاعر العراقي تراجيديا اليومي، إذ يتحول النهار الى عنوان قصير لمأساة تتكرر، لا أفق تفتحه الحياة أمام جحيم الحرب والويلات والتقتيل، لا أمل ينكتب أمام هذا الحس التراجيدي الذي أمسى الوطن عنوانه العريض، يأتي صوت الشاعر منكسرا يخط فقط بعضا من بقاياه.

أنا والموتُ والنهار

ليث الصندوق

 

لا بُدّ أني راحلٌ يوماً بقاطرة الظلام

لا بُدّ لي

من بعدِ ما نزفتْ جفوني الضوءَ عُمراً

أنْ أدفّ كطائرٍ أغوتْهُ ماساتُ الندى

أو أطفيءَ المصباحَ في سِرداب أسراري

وأسلِمَ كلّ أقفالي لسلطان المنام

قد لا يُتاحُ بأنْ أودّعَ من صديق

أو أنْ أدوّنَ في سجل الصمت رغباتي الأخيرة

فبلحظةٍ ستغوصُ نظراتي إلى قاع الظلام

ووراء أجفاني سيجمدُ ، ثمّ ينكسرُ البريق

وستمّحي أحبارُ ذاكرتي فتصبغ نهرَ عمري بالسواد

بينا تُجرّرُ بالحبال الشمسُ من عليائها جرّاً

لتُحبسَ في صناديق الرخام

**

أنا ساحبٌ لا بدّ نعشي من ورائي ذات يوم

وجميعُكم قبلي وبعدي تسحبون نعوشكم

ولربما قد نستعين ببعضنا

لنلمّ أعضاءً لنا- سقطت خلال الركض- في كيس العظام

والفجرُ بعد غيابنا

سيمصّ اصبعهُ ليلتمس الرحيق

أوّاهُ كم أخشى عليه

وعلى مآذنه التي أحجارُها وملاطها نورٌ

أن تنتهي ذبحاً ، وتأكلها السّوام

أو ربما يحيا شريداً

حالهُ كالقمل يعلقُ في سراويل الطريق

فينامُ مهموماً

وقد يضطرّ يقلعُ جفنهُ

كي لا ينام

**

ياليتها ما كانتِ الطرقاتُ

بل أقدامُنا كانتْ قوالبَ من حجار

ياليتها ارواحُنا

تعلو على الدنيا

وتُمطرُ فوقَ شُرفات الصباياكالغمام

مسدودة طُرقُ الخلاص

مسدودة من جانبيها في وجوه اللائذين

ما من سبيلٍ للفرار

سأسيرُ ملهوفاً إلى موتي

وآخذه بأحضاني

كأنا ما التقينا منذ أدمينا أصابعنا الشقيّة فيشِجار

ولسوف أبحث ماشياً خلف الصدى عن وجهه

فكأنّ دورةَ وجهِهِ نُسخٌتْ ملاييناًبمرآة الزحام

فإذا تباطأ في القدوم

سأفتحُ الأبوابَ

ثمّ أعلّقُ الفانوسَ في عنقي له

وبمعوليسأهدّ جدراناً أقامتها يعاسيبُ الغبار

ولربما بيديْ وإزميلي سأنحتهُ على حجر الهيام

لكنّ شَرْطي أن ألاقي في مقاهي الشمس موتي

ليكون ثالثنا برحلتيَ النهار

قُطُرٌ مُحملةٌ وأخرى فارغات

قُطُرٌ تروح ، وغيرها تأتي

وثلاثة : أنا والضحى والموتُ جئنا دون أمتعةٍ

وما زلنا وقوفاً في رصيف الإنتظار

**

لن ألتقي موتي وعيني مُغمضة

ما قيمة النزهات نقضيها نياماً

لِصْقَ نافذة القطار